الروائيتان شهلا العجيلي وفتحية النمر والباحث رسول محمد رسول في ندوة النقد والإبداع

كتاب ونقاد عرب: الناقد ليس أبا للكاتب

  • كثيرة هي الفعاليات الثقافية والندوات والمتنوعة في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ35، لكن ما نلمسه من خلال أبرز هذه الفعاليات هو روح النقد والتحرر التي يسعى من خلالها المعرض إلى خلق فضاء خلّاق للنقاش وإثارة القضايا الأدبية والفكرية والثقافية المختلفة لتحقيق الأفضل ومواكبة العصر والتطلعات.

العرب محمد الحمامصي

يقدم معرض الشارقة الدولي للكتاب ضمن دورته الـ35 الجارية حاليا وفي إطار فعالياته الثقافية عددا من الندوات المهمّة والتي تناقش قضايا أدبية حساسة وشائكة بكل حرية وجرأة، حيث لم تقتصر هذه الندوات المقدمة على تقديم معلومات أو أفكار، بل سعت أكثر إلى ترسيخ النقاش الثقافي والتفاعلي في مناخ نقدي يسعى إلى بحث أهم القضايا الأدبية والثقافية الراهنة لتطوير المشهد الإبداعي في جو من التواصل والتكامل، لذا يبقى النقد والحوار السمتين البارزتين لتحقيق مشهد ثقافي متجدد ومواكب للعصر.

النقد والإبداع

أثار المعرض في دورته الحالية قضية الأدب الإماراتي وعلاقته بالنقد، من خلال ندوة ثقافية بعنوان “النقد والإبداع”، التي شارك فيها كل من رسول محمد رسول وشهلا العجيلي، بإدارة الروائية فتحية النمر. وقد أكدت هذه الندوة أن هناك فجوة بين النقد والرواية في الأدب الإماراتي، وأن منطلق هذه الفجوة يعود إلى أن الكثير من الأدباء الذين لا يتابعون الساحة النقدية التي تتناول إنتاجهم الإبداعي بالتفسير والتحليل، فيما ألقى أدباء آخرون باللائمة على النقاد لأن الكثير منهم لا يكتبون للنقد وإنما لمجرد إبراز الثغرات وإثبات قوة إمكاناتهم النقدية.

المعرض نظم عدة ندوات اعتنت بأدب الطفل والناشئة وناقشت كيفية مخاطبة الجيل الجديد من الأطفال واليافعين

وجاء هذا النقاش في سبيل الوصول إلى حالة تكاملية بين الروائي والناقد، أملا في بلوغ الأعمال الروائية الإماراتية إلى أعلى مستوى ممكن من الإبداع. ومن جانبه بيّن رسول محمد رسول، أن الناقد ليس ذيلا بشريا للمؤلف أو ناقدا ذيليّا يقوم بإعادة قراءة الرواية وإنتاجها من جديد وفق عملية مجاملة لا تخدم الناقد ولا الروائي ولا العمل الأدبي، كما أن الناقد ليس أبا للروائي يملي عليه ما يريد بل هما في مركب واحد وهو مركب الإبداع.

وبدورها استعرضت شهلا العجيلي مسيرة النقد وأسسه، مبيّنة أن السلطة النقدية موجودة في الأساس وحاضرة في ذهنية الراوي لإنتاج عمله الإبداعي الذي يولد أصلا لنقد الظواهر المحيطة وصولا إلى إيجاد الحلول وتقديمها، مبيّنة أن لغة النقد لا بد أن تكون علمية لا جارحة، وليست قولا موجها للنص دائما وإنما استشرافية. ورأت الروائية فتحية النمر أن النقد الحقيقي يسهم في ارتقاء الأدب وتطوره، مؤكدة أنه إن كان هناك إبداع حقيقي يعني أنه يوجد نقد حقيقي، داعية النقاد إلى تحقيق روابط حقيقية مع الكتاب تقوم على التواصل والتعاون.

كما عقدت بقاعة ملتقى الأدب ندوة حملت عنوان “ما الذي أريد بلوغه من عملي ككاتب؟”، بمشاركة الكاتبة الإماراتية مريم الغافلي، والكاتبة الأميركية سيستر سولجاه، والأكاديمي الفلسطيني صالح أبوإصبع وأدارها محمد ولد سالم. واستغلت مريم الغافلي هذه الفرصة للحديث عن تجربتها الأدبية، مبيّنة أنها اتخذت من الإمارات مادة لموضوعاتها القصصية التي تناولت التاريخ والبيئة والطبيعة والتقاليد، فيما أوضحت الأميركية سولجاه أن الكتابة هي انتقال من روح إلى روح وعلى الكاتب أن يجعل النص رسالة تغذي الروح ولا تهملها، ورأى أبوإصبع أن الكتابة يجب أن تعكس الوطن والحرية والديمقراطية والعدالة.

ومن جانبها قدمت الباحثة الإماراتية عبير الحوسني كتابها “المنازع الشعرية في منهاج البلغاء للقرطاجني” الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ووقعت نسخته الأولى ضمن فعاليات ركن التواقيع بمعرض الشارقة، ويعالج الكتاب منهاج حازم القرطاجني في مؤلفه “منهاج البلغاء وسراج الأدباء” الذي تناول فيه القول وأجزاءه، والأداء وطرقه، وأثر الكلام في السامعين.

وقد رأت المؤلفة أن اهتمام القرطاجني بقضية المنازع بين الشعراء لم يكن له صدى في الدراسات النقدية على الرغم من أهمية القضية. وسعت الحسوني في الكتاب إلى بلورة كل ما يتعلق بهذه القضية النقدية “المنازع الشعرية” سواء من جانب المؤلف أو المتلقي وإعادة تنظيم المادة المتعلقة بالمنازع الشعرية وإخراجها أكثر دلالة ووضوحا.

وأوضحت الحسوني أهمية الدور الذي يشغله الشعر في توجيه الحياة بوصفه عملية مقصودة ناتجة عن وعي وإدراك من قبل الشاعر بأهمية ما ينتجه، وأكدت أن هناك علاقة بين المنازع الشعرية والمحاكاة والتخييل كعنصرين أساسيين. وخلصت الباحثة إلى أن الحقول التي انتقاها القرطاجني وتضافرت في ما بينها لبناء أقسام المنهاج هي “الألفاظ، والمعاني، والنظم، والأسلوب”.

جوائز وناشئة

وضمن فعاليات المعرض استضاف ملتقى الأدب ثلاثة كتاب ممّن حصلوا على جوائز أدبية، ويمثلون تجارب روائية عربية مختلفة، وذلك خلال ندوة حوارية تناولت قدرة الجوائز على تحقيق الحضور والشهرة للكاتب العربي، وما يمكن أن تحدثه من تغيير في أساليب العمل الإبداعي، شارك فيها كل من الروائي الفلسطيني الحاصل على جائزة البوكر العربية للعام 2016 ربيع المدهون والروائيين المرشحين ضمن القائمة القصيرة للبوكر، اللبناني جورج يرق، والمصري محمد ربيع.

وتركزت الندوة التي حملت عنوان “الجوائز الأدبية هل تصنع نجوما؟” حول النقد الذي لاقاه الكتاب بعد حصولهم على جوائز وما يقابله من احتفاء إعلامي وترجمة واستضافات في المحافل الثقافية العربية، وفي هذا الإطار قال المدهون “إن النقد في المشهد الإبداعي العربي يشبه الواقع السياسي بكل انقساماته وتياراته ومحمولاته الأيديولوجية على عكس ما يحدث في العالم الغربي”.

شهلا العجيلي استعرضت مسيرة النقد وأسسه، مبيّنة أن السلطة النقدية موجودة في الأساس وحاضرة في ذهنية الراوي لإنتاج عمله الإبداعي

واعتبر الكاتب محمد ربيع أن الحصول على الجوائز الأدبية يشكل إضافة لسيرة الكاتب ويحقق له حضورا يظهر في مستويات الإقبال على شراء الروايات والأعمال الإبداعية، مؤكدا أن الجائزة التي يحصل عليها الكاتب لا تعد إضافة شخصية بالنسبة إليه بقدر ما تهم العمل الإبداعي الفائز، خاصة وأن فوزها محكوم بذائقة لجنة التحكيم التي ربما يشكل تغييرها استثناء الكاتب من الجائزة تماما. ولفت إلى تجربة عدد من الروائيين الذين عانوا كثيرا بعد فوزهم خاصة في “البوكر العربية”.

وبدوره تحدث جورج يرق عن حجم الاحتفاء الذي لاقاه بعد ترشيح روايته ضمن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية، بقوله “أعترف بأنني لم أكن معتادا على النجومية، بوصفي كاتبا منعزلا، إلا أنني شعرت بأهمية الجائزة وأثرها من خلال حجم الدعوات التي بت أتلقاها وحجم المقابلات الصحافية والمقالات التي تكتب عن أعمالي، إضافة إلى القيمة المالية التي تهم الكاتب كثيرا في الوقت الذي لا يملك الكثير من الكتاب سوى أعمالهم للعيش”.

وإضافة إلى ذلك نظم المعرض عدة ندوات اعتنت بأدب الطفل والناشئة منها نذكر جلسة نقاشية بعنوان “راهن الكتابة لليافعين ومستقبلها”، بحضور كل من الكاتبة والروائية الإماراتية نورة النومان، والكاتبة الأميركية إيلين كالديكوت، أدارتها الإعلامية والشاعرة شيخة المطيري، وناقشت كيفية مخاطبة الجيل الجديد من الأطفال واليافعين.

وقالت إيلين كالديكوت، المختصة في الكتابة للأطفال واليافعين، “إن 35 بالمئة من مجمل الكتب التي تباع هي كتب للأطفال واليافعين، وهي نسبة كبيرة ومهمة تتطلب مراعاة الكثير من الأمور عند تأليف الكتب الموجهة لهذه الفئة، ومن بينها الاهتمام برؤيتهم للمجتمع المحيط بهم، واختيار المفردات والمصطلحات المنسجمة مع روح العصر، وألا تتناول فقط الطابع التعليمي أو إعطاء المعلومات والأوامر، بل يجب أن تتناسب مع رغبات هذا الجيل في القراءة”.

وقالت الكاتبة نورة النومان، مؤلفة رواية “أجوان” الفائزة بجائزة اتصالات لكتاب الطفل “يجب أن نشجع المؤلفين على الكتابة للفئة العمرية المتوسطة (من 8 إلى 12 عاما)، لأن هذه الفئة تفتقد للكثير من الكتب التي تناسبها”. وأكدت النومان أن الأدب هو طوق النجاة بالنسبة إلينا في الوطن العربي، فهو الوسيلة المثالية لتقريب الشعوب من بعضها البعض، وبالتالي يجب أن نشدد على دور الأهل في اختيار الكتب المناسبة لأبنائهم.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.