الإعلامي والمخرج نذير عقيل

كنا قد التقينا بالراحل نذير عقيل مع الفنان غسان دهبي قبل وفاته بمدة بسيطة

نقرأ عنه في جريدة الثورة
نذير عقيل… نصف قرن من العمل الإعلامي … أول من ابتدع البث المباشر في الإذاعات العربية … رفضت العمل مع حكم الانفصال

ثقافة
الاثنين 15/8/2005
احمد بوبس

نذير عقيل . . نجم من نجوم الاعلام في سورية, عرفناه معدا ومقدما للبرامج الاذاعية والتلفزيونية,

وهو أول من إبتدأ فترة البث المباشر الاذاعية في اذاعة دمشق, ومنه انتقلت الى الاذاعات العربية الاخرى. خمسون عاما امضاها نذير عقيل في العمل الاعلامي, ذاق فيها الحلو والمر. رفض التعاون مع الانفصال الاسود, فذهب الى القاهرة. ولم يعد منها الا بعد قيام الحركة التصحيحية.‏

‏ هذه المسيرة الاعلامية الحافلة,ستكون مادة الحوار مع الاعلامي الكبير نذير عقيل.‏

*استاذ نذير.. كيف كان دخولك عالم الاعلام?‏

** بدأت مسيرتي الاعلامية في الصحافة بحلب عملت في صحيفة التربية السياسية ومجلة السنابل ومجلة البريد السوري وكنت مراسلا لصحيفة الرأي العام الدمشقية التي كان صاحبها ورئيس تحريرها احمد عسة وبعد ذلك توليت مهمة مدير مكتب جريدة الوحدة, ابان الوحدة بين سورية ومصر. وكان رئيس تحريرها جلال فاروق الشريف.‏

ورئيس مجلس الادارة راتب الحسامي. وطلبوا مني المجيء الى دمشق , وعملت محررا رئيسيا فيها وكونت مع صميم الشريف ثنائيا صحفيا. كنا نجري ريبورتاجات مثيرة لاهتمام القارئ.‏

*والعمل الاذاعي كيف بدأته?‏

** خلال عملي في الصحافة بحلب, افتتحت عام 1954 اذاعة حلب. وكانت تبث فترة يومية عبر موجات اذاعة دمشق,وكنت ا قدم من اذاعة حلب برنامجين اسبوعيين. وبعد ان انتقلت الى دمشق, حاولت دخول اذاعة دمشق. فتم رفضي. وقال لي الامير يحيى الشهابي: (هناك من هو ضد دخولك الى الاذاعة..لا تعذب نفسك).‏

* والتلفزيون.. كيف بدأت عملك فيه ?‏

** بعد عدة اشهر على بدء البث التلفزيوني عام ,1960 اعلنوا عن مسابقة لانتقاء محررين للتلفزيون وتقدمت وكنت بين ثلاثة ناجحين. وفي الحقيقة يعود الفضل في ذلك للدكتور صباح قباني.‏

وهو رجل اعلامي كبير, حاول ان يستقطب كل العناصر الجيدة في الاعلام وعملت في دائرة الاخبار التي كان رئيسها اسعد كامل الياس وتعلمت منه اشياء كثيرة وكلفوني باعداد مجلة التلفزيون مع عادل ابو شنب ومحيي الدين القابسي كنا نتناوب على اعدادها اسبوعيا وكان بيننا تنافس شديد كان ذلك اواخر عام .1960‏

كما عملت في دائرة اسمها دائرة بحوث المستمعين في التلفزيون, وكلفوني بالاشراف عليها كنا نجري استقراءات لآراء المشاهدين, ماذا يحبون من البرامج.. وماذا لا يحبون .‏

*بعد قيام الانفصال الاسود.. ذهبت الى القاهرة ورفضت التعامل مع حكمه.. كيف كان سفرك الى مصر ?‏

** الانفصال كان بالنسبة لي جريمة, حطم حلما جميلا لنا. كنا نعيش مدا قوميا, وانتصارات جمال عبد الناصر, وكيف تخطى حدود مصر الى الوطن العربي, احسست انني اعمل في جو غير سليم. كنا ثلاثة أشخاص انا ونزار شرابي وفواز الشعار . وكنت وقتها اعد مجلة الجندي, وكان عبد الهادي البكار قد غادر الى مصر قبل عدة اشهر.‏

طرحت على نزار شرابي وفواز شعار فكرة الذهاب الى القاهرة. سألاني كيف قلت لهم: نذهب الى السفارة المصرية في بيروت. وبالفعل ذهبنا الى بيروت, بعد ان احرقنا سفننا بدمشق تماما.اغلقنا بيوتنا وهربنا بعد ذلك علمنا ان المخابرات خلعوا ابواب بيوتنا وعبثوا فيها .‏

في السفارة المصرية ببيروت رحبوا بنا. وطلبوا منا صورا لاعداد جوازات سفر لنا وفي اليوم التالي غادرنا الى القاهرة.‏

وبثت اذاعة القراءة نبأ وصولنا. واستقبلنا الدكتور عبد القادر حاتم وعرض علينا ان نعمل ما نشاء فعملت اولا مذيعا في اذاعة صوت العرب . وقدمت في التلفزيون برنامجا اسمه (عشرون سؤال) وبعد فترة احسست ان عمل المذيع ليس فيه ابداع, لأن المذيع مجرد قارئ فتحولت الى الاخراج واخرجت عدة مسلسلات اذاعية.‏

ويبدو انني لفت نظرهم كمخرج. كان يوجد كاتب سوري كبير هو ظافر الصابوني. سمع اعمالي دون ان يعرف انني سوري وكان يتعامل مع مخرج اسمه اسلام فارس. وكانت مسلسلاته تاريخية فطلب من احمد سعيد- مدير اذاعة صوت العرب- ان يتعاون معي. فقال له احمد سعيد انني من بلده حلب ومن ذاك اليوم, اصبحت اخرج جميع الاعمال الاذاعية التي يكتبها ظافر الصابوني وايضا كان عندي عدة برامج اذاعية منها ضيوف القاهرة, سهرة الأحد.‏

* نفس البرنامج تقدمه الآن عبر أثير اذاعة دمشق?‏

** نفسه بالضبط.. وعندما قدمت فكرته لاذاعة دمشق, قلت لهم انني قدمته لمدة خمس وثلاثين سنة في اذاعة صوت العرب. وكان عندي ايضا هناك برنامج ادب وادباء يكتبه ظافر الصابوني.‏

* مع قيام ثورة الثامن من آذار.. كان لك عودة اولى الى دمشق كيف تم ذلك ?‏

** قيادة الثورة طلبت مني العودة فحضرت, الى ان حدثت بعد اشهر قليلة حركة الثامن عشر من تموز, التي قام بها جاسم علوان وآخرون. ويبدو ان ا سمي ادرج خطأ ضمن المطلوب القبض عليهم واعدامهم. الخطأ جرى بيني وبين تيسير عقيل الموسيقي.‏

فخفت وهربت الى بيروت سيرا على الاقدام. في ميسلون في قرية اسمها المزرعة اوصلوني الى النائب اللبناني شبلي العريان, وبدوره اوصلني الى السفارة المصرية في بيروت, ورجعت الى القاهرة واستمريت فيها حتى ما بعد قيام الحركة التصحيحية بأشهر قليلة .‏

*الآن جاءت عودتك الثانية الى دمشق, واقامتك الدائمة فيها حتى الآن .. كيف كانت عودتك هذه?‏

** بعثت رسالة الى الرئيس الراحل حافظ الاسد, مع شخص . وتم ابلاغي بعد نحو شهر بدعوتي للعودة الى سورية,وعدت فورا.‏

في دمشق .. فكرت ان اعمل شيئا الفت به النظر. فذهبت الى منزل رئيس الوزراء آنذاك عبد الرحمن خليفاوي وانتظرته على باب منزله حتى خرج, وسلمته رسالة. وقلت له: اذا اقتنعت بما فيها اطلبني, واذا لم تقتنع مزقها, وفي نفس اليوم مساء طلبني.‏

-سألني :خيرا,‏

-قلت له : اذا اعطيتني ساعة في اذاعة دمشق, سأجعل كل الناس يستمعون اليها .‏

-قالي لي: تريد ان تأخذ ساعة في الاذاعة.‏

-اجبته: نعم‏

-رد علي: هل يوجد لوثة في عقلك.‏

-اجبته: لا‏

-قال لي : ربما معك انفصام بالشخصية. انا يأتيني اناس كثيرون من هذا النوع . ثم تابع: اتركني افكر .‏

بعد اسبوع اتصل رئيس الوزراء بالمدير العام للاذاعة والتلفزيون احمد قرنه : سأله :‏

-جاء لعندي شخص اسمه نذير عقيل.. هل تعرفه?‏

-اجابه: هذا من مخرجي صوت العرب, وكان يعمل في التلفزيون.‏

– فأردف رئيس الوزراء : أليس مجنونا?‏

-اجابه المدير العام : لا‏

واخبره رئيس الوزراء انني ذهبت اليه. وطلبت منه ساعة بث في اذاعة دمشق . فقال له احمد قرنة:انا موافق مئة بالمئة.‏

سألني احمد قرنة ماذا سأفعل بساعة البث? قلت له انني اريد ان اقوم ببث مباشر.. وبدأنا..‏

في الايام الاولى كنا نقول ( البث المباشر من اذاعة دمشق) , ثم(على الاثير).واخيرا (استديو 26). وعندما بدأنا البث في الايام الاولى كان رئىس الوزراء عبد الرحمن خليفاوي اول من هنأنا.‏

*اتذكر فترة البث المباشر جيدا وكنت من مستمعيها.‏

** في الواقع اصبحت فترة البث المباشر- وهي صباحية- مسموعة من الاطفال وحتى الكهول وانتقلت الفكرة الى الاذاعات العربية فذهبت الى ابو ظبي ودربت العاملين في اذاعتها على البث المباشر.‏

وايضا الكويت وقطر. نفذنا فترة بث مباشر. وعرضوا علي في الكويت ان يتعاقدوا معي مقابل مبلغ سبعة آلاف دينار في تلك الايام شهريا, فرفضت, لأن الحب المحاط به في بلدي ليس له ثمن .‏

*ايضا كان لك نشاط في التلفزيون واتذكر جيدا برنامج دائرة الضوء الذي لاقى نجاحا كبيرا.‏

** نعم.. ففي تلك الفترة جاءتني فكرة برنامج ( دائرة الضوء).‏

واستضفت فيه كبار المشاهير منهم عمر ابو ريشه, بدوي الجبل, نزار قباني, د. صباح قباني, الشاعر القروي, الرحابنة, ونجح البرنامج.‏

فكان الناس يتصبحون ببرنامج ( استديو 26) ويتمسون ببرنامج (دائرة الضوء) ولا تزال حلقاته موجودة, وتذاع فقرات منها في برنامج( من ذاكرة التلفزيون) الذي يعده صميم الشريف.‏

في مطلع الثمانينات نفذت سهرات رأس السنة للتلفزيون لعدة سنوات لكن اهتمامي الرئيسي انصب في الاذاعة,مع انني استطيع ان اعمل في التلفزيون مخرجا ومعدا ومذيعا, لأنني قمت بعدة دورات في القاهرة.‏

بعد ذلك سافرت الى الخليج , جاءني في احد الايام محمد فائق وزير الاعلام في مصر بعد الدكتور عبد القادر حاتم. وكان معه الاعلامي محمد عروق ثاني شخصية في اذاعة صوت العرب بعد احمد سعيد وكان الاثنان مستشارين لدى امير الشارقة.‏

ورشحاني عنده لأتولى مهام مراقب عام في تلفزيون دبي. وعملت هناك لمدة سنتين . لكنني اصبت بتضخم في القلب. فعدت الى دمشق, واجريت عملية صمام . واجراها لي الدكتور طلال فارس في مشفى المواساة.‏

وبعد شفائي. طلب مني الدكتور محمد سلمان وزير الاعلام السفر الى حلب لانشاء مركز تلفزيوني فيها. وفعلا انشأنا المركز.‏

-هل التقيت الرئىس الراحل جمال عبد الناصر خلال وجودك في القاهرة?‏

ثلاث مرات… او ل مرة بعد عشرين يوما من وصولنا انا ونزار وفواز الى القاهرة اول مرة. استدعانا فذهبنا اليه.عبد الناصر انسان بسيط, محب. فاجأني عندما سألني: ( ازي فواز الشقي?) . وفواز ابني. ومرة ثانية التقينا بالمصادفة.كنت ساكنا في المعادي. وخرجت مساء لأتمشى على كورنيش المعادي وفيه يتواجد باعة البطيخ الاحمر يبيعون البطيخ (بالحز) مثل باعة الصبارة عندنا .كنت جالسا عند احد الباعة اتناول حزا من البطيخ توقفت سيارة, نزل منها جمال عبد الناصر. القى التحية فقلت له : احترامي سيدي الرئيس. قال : ( هو انت), واخبرني انه جاء ليتمشى بعد ارهاق العمل . المرة الثالثة طلبنا هو, ليطمئن عن اخبارنا .‏

في الحقيقة عوملنا في مصر معاملة ممتازة.كما كانوا يعاملون النجوم مثل جلال معوض, سعد زغلول نصار, احمد سعيد..‏

عندما توفي الرئيس جمال عبد الناصر, جلست في بيتي شهرين. وعشت حالة حزن . ارسلت اولادي وزوجتي الى دمشق, ووقتها زارني فنان سوري حملته رسالة الى الرئيس الراحل حافظ الأسد. وبعد ايام جاءني طلب بالعودة الى دمشق وعدت .‏

*الان ماذا تقدم في اذاعة دمشق?‏

**انا الآن متفرغ للاخراج الاذاعي وتقديم البرامج.‏

*لديك الان سهرة الاحد, تستضيف فيها شخصيات ادبية وفنية..‏

** نعم انا من خلال هذا البرنامج انظم ارشيفا لأهل الفكر والادب والفن والثقافة .فالارشفة مهمة.‏

* هل تنوي اصدارها في كتاب?‏

** اتمنى ذلك.‏

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.