الأرشفة والتوثيق والتصوير بعدسة : فريد ظفور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التراث المادي والتراث اللامادي بين مطرقة الماضي وسندان المستقبل..

وهي متابعة لمقالة التصوير والمحتوى الرقمي العربي التي طرحتها جائزة حمدان للتصوير وعقب عليها الكثير من المصورين..

– بقلم المصور : فريد ظفور

  • عندما نكون من مرتادي ومحبي الفن الضوئي فلا بد أن تتوضح أمام أعيننا مجموعة من الشذرات الفنية الجميلة..التي تستطيع أن تبدع وتكون مع  الذات وغيرها لحظة من صور ومواقف جميلة ..وذلك لايستقيم إلا بتضافر عناصر فنية عديدة للصورة ..منها التشكيل والتكوين والفكرة وإخراجها عبر البرامج المناسب لتكون بأبهى حلة أما م ناظري المتلقي..وكثيرون يقولون عن بعض الأعمال مستحيلة ولكنهم بعد التجريب  يكتشفون بأنهم بحاجة أكثر لمواصلة البحث والتنقيب والتجريب من جديد..

ما هي أهمية التراث .. إن من أهم صفات المعرفة هي التراكم..ويُعرّف التراث على أنّه كل ما تتلقفه الأجيال عن الأجيال التي تسبقها،وهو كما سباق التتابع ينتقل من عصا جيل إلى العصا الآخرى.. وهو كل ما ستورثه الأجيال إلى الأجيال من بعدها، فالإنسانية كلها لها تراث عريق بدأ منذ بداية البشرية إلى يومنا هذا الذي نعيش فيه في بلداننا..

والتراث ..هو خلاصة ما خلَفته أو(ورثته ) الأجيال السالفة للأجيال الحالية . التراث هو ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرةً من الماضي ونهجاً يستقي منه الأبناء الدروس ليَعبُروا بها من الحاضر إلى المستقبل. والتراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمان..

وقد صاغ الإنسان حياته عبر الأجيال وفق إحتياجاته وصنع مقومات وجوده تبعاً للظروف البيئية والطبيعية والإجتماعية..وتراثنا هو ماورثه الأجداد من مفاهيم وعادات وتقاليد وقيم أخلاقية ومباديء ومثل وأحكام وطقوس دينية وعبادات وعادات وتقاليد وفنون وموسيقى وأدب من شعر الزجل والعتابا والشروقي ..والفلكلور كلمة إنكليزية تعني حكمة الشعب ..وتكمن أهمية التراث بأنه تعبير الإنسان بذاته عن ذاته.. ودراسة التراث تعني محاولة الكشف عن ذات الإنسان من خلال صور ووسائل خلقه الفني الذي يبدعه..ولحظة الإبداع هي لحظة الشيوع والإنتشار والإكتمال والنمو ونلاحظ ذلك بمجال الإبداع التعبيري في الأدب وفنونه من شعر شعبي وأغنية وقصة غنائية أوحكاية مما تناقلته الجدات من أساطير قديمة..وما درسب في أشكال ممارسته الطقوسية من بقايا معتقدات وعادات وتقاليد..ومايردده من حكمة وما يمارسه من طقوس وسحر وخرافة وطب وعلاج شعبي.الخ

ونذكر بعضاً مما يتشكل تراثنا العربي..- معتقدات وتقاليد شعبية _ مزارات – سحر – طقوس – وأدب شعبي : شعر وقصص وأمثال شعبية – والفنون التطبقية كالأعمال اليدوية من خياطة وتطريز ونحت ورسم وتصوير وخط عربي..والموسيقى والرقص والدبكات..ومن تراث البادية والصحراء وتراث وعادات البحر والبحارة والغواصين..كما بوم  الملب الذي يعتبر أهم المعالم البحرية في الكويت ..وصناعة السفن في جزيرة أرواد السورية ..ومن حرف نسائية ورجالية..وفنون تشكيلية وطب شعبي وعادات وتقاليد لكل بلد وأدوات زينة شعبية والحلي الذهبي والفضي..والأزياء الشعبية..وعادات وتقاليد الأعراس ..وطقوس وعادات المطابخ في كل دولة..

وموضوعات التراث كثيرة في مجتمعاتنا العربية والغنية بجغرافيتها من السهل والجبل والصحراء والبادية والبحر ..وفي دول الخليج العربي بالسعودية وعمان وقطر والبحرين والكويت والإمارات وفي العراق وفي اليمن والصومال وفي بلاد الشام الإردن وفلسطين ولبنان وسورية.. ومصر والسودان وبلاد المغرب العربي.. في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والصحراءالكبرى..الكثير الكثير مما يستحق من المصورن تصوير وتوثيقه وأرشفته لرفد الثقافة الضوئية ونبع المعرفة الفوتوغرافية بأجمل الصور..

وكذلك التراث هو كل ما وصل إلى أمّة من الأمم وشعباً من الشعوب ممن سبقوهم من الأجداد القدامى، حيث يتضمن التراث الكتب، والأفكار، والمعتقدات والملابس، والأدوات المستعملة، والفنون، والآداب، والقيم، والأقوال المأثورة،، والمناسبات العامة، والاحتفالات، والحكايا، والرقص، والألعاب، والأبنية والعادات والتقاليد وغير هوتأتي أهمية التراث في المقام الأول بأنه هو الذي يعطي لشعب من الشعوب هويته الخاصة التي تميزه عن الشعوب الأخرى..

وندلف للقول بأن التراث الثقافي مصطلح واسع وشامل و يعرف على أنه الموروث غير المادي والخبرات التاريخية والمؤسسية السابقة، وقد تعود للتقاليد التراثية والشعبية الثقافية القديمة عند الشعوب..

والتراث يظهر ويصب حر في الجانب التعبيري الثقافي وفي الجانب المعاشي للشعوب والمجتمعات والأفراد سواء في كل العصور ، ويشمل التراث المعارف والإبداعات والإختراعات  والقيم  الأخلاقية والحضرية والثقافية وطبيعة العلاقات ما بين الأفراد المهتمين بالتراث الشعبي وبين المصنعين للتراث..

التراث غير المادي أي الثقافي له أشكال تعبيرية كثيرة كما التراث التقليدي، فقد تكون هذه الأشكال مجرد وثائق أو صور قديمة أو سجلات أو مسرحيات قديمة تاريخية واجتماعية هادفة لإبراز الهوية الثقافية لمجموعة أو مجتمع معيّن وليس الهدف منها فقط الكسب المادي ..بل يكون بعيداً عن شئ أخر غير المال، وقد تكون الثقافة مجموعة من المهارات والمهن اليدوية القديمة وأدوات عملهم وكذلك أساليب إرسال معرفية وتعليم تقليدية، وقد تكون اللغة والقصص والشعر والروايات والحكايات والرياضات والألعاب الفلكلورية الشعبية هي التراث الثقافي لبعض الشعوب والجماعات، أو قد تكون الأبنية والقرى والمنازل ومجالات الإعمار والمناظر الهندسية والعمرانية والزراعية الخلابة، أو الحرف كبناء الحجر وإستخدام الطوب والسيراميك والخشب والحديد والبلاستيك ..

ويعتبر التراث الموثق أو الوثائقي .. مرآة كل شعوب العالم ويشكل الذاكرة للثقافة كلها، ولكي تتطوير الذاكرة الشعبية ممكن إتباع عدد من الطرق كالدورات والمؤتمرات والأبحاث وورش العمل والمتاحف والأندية والمنظمات الحكومية واللاحكومية..

بيد أن جميع أنواع التراث الثقافي هي نتاج من حياة وعلاقات البشر، فهي خبرات تنتقل من السلف إلى الخلف ، وهناك للتراث جانبان أساسيّان ( الجانب المعنوي، كالعلوم والأدب والقيم والعادات، والجانب المادي ويشتمل على أشياء ملموسة، كالآثار والمباني والمعابد والأديرة والكنائس والمساجد والجوامع والمزارع والفيلات.. )..

لأن التراث يشكل مجموع خبرات الإنسان بحياته الماضية والحاضرة ، وتنبثق هذه الخبرات من تجاربه مع الوسط والبيئته المُحيطة مع من هم بمحيطه من الأفراد والجماعات، ويرتبط التراث بماضي الإنسان ارتباطاً وثيقاً، كما يرتبط بالواقع المعاش وبالمستقبل، ويُعدّ التراث حجر الرحى أو الأساس الذي تقوم عليه ثقافة الأُمم في تاريخها وحاضرها..

وتأتي أهمية التراث بأنه يمنح كلّ شعبٍ هويته التي تميزه عن غيره من الشعوب، ويمنحها قيمتها الثقافية والاجتماعيّة والفنيّة والعلميّة والتربويّة، و يعتبر هو المكوّن الأساسي للحضارة جمعاء.. لكونه مجموعة متراكمة من الخبرات على مر العصور والأجيال..

وأيضاً يرتبط التراث بالصناعات والمهن اليدوية ، ومنه ما هو مرتبط بالمعتقدات والعادات والتقاليد وكثيرة هي المهن الموروثة بين العائلات والتي أخذت أسمائها منها..مثل بين النجار والحداد والسقا..والمعماري والحايك وأبو اللبن،الخ.. وينتقل التراث من الماضي إلى الحاضر بجميع أشكاله وأنواعه عن طريق اللغة والتعليم وأنظمة المُحاكاة الحديثة كاكمبيوتر والأنترنت ووسائل الإتصال الحديثة كمواقع التواصل الإجتماعي..وقد أضحت الصورة هي اللاعب الرئيس في ذلك الموروث…

وقد شجعت منظمة اليونسكو على حماية التراث الثقافيّ والطبيعيّ المادي واللامادي للأمم ؛ من خلال عقد اتفاقيّةٍ دوليّةٍ في عام 1972م والتي عُرفت باسم اتفاقيّة حماية التراث العالميّ الثقافيّ والطبيعيّ للأمم..وتكمن علاقة الإنسان الوطيدة بتراثه في أنّه المحدّد الأساسيّ لهويته، والرابط لحاضره بتاريخه وماضيه

وبذلك يُشكّل التراث مثالاً يُحتذى به؛ حيث يتطابق مع الحياة الاجتماعيّة في الماضي والحاضر ..لأنه يُشكّل معين الأمة و مرجعاً موثوقاً لا يقبل الجدل ولاالبحث و لا المناقشة، و بأنّه أقوى من الحاضر؛ فاستمرارية الأمة يُحقّقه التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل..

وندلف أخيراً للقول بأن التراث المادي واللامادي مسؤليتنا..جميعاً كأفراد ومؤسسات وحكومات وعلى الجميع تضافر القوى لوضع استرتيجية وأسس نستطيع من خلالها نشر ثقافة الصورة وتوجيه الشباب والشابات نحو الغاية من تجميع مخزون الأمة المتوارث عبر الصور القديمة وتصوير المعدات والوسائل القديمة والأزياء وأرشفتها وتبادلها مع الدول الأخرى لتعم الفائدة ويساهم شباب اليوم في بناء الغد الأفضل  ..فعصرنا عصر الإتصالات وعصر الصورة التي تحتل المرتبة الأولى في التأثير والتأثر بين الشعوب في العالم..فأين نحن من التواجد العربي في منظومة المحتوى الرقمي على الشبكة العنكبوتية..وهكذا نقع فريسة بين فكي الماضي والحاضر..وبين مطرقة ماضي عريق …وسندان مستقبل وتحديات عالمياً للثقافة والتوثيق والأرشفة وللصورة الفنية الضوئية والتشكيلية..فهل هذا يكون دافعاً لنا لنقدم ما في جعبتنا من مخزون ضوئي وطرحه على الشبكة العنكبوتية لتستفيد منه الإنسانية وليتسع مردودنا ووجودنا في المحتوى الرقمي العالمي..من هنا نطرح ونطالب القائمين على جائزة حمدان الغالية وعلى مثيلاتها ضرورة إعطاء التراث اللامادي والمادي حقه ضمن برامجها ..ونطرح إقتراح بأن تنشيء الجائزة بنك للصورة ..يساهم فيه كل المصورين والمصورات العرب من هواة ومحترفين ..ليكون كنزاً معرفياً ثقافياً للأجيال القادمة وللعالم أجمع..

 

ــــــــــــــــــــــــــ ملحق ــــــــــــــــــــــ

 https://www.facebook.com/saad.m.alhashmi

 التصوير والمحتوى الرقمي العربي‏‎Saad M. Al Hashmi‎‏

مقال هذا الأسبوع يفتح ملفاً شائكاً ومتداخلاً مع مسارات جميع المصورين .. التصوير والمحتوى الرقمي العربي .. تهمّنا آراؤكم ..

التصوير والمحتوى الرقمي العربي (الجزء الأول)

وفقاً للعديد من الدراسات والتقارير، فالمحتوى العربي على شبكة الإنترنت متراجعٌ بشكلٍ ملحوظ، حيث يبلغ عدد صفحات المحتوى العربي على الإنترنت قرابة 660 مليون صفحة فقط منذ إنشاء شبكة الإنترنت أي ما يعادل نسبة 0.89% من محتوى شبكة الإنترنت والتي يبلغ متوسط مجموعها ما يقارب 74.5 مليار صفحة!. ..

وقد شارك بمداخلة بعض الزملاء مشكورين .نذكر منهم ..الأساتذة ..محمد ضو- سعد الهاشمي – أديب العاني – يحيى مساد – مصطفى جنيدي- عبد الرحيم العرجان – علي فوزي – خاد أبو الدهب ..وغيرهم )

__________________________________

‏‎Saad M. Al Hashmi‎‏ 

‏20 سبتمبر‏، الساعة ‏02:00 م‏

التصوير والمحتوى الرقمي العربي (الجزء الثاني)

عمودنا السابق كان مدخلاً لتلمّس الطريق إلى نهضةٍ بالمحتوى الرقمي العربي من خلال بوابة الصورة (الثابتة والمتحركة)، وسنكمل هنا ما بدأناه، ومن باب التعريج على دور الصورة في عصرنا الحاضر نقول: إذا رجعنا إلى بداية بعض المطبوعات التي تجاوز عمرها القرن بقليل والتي اشتهرت منذ نشأتها بأنها تستخدم الصورة كجزء أساسي من المحتوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.