لا يزال العلماء مختلفين حول العدد الدقيق لـسلالات سلاحف شيلونويديز نيغرا، ويقسمها البعض إلى خمس عشرة سلالة،[24] وحاليًا توجد عشرة سلالات فقط تعيش في البرية، حيث توجد سلالة واحدة على كل جزيرة من الجزر التالية: سانتياغو، وسانتا كروز، وسانت كريستوبال، وبينزون، وإسبانيولا، بينما توجد خمس سلالات على جزيرة إيزابيلا، على الرغم من وجود خلافٍ حول صحة هذا الرقم وهو مرجحٌ للنقصان، وحاليًا تُعد السلالة الحادية عشرة والمعروفة باسم أبينجدوني من جزيرة بينتا سلالة منقرضة، حيث كان يمثلها فردٌ واحد فقط أُطلِقَ عليه اسم جورج الوحيد، وتُوفِّيَ جورج في الرابع والعشرين من شهر يونيو لعام 2012، وقد أُجريت محاولاتٌ عدة لتزويجه من إناثٍ من سلالاتٍ أخرى، غير أن البيض الناتج عن هذا التزاوج لم يفقس قط، ويُعتقد أن السلالة التي كانت تسكن جزيرة فلوريانا (سي. إن.  نيغرا) تم اصطيادها حتى انقرضت تمامًا بحلول عام 1850 ميلاديًا،[25][26] وذلك بعد خمسة عشر عامًا من زيارة تشارلز داروين للجزيرة عام 1835، حيث لم يرَ أية سلحفاة حية هناك وإنما فقط بعض الدرق،[27] وهناك جدلٌ حول وجود سلالة فانتاستيكا (phantastica) التي تقطن جزيرة فرناندينيا؛ حيث تم وصفها استنادًا على عينة واحدة قد تكون دخيلة على الجزيرة وليست من حيواناتها الأصلية.[28][29][30]

قبل انتشار المعرفة عن الفروق بين السلالات المتباينة في الجزر والبراكين المختلفة (أحيانًا تُسمَّى أعراق)، كان يتم خلط المجموعات التي يتم أسرها بشكلٍ عشوائي في حدائق الحيوان، وقد أدى التزاوج بين السلالات الحيوانية المختلفة إلى ظهور أنسالٍ خصبة، إلا أن التزاوج بين السلالات المختلفة للسلاحف أدى إلى إنتاج سلالات أقل خصوبة وأقصر عمرًا من تلك التي تنتج عن التزاوج بين سلاحف السلالة الواحدة،[31][32] كما أن السلاحف في القطعان المختلطة عادةً ما تتودد إلى أفرادٍ من سلالتها الخاصة.[32]

لا يوافق الجميع على الأسماء العلمية التي تُطلق على السلالات المختلفة،[29][33] في حين يعتبر بعضُ الباحثين أن كل سلالة تُعد فصيلة مستقلة بذاتها،[34][35] حيت لم يتم الاستقرار بصورة كاملة حول الوضع التصنيفي للسلالات المختلفة.[36]

تاريخ التطور

تطورت جميع سلالات سلاحف غالاباغوس من سلالة أم واحدة وصلت من يابسة قارة أمريكا الجنوبية عن طريق الانتشار فوق سطح المياه، وكانت السلالة الأم الصغرى أنثى حامل أو زوجين من السلاحف،[10] وتستطيع السلاحف أنْ تقطع رحلة بحرية في المحيط تمتد لمسافة ألف كيلومتر نظرًا لقدرتها على الطفو فوق الماء، حيث تتنفس عن طريق مد رقبتها فوق سطح الماء، بالإضافة إلى قدرتها على العيش لمدة شهور دون طعام أو ماء،[20] ونظرًا لأن السلاحف ليست ماهرة في السباحة، من المحتمل أنَّ هذه الرحلة البحرية كانت لا إرادية تسبب فيها تيار هومبولت والمعروف أيضًا بتيار بيرو الذي ينحرف غربًا من اليابسة الرئيسية لقارة أمريكا الجنوبية باتجاه جزر غالاباغوس،[24] ويُعْتَقَد أن السلالة الأم لجنس شيلونويديز قد هاجرت بالطريقة نفسها من شواطئ أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية خلال حقبة الأوليجوسين.[20]

وتُعد فصيلة السلحفاة الأرجنتينية والمعروفة بالاسم العلمي (شيلونويديز تشيلينسيس) (Chelonoidis chilensis) هي أقرب فصيلة حية لسلاحف غالاباغوس العملاقة على الرغم من أن الصلة بين الفصيلتين غير مباشرة، وهي عبارة عن فصيلة أصغر حجمًا تسكن أمريكا الجنوبية، ومن المحتمل أن هذا التباين بين فصيلتي سي تشيلينسيس وسي نيغرا قد حدث منذ ما بين ستة إلى اثنى عشر مليون عام، وهو حدث تطوري سبق التشكيل البركاني لجزر غالاباغوس الحديثة الذي وقع منذ خمسة ملايين عام،[37] حيث يوضح تحليل الـحمض نووي للمتقدرات أن السلاحف استعمرت أولاً أقدم هذه الجزر (وهما جزيرتي إسبانيولا وسانت كريستوبال)، ثم امتدت هذه السلالات بعد ذلك إلى الجزر الأحدث عهدًا عن طريق الانتشار على شكل أحجار بارزة في المياه باستخدام التيارات المائية المحلية،[38][39] وفيما بعد تسبب انسياب المورثات المحدود بين الجزر المنعزلة في تطور كل سلالة بصورةٍ مستقلة إلى الأشكال المتباينة للسلالات الحديثة، وتتشابه هذه العلاقات التطورية بين السلالات مع التاريخ البركاني لجزر غالاباغوس.[10]

أصول السلالات

صورة لسلحفاة غالاباغوس من سلالة (شيلونويديز نيغرا بورتيري) (Chelonoidis nigra porteri) وهي تتغذى على جزيرة سانتا كروز

وقد كشفت تحليلات الحمض النووي (DNA) عن معلومات جديدة حول العلاقات بين سلالات سلاحف غالاباغوس:

جزيرة إيزابيلا

تُعد الأنواع الخمسة التي تعيش على جزيرة إيزابيلا، أكبر جزر أرخبيل غالاباغوس، هي الأكثر جدلاً على الإطلاق، وذلك من حيث كونها سلالاتٍ حقيقية لسلاحف غالاباغوس أو أنواعٍ مستقلة، ويقر الكثيرون أن نوع السلاحف التي تعيش على بركان “وولف” في أقصى شمال الجزيرة مستقل وراثيًا عن الأنواع الأربعة الموجودة في جنوبها وبالتالي تُعد سلالة منفصلة،[10] ويُعتقد أنها انحدرت عن أنواع تختلف عن الأربعة الأُخر، فعلى ما يبدو أن أنواع من جزيرة سانتياغو قد استوطنت هذا الجزء من جزيرة إيزابيلا مؤديةً إلى ظهور سلالة بركان وولف المعروفة بالاسم العلمي (سي إن بيكي) (C. n. becki)، في حين يُعتقَد أن الأنواع الجنوبية الأربعة انحدرت من أنواعٍ أتت من جزيرة سانتا كروز الجنوبية،[10] ويُعتقَد أيضًا أن سلاحف جزيرة سانتا كروز استوطنت أولاً بركان “سييرا نيغرا” أو “الجبال السوداء” وهو أول بركان تشكل على جزيرة إيزابيلا، بعد ذلك انتشرت السلاحف شمالاً باتجاه البركانين حديثي المنشأ، الأمر الذي أدى إلى ظهور نوع بركان ألسيدو ثم نوع بركان داروين، وتوضح نتائج وراثية حديثة أن هذين النوعين مختلفان وراثيًا عن بعضهما البعض وأيضًا عن النوع الذي يعيش على سييرا نيغرا والمعروف بالاسم العلمي (س إن غونتري) (C. n. guentheri)، وكوّن هذان النوعان بدورهما سلالتي سي إن فاندنبرغي (C. n. vandenburghi) ببركان ألسيدو وسي إن ميكروفيس (C. n. microphyes) ببركان داروين،[40] ويُعتقد أن النوع الخامس الموجود على البركان الواقع أقصى جنوب الجزيرة والمعروف بالاسم العلمي (سي إن فيسينا) (C. n. vicina) قد انحدر حديثًا عن النوع الموجود ببركان سييرا نيغرا وبالتالي ليس مختلفًا وراثيًا عنه على عكس النوعين الآخرين،[40] وتُعد جزيرة إيزابيلا الجزيرة الأحدث في أرخبيل غالاباغوس من حيث التكوين، لذلك فإن أنواع السلاحف التي تسكنها كان وقت تطورها أقصر من وقت تطور تلك الأنواع الموجودة على الجزر الأخرى، ولكن وفقًا لبعض الباحثين تُعد هذه الأنواع مختلفة وراثيًا ويجب أن تُعتبر سلالات منفصلة.[40]

جزيرة فلوريانا

قد تساعد تحليلات النشوء والتطور في “إعادة إحياء” سلالة سلاحف (نيغرا) المنقرضة في جزيرة فلوريانا، وهي سلالة تم التعرف عليها فقط عن طريق بقايا الحفريات،[26] وقد وجد أن سلاحف جزيرة إيزابيلا مماثلة جزئيًا للتشكيل الجيني أو الوراثي لعينات جزيرة فلوريانا المأخوذة من مقتنيات المتحف، الأمر الذي يشير إلى احتمالية وجود هجائن من نوعٍ قام البشر بنقله من جزيرة فلوريانا إلى جزيرة إيزابيلا،[35] حيث قاموا بنقل هذه السلاحف عن قصدٍ بين الجزر[41] أو قاموا بإلقائها من على سطح السفن لتخفيف الحمولة، وقد تم تحديد تسعٍ من ذريات السلاحف المنحدرة من جزيرة فلوريانا في الأنواع المأسورة في مركز (فاوستو يرينا) على جزيرة سانتا كروز، وتم تعريف البصمة الوراثية لها وتبين من المجين الوراثي أنها ذريات هجينة، الأمر الذي يسمح باحتمالية إعادة إنشاء السلالات عن طريق استيلاد انتقائي من الحيوانات الهجينة،[42] علاوة على ذلك، من المحتمل وجود حيوانات حية من هذه السلالات، وقد وجد التحليل الوراثي لعينة من سلاحف بركان وولف أربعةً وثمانين جيلاً من هجائن سلاحف نيغرا يقل عمرُ بعضها عن خمسة عشر عامًا، حيث يُقدَر أن التنوع الوراثي لهذه الحيوانات قد تطلب ثمانية وثلاثين أبًا من سلالة نيغرا، ومن المحتمل أن يكون العديد من أولئك الآباء ما زال على قيد الحياة بجزيرة إيزابيلا.[43]

جزيرة بينتا

شيلونويديز نيغرا أبيندجوني صورة للسلحفاة جورج الوحيد في مركز أبحاث تشارلز داروين, عام 2006.

تم اكتشاف أن سلالة سلاحف جزيرة بينتا والمعروفة باسم (أبيندجوني)، وهي حاليًا سلالة منقرضة، تتصل بشكلٍ قريب جدًا إلى سلالتي (تشاتامينسيس) (chathamensis) و(هودينسيس) (hoodensis) الموجودتين على جزيرتي سانت كريستوبال وإسبانيولا على التوالي، وتقع هاتان الجزيرتان على بعد ثلاثمائة كيلومتر (190 ميل) من جزيرة بينتا،[10] كما اتضح أن صلة قرابتها بهذه السلالات أقرب من صلتها بتلك الأنواع الموجودة على جزيرة إيزابيلا المجاورة وذلك على عكس الاعتقاد السابق، وقد نتجت صلة القرابة هذه نتيجة التيار المحلي القوي القادم من جزيرة سانت كريستوبال باتجاه جزيرة بينتا،[44] وقد أفاد هذا الاكتشاف محاولات الحفاظ على نسل سلالة أبيندجوني وأيضًا في البحث عن زوجة مناسبة للسلحفاة جورج الوحيد الذي كان قد تم جمعه بإناثٍ من جزيرة إيزابيلا،[45] حيث ازداد الأمل بعد اكتشاف ذكر هجين من سلالة أبيندجوني يعيش ضمن نوع سلاحف بركان وولف شمال جزيرة إيزابيلا، مما يثير احتمال وجود المزيد من الذريات الحية لجزيرة بينتا لم يتم اكتشافها بعد.[46]

جزيرة سانتا كروز؛ تشير دراسات الحمض النووي الميتوكوندري لسلاحف جزيرة سانتا كروز إلى وجود ثلاثة أنسال مختلفة وراثيًا في توزيعات القطعان غير المتداخلة قبالة مناطق سيرّو منتوترّا وسيرّو فاتال ولاكاسيتا،[47] وعلى الرغم من أن هذه الأنسال الثلاثة حاليًا تندرج تحت سلالة واحدة هي (بورتيري)، إلا أنها أقرب وراثيًا إلى السلاحف الموجودة على الجزر الأخرى منها إلى بعضها البعض:[48] حيث إن سلاحف منطقة سيرّو منتوترّا أكثر صلةً إلى سلالة دنكانينسيس (duncanensis) من جزيرة بينزون، في حين تتصل سلاحف سيرّو فاتال بسلالة تشاتامينسيس من جزيرة سانت كريستوبال، كما تتصل سلاحف منطقة لاكاسيتا بالسلالات الأربعة الجنوبية لجزيرة إيزابيلا.[49]

سلالات مشكوك في وجودها؛ تم وصف سلالات توجد بثلاث جزر أخرى إلا أن وجودها مبني على أدلة ضعيفة، حيث تم وصف السلالة المزعومة لـجزيرة رابيدا والمعروفة بالاسم العلمي (والاتشي) (wallacei) من عينة واحدة فقط قامت أكاديمية كاليفورنيا للعلوم بجمعها في عام 1906،[50] وفُقِدَت منذ ذلك الحين، ومن المحتمل أن هذه العينة هي سلحفاة دخيلة على جزيرة رابيدا ظلت حبيسة عليها بالقرب من مرسى جيد، حيث لا تشير السجلات المعاصرة لعمليات الإبحار وصيد الحيتان إلى أية عمليات لنقل السلاحف من على هذه الجزيرة،[30] كذلك فإن سلالة فانتاستيكا تم التعرف عليها من عينة واحدة فقط — بالإضافة إلى ذكرٍ عجوز تم التقاطه خلال رحلة عام 1906 البحرية،[50] ولم يتم إيجاد أية سلاحف أو بقايا لها على الجزيرة، الأمر الذي يُرجح أن هذه العينة هي سلحفاة دخيلة على الجزيرة من مكانٍ آخر.[29][30][41] لم يقم البشر أية مستعمرات على جزيرة فرناندينا ولم تستوطنها أية من الثدييات الوحشية، لذلك في حال وجود مثل هذه السلالة فمن الضروري أن انقراضها يرجع إلى أسبابٍ طبيعية مثل النشاطات البركانية،[29] ولا يوجد اسم علمي لسلالة “سانتا فيه”، وقد تم وصفها من خلال عددٍ محدود من الأدلة وُجِدَت على الجزيرة عام 1906 مثل فتات عظام لأربع عشرة سلحفاة (من غير الدرق والتي تعد الجزء الأكثر صلابةً)، وبعض البيض والروث القديم،[50] ولم يسكن البشر هذه الجزيرة كما لم يتم إدخال أي حيواناتٍ مفترسة إليها،[41] ويُعتقد أن هذه البقايا ترجع لسلاحفٍ دخيلة على الجزيرة،[29] حيث من المحتمل أن هذه السلاحف كانت تعسكر في مجموعاتٍ عند المرسى الجيد على شواطئ الجزيرة.[41]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.