التصوير الضوئي

التصوير الضوئي بين تاريخه وتقنياته

الفنان محمود مكي

عرف الإنسان منذ القدم كيف يصور واقعه, وكانوا الفراعنة يخلدون ذكراهم برسوم على أورق البردي, والرومان يحفرون تاريخهم على الجدران, فالتصوير فن قديم يسعى إليه الإنسان لترجمة واقعه وتخليده أبداً ليكون صورة واضحة للأجيال التالية….

وبتقديم العلم وتطوره السريع خلال القرنين السابقين, أصبح التصوير فناً خاصاً قائماً بنفسه وذاته؛ يحاول به الإنسان تثبيت لحظاته في الحياة, ويحفظ ذكراهم ليعود إليها فيما بعد, كما حاول تطوير وسائل التصوير وتحسين تقنياته والوصول به إلى درجات الإبداع والابتكار, وخاصة عندما تبين لعلماء الفيزياء؛ أن الأشعة الضوئية لا تخرج من العين بل تتلقى العين الأشعة الضوئية من الجسم لتثير الإحساس بالرؤية في العين؛ كما قال: “أبو الحسن بن الهيثم”.

وتتالت بعدها الاكتشافات الجديدة حول طبيعة الرؤية والأشعة الضوئية, وقد كان آخرها نظرية الكم … كما تتالت تطورات علم الكيمياء التي ساعدت على إعطاء الصورة الفوتوغرافية رونقها و وضوحها ومقدار دقتها… وتعتبر الصورة الفوتوغرافية ناجحة عندما يتحقق لها قدراً كافياً من الضوء الساقط على الموضوع الذي يتم تصويره, الضوء الساقط مباشرة من مصدره, وان يكون التعريض للموضوع بحيث يحقق تباين الإضاءة بين مناطق النور والظلال …

بدأ التصوير الضوئي ( الفوتوغرافي) في عام /1727/ عندما أجرى ( شولز) تجاربه على مركبات الفضة للحصول على انطباع على الورق, وعندها عرف مقدار أهمية مركبات الفضة على تحسين كميات الضوء الساقط عليها …

وفي عام /1738/ استطاع (هيلموت) عمل حبر خاص يحوي على مركب الفضة يمكن وضعه على الورق ليجعله يسود في النهاية وبعد تعرضه للضوء المباشر …

وتابع العلماء إغناء كيمياء التصوير الضوئي بتطورات تتناسب مع الحقائق العلمية الجديدة التي تم اكتشافها خلال القرن السابع عشر, حيث استطاع (فوكس تالبوت) إيجاد محلول خاص يظهر الصورة الضوئية على الأسطح بحساسية عالية للضوء لتظهر الصورة بشكل واضح, وقد كان نجاحه مدهشاً عندما أعلنه عام /1841/ وبالتالي حصوله على صورة ضوئية سالبة (نيجاتيف) وبعدها تم طبع الصورة اليجابية (بوزيتيف), وقد تم فيما بعد إدخال التحسينات المناسبة على الصورة الفوتوغرافية من قبل العالم (ارشر) وفي عام /1870/ عرفت عجينة خاصة باسم (عجينة الفوتوغرافية) وعلى يد الدكتور (مادوكس), وفي عام /1861/ استطاع (ماكسويل) الحصول على الصورة الملونة لأول مرة في تاريخ التصوير الضوئي وبذلك دخل في تاريخ التصوير الضوئي حيث استطاع الفنان المصور أن يتلاعب في تقنيات الصورة لتعطي حالة مميزة من حالات الفن والإبداع فيه …

 


آلة التصوير الضوئي:

 

 

وهي عبارة عن علبة على شكل متوازي المستطيلات مغلقة ومظلمة لها فتحة خاصة تدعى العدسة التي يدخل من خلالها الضوء ليسقط على سطح الفلم الحساس, وبالمقابل توجد فتحة أخرى تدعى الفتحة العينية التي من خلالها يرى الأجسام التي يراد تصويرها.

تعتمد الكاميرا؛على مقدار الزمن لكمية الضوء الداخل إلى اللوح الحساس, وعلى مقدار المسافة بين العدسة والجسم المصور والذي يتناسب مع العدسة وخصائصها الصناعية, وهناك جهاز خاص يدعى المغلاق؛ وحركته تتحدد بالزمن الكافي لدخول كميات من الضوء على سطح الفلم.
ولإظهار الصورة نحتاج إلى ماكينة الطبع والتكبير؛ وهي تشبه إلى حد معين الكاميرا؛ ولكن وظيفتها تختلف عن وظيفة الكاميرا …

كما نحتاج لإظهار الصورة إلى مواد كيميائية خاصة تدعى )(مواد الإظهار) وهي عبارة عن أحماض كيميائية خاصة تعمل على تثبيت الصورة وإظهارها على اللوح الكرتوني بشكل لائق …

لقد تطورت أشكال الكاميرا على مر التاريخ تطوراً كبيراً وظهرت أجيال جديدة بتقنيات عالية وصلت إلى وجود أنواع عالية الجودة؛ مثل؛ الكاميرات الفورية والكاميرات الرقمية (الديجيتال) التي تميزت بمقدار دقتها العالية وقدرتها الفائقة ومهارتها في نقل الصورة الحية من الواقع كما هي تماماً,بالإضافة إلى ظهورها المباشر على شاشات سائلة تتفوق بألوانها الساطعة التي تثير البهجة والسرور…

كما أصبحت ليد المصور قدرات ومهارات هائلة على الإبداع والابتكار في صناعة الصورة واللعب في تكويناتها الشكلية واللونية حتى وصل بها إلى أصول الفن التشكيلي بحيث أصبحت الصورة الضوئية تعتبر لوحة تشكيلية لها خصائصها الفنية والتقنية العالية؛ كما ادخل على الصورة الفوتوغرافية عناصر ذات صفة فنية بحيث جعلت هذه الصورة ترتقي إلى المستويات الفنية العالية التي تمتلك جميع أنواع الإبداع والابتكار ….

وقد سجل المصورون عبر تاريخ التصوير الضوئي (الفوتوغرافي) مجموعة كبيرة من الصور من خلال حالات الحياة الاجتماعية والقومية والسياسية والشخصية؛ وأصبحت لها أهمية كبيرة في المعرفة وتوعية الأجيال لمعرفة التاريخ الحقيقي ومجريات الأمور الواقعية…

واليوم أصبحت تعتبر الصورة الضوئية في الحياة الثقافية من الفنون الراقية التي لها أهميتها فيها؛ لأنها تمثل بجدارة لوحة فنية لها أصولها الفنية والتقنية؛ وتمتلك قدرات هائلة على الإبداع والابتكار والتطور الفني الذي يواكب الحركات الفنية الأخرى ….

محمود مكي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.