سلحفاتان غالاباغوس في المقدمة, وعلى ما يبدو أنهما لا تباليا بوجود عدد من السياح الواقفين على بعد أقدام قليلة خلفهم. ويرتدي السياح مجموعة متنوعة من القبعات ونظارات الشمس، ويقوم أغلبهم بتصوير السلاحف باستخدام كاميرات رقمية.

 صورة للسياح وهم يشاهدون السلاحف في مركز أبحاث تشارلز داروين.

جهود المحافظة على السلاحف

أدت موجاتٌ عديدة من استغلال البشر للسلاحف كمصدرٍ للطعام إلى تراجع إجمالي عددها في البرية من ربع مليون[72] وقت اكتشافها في القرن السادس عشر إلى ثلاثة آلاف وستين سلحفاة كما ورد في إحصاء عام 1974، وقد أثمرت الجهود الحديثة للمحافظة على هذه الفصيلة عن ازدياد عدد السلاحف إلى 19,317 سلحفاة (بتقديرات 1995–2009).[88]

وفي القرن التاسع عشر، كانت سلالة سي إن نيغرا قد انقرضت عن بكرة أبيها نتيجة اصطياد البشر لها، وفي الرابع والعشرين من شهر يونيو لعام 2012، أصبحت سلالة سي إن أبيندجوني هي الأخرى منقرضة بموت آخر أفرادها في الأسر، وهو ذكرٌ عُرِفَ باسمِ “جورج الوحيد” وبلقبِ “أندر كائن حي في العالم”،[89] وتندرج جميع السلالات الناجية حاليًا على قائمة الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) تحت قسم الكائنات “المهددة بالانقراض” هذا إن لم يكن الوضع أسوأ من ذلك.

استغلال السلاحف تاريخيًا

يُقدر عدد السلاحف التي تم اصطيادها قبل القرن العشرين بحوالي مئتي ألف سلحفاة،[29] حيث كان يتم تجميع السلاحف المسالمة غير القادرة على الحركة وتخزينها على متن السفن كمصدرٍ ثمين للحصول على اللحم الطازج، حيث تستطيع العيش لمدة عامٍ على الأقل دون طعامٍ أو ماء (وترجح بعض الروايات أنها تستطيع النجاة لمدة عامين متتاليين[90])، كما كان البحارة يستخدمون بول السلاحف المخفف والمياه المُخزَّنة في أكياس أعناقها كمصدرٍ لمياه الشرب، وفي القرن السابع عشر، كتب القرصان والمستكشف وعالم الطبيعة الإنجليزي وليام دامبير أن هذه السلاحف “ضخمةٌ وسمينةٌ للغاية، كما أنها حلوة المذاق، وأشهى بكثيرٍ من الدجاج”،[91] في حين كتب القبطان جيمس كولنيت من البحرية البريطانية قائلاً “جميعنا يعتبر سلاحف الأرض أيًا كانت هيئتها أنها أشهى طعام أكلناه في حياتنا”،[92] ويقول القبطان ديفيد بورتر من البحرية الأمريكية “بعد أنْ تذوقنا لحم سلاحف غالاباغوس، أصبحت لحوم الحيوانات الأخرى دون المستوى في تقديرنا،… حيث يسهل هضم لحم هذا الحيوان، ويمكنك أن تأكل كمياتٍ كبيرةٍ منه بشكلٍ يفوق أي طعامٍ آخر دون الشعور بأقل قدر من التعب”،[65] إلا أن داروين كان أقل حماسةً إزاء اللحم، حيث كتب موضحًا “مذاق لحم الصدرِ المشويّ على الطريقة الإسبانية بطبقةِ الجلد عليه جيدٌ للغاية، كما أنَّ حساءَ صغارِ السلاحف لذيذٌ أيضًا، وبخلافِ ذلك اعتقد في تقديري أن لحمها عاديٌ للغاية”.[93]

خلال القرن السابع عشر، بدأ القراصنة في استخدام جزر غالاباغوس كقاعدة لإعادة الإمداد، حيث يتزودون بالطعام والماء ويقومون بإصلاح سفنهم قبل الهجوم على المستعمرات الإسبانية الموجودة في قارة أمريكا الجنوبية، إلا أن هذا الأمر لم يشكل خطرًا على حياة السلاحف، وذلك لأن هذه الجزر كانت تقع بمنأى عن طرق الملاحة المزدحمة ولم تحتوِ إلا على عددٍ محدودٍ من الموارد الطبيعية القيمة، على هذا النحو، بقيت هذه الجزر بعيدةً عن سيطرة أية دولةٍ، لا يسكنها بشرٌ ولا تظهر على الخرائط، في حين أن سلاحف جزر المحيط الهندي كانت بالفعل تواجه خطر الانقراض بحلول القرن السابع عشر.[94]

في الفترة بين تسعينات القرن الثامن عشر وستينات القرن التاسع عشر، كانت سفن صيد الحيتان وصائدو حيوان الفقمة يقومون بتجميع السلاحف بأعدادٍ هائلة أكثر من القراصنة الذين سبقوهم،[95] حيث كانت السلاحف تُستخدَم كمصدرٍ للطعام وأيضًا “لزيت السلاحف” عالي الجودة منذ أواخر القرن التاسع عشر فصاعدًا وكبضاعةٍ مربحة في مستعمرات الإكوادور،[96] وقد بلغ عدد السلاحف الوارد في سجلات سفن صيد الحيتان في الفترة ما بين عام 1831 إلى عام 1868 أكثر من ثلاثة عشر ألفًا، في حين يُقدَّر عدد السلاحف التي تم اصطيادها قبل عام 1830 بمائة ألف سلحفاة،[90] وحيث كان من الأسهل جمع السلاحف المنتشرة حول المناطق الساحلية، ولهذا السبب كانت الإناث هي الأفراد الأكثر عرضةً للصيد خلال موسم التعشيش، وفي نهاية الأمر أحجم صائدو الحيتان عن تجميع السلاحف لسببين رئيسين، أولاً ندرة السلاحف التي لعبوا دورًا أساسيًا بها، وثانيًا منافسة النفط الخام لزيت السلاحف كمصدرٍ رخيصٍ للطاقة.[97]

وقد تسارع التراجع في عدد السلاحف مع إنشاء المستوطنات الأولى على الجزر في أوائل القرن التاسع عشر، مما أدى إلى زيادة عمليات الصيد غير المنظم من أجل الحصول على اللحم، وإزالة المساكن الطبيعية للحيوانات للتوسع في الزراعة بالإضافة إلى إدخال فصائل من ثدييات غريبة على الجزر،[30] حيث بدأت الخنازير البرية والكلاب والقطط والفئران السوداء في افتراس بيض السلاحف وصغارها، في حين قاسمتها الماعز والحمير في المراعي التي كانت تتغذى عليها، هذا بالإضافة إلى أنها كانت تدهس الأعشاش بأقدامها، ويعزو انقراض سلالة جزيرة فلوريانا في منتصف القرن التاسع عشر إلى عددٍ من الأسباب: أولاً، الضغوط المجمعة للصيد من أجل المستعمرات العقابية الموجودة على الجزر الصغيرة نسبيًا، ثانيًا، تحويل المرتفعات العشبية إلى أراضٍ زراعية ومزارع فاكهة، ثالثًا وأخيرًا، الثدييات البرية الدخيلة على الجزر.[98]

وفي الفترة ما بين عام 1888 إلى عام 1930، قامت البعثات العلمية بتجميع 661 سلحفاة، كما تسببت عمليات الصيد الجائر منذ عام 1990 في قتل أكثر من 120 سلحفاة أخرى، وحتى يومنا هذا لا يزال النشاط البشري يهدد حياة السلاحف مع التوسع السريع في مجال السياحة وزيادة حجم المستوطنات البشرية على جزر غالاباغوس.[99]

الجهود الحديثة للمحافظة على السلاحف

تندرج سلالات السلاحف الباقية على قائمة الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) في تصنيفات تتراوح بين نوع منقرض في البرية ومهدد بالانقراض، حيث إن معدلات النمو البطيئة وتأخر سن البلوغ بالإضافة إلى توطن الجزيرة تجعل السلاحف عرضةً لخطر الانقراض بدون مساعدة أنصار الحفاظ على البيئة،[48] لذلك أصبحت سلحفاة غالاباغوس العملاقة الفصيلة موضع العناية لجهود الحماية في جميع أنحاء جزر غالاباغوس.

الحماية القانونية

تُفرض الآن حماية مشددة على سلاحف غالاباغوس العملاقة حيث تندرج في الملحق الأول من اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية والمعروفة باسم (سايتس)،[23] ويتطلب التسجيل أن تكفل الدول الموقعة خضوع التجارة في أية أصنوفة ومنتجاتها للوائحٍ مشددة، وأن تحرم التجارة الدولية في الأصناف المهددة بالانقراض إذا كان الغرض منها تجاريًا في المقام الأول، في عام 1936، أعلنت حكومة دولة الإكوادور فرض الحماية القانونية على فصيلة السلاحف العملاقة، وفي عام 1959، قامت بمنح جميع المناطق غير المأهولة بالسكان في جزر غالاباغوس صفة حديقة وطنية[100] بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة تشارلز داروين، وفي عام 1970، تم حظر أسر أو إزالة أية فصيلة من الجزر (بما في ذلك السلاحف وبيضها)،[101] ومن أجل وقف الإتجار بالسلاحف نهائيًا، أصبح تصدير السلاحف خارج الإكوادور أمرًا غير قانونيّ سواء أكانت هذه السلاحف برية أم أسيرة وسواء أكان مصدرها من اليابسة أم من الجزر، وقد أدى حظر تصدير السلاحف إلى منع استيرادها تلقائيًا في الولايات المتحدة بموجب أحكام القانون العام رقم 91-135 (لسنة 1969)،[102] وفي عام 1971 أصدرت الإكوادور قرارًا بتجريم تخريب أو إزالة أو تحويل أو إزعاج أي كائن حي أو أية صخور أو أي أشياء طبيعية أخرى تقع ضمن حدود الحديقة الوطنية.[103]

التربية في الأسر

بدأت برامج التربية في الأسر وإطلاق الصراح في عام 1965، وقد نجحت في دفع سبع من أصل ثمان سلالات من منطقة خطر الانقراض إلى مستوياتٍ أقل خطورة، وتتم تربية صغار السلاحف في العديد من مراكز التربية المنتشرة في أنحاءٍ متفرقة من الجزر وذلك لتحسين معدلات النجاة بينها خلال مرحلة نموهم الأولى الضعيفة، ويتم تجميع البيض من مواقع التعشيش المهددة بالخطر، كما يتم الاحتفاظ بالصغار الخارجين من البيض في مراكز الأسر لمدة تتراوح من أربعة إلى خمسة أعوام حتى تصل إلى الحجم اللازم لضمان نجاتها لمرحلة البلوغ قبل إطلاق سراحها في بيئاتها الطبيعية.[70][88]

وتُعد أنواع سلاحف جزيرة إسبانيولا والمعروفة باسم (هودينسيس) المثال الأكثر نجاحًا لعمليات الإنقاذ تلك، حيث نجحت في الحفاظ على هذه السلالة من الانقراض شبه المؤكد، فقد كان كل ما تبقى من هذه النوع ثلاثة ذكور واثنتي عشرة أنثى متفرقة في جميع أنحاء الجزيرة بصورة تجعل التزاوج فيما بينها أمرًا صعبًا في البرية،[104] فتم تجميعهم وإرسالهم إلى مركز أبحاث تشارلز داروين في عام 1971 لكي يخضعوا لبرنامج تربية في الأسر،[105] وعلى مدار ثلاثة وثلاثين عامًا أنتجت هذه السلاحف الخمسة عشر أكثر من ألف ومائتين سلحفاة أخرى، تم فيما بعد إطلاق سراحها في جزرهم الأم، ومنذ ذلك الحين بدأت في التكاثر بصورةٍ طبيعية.[106][107]

إعادة إصلاح الجزر

تقوم دائرة حدائق غالاباغوس الوطنية باصطياد الضواري الوحشية التي تتغذى على السلاحف ومنافسيها بصورةٍ منتظمة، حيث تتم إبادة الماعز من على الجزر تمامًا بما في ذلك جزيرة بينتا عن طريق استخدام تقنية ماعز “يهوذا” المزودة بأطواقٍ لاسلكية لتحديد مواقع القطعان، حيث يقوم الرماة بقتل جميع الماعز في القطيع باستثناء ماعز “يهوذا”، الذي يقوم فيما بعد بالبحث عن قطيع آخر ليرجع الرماة بعد عدة أسابيع ويقوموا بقتل القطيع الذي انضمت إليه، وتكررت هذه العملية بشكلٍ دوري إلى أن تبقى ماعز “يهوذا” فقط الذي تم قتله في نهاية الأمر،[108] وتضمنت الإجراءات الأخرى عمليات إبادة الكلاب من جزيرة سانت كريستوبال، وإحاطة مواقع التعشيش بأسوارٍ لحمايتها ومنع وصول الخنازير البرية إليها.[70]

وثمة جهود تُبذل الآن لإعادة تعمير هذه الجزر التي سكنتها السلاحف فيما سبق من أجل استعادة نظمها البيئية إلى الحالة التي كانت عليها قبل وصول البشر إليها (إعادة إصلاح الجزر)، وتُعد السلاحف هي الفصيلة المميزة على هذه الجزر، حيث تقوم بدور مهندس النظام البيئي [108] الذي يساعد النباتات في عملية إنتثار البذور، حيث تقوم بدهس الأغصان ونحل الطبقات الصلدة من النباتات (مما يسمح للضوء باختراقها وبدء عملية الإنبات)، كما تقوم طيور مثل طائر صائد الذباب بالتحليق حول السلاحف لالتقاط الحشرات التي تعلق بأجسادها من الأشجار،[51] في مايو من عام 2010، تم إطلاق سراح تسع وثلاثين سلحفاة هجينة عاقر في جزيرة بينتا، وتُعد هذه السلاحف هي الأولى من نوعها التي تطأ أقدامها أرض الجزيرة بعد ترحيل “جورج الوحيد” منها منذ ثمان وثلاثين سنة في عام 1972،[109] وقد تم إطلاق سراح هذه السلاحف العقيمة لتجنب مشكلة التزاوج بين السلالات المختلفة والتهجين هذا إذا تم إطلاق سراح أي أفراد خصبة في المستقبل، ومع اكتشاف هجين حديث من سلالة أبيندجوني، ينبثق الأمل أن التركيبة الوراثية القريبة من السلاحف الأصلية التي سكنت جزيرة بينتا قد يتم إعادة إحياؤها من جديد وذلك عن طريق تحديد العينات الملائمة لهذه الجزيرة وإعادة توطينها،[46] وقد يتم استخدام هذا النهج من أجل “إعادة إعمار جزيرة فلوريانا بالسلاحف”؛ حيث اكتشف أن بعض السلاحف المأسورة تنحدر من سلالات أصلية منقرضة.[42]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.