تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الفنَّانة اليونانيَّة #إيرين_ پاپاس..التي تمتلك صوتًا منسابًا ..كرحيقِ الفرحِ المنبعثِ من أعماقِ تجلِّياتِ الرُّوحِ ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
تمتلكُ الفنَّانة اليونانيَّة إيرين پاپاس صوتًا منسابًا

كرحيقِ الفرحِ المنبعثِ من أعماقِ تجلِّياتِ الرُّوحِ

إيرين پاپاس

(28)

 تمتلكُ الفنّانة اليونانيّة إيرين پاپاس صوتًا منسابًا كرحيقِ الفرحِ المنبعثِ من أعماقِ تجلِّياتِ الرّوحِ، يوقظُ صوتُها في أعماقي حنينَ الحبِّ والدِّفءِ إلى ربوعِ الطُّفولةِ والصِّبا والشَّبابِ، ويُنسيني ضجرَ اللَّيلِ وأوجاعَ النَّهارِ. يبدِّدُ حنانُ صوتِها المآسي الّتي رافقتني طويلًا عبر محطّاتِ انكساراتي المتتالية، أنا المعروف بتحدِّي انكساراتي وتحويلها إلى توهّجاتٍ إبداعيّة، وأنظرُ إلى فشلي بكلِّ تفرّعاته كينبوعِ فرحي وإبداعي. فيروز أغدقَتْ عليَّ عبر أغانيها بهجةً وسرورًا في كلِّ مراحل عمري، وخفَّفَتْ عنِّي الكثير من ضجرِ الحياةِ، وإيرين پاپاس منحتني غبطةَ الغبطاتِ، وجعلتني أتغلَّبُعلى هزائمي وأتطهَّرُ من شوائبِ هذا الزّمان، رافعًا رأسي نحوَ قممِ الجبال، غير آبهٍ بميزانيّة أغلى جواهرِ الكون. الكلمةُ الصّادقةُ أغلى جوهرة في الدُّنيا، الكتابةُ هي حضارةُ الحضاراتِ الَّتي نبني عليها آفاقَ الحلمِ القادمِ والأحلامِ الّتي لم تأتِ والّتي ستأتي بعد أجيالٍ وقرونٍ وبعدَ آلاف السّنين. الكتابةُ رصيدي الأبقى الّذي لا يستطيع أحدٌ أنْ يزعزعَه قيدَ أُنملةٍ، لهذا ممكن أنْ أزيحَ من طريقي أعتى الجبارة بجرّةِ قلمٍ. نعم، الكلمة هي الأبقى والأكثرعدلًاوصفاءًوبهاءً فوق خارطةِ العمرِ، وكلّ ما عداها عبارة عن سرابٍ في الهشيمِ، أو استهلاكِ ترّهاتِ الحياةِ، وإلى زوال! وحدَها الموسيقى والغناء والرّقص والأدب والفن والإبداع، صقلت روحي وأبهجت كينونتي، وانتشلتني هذه الرَّهافات الإبداعيّة والفنّيّة من سقْمِ الكثير من منغّصاتِ الحياةِ ووضعتني في برِّ الأمان. وحدَه قلمي يعيدُ إليّ توازني معَ نفسي ووجودي وحلمي وطموحي، ويمحقُ كل ترسُّبات فشلي من أوجاعِ الانكسارِ ويمنَحُنِي فرحًا وابتهالًا وأنا أستلهمُ بكلِّ شغفٍ أزهى التّجلِّيات من عوالمِ فضاءاتِ المبدعين والمبدعات.

أتساءلُ: ماذا كانَ سيحلُّ بي لولا الموسيقى والغناءِ والفنِّ والأدبِ والكتابةِ تحديدًا؟!

إنِّي مَدين للكتابةِ حتّى آخر رمق في حياتي، ولولا الكتابة لما وجدتني قائمًا على قدمي الآن؛ لأنّ تتالي الانكسارات والخيانات وحالات النّصب والاحتيال الّتي حلّت بي على مساحات عمري كافية أن تخلخلَ صدورَ جبابرةِ الكونِ، مع أنّي لا أؤمن بلغةِ الجبابرة ولا أرى جبابرة على وجه الدُّنيا، وكل ما أراه إلى زوال، وإلى أعتى دهايزِ الهزائم. من جهتي درّبْتُ نفسي منذ عقودٍ على تحويل كل هزائمي إلى حالاتٍ إبداعيّة، منطلقًا من حرفي ولوني وفضائي المنبعث من رحيقِ السّماء ومن أنغامِ تجلِّياتِ إيرين پاپاس ومن تُشبهها ويُشبهها من مبدعي ومبدعات هذا العالم. كم أشعرُ بالسّعادةِ لمجرّد أنّني أستطيعُ أنْ أمسكَ قلمي وأسردَ ما في آفاقِ ذهني وفكري وخيالي! وبدلًا من القلمِ أصبحَ لديّ مناغاة رهيفة لمفاتيح حاسوبي؛ لأنِّي أكتبُ نصوصي منذُ عقدين من الزّمن على الحاسوبِ مباشرةً، لا أستخدمُ قلمي في الكتابةِ إلّا ببعضِ الملاحظات العابرة أكتبها على ورقةٍ جانبيّة، وقد كتبْتُ أكثر من ستِّين كتابًا مباشرةً على صفحاتِ “الوورد” في الحاسوب، ثمَّ عدْتُ إليها ونقّحتُها ودقَّقتُها وصوَّبتها وأعدْتُ صياغاتها عشرات عشرات المرّات.

أين أنتِ يا إيرين پاپاس كي أنقشَ حرفي فوقَ متاهاتِ الحنينِ المتناثرِ على مساحات خيالِكِ الفسيحِ؟ لو تعلمين كم أبهجني صوتك لطالبْتِني بتعويضٍ لا يُستهان به. قلتُ مرارًا في سياقات حواري مع الذّاتِ ومعَ إعلاميّين وصحافيّين:إنّني مستعدٌّ أن أتبرّعَ بدمي لفيروز، لأسماء غريب، لفاطمة ناعوت، لهبة القوّاس، لجاهدة وهبي لإيرين پاپاس، لمبدعين ومبدعات من هذا الطِّراز، عندما يحتاجون إلى دمي؛ سواء كان هذا الدّم دمي الحقيقي أو ثروتي، مع أنّني لا أملكُ ثروةً كبيرة؛ لأنّ الظّالمين نهبوها على مدى مساحات عمري، ففي كلِّ مرحلةٍ من مراحل عمري أجد مَنْ ينهبني كأنّني وُلدتُ كي ينهبَني الآخرون، لكنّي في كلِّ مرّة أزدادُ إصرارًا وأرفعُ قلمي عاليًاومركِّزًا على أقصى تجلّياتِ روحي وصفاء ذهني لتجسيد كلمتي على وجنةِ الحياةِ قبلَ أنْ أرحلَ عاليًا. إنّي أرى أنَّ حياةَ الإنسانِ تافهة للغاية لو لم يقدِّم المرءُ أعمالًا عظيمة ومواقف رصينة خالدة كما قدَّمَتْ إيرين پاپاس على مدى سنوات عمرها الثّلاثة والتّسعين عامًا؛ فهي ماتزال حيّة بعدَ كلّ هذه العطاءاتِ. وقد شاركتْ هذه المبدعة العملاقة في سبعين فيلمًاسينمائيًّا وغنَّتْ مئات الأغاني. يا إلهي، كم تبهجُني عندما أسمعُ أغانيها! إنّها كنزي الثّمين؛ لهذا أراني أغنى أغنياء الكون من خلال هذه الكنوز غير المرئيّة الّتي لا يراها الكثير من عميانِ هذا الزّمان. يغمرنُي فرحٌ منعشٌ للروحِ وأنا أسمعُ أغانيها الملفّحة بأهازيجِ البهاءِ، وتزرعُ أنغامُها المبهجة في كينونتي أزاهيرَ الأملِ، كأنّها بلسمٌ يشفي أوجاعي الخفيّة والظَّاهرة منذ أن ترعرعْتُ على وجهِ الحياةِ حتّى لحظاتِ استماعي إليها الآن.

ما كنتُ أعلمُ أنَّ للصوتِ، للموسيقى، للأنغامِ تأثيرًامنعشًا للروحِ والقلبِ إلى هذه الدَّرجة من الانبهار! الموسيقى هديّة السّماءِ للأرضِ، للحياةِ ولكلِّ الكائناتِ، الموسيقى هي لغةُ الكونِ الأزليّة، هي توهُّجات روحيّة منبعثة من أعماقِ كينونةِ الإنسانِ، هي توازنُ المرءِ معَ ذاتِهِ ومعَ الحياةِ، هي لغةُ الرّوحِ والعقلِ والجسدِ، لغةُ الأرضِ والبحارِ والجبالِ، ولغةُ كلّ كائن حي بما فيهم دبيبُ الأرضِ، لغةُ الصَّمتِ والجمادِ والحجرِ والنِّسيمِ والرِّيحِ في أوجِ هبوبِها وصفائِها وصفيرها، الموسيقى كينونة متجدِّدة في أعماقنا، تفتحُ لنا آفاقًا رحبة في مساراتِ الحياةِ، وتجعلُنا في أرقى حالاتِ حبورنا ونحنُ نعبرُ محطّاتِ العمرِ!

أسمعُ هذه المبدعة اليونانيّة الرَّهيفة إيرين پاپاس منذَ أكثر من أربعينَ عامًا، وفي كلِّ مرّة أسمعُها، أشعرُ وكأنّني أكتشفُ كائنة ساحرة سماويّة روحيّة مبدعة غير عادية. تغنّي بطريقةٍ ابتهاليّة خلّاقة، وكأنّها في محرابِ القدِّيسين والقدِّيسات، تغدقُ علينا أرقى الأغاني الّتي تبلسمُ القلوبَ الجريحةَ وتهدهدُ أرواحَنا، وأجمل ما في الحالة الّتي أحلِّقُ فيها، هو أنّني لا أفهمُ كلمةً واحدةً ممَّا تقولُ، مع هذا أشعرُ وكأنّني أفهمُ كلَّ كلمة تغنِّيها؛ لما في صوتِها من طاقاتٍ راعشة ومنعشة للقلبِ والرّوحِ، وكأنّها تغنِّي لكلِّ واحدٍ من مستمعيها. يتملَّكُني إحساسٌ غامرٌ بالفرحِ والهدوءِ والتّجلّي والتّأمُّلِ والغوصِ عميقًا في فضاءاتِ الغناءِ والموسيقى والألحانِ وكأنّي متخصِّصٌ في تحليلِ إيقاعاتِ وألحانِ أغانيها وتجلّياتِ صوتها الّذي يناجي روحي وقلبي، ويجعلني أحلِّقُ في سماواتِ البهجة والفرحِ والابتهال الغارق في صفاءِ الرّوح. حالة مبهجة وغريبة تسربلُني وأنا أسمعُها، تستحوذُ على خيالي وآفاقِ بوحي وتمنحُني طاقة مورقة بأزاهيرِ السُّرورِ. 

منذ أن تبرعمَتْ پاپاس على وجه الدُّنيا في كورنثيا في اليونان، وُلِدَتْ معها موهبة فنِّية نادرة في جموحها، لا يحيدها عن تحقيقِ تطلُّعاتِها الفنّيّة أيُّ شيء. جنحَتْ رويدًا رويدًا نحوَ عوالمِ الفنِّ والتَّمثيلِ والأدبِ والإبداعِ، والتحقَتْ بشغفٍ كبيرٍ في مدرسةِ المواهبِ، وسرعان ما برعَتْ في كشفِ مواهبها في التَّمثيلِ والغناءِ. شاركت في العديدِ من البرامجِ التّلفزيونيّة منذُ صغرها، واكتشفَتْ بنفسِها موهبتها في الغناءِ وقرَّرَتْ أن تخوضَ مسابقة خاصّة في الغناءِ وهي في باكورةِ عمرِها، مع أنَّ أسرتها كانت ضدّ توجّهها نحوَ عوالمِ الفنِّ والغناءِ والتَّمثيلِ، لكنّها أصرّتْ أنْ تشاركَ في المسابقة بعدَ أنْ غيّرَتِاِسمَهَا من إيرين مارلين پاپاس إلى إيرين پاپاس، وفازت بالمرتبة الأولى في المسابقة، وانطلقَتْ في هذا الفضاءِ الرَّحبِ وهي في السّادسةِ عشرة من عمرِها، وقدّمَتْ عدّة حفلات في اليونانِ بنجاحٍ باهر، وخلال فترة قصيرة حقَّقَتْ نجاحًا خارجَ حدودِ اليونانِ وحقَّقَتْ حضورًا عالميًّا وهي في السّابعة عشرة من عمرِها، واستمرَّتْ في رحلةِ النّجاحِ عامًا بعد عامٍ وأصبحَتْ سفيرة في أميريكا من أجل النّوايا الحسنة دفاعًا عن حقوقِ الفقراءِ والمرأةِ والمغبونين.

عملَتِ الفنّانة المبدعة إيرين پاپاس مع أبرز القائمين على المشهد الفنّي اليوناني، أمثال: ريكاردو فريدا ومارتن ريت، إيليو بيتري، وكوستا غافراس. وقامت بدور الأرملة في فيلم زوربا اليوناني أمام الممثّل العالمي أنطوني كوين؛ هذا الفيلم العالمي الّذي يُعَدُّ من الأعمال الكلاسيكيّة الخالدة للمخرج القبرصي اليوناني مايكل كاكويانيس الّذي ظهرَ إلى النُّور عام (1964)، واستوحاه من رواية الكاتب والفيلسوف اليوناني نيكوس كازانتزاكيس. وقد وجدَتْ پاپاس نفسها في الأدوار التراجيديّة، وحلَّقَتْ في كلِّ أعمالها في أرقى سماواتِ الإبداعِ، تاركةً خلفها إرثًا فنِّيًّامُهمًّا في تاريخِ السِّينما الكلاسيكيّة، وتعتبرُ فنَّ المسرح والسِّينما-إضافةً إلى الآفاقِ الأدبيّة في عوالمها- ترجمةً لمأساةِ الإنسان أو لا يكون؛ إذ تعتبرُ قمّة الإبداع في فنِّ السِّينما والمسرح هو تقديم البُعد المأساوي للبشر، وتمكَّنَتْ من تجربتها العريقة من إتقان هذه الأدوارِ الحزينة والمأساويّة بطريقةٍ مدهشة، فنراها تتقمّصُ الأدوارَ وكأنّها تعيشُ الواقعَ بحذافيرِهِ، حتّى يُخيَّل للمشاهدِ أنّها لا تمثّلُ بقدرِ ما تعيشُ لحظات واقعها في سياق تمثيلها لأدوارها التّراجيديّة الموغلة في المآسي، وقد عملتْ عبر مسيرتها الفنّيّة إلى جانب أبرز القائمين على المشهد الفنِّي اليوناني مع ريكاردو فريدا ومارتن ريت، إيليو بيتري وكوستا غافراس، إلى أن أصبحت أسطورة التراجيديا اليونانيّة، وما بين فيلم زوربا اليوناني وفيلم الرّسالة وأسد الصّحراء، ألهمت پاپاس جيلًا من الفنّانات والفنّانين والمبدعات والمبدعين؛ لغوصها العميق في تجلِّيات الفنِّ الكلاسيكي في المسرح والسّينما وإشعاعها العالمي في الأدوار التراجيديّة على مدى مساحات تجربتها الفنّيّة الشّامخة في أرقى تجلِّياتِ الإبداع الخلّاق!

 

ستوكهولم: أيلول (سيبتمر) (2019).

  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏منظر داخلي‏‏‏

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.

– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

 

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الشَّاعر التشيلي#بابلو_ نيرودا..الذي يكتبُ حرفه كمَنْ يرسمُ على خدودِ الزُّهورِ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏منظر داخلي‏‏‏
الشَّاعر بابلو نيرودا يكتبُ حرفه كمَنْ يرسمُ على خدودِ الزُّهورِ

أناشيدَ الحنينِ والحبِّ وهلالاتِ نسائم الصَّباح

بابلو نيرودا

(26)

بابلو نيرودا؛ شاعر تشيلي شامخ شموخ العباقرة، معبّقٌ ببركاتِ السَّنابل في تألّقاته الإبداعيّة الطّافحة بصورٍ مدهشة متدفّقة مثل شلَّالات نياغارا. شاعر نادر في مناغاةِ زغبِ القصيدة وقبلةِ الحبيبة، وحنينِ الحبيبة وهي تزدانُ عناقًا بينَ أحضانِ الفرحِ في كلِّ الفصول. يكتبُ حرفه كمَنْ يرسمُ على خدودِ الزُّهورِ أناشيدَ الحنينِ والحبِّ والفرحِ والجمالِ وهلالاتِ نسائم الصَّباح. شاعرٌ محبوكٌ من عبيرِ السَّوسن ومرجانِ البحرِ وتغريدِ البلابل وسقسقاتِ العصافيرِ في أحضانِ غاباتِ الفرح. يقطرُ ألقًا في انبعاثاتِ حرفِهِ مثلَ وميضِ إشراقةِ الشّمسِ وهي تقبِّلُ مروجَ الرّوحِ في أبهى انبلاجِها ورونقِها وانبهارِها. حلَّقَ بحنينِهِ وذاكرتِهِ وخيالِهِ عاليًا إلى أن لامسَ حرفُهُ بسماتِ النّجومِ، فهلَّلَتْ غيومُ السّماءِ أناشيدَ عشقٍ لحبورِ الأرضِ، وهي في أوجِ شوقِها لمذاقِ المطرِ في بدايةِ الرَّبيعِ؛كي تسقي حنينَ الزُّهورِ واخضرارَ الأرضِ المتعطِّشة لحبورِ السّماءِ وهي تغدقُ خيراتها على جبينِ الكونِ.

يُشبهُ نيرودا ليلة قمراء تتلألأ فيها النُّجومُ بكلِّ بهائها، ويسطعُ القمرُ ضياءً فوقَ عشّاقِ هذا العالم، كتبَ حرفَهُ بشاعريّة رهيفة طافحة بالحبِّ والفرحِ وتجلِّياتِ القلبِ والخيالِ، فولدَتْ عبر رحلتِهِ الفسيحة معَ عوالمِ الشِّعرِ أجملَ القصائد على مدى سنين عمره، كأنّها عطايا السّماءِ المتهاطلة علينا مثلما تتهاطلُ زخَّاتُ المطرِ ونحنُ في قمّة ابتهالاتنا. تتلألأُ علينا تلألؤات النّجوم فتضيءُ ليالينا بحبورٍ منقطعِ النّظيرِ، وتتناهى إلى أسماعِنا قهقهات الأطفال وهم في أعماقِ المروجِ، يمرحونَ فوقَ أعشابِ الحنينِ شوقًا إلى أحضانِ أمّهاتهم وهنَّ يدنْدِنَّ تهويداتٍ منبعثةٍ من أزهى القصائد، غير مبالين إلَّا لتهويداتهنَّ المنسابة بعذوبةِ أنغامِها، فتغفو الأطفالُ بهناءٍ عميقٍ، وتتألَّقُ القصيدةُ لتكونَ مرآةَ الفرحِ والشّموخِ فوقَ طينِ الحياةِ!

تميَّزَ نيرودا -إضافةً لفضاءاتِهِ الشِّعريّة الباسقة- بمواقفِهِ السِّياسيّة ونشاطاتِهِ المتعدِّدة حولَ قضايا وهمومِ بلادِهِ، وتطوَّرَتْ عطاءاته إلى أنْ رُشِّحَ للرئاسةِ في بلادِهِ. ما أجملَ أن يقودَ شاعرٌ بلادَهُ إلى أبهى مناراتِ الجمالِ والحبِّ والخيرِ والعطاءاتِ الخلّاقة! لكنّهُ انحازَ إلى مساراتِ بوحِ الشِّعرِ، أكثرَ من انحيازِهِ إلى رئاسةِ الكونِ؛ فقد رأى في رحابِ الشِّعرِ وجموحِ القصيدة طموحاته الكبرى، كي يعبِّرَ عن شغفِهِ وما يموجُ في أعماقِهِ من مشاعرَ دفينة، فترجمَ لواعجَهُ برهافةٍ مبهجة، إلى أن أصبحَ من أشهرِ الشُّعراء وأكثرهم تأثيرًا في عصرِهِ من خلالِ رهافاتِ إحساسِهِ في تجسيدِ وهجِ الشّعرِ الأصيلِ، فكتبَ شعرًا لم يسبقه أحدٌ في عصره. شاعرٌ جامح في رسمِ القصيدة بكلِّ تلاوينها وعنفوانها نحوَ ابتهالاتِ براري الرّوح وينابيع القلب المنفتح على منارةِ الحياةِ بأبهى مساراتها، كأنّها مضمّخة بشهيقِ الشّمسِ ونكهةِ الزَّنبقِ البرِّي ونضارةِ النَّدى المتناثر فوقَ خدودِ الصَّباحِ.

تبرعمَ بابلو نيرودا، شاعر البهاء الكوني، في يومٍ من أيَّامِ صيف تشيلي في قرية بارال، المكتنزة بطبيعة خلّابة ومعرَّشة بخيراتٍ وارفة، قرية غارقة في العطاءاتِ وبهاء الجمال ووهجِ البوحِ، متعانقة بجوٍّ شاعري بديع كأنّ جو القرية هديّة منبعثة من السَّماء لجموحِ عوالم نيرودا، تُشبهُ عوالم القرية انبعاثات قصيدة شعريّة طبيعيّة منبلجة في وسط تشيلي كي تُسهمَ في نشرِ تلألؤات خيراتها عبر أشعار نيرودا في كلِّ بقاعِ الدُّنيا. تأثَّر نيرودا بروعةِ الأجواءِ الّتي ترعرعَ فيها وتشرَّبَ من حبقِها المنساب في شهيقِهِ وزفيرِهِ، وانعكسَ كل هذا الجمال على تجلّياتِ شعرِهِ، وراحَ يستلهمُ من عوالمِهِ قصائد عشقٍ وفرحٍ كأنّهُ في رحابِ النّعيم، فجاءت القصائد مخضَّبة بحنينٍ لا يُضاهى!

قال عنه الرِّوائي الكولومبي الكبير كبرئيل غارسيا ماركيز، صاحب رواية: “مئة عام من العزلة” و”الحب في زمنِ الكوليرا”، بعدَ أن غاصَ عميقًا في عوالم نيرودا الفسيحة عبرَ قراءاته الشِّعريّة في محطَّاتِ حرفِهِ المتألِّق إنَّ: “بابلو نيرودا من أفضل شعراء القرن العشرين في جميعِ لغاتِ العالم”. هذا تصريح بديع من شيخ الرّوائيِّين في أميريكا اللّاتينيّة، كيفَ قال عنه كل هذا الكلام، ما لم يكُنْ نيرودا شاعر الشُّعراء في عصرِهِ وباني هندسة القصيدة بكلِّ فضاءاتِها الشّاهقة؟ وكم أدهشتني سونيتاته المئة الّتي كتبها إلى حبيبته ماتيلدا؛ تحت عنوان “مئة قصيدة حب إلى ماتيلدا”، خلّدَ ما تيليدا وخلّد الحب ووهج الحب عبر هذا الدِّيوان الموغل في الرُّومانسيّة، كما كتبَ عنه النّاقد الأدبي الأميريكي البروفيسور (هارولد بلووم) عبر رؤاه النَّقديّة العميقة: “لا يمكن مقارنة أي (شاعر) من شعراء الغرب بهذا الشّاعر الّذي سبق عصره”. وقد رأى النّاقد هارولد بلووم أنَّ نيرودا سبقَ عصرَهُ، ومن يقرأ شعره يتلمَّس هكذا رؤية  في مذاقِ القصيدة؛ لما في قصائده من شموخٍ إبداعي رهيف في سموِّه المنبعثِ من ثغورِ الأزاهير المبلَّلة بوبرِ أجنحةِ الفراشاتِ، قلّما نجدُ نظيره في عالمِ الشِّعرِ بانبعاثاته وتجلِّياته السّامقة في دنيا الخيال الخلّاق في ذلك العصر!

عُرِفَ نيرودا منذ بداية صباه وشبابه بميوله وانتمائه للحزب الشّيوعي؛ كان شيوعيًّا يساريًّا حتّى النِّخاع، تميّز بنشاطه السّياسي البارز ورؤاه الفكريّة النَّيرة، إلى أن أصبحَ عضوًا فعَّالًا في مجلس الشّيوخ وعضوًا في اللُّجنة المركزيّة للحزب الشُّيوعي. وتجلَّى شغفه العميق بحبِّ الطَّبيعة منذ باكورة عمره وكأنّ تشكيله المزاجي والفكري وخياله الرّهيف جامح نحو بهاء الشِّعر والجمال الخلّاق. وكم كان يغمره شعورٌ بالغبطةِ كلّما سافرَ عبر القطار وسط الغاباتِ المكتنفة باخضرارِ الأشجارِ الباسقة على مساحاتٍ واسعة، فتشرَّبَتْ ذاكرته وخياله بروعةِ الغاباتِ واخضرارِها الممتدِّ على مدى حنينِ البصرِ، ومنحته الطّبيعةُ بجمالها الآسر آفاقًا شهيّة على استلهامِ وهجَ الشِّعرِ الشَّفيفِ، فأصبحَتْ مصدرًالإلهامِهِ في ترجمةِ مشاعرِهِ الشّعريّة الفيّاضة، وتنامى شغفهُ بالطَّبيعةِ والجمالِ والحبِّ والشّعرِ إلى أن غدا الشّاعر كأنّهُ جزء ممتدٌّ من روعةِ الطَّبيعةِ، جميلٌ أن يتنامى الشّاعرُ ويترعرعَ في خضمِّ الجمالِ بكلِّ آفاقِهِ الخصبة، ويتماهى بكلِّ طموحاتِهِ وأحلامِهِ معَ بهاءِ الطّبيعةِ واخضرارِ الحياةِ!

يبدو أنَّ قدرَ المبدعين الكبار أن ترافقَهم أقدارٌ مريرة في حياتهم؛ فقد توفيت أمّ نيرودا ولم يتجاوز شهره الثّاني، فأصبحَ منذُ شهوره الأولى منعزلًا ووحيدًا، فترعرعَ في كنفِ الانعزالِ، محرومًا من أحضانِ الأم الّتي أنجبته حتَّى ولو احتضنته العديد من أمّهاتِ ومربّياتِ العالم، وحالما اشتدَّ عوده قليلًا وهو في باكورةِ العمرِ، ترجمَ هواجسَهُ وما كانَ يعتريه من همومٍ ومشاعر، فكتبَ العديد من القصائد عن الحبّ والعزلةِ ومآسي الحياةِ ضمن ديوانٍ شعريٍّ حملَ عنوان: “عشرون قصيدة حب وقصيدة بائسة”، مترجمًا جموحاته ومفرِّغًا معاناته وحبّه وبؤسه وشغفه في الحياة في فضاءِ القصيدة، فكانت القصيدة الينبوع الصّافي الَّذي طهَّرَهُ من رماحِ وآهاتِ الحياة الّتي صادفها في محطّات عمره، فركّزَ على الشِّعرِ كي يبني عالمه الّذي يحلمُ به، فلم يجد أجدى من حرفه يبلسمُ حياته ويصدُّ جحيم الحياة الّتي ممكن أن تتفاقمَ عليهِ يومًا بعدَ يومٍ، في زمنٍ تفاقمت فيه الأحداث والأقدار من كل جانب. وبعد وفاة والدته: “روسا باسولاتو” بمرض الدّرن، انتقلت عائلته إلى تيموكو وتزوج والده للمرّة الثانية من “ترينيداد كانديا ماربيردي” وكانت بالنّسبة لنيرودا بمثابة أمّه؛ رعته واهتمَّتْ به اهتمامًا كبيرًا، وكانت لها عاطفة أمومة جيّاشة نحوه. كبرَ نيرودا والتحقَ بمدرسة خاصّة بالبنين، وتابع دراسته إلى أن حصل على دراسة العلوم الإنسانيّة. وكان للبيئةِ الطَّبيعية الجميلة لمدينة تيموكو المتعانقة بجمال الغابات والبحيرات والأنهار وسلاسل الجبال الجميلة دورٌكبيرٌ في تشكيل العوالم الشِّعريَّة لبابلو نيرودا. وبعد ديوانه الأوَّل: “عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة” الّذي تُرجمَ إلى اللّغة العربيّة عدّة مرّات، كتبَ سيرته الذّاتية الّتي عنونها: “أشهد أنّني قد عشت” وتُرجِمَتْ إلى العربيّة منذ سبعينيات القرن الماضي.

لعبت النِّساءُ دورًا محوريًّا في حياة بابلو نيرودا؛ فقد تزوّج ثلاث مرّات؛ تزوَّجَ من الهولنديّة الفاتنة “ماريكا” وانتهى زواجه منها بإنجاب طفلته الأولى “مارفا مارينا”، وبعد وفاة ابنته الطّفلة، على أثر معاناتها من عدّة أمراض، تزوَّجَ من زوجته الثّانية “ديليا” الأرجنتينيّة وكانت تكبره بعشرين عامًا. ثمَّ وقعَ في عشق مطربة تشيليّة مبهرة في العشق، كانت تقيم في المكسيك تدعى “ماتيلدا أوريوتي” وأصبحت زوجة الشَّاعر الّتي خلّدها في أجمل أعماله الشّعريّة. كتب نيرودا لماتيلدا ديوانه الأشهر في كلّ العالم “مائة سوناتة حبّ” وتمَّت ترجمته إلى العربية: “مئة قصيدة حب إلى ماتيلدا”، عبَّر في هذا الدِّيوان عن ملحمة عشقيّة في الشِّعر، وقد هيمنت ماتيلدا العاشقة الحبيبة الزّوجة على أحاسيس الشّاعر وأصبح مغرمًا بها إلى درجة الهيام.

نالَ الكثير من الجوائز، منها: جائزة نوبل للآداب، وعندما عاد إلي تشيلي استقبله الجمهور باحتفال كبير في استاد “سانتياغو” وكان على رأس الاحتفال الرّئيس “سلفادور اللّيندي”، وبعد ذلك لقي الرَّئيس مصرعه علي أثر الانقلاب الّذي قاده بينوشيه. ثمَّ جاء جنود بينوشيه إلى بيت “بابلو نيرودا”، وسألهم: ماذا تريدون؟ أجابوه: جئنا نبحث عن السّلاح في بيتك، فردّ نيرودا: “إنَّ الشِّعر هو سلاحي الوحيد”. وبعدها بأيّام قليلة توفي نيرودا، متأثّرًا بمرضه وإحباطه من الانقلابيِّين، وقال آخر جملة عن الانقلابيِّين في كتاب سيرته الذّاتية: “لقد عادوا ليخونوا تشيلي مرة أخرى”.

 

ستوكهولم : أيلول (سيبتمر) (2019).

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.

– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.دار نشـر صبري يوسف – [email protected]Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يتوفر وصف للصورة.
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الفنَّان التَّشكيلي السُّوري الكردي #عبد السَّلام_ عبد الله ..الذي تشكل لوحاته وشوشات لونيَّة شاعريَّة مضمَّخة بالواقعيَّة الانطباعيَّة..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.
لا يتوفر وصف للصورة.
لوحات الفنَّان التَّشكيلي السُّوري عبد السَّلام عبد الله

وشوشات لونيَّة شاعريَّة مضمَّخة بالواقعيَّة الانطباعيَّة

عبد السَّلام عبد الله

(24)

 

الفنَّان التَّشكيلي السُّوري الكردي عبد السَّلام عبد الله، حالة فنّيّة باذخة في تدفّقات الجمال والبهاء، عبر تشكيل لوني غارق في لمسات حفاوة الأزاهير والورد. يرسم عوالمه اللَّونيَّة الرَّهيفة بواقعيّة مفعمة بروحٍ انطباعيّة شاعريّة مدهشة، كأنّه في حالةِ عبورٍ واستكشافٍ لأعماقِ مرابع بوح الطَّبيعة أو في حالةِ مناجاة لروحِ الطّبيعة ودقائق الفرح المنبعث من شهقةِ الشَّمسِ وانعكاسها فوق مآقي الزُّهور. يرسم لونًا مسربلًا بأشهى مذاقات الحنين، موشِّحًا خدود اللَّوحات بندى الصَّباح المتناثر فوق روعة الأزاهير. تشبه ألوانه موشور فرحٍ منبعثٍ من انسيابات بهجة الأحلام المتهاطلة فوقَ بياضِ اللَّوحة.

كم من التَّأمُّل والشَّغف والخيال والبحث في مرامي رحاب الجمال، في بهاء الطَّبيعة والحياة والحبّ والفرح والسَّلام الدّاخلي والصَّفاء والجموح نحو جمال الإنسان الخلّاق، حتَّى تشكَّل عند الفنّان كلّ هذا التَّألُّق اللَّوني بإيقاع تشكيلي شفيف؛ أشبه ما يكون تناغمًاشعريًّاوغنائيًّاوإنسانيًّاوروحيًّا.

ترقصُ ألوانه بهجةً وحبورًا وشوقًا إلى تجسيد لوحات بديعة، بحساسيّة مرهفة وعميقة ومعبّقة بحبق الزُّهور، لمسات في غاية الانسيابيَّة، أشبه ما تكون وشوشات شاعريّة تناغي حنين القلب والرُّوح إلى بهاء الجمال والحبِّ والفرح، فارشًا رؤاه عبر ألوانه، حيث تبدو أزاهيره وورده، كأنّها كائنات بشريّة جميلة متناغم بعضهامعبعض، يبدو وكأنّه في حالة نزوع عميق لترسيخ دعائم المحبّة والفرح والسَّلام في قلوب مشاهديه، عبر لوحاته الموغلة في الغنائيّة، ويعكس روحه الوئاميّة بين طيّات ألوانه المتراقصة فرحًا وشوقًا إلى حنين الإنسان لأخيه الإنسان.

هل هذه دعوة منه للإنسان؛ كي يعود إلى إنسانيّته السَّامية وجماله وروعته كإنسانٍ سامٍ ومخلوق جميل، وهل هذه الرُّؤية هي ردٌّ على ما يراه من قبْحٍ متفاقمٍ حوله من تصدُّعات في ممارسات الكثير من المآسي والحروب في دنيا الشّرق، فلا يجد أجدى وأفضل من أزاهيره كي يطمسَ القبحَ الّذي يراه، راغبًا في أعماقه أن يقول للمشاهدين، للمتلقِّي، للإنسان: لِمَ لا تكون جميلًا وعبقًا ومتناغمًا مع بني جنسك مثل الأزاهير؟!

من خلال ولوجي في فضاءات أعمال الفنّان، تلمَّستُ لديه قدرات عميقة في مسارات تأويل البوح عبر ألوانه، فتبدو لي لوحاته كأنّها في حالة حوار عميق مع المتلقِّي؛ ومع عين المتلقِّي أولًا، فيقدِّم مباشرة  لعين المشاهد: الفرح، الحبَّ، الجمال، الوئام، الموسيقى، أشهى موشور الأغاني. تتراقص الألوان على إيقاع ابتهالات الطَّبيعة والكون مع الكائنات. أتلمَّس من لوحاته بهاءً شعريًّا شهيًّا، رؤى مفعمة بالجمال الرُّوحي والدَّاخلي،وشغفًاعميقًا لزرع هذه المشاعر لدى عين المشاهد، كأنّه في حالة شوق عميق لعناق الآخرين عبر لوحته وألوانه وأفكاره الغزيرة المتهاطلة من حنين غيومٍ حُبلى بالمطر إلى أعماق الصَّحارى، حتّى أنّه يرسم -على ما يبدو- لذاته المعبّقة، ويعطي أقصى ما لديه من عطاء خلَّاق للآخرين.

هل هي حالة تحدٍّ لبعض حالات القحط وشظف العيش والأحزان والأنين الّذي رافقه في بعض مراحل طفولته وشبابه وحياته، أو هي انعكاس لأوجاعه المتفاقمة؛ وبالتَّالي، يسعى إلى تجسيد الجمال، كابحًا غمائم الحزن المتناثرة حوله، ومبلسمًا الجراح الثَّخينة لما ألمَّ به وما يحيط به وبالأوطان الَّتي تبدو وكأنّها مصلوبة من خاصراتها، فيدفعه جموحه العشقي للجمال والسَّلام والوئام، إلى رسم ما تحتاجه الرُّوح وما يحنُّ إليه القلب وما يتّسع لرحابة أحلامه المفتوحة على مدى روعةِ وخصوبة الحياة؛ كي يمحقَ حالات القبح المتفاقمة حوله، ويستعيض عنها ما يمور في داخله من جمال؛كردٍّ مضادٍّ لهذه القباحات الَّتي شرخت الإنسان ورمَتْه في مهبِّ الأنين؛ وكي يستعيدَ توازنه وطموحاته وتأمُّلاته وولعه بالموسيقى والجمال والسَّلام؟!

يرسم الفنّان التَّشكيلي عبدالسَّلامعبدالله كمَنْ يعبد في محراب العشق شهقات العناق على إيقاع دندنات اللّون، تاركًا روحه وقلبه وإحساسه، تلامس رؤانا وأبصارنا، دامغًا دمغته البهيجة فوق نضارةِ اللَّوحات، وأسلوبه موغل في الشّاعريّة والتَّعبير المدهش في ترجمة شغفه بالطَّبيعة والأزاهير والورود. تمتّعتُ وأنا أشاهدُ كلّ هذا البهاء والابتهالات اللَّونيّة المنسابة بطريقةٍ مدهشةٍ في تناغمِ الموشورِ اللّوني كأنّه في رحلةٍ فسيحةٍ بين جنانِ الأرضِ ووهجِ الخيالِ الجامحِ نحوَ مرامي انبعاثِ بوحِ القصائد وتراقصاتِ الألوان!

حالما نَعْبُرُ فضاءات لوحاته، نجدنا مقمّطين في حالةِ عناقٍ لوني معبّق بالحنين إلى دفء الرُّوح. تنبجسُ ألوانه من ينابيع روحه المضمّخة برؤية صافية صفاء النّدى المتناثر فوق بتلات أزاهيره وورده بشكلٍ مبهج للعين؛ حيث نرى تناغمًا أشبه ما يكون تماهيات أنغام موسيقيّة صادحة على مدى ابتهالات بوح الرّوح واخضرار مروج القلب. تبدو اللَّوحات كأنّها مقتطعة من بهجة الطّبيعة في أوجِ حبورِ الرّبيع؛ لما فيها من طاقات لونيّة منعشة للقلب والعين والخيال!

يبدعُ الفنَّان بتوهّجاتٍ مدهشة لونًا مرفرفًا بأجنحة السَّلامِ والحبِّ والجمال، يسطعُ لونه فرحًا وبهجةً، تمنحُ تجلِّيات ألقه المتلقِّي متعةً غامرةً، ويسربلنا في حالة فرحيّة راقصة، كأنّنا نتلقَّى موسيقى جانحة نحو رقصة القلب، على أنغام شهقة الرُّوح وهي في أوج تجلّياتها نحو أبهى مروج الألوان!

يُشيِّدُ الفنَّان فضاءاته وهو يزهو إلى صفاء السّماء وبهاء الحرف وحفاوة الرُّوح، كأنّه في حالة انتشاءٍ عميقٍ رغم استفحال الغبار فوقَ جفونِ هذا الزَّمان، كأنّه يريد أن يمسحَ سماكاتِ الحزن المرصرصة حولنا ليقدّم لنا بشائر الأمل والفرح والسَّلام عبر رؤاه المحبوكة من ضفائر حلمٍ مستوحى من روعة الغابات والأزاهير والورد وزخَّات المطر المتلألئة في بواطنه ومشاعره وخياله المجنّح نحو إشراقة خيوط الصّباح. لوحات الفنّان تنضح ألقًالونيًّا طافحًا بالأمل والحبِّ والجمالِ والحياة! .. حاملًا بين أجحته آفاق بسمة لونيّة سلاميّة وئاميّة وارفة بالمحبّة وشهقات الأمل في دنيا من بكاء، كأنّه في سياق رحلة شعريّة عبر مزامير لونيّة مبهجة للروح، فيقدّمها لنا على هدهداتِ مزاميرِ التَّجلِّي!

يمتلكُ الفنّان تقنيّات لونيّة ومهارات عالية في بناء تشكيل معالم لوحاته، فيتهاطل عالمه على بياضِ اللَّوحة مثل كرنفال لوني معبّق بالدّفء وشهقات الحنين، مترجمًا تأمُّلاته السّارحة في جمال الطّبيعة، دامجًا ترميزاته وإسقاطاته عبر أزاهيره وورده وطموحاته وآماله الفسيحة، المرتكزة على مراميه الحالمة في بناء إنسان مسالم ضمن مجتمع تتوفَّر فيه علاقات إنسانيّة دافئة، مطرَّزة بالمحبّة والدّفء والتَّعاون الخلّاق؛ تعميقًا لمحبّته اللّامتناهية مع الطّبيعة، معتبرًا نفسه جزءًا لا يتجزّأ من الطَّبيعة، ولديه حنين عميق إليها؛ حيث يقولُ الفنّان معلِّقًا حول أحد معارضه (معرض السَّيِّد) في دمشق: 

« .. في معرضي هذا أعيش حنين الطَّبيعة؛ لكوني جزءًا منها، فالورود والأشجار والزُّهور ليست مجرّد أشكال في لوحاتي، وإنّما هي شخوصي وأناسي، وأتمنّى هنا-وذلك سعيي ورسالتي- أن نكون مثل الورود ولدينا عبق إنساني .. ».

ويضيف الفنّان مُفنِّدًا علاقته الحميمة مع الطّبيعة كأنّها كائنٌ حيٌّ مدهش في انبعاثِ إشراقاته:

«الطَّبيعة صديقتي، وأنا صيَّاد المشهد الَّذي أشعر أنّه يغريني تشكيليًّا ويقنع عين المشاهد، ويشكِّل قصيدة متكاملة تؤسِّس لخيط ربط بينه وبين الطَّبيعة، وهو المشهد ذاته الَّذي يحرِّك أدواتي للعمل.

لعلّني لا أبالغ إن قلت إنَّ الطَّبيعة وليمة لا تنتهي، وبانوراما مشهد لا يتكرَّر ولا يشبه غيره من المشاهد إلّا في كونه طبيعةً، وكلّ عمل أقدِّمه عن الطّبيعة هو حالة بحدِّ ذاته».

تتميَّز أعمال الفنّان عبد السَّلام بإبراز العلاقة العميقة بكلِّ جدليَّاتها المنبعثة من سموِّ الحساسيّة الذَّوقيّة عنده وارتقاء تقنيّاته الحرفيّة العالية؛ فاللَّوحة عنده مساحة بانوراميّة لونيّة شاهقة، دافئة، متفائلة، حنونة، ومبهجة، يعيش من خلالها حالة ربيع دائم مع مكوّناته، كما يطرح رؤى واقعيّة ومواقف بصريّة تتماهى مع جماليات الطَّبيعة والورد والإنسان، والَّتي ما هي في حقيقة الأمر، إلّا إسقاط لواقع غير موجود،  مغترفًا من أعماقِ مكنوناته ورغباته ما يتعلَّقُ بعلاقة الإنسان مع جمال الطَّبيعة والحياة؛ حيث يقول:

«أميل إلى الانطباعيّة والواقعيّة ودمج المدرستَين؛ فالانطباعيّة تمتاز بالتقاط الزَّمن والمكان والضَّوء وحالة الضَّوء وانعكاساته على العناصر الموجودة الَّتي تمتاز بالألوان الصَّريحة والنَّقيّة؛ فهي من أخطر مدارس الفنِّ التَّشكيلي الَّتي تتطلَّب وليمة لونيّة كبيرة لها تفاعلاتها الكيميائيّة والبصريّة الّتي تتفاعل وتؤثّر في بعضها البعض، وذلك يتطلّب من الفنّان دراية عالية باللّون ومقدرة على تحقيق حواريّة وعلاقة لونيّة منسجمة، وذلك الأمر يمكن إسقاطه على النّاس والبشر؛ فنحن نختلف في الآراء والعقليّة والطِّباع، ولكن في النّهاية يجب أن يكون هناك وفاق جميل مثل الورود».

نجد عبر فضاءات لوحات الفنّان عبدالسَّلام ميلًا عميقًا إلى أنْسنة تجلِّيات اللَّون، فيبدع ألوانًا شفيفة تنضحُ أملًا، وأعماله ناطقة بأريج الورد والزُّهور، منتشلًا الإنسان من الواقع المشوَّش إلى عالم الصَّفاء المنبعث من بهاء الطَّبيعة، وهذا ينمُّ على رهافة الحسِّ لديه، وهي أشبه ما تكون ابتهالات لسموِّ السَّماء على روعة ما تنعّمت به على الأرض، ممتنًّا لكلِّ هذا الجمال الَّذي ينعشُ البصر والبصيرة، ومغدقًا على الرّوح أسمى المعاني؛ راغبًا أن يبدعها برهافة فنّية عالية ويوصلها إلينا بروعة تصويره الخلَّاق.

الفنّان التَّشكيلي السّوري الكردي عبدالسَّلامعبدالله مجنّح نحو أبجديات جمال الطَّبيعة والأزاهير، يرسّخ أسلوبًا شاعريًّا مضمّخًا بالواقعيّة الانطباعيّة، كأنّه في حالةِ عشقٍ مفتوح مع الحياة بكلِّ تجلِّياتها، راغبًا بكلِّ ما لديه من رؤية جماليّة عميقة، وخيالٍ جامحٍ أن يؤنْسنَ الجمالَ والفرحَ والسَّلامَ والحبَّ عبر ريشته المنسابة نحو أرقى فضاءات أبناء الشّمال السّوري، الموغل في إشراقةِ أشهى تجلِّيات العطاء والإبداع!

 

ستوكهولم: (2016).

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏ و‏ماء‏‏‏
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏منظر داخلي‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الأديب الدكتور Salim Barakat #سليم بركات اِسمٌ على مُسمَّى ومزنّرٌ بالبَرَكاتِ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الثاني..

لا يتوفر وصف للصورة.

لا يتوفر وصف للصورة.

سليم بركات اِسمٌ على مُسمَّى ومزنّرٌ بالبَرَكاتِهل تنحدرُ من سلالةٍ بركاتيَّة أو من اِندلاقِ حرفٍ

على خدودِ الصَّباحِ؟!

سليم بركات

(22)

 

لاِسْمِكَ وقعٌ خاص على جبهةِ الذَّاكرة، منذ أن قرأتُ لكَ سيرةَ الطُّفولة وسيرةَ الصِّبا، وأنا أتساءل: كيف يرسم هذا الأديب الكرديّ المشاكس الشَّفيف إيقاعات حرفه؟! كيفُ تقتنصُ هذه العوالم والفضاءات البهيجة في العبورِ إلى أعمقِ ما في اللُّغةِ من بهاءٍ وفضاءٍ وسردٍ مطلسمٍ بنداوةِ النَّفلِ والعشبِ البرِّي؟! هل كنتَ تلملمُ النَّفلَ وأنتَ صغير من براري عامودة، وسهول القامشلي، أم أنَّكَ كنتَ تائهًا مع عوالمِ الحرفِ، تبحثُ عن خيوطِ رعشة الكلمة؛ كي تعيدَ توازناتِ الرُّوحِ إلى إيقاعِها الدَّافئ؟!

كيفَ تستلهمُ عوالم رواياتكَ المضمّخة بألقِ بوحِ الملاحمِ والأساطير، مجسِّدًا شخصيَّاتها بطريقةٍ مدهشةٍ، عبر كثافةٍ لغويّة عاجّة بالغموضِ والغرابةِ والتأمُّلِ والخيالِ المبهرِ، كأّنّكَ على تواصلٍ مع فريقٍ كبير من فقهاءِ اللُّغاتِ، وعلماءِ النَّباتِ والطُّيورِ والكائناتِ البرّيّةِ والأهليّة؟! لغةٌ وحشيّةٌ صلدة تدلقُها في فضاءاتِ رواياتكَ وأشعاركَ وكتاباتكَ، كأنَّكَ تستنبتُها من أدغالِ الأزمنةِ الغابرةِ وتؤنسُها للقارئِ بطريقةٍ طيّعة، عابقةٍ بأصالةٍ عريقةٍ وبنكهةِ القرنفلِ والزّنبقِ البرّي، رغمَ تشظّياتها الجانحة نحوَ الغموضِ والطَّلاسمِ في تراكيب صيغتها البنائيّة في بعضِ الأحيانِ؛إذْ يتوهُ القارئ في استكناه مضامين رؤاك الضَّالعة في خلقِ لغة غير مطروقة لدى كُتَّاب الضَّاد بهذهِ الطَّريقة الباذخة في التَّقنياتِ اللُّغوية والصُّورِ غير المعهودة، كأنَّكَ في سباقٍ معَ ذاتِكَ ومعَ مخيالِكَ المفتوح على عبورِ المزيدِ من مساحاتِ شهقةِ اللَّيلِ بأحلامِهِ الفسيحة!

لم أقرأ لكَ روايةً أو نصًّا شعريًّا إلّا ووقفتُ مذهولًا بهذهِ اللُّغة السَّليميّة السَّليمة الغائصة أحيانًا بطلاسم لا يفكّ الكثير من منعرجاتها أحيانًا إلا أحفادُ الجنِّ، ثمَّ أعودُ وأقرأ النَّصّ ثانيةً، وإذ بقهقهاتِ أولادِ الجنّ تتناهى إلى مسامعي فأضحكُ في عبّي؛ لأنّني أجدُني أفكّ شيفراتكَ المعبّقة بأرجوحةِ اللَّيلِ الطَّويلِ؛ لأنّ لديَّ تواصلًا بصيغةٍ ما مع عوالم الجنّ الَّتي تتعانقُ معَ عوالمِكَ الخفيّة، المترجرجة فوقَ ينابيعِ الذَّاكرة البعيدة الغافية بين موجاتِ إشراقةِ الحلمِ.

تعال يا صديقي؛ كي أبوحَ لكَ بحميميّةٍ دافئة بعضًا من عوالم طقوسي في مرحلةِ ما قبلَ الكتابة؛ كي أسألَكَ بعدها فيما إذا تتقاطعُ شذرات من عوالمِ طقوسِكَ معَ هذه العوالم. عندما أجدُني غارقًا في القراءةِ والتأمّلِ العميقِ، أجدُني أنهضُ فجأةً متوجّهًا إلى ركنٍ من أركانِ غربتي؛ حيثُ “جمبشي وعودي” ينتظرانني بفارغِ العشقِ، فأمسكُ عودي كي أداعبَ شهقة ليلي، وإذ بي أتوهّج فرحيًّا وشوقيًّا إلى عوالم ما خلف البحارِ وإيقاعاتِ الموسيقى المنبعثة من تلألؤاتِ النُّجومِ، تتراقصُ أصابعي الرَّفيعة وأنا أعزف أغاني الفنَّان الرَّاحل المبدع محمَّد شيخو، وعندما أزدادُ طربًا مع ذاتي تتفتّحُ شهيَّتي وحنجرتي على أغانٍ لها نكهة النَّارنج، فأغنِّي بمتعةٍ غريبةٍ ولذيذةٍ: ” آخْ كَورهْ آخْ كَورهْ كَورامِنْ”*.

هذه الأغنية وأغاني “شيخويّة” أخرى تبهج قلبي وروحي وتفتحُ ذاكرتي على عوالمِ الاخضرارِ، هل تستمدُّ طقوسَكَ في الكتابةِ من عوالم وفضاءات طقوسِ الأغنية الكرديّة المزركشة بأغانٍ في غايةِ النَّفَسِ الملحمي؛ابتداءً من “سِتْيَا زِيْن ومَمّي آلا”، مرورًا بـ “شَمْدِيْن وحَمْدين” ومواويل “غزال غزال هائي هائي، وبافي فخري صواري كِينْجُوْ.”** أغاني تفتحُ خيال الرِّوائي؛ كي يحلّقَ في معابر أسطوريّة من لونِ الفرح؟!

تدهشني طريقة سردكَ، لغتك الشِّعريّة تتداخلُ في متونِ رواياتكَ، فتغدو لغةً عصيّةً عن العبورِ، لكنَّكَ تتركُ مفاتيحكَ السّحريّة متناثرةً في عوالمِ النّصِّ الشَّفيفِ؛ كي يعبرَ المتلقِّي وهو غارقٌ في بهجةِ الاشتعالِ؛ اِشتعالِ خصوبةِ الكلمة؛ هذه الكلمة الَّتي تلتقطُها من أفواهِ النَّسيمِ العليلِ تارةً، ومن أفواهِ شهقةِ النَّيازكِ تارةً أخرى.

كيفَ تكتبُ عوالمَ رواياتكَ؟! من أين لكَ بهذه اللُّغة السَّاحرة، والتَّراكيب المبهرة الَّتي نادرًا ما أجدُ مثيلًا لها في عالمِ الحرفِ العربي؟! أنتَ الكردي المتغلغل في رحابِ الحرفِ العربي ببهجةٍ عميقةٍ، الملتصق في أدبِ الخصوبةِ؛ خصوبةِ الحرفِ وتجديدِ إيقاع لغة العصر، حداثة مترشرشة بنكهةِ العنبِ وتينِ الشَّمالِ، مع أنّكَ عبرْتَ التِّلالَ ومنعرجاتِ الغربةِ وأنتَ في باكورةِ عمرِكَ، فكانت دمشق ثمَّ بيروت وبعدها قبرص ثمّ استوكهولم محطّات بحثٍ عن لغزِ الحياةِ؛ لغز حروف مندلقة من مرتفعاتِ جبل جودي وبحيرة “وَانْ” حيثُ تسطعُ هناكَ أعشاب الرُّوح منذُ فجرِ التَّكوين!

عينان صخريَّتان مسربلتان بجموح انطلاقةِ شموخِ الغزلان، تمعنُ النَّظرَ في طيشِ الحياة، فتلتقط رذاذات طريّة لِمَا فات ولِمَا تبقّى من العمر؛ هذا العمر الَّذي تطحنُهُ جاروشات مجنونة في هذا الزَّمنِ الأحمق.

كيفَ تستطيعُ أن تتحمّل خشونةَ الجواريشِ المتهاطلةِ على شواطئِ الرُّوحِ وأنتَ متطايرٌ من دكنةِ اللَّيلِ في ليلةٍ قمراء، تائهًا في دهاليزَ غرباتٍ لا تخطرُ على بال؟! هل استطعْتَ عبرَ نداواتِ الحرفِ أن تعيدَ إلى صخبِ الرُّوحِ توازنها، أم أنّكَ تجدُ نفسكَ متأرْجحًا حتَّى في أعماقِ الحلمِ فوقَ شهقةِ البحارِ وأمواجِ ضجرِ المسافات؟!

تطاوعكَ مفرداتُ الحياةِ وكأنّها صديقة أهدابكَ المرتعشة من خشونةِ الرِّيحِ، كيفَ تنتقي هذه السِّياقات اللُّغوية وأنتَ غائصٌ في لجّةِ الأحداثِ؛ أحداث روائيّة شاردة عن صحارى العمرِ، تلملمُ خيوطَكَ وتبري قلمَكَ إلى أن يصبحَ حادًّا وكأنّه ساطور متناغم مع موسيقى حوافر الأحصنة وهي تعبرُ جبالَ متعرّشة فوقَ سفوحِها أغصان شجيرات التُّفّاح؟!

كم مرّة عانقكَ محمود درويش وهو يبتسمُ لمحيَّاكَ الرِّيفي الصَّاخب عشقًا وجموحًا وأنتَ مذهول بهذا الفرح المتهاطل من عيونِ درويش، فتقدحُ عيناك بهجةً وعناقًا معَ قومٍ ترشرشَتْ حياتهم بالدَّم منذُ أن فتحوا عيونهم على الحياةِ إلى الآن؟! بسمةٌ يانعة تزرعُها على هلالاتِ وميضِ عينيّ درويش وهو يقرأ بمتعةٍ منعشةٍ قهقهات روحكَ المنبعثة من شموخِ عوالم القصِّ المدبّقِ بعبقِ القصائد.

سليم بركات؛اِسمٌ على مسمّى، مُعافى من جنونِ العصرِ، ومزنّرٌ بالبَرَكاتِ، مَنْ منحكَ كُلَّ هذه البَرَكات؟! هل تنحدرُ من سلالةٍ بركاتيّة، أم أنَّ هذه البركات جاءت بكلِّ عفويَّتها متناغمة معَ بركاتِ الحرفِ الَّذي تدلقُهُ على خدودِ الصَّباحِ؟!

اتّصلتُ يومًابكَ فيما كنتُ غائصًا في غربةِ هذا الزَّمان، راغبًا أن ألتقيكَ برفقة الأب الشَّاعر يوسف سعيد، لكنّك كنتَ غارقًا حتَّى أذنيك في ترتيباتِ الانتقال إلى موجات جديدة من رجرجاتِ العمرِ، آنذاك، كنتَ قد حصلْتَ على مساحةٍ من الهدوءِ على أرضِ مملكةِ السّويد، محاولًا أن تفرشَ نصوصَكَ ورواياتكَ وأشعارك على تلالِ الحياةِ، مكالمة قصيرة؛ قصيرة للغاية. كنتُ أنوي يا صديقي أن أقدّمَ لك كأسًا من العرقِ؛ لعلِّي أخفّفَ من أوجاعِ الغربةِ؛ غربةِ البحارِ وغربةِ الإنسانِ معَ أخيهِ الإنسانِ، لكنَّكَ كنتَ على وشك الاشتعالِ؛ اشتعالِ بيادر استراحاتِ الانتقالِ، فأجّلنا اللِّقاء إلى أجلٍ غير مسمّى، لم نلتقِ، لكنَّنا على الأرجح سنلتقي .. دارت الأيام والتقينا عبر انبعاثِ حوارٍ حولَ جموحاتِ السَّردِ ووهجِ الشِّعرِ في “الغرفة الكونيّة”، في معالمِ جهة الشِّعر؛ جهة ولا أبهى، جهة متعانقة معَ خيوطِ الشَّمسِ عبر الأثيرِ، فلم أجدْ في حينها أعذب من عناقِ الحرفِ كمدخلٍ لأن نرفعَ عبره نخبَ الشِّعرِ وجموحَ الرُّوحِ على إيقاعاتِ اندلاعِ وهجِ رواياتِ وأشعارِ سليم بركات! .. 

سردُكَ مبهرٌ للغايةِ، .. تشمخُ عوالمُ روايتكَ “كهوفِ هايدراهوداس” عاليًا، تلامسُ مروجَ الأساطيرِ، تفتحُ لنا بوّاباتِ العبورِ إلى أعماقِ الكهوفِ بلغةٍ ساحرة، معجونة بإشراقاتِ خيالٍ مبلَّلٍ بخبايا أسرارِ الأساطيرِ، تصنعُ سردًا من شهقة غيمة معتّقة بأحلامٍ غابرة، مُسَربِلًا كائناتكَ بأشهى ما في مرامي الحياة من دهشةٍ وبهجةٍ في عبورِ أغوارِ عتمةِ الدَّهاليز، كأنّكَ في حالةِ إنشادٍ منبعثٍ من فراديسَ الأحلامِ، ومن هدير البرقِ، عابرًا متونَ الحرفِ بألغازٍ مكتنزةٍ بالطَّلاسمِ والتِّيهِ عن مساراتِ السُّؤال، عبر خيطٍ متشظٍّ إلى منعطفاتٍ مندلقةٍ من أقصى براري الخيال!  كيفَ تلملمُ هذه الحكايات في إيقاعِ سردٍ يفوقُ تدفُّقاتِ شهوةِ المطر، روحٌ معرّشة بخصوبةِ الشَّمالِ في صباحِ الأربعاء، صباحاتُكَ ربيعٌ مندَّى بحنينِ الحصَّادين وشوقِهم العميقِ إلى حصادِ باقاتِ السَّنابل؟!                                  

ماهذه الفراسخ المدهشة الَّتي تفتحُها وتفرشُها أمامنا على طبقٍ من يراعِ الإبداعِ الرَّصينِ، من خلالِ رواية “دلشاد، فراسخ الخلود المهجورة”، نوغلُ في مساحاتٍ فسيحة وباهرة عبر رحلةٍ في عرينِ الأدغالِ؛ حيثُ الكهوفِ المكتنفةِ بالأسرارِ في انتظارِ العبورِ إلى دهاليزِها العابقة ببخورِ الأزمنة العتيقة؟!

تنحتُ حرفَكَ فوقَ وجنةِ هذا الّزمن والأزمنة الآتية، لغةٌ معتّقةٌ بجمرةِ الحنينِ إلى أعذبِ ما في تدفُّقاتِ الخيالِ، تفرشُ أمامنا أهازيجك ورؤاك وأحلامك المعشَّشة في عامودة والقامشلي وسهولِ ديريك، مركّزًا على قمّةِ جبالِ “بِيْخِيْر” الَّتي تناجي نجومَ اللَّيلِ في مساءاتِ الصَّيفِ، لغةٌ قزحيّة متلألئة بموشورِ مذهَّبٍ بأحلامِ “دلشاد”، وصلابةِ الكوردِ وهم يتوغَّلون في أعماقِ الكهوفِ، يُفكِّكُون طلاسمَ العبورِ في تجاويفِ اللَّيلِ، موجّهين أنظارهم نحوَ خبايا الكهوفِ المحصّنة في أعالي الجبال. “دلشاد”، تدفُّقٌ على إيقاعِ هفهفاتِ المطرِ؛ رحلةٌ مفعمةٌ بالطَّلاسمِ والولوجِ في تكويرةِ الأسرارِ المنقوشة فوقَ جلدِ الغزالِ!    

يغوصُ الرِّوائي عميقًا في الانتقادِ؛ فمن المعلومِ أن يكونَ الفقهاء فقهاء التَّنوير، إلَّا أنَّ بركات يراهم يسيرون في دكنة اللَّيل؛ لهذا أطلقَ على إحدى رواياته عنوان: “فقهاء الظَّلام”، وكأنّه يريد أن يقول لنا: رؤاهم مظلمة للغاية، بلغةٍ محبوكة وسردٍ ثريّ في بناء عوالم الرِّواية، حيثُ نتلمَّسُ لغةً متدفّقة بحفاوة أسطوريّة في كيفية سبكها وبنائها وربطها في حيثيات الحكايات الَّتي تتوالد في أجواءٍ مدهشة، لغةٌ ساحرة، بمضامينها، بتراكيبها، يخلق جوًّا فريدًا، يتخلَّله رؤية تنويريّة، من خلال تجسيد شخصيّة محوريّة باسْمِ “بيكَس” والَّتي تعني لُغويًا: لا أحد لديه؛ لا أهل لديه!                                          

يتطرَّق الرِّوائي المبدع سليم بركات عبر روايته “فقهاء الظَّلام” إلى تجسيد أنين الكورد وأنين الإنسان، بأسلوبٍ عميق ولغةٍ مجبولة بآهاتِ السِّنين، فارشًا فضاءات روايته في ربوع القامشلي وبراريها، مركّزًا مهاميزه على الكثيرِ من الأغلاطِ والعذاباتِ الّتي تتفاقمُ يومًا بعد يوم في الذَّاكرة والحياة الَّتي يعيشُ فيها أهل الشَّمال، متسائلًا: متى سيحلُّ السّلامُ والأمانُ في هذه الرّقعة العابقة بالحميميَّة، المحفوفة بذاكرة معتّقة بالحنينِ إلى رائحةِ الكرومِ والسَّنابلِ والبيادرِ الَّتي أغدقَتْ علينا خبزَ التنّور المقمَّر؟!

يعود بركات استكمالًا لرواية: “كهوفِ هايدراهوداس”، يكتبُ لنا روايةً بأبعادٍ ملحميّة رحبة، متشرّبة بكهوفِ هذه العوالم بعنوان: “حوافر مهشَّمة في هايدراهوداهوس”، تحملُ بين طيّاتها غرائبيّة بديعة في تقنيّات السَّرد، عبر حكايات جسّدها بطريقةٍ أسطوريّة؛ حيث يمنحُ عبر روايته طاقات بشريّة وطاقات حيوانيّة لشخصياته الَّتي يبتكرها بأسلوبٍ مدهش، ومختلف عمّا تطرّقت إليه ملاحم أخرى، ويُسقِطُ على ملاحمه رؤاه وأفكاره وتطلُّعاته بطريقةٍ مُشوِّقةٍ، وبلغةٍ خارجة عن المألوف العربي، وكأنَّه متخصِّص بإبداع لغة تتجاوز اللُّغة العربيّة في بنائها الفنِّي والسَّردي والإبداعي!                         

يتميَّز المبدع سليم بركات بلغة مكثّفة؛ عميقة، غنيّة بالمفردات واصطلاح الصّياغات الجديدة، وكأنّنا إزاء عاصفة لغويّة هائجة بشهوةِ سُبورِ أعماقِ ما في اللُّغةِ من طاقاتٍ كامنةٍ في خيالِ المبدعين؛ لغّة متعانقة في أجواءٍ سرياليّة، رمزيّة، تجريديّة، تحملُ بينَ جوانحِها انبعاثات ملحميّة، ومطلسمة في الكثيرِ من فضاءاتِها بتدفُّقاتِ خيالٍ شعري في إيقاعٍ سردي غريب ومدهش، لغةٌ عاجّة بالألغازِ والأحلامِ الوارفة، يبحرُ عميقًا في اقتناصِ هواجسه المنسابة على نصاعةِ الورق، وكأنّه حالة حلميّة لغويّة متدفِّقة من تضاريس معرّشة في جموحاتِ الخيال؛ حيثُ نراهُ يغوصُ عميقًا وينبشُ من خصوبةِ براري الخيالِ أشهى ما في مذاقِ اللُّغة من شهقةِ الاندهاشِ، لينقشَ عبرَ قوافل مهاميزه السَّابرة في دهاليز لا تخطر على باللغةً مخضّبةً بأكسيرِ الحياةِ فوقَ عوالم أرضٍ بكرٍ، فيتلقّفها القارئ بمتعةٍ غريبةٍ ولذيذةٍ، فاتحًا محجريه بذهولٍ واندهاشٍ كبير! تقطرُ نصوص وقصائد سليم بركات بطاقاتٍ فنّيّة خلَّاقة؛ حيثُ نراهُ يتألَّق في بنائِه الشِّعري، مثلما يتألَّقُ في ملاحمِهِ الرِّوائيّة الشّامخة شموخَ الجبال. أديب بديع تَرَهْبَن لشهوةِ الحرف والنَّصِّ والقصِّ والسَّرد، موغلًا في تقنياته اللُّغويّة المذهلة نحوَ المرافئ الصَّافية، يعجن حرفه بمذاقات باهرة، ويحلِّق عاليًا نحو بحبوحة الشِّعر، مغترفًا من مخياله المفتوح على رؤى إنسانيّة رصينة راقية في خلق عوالم شعريَّة خصبة، معشوشبة بلغةٍ مجنّحة نحوَ صفوةِ الشِّعرِ الزُّلال.                   

منحَ الأديب المبدع سليم بركات للشعر مذاقًا شهيًّا طازجًا، وبُعدًا شامخًا في بوحِ تدفُّقاتِ الخيالِ، بأسلوبِ شاعرٍ خلَّاقٍ في بناءِ أجنحةٍ جديدةٍ للغةٍ تطيرُ على شساعةِ التَّاريخِ، ملامسًا كهوفَ الجنِّ، كأنّه يستمدُّ جموحاته الشِّعريّة من ملاحم شعريّة متشرّبة في كيانِهِ منذ آلاف السِّنين حتَّى الوقتِ الرَّاهن.                                                                

توقَّفتُ طويلًا عند شعره الأخَّاذ، الفريد، المكتنف بالأحاجي الشِّعريّة والمكتنزِ بالطَّلاسمِ والرّموزِ والصُّورِ السُّورياليّة. يصيغُ نصَّه بغرائبيّة باذخة عبر تدفُّقاتِ شهقاتِ الخيال، يلتقطُ صورَهُ الشِّعريّة  بطريقةٍ تفوقُ جموحات الخيال وغير قابلة للفهم في بعض الأحيان. يحوّل الخيال إلى واقع عبر لغة متمرِّدة تحملُ بين تجاعيدها الكثير من الأحلامِ الغابرة، كأنّه في رحلةٍ خياليّة نحو عالمٍ غير مرئي، وكانّه يريدُ أن يستعيدَ أمانيه وتطلُّعاته وآفاقه المبدَّدة عبر اللُّغة؛إنقاذًا لرغباتٍ مقموعة خلال مراحل انكسارات عمره عبر محطّاته المتشظِّية من بؤرةِ اشتعالاتِ المكان، فتنَقَّلَ من مكانٍ إلى آخر؛ بحثًا عن قلمٍ يغلّفُهُ قليلًا من الهدوءِ؛ كي ينقشَ لنا أحلامَهُ الشِّعريّة الهادرة كالبركان!                                                     

سليم بركات؛ وشمٌ مبهرٌ في اخضرارِ مروجِ القصيدة العربيّة، حالة شعريّة عجائبيّة؛ لغةً، بناءً، سردًا، وجموحًا في الخيال. يكتبُ شعره بشراهةٍ مطريّة معتّقة بحنينِ الرُّوح إلى اكتشافِ خفايا أسرار الدَّهاليز. يتداخل نصّه الشِّعري مع عوالم سرده البديع، فيشكِّلا حديقة مكتنفة بأشجارٍ باسقة، متداخلة فيما بينها، تمرحُ في حدائقِهِ أغرب الكائنات والأعشاب والطُّيور من كافّة العصور، مجسِّدًا لنا أدبًا صافيًا يعكس سيرورة شاعرٍ وروائيٍّ معجونٍ من شهقةِ إنسانٍ، يستأنسُ مؤانسةَ الإنسان؛ لهذا نراه ينظر أبعد ممّا يتيحُ له المداد من فسحةِ التَّأمُّلِ، فيبني عبر خياله ممالكَ الإنسانِ المنهارة، ومن خلالِ هذه الرُّؤية يبدو وكأنَّه غيرراضٍ عن واقع الحال؛ حاله وحال إنسان هذا الزّمان؛ لهذا يصنعُ لنفسه عالمًا خياليًّا بديعًا، بعيدًا عن تصدُّعات ما يراه من خرابٍ في تطلُّعاتِ ما يمورُ في أعماقِ إنسان هذا الزَّمان!     

ستوكهولم: (2016).

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.

عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).

الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏ و‏ماء‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

نتابع تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..حلَّقَ الشَّاعر #محمَّد_ الماغوط.. عاليًا في تجلِّيات حرفه .. إلى أنْ لامسَ غمامَ السَّماءِ.. وتربَّعَ فوقَ مروجِ الشِّعرِ الصَّافي ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الأول..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏

حلَّقَ الشَّاعر محمَّد الماغوط عاليًا في تجلِّيات حرفه

إلى أنْ لامسَ غمامَ السَّماءِ وتربَّعَ فوقَ مروجِ الشِّعرِ الصَّافي

محمَّد الماغوط

(19)

 

محمّد الماغوط شاعرٌ محبوكٌ بتلألؤاتِ النّجوم، غاصَ حتّى النّخاع في روابي الأنين، حلَّقَ عاليًا في تجلِّياتِ حرفِهِ، إلى أنْ لامسَ غمامَ السّماءِ. تربّعَ فوقَ مروجِ الشِّعرِ الصّافي، كتبَ شعرًا منسابًا من رحيقِ الزُّهورِ ونكهةِ الأرضِ المكلَّلة بالسَّنابل، حاملًا فوقَ أجنحتِهِ أوجاعَ البلادِ؛ ابتداءً من شواطئِ البحرِ حتّى أقاصي الصّحارى والبوادي. امتازَ شعرُهُ بمذاقِ الحياةِ بكلِّ تفاصيلها وحفاوتها كأنّه وُلِدَ كي يكتبَ شعرًا من خميرةِ الأرضِ، من غبارِ العمرِ، من رحيقِ الدّالياتِ، من آهاتِ السِّنينَ، من عذاباتِ الآباءِ والأمّهاتِ، من أوجاعِ الأوطانِ، من شهوةِ الأحلامِ، من رحمِ الحياةِ!

رسمَ الماغوط أحزانَ اللَّيلِ والنّهارِ، جراحَ الرُّوحِ الموغلة في الأسى، متوقِّفًا عندَ أحزانِ الأزقّةِ والأحواشِ العتيقة، وأنينِ المدائن، مسلِّطًا حبرَهُ فوقَ غدرِ الصَّولجانِ. واجه قلمُهُ مساحاتِ القُبْحِ المهيمنة على صدرِ البلادِ والعبادِ، غيرَ آبهٍ ببريقِ السُّيوفِ ولا باجتياحِ لغةِ النَّفيرِ لكبحِ الرُّؤى، مدافعًا عن حليبِ الأطفالِ، وعن موتِ الأحلامِ في الصّباحاتِ الباكرة، مدافعًا عن شهيقِ الحرّيّة والأمانِ ومرامي الوئامِ.

جسَّدَ تفاقمات أوجاع الرّوحِ المستشرية في دنيا من بكاء، وكتبَ عن عذاباتِ الشُّعراءِ في عتمِ اللَّيلِ. مرارًا تساءلَ عن أسبابِ تصدُّعاتِ العمرِ في كلّ مراحلِهِ وشيخوختِهِ. قرأ انشراخات اليوم على مدى نهارِهِ وليلِهِ، وكتبَ رؤاه الشَّعريّة ومسرحيّاته من وحي وقائع الحياة بكلِّ منعطفاتِ واقعِ الحالِ، مركّزًا مبضعه على كلِّ ما هو سلبي في الواقعِ الحياتي؛ كي يستأصل الثّآليل والنّتوءات العالقة في طريقِ المظلومين والمقهورين، ولم يتردَّد أن يضعَ يدَهُ عبر حرفه على الجراحات الغائرة، مُشيرًا إلى كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ وكأنّه مرآة عاكسة لواقعِ الحالِ، بأسلوبٍ سهلٍ وعميقٍ، وأعطى لقصيدةِ النّثرِ فضاءً شاهقًا كأنّه يلخِّصُ أنينَ المواطنِ والوطنِ معًا. إنّه موسوعة شعريّة أدبيّة فكريّة نقديّة لكلِّ ما رآه، ضاربًا عرض الحائط بمنعكسات ما يترتّب عن نصوصِهِ طالما تنبعُ من أعماقِ أعماقِهِ الرّهيفة الصّادقة!

رأى الماغوط أنَّ الرّوحَ تتلظَّى تحتَ سياطِ القهرِ والتَّسلُّطِ، فنهضَتْ روحُه من بين الرّمادِ؛ كي تعبِّرَ عن آفاقِهِ وتجلِّياتِهِ، فكتبَ برهافةٍ عالية عن اشتعالاتِ الرّوحِ والقلبِ، فجاءتْ كلمته معبِّرةً أحسنَ تعبير دون أيّةِ رتوشٍ، صافيةً مثلَ حبّاتِ المطرِ. تمتّعَ بجرأةٍ نادرةٍ في بوحِ رؤاه، غير مكترث لأيّةِ رقابة، طالمًا تنبعثُ كلمته من مشاعرِهِ الصَّادقة كما يرى ما يكتبُهُ حرفًا حرفًا، فكتبَ عن الواقعِ الشّرقي العربي والسُّوري بكلِّ مراراتِهِ وآهاتِهِ وانشراخاتِهِ، وكأنّهُ يعاينُ الواقعَ بمجهرٍ دقيق ويسجّلُ وقائع الأحوال. كان لكلمته صدى كبير في قلوب القرّاءِ والقارئات إلى أن غدا شاعرًا له قامته الشِّعريّة الشّامخة وكاتبًا مسرحيًّا بامتياز؛ ممّا دفع الفنّان الكبير دريد لحّام الاشتغال على مسرحيّاته وقدَّمها مع فرقته فوق أرقى المسارح، إلَّا أنَّ الماغوط حلَّق عاليًا في تجلِّيّاته الشّعريّة ورفع من شأن قصيدة النّثر العربيّة إلى أرقى فضاءاتها الخلّاقة.

فاجأني عندما صرّح في لقاءاته أنَّ ما كتبه في بداياته، ما كان على علمٍ أنّه يكتبُ شعرًا، بل كان يكتب ما يجيش في صدره وعوالمه من مشاعر وأحاسيس، وإذ بها رحيق الشّعر، وأكثر ما تميّزَ به الماغوط هو صدق مشاعره وأحاسيسه النّابعة من أعماقه، وطاقته المدهشة في صياغة نصّه بسخرية عميقة هادفة ولها مدلولات إبداعيّة راقية، ومع أنّه كان كتلة متواصلة ومتتالية من الأحزان والهموم، مع هذا تميّزَ بروحِ الدُّعابة والفكاهة والسُّخرية من كلِّ شيء؛ حتَّى من ذاته وكل ما يتعلَّقُ به، وهكذا جابه كلّ شيء بحرفه وشعره وكتاباته؛ كي يحوِّل كل هزائمه إلى إبداع خلّاق، وأدهشني عندما سمعته يقول في إحدى حواراته التِّلفزيونيّة “قصّة حلم”: “أنا منذ تعلَّمْتُ الحروف الأبجديّة، لم أتوقَّف عن الكتابة وعن العطاء، وبحب الخسارة، بحب دائمًا أخسر”! حقيقةً أدهشني حبُّه للخسارة وليس للربح، وبرأيي أن نزوعه نحو الخسائر ناجم عن أنّه لم يرَ حوله ما يربحه إلّا الكتابة، لهذا فكل ما كان يخسره ما كان يغيظه؛ لأنّه ما كان مهتمًّا على ما يبدو بالرِّبح المادِّي، بقدر ما كان يهتمُّ بالرِّبح الإبداعي، ولهذا عاش طوال حياته مكرّسًا نفسه للكلمة الخلّاقة والإبداع، معتبرًا ابنتيه شام وسلافة كنزه الّذي لا يضاهيه كنزٌ آخر في العالم، وبهذا ممكن أن نعتبرَ الماغوط شاعرًا كونيًّا في رؤاه وعالمه الإبداعي، زاخرًا بآفاقٍ عالميّة من حيث الأفكار والرّؤية الفسيحة على مدى رحلته في الكتابة، منذُ أن حمل القلم حتّى آخر لحظة في حياته، وكان متمرّدًا منذ طفولته وصباه على الطّغيان والتّسلّط، وظهر هذا واضحًا في فضاءات شعره، وعبَّر عنه بسخرة مريرة، وجرأة غير مسبوقة، ومع كلِّ ما كان يعانيه من أحزانٍ ومراراتٍ، فقد كانَ متفائلًا يضحكُ مقهقهًا في وجهِ الأحزانِ، ويحوِّل كلّ أحزانه بجرَّةٍ قلمٍ إلى فرحٍ ومرحٍ أثناءَ لقاءاته من أصدقائه ومعارفه.

جمح الشَّاعر المبدع محمَّد الماغوط في متون شعره نحو فضاءات السّرياليّة الرُّومانسيّة برهافةٍ باسقة، مستخدمًا ترميزات بديعة؛ فكاهيّة تارةً وساخرة مريرة تارةً أخرى، كما كتب بواقعيّة مدهشة، كأنّه يسجّل وقائع ما يراه وعاشه في الحياة، وهكذا مزج ما بين الرُّؤية الواقعيّة لمشاهداته ومماحكاته في الحياة وتجلِّياته الشِّعريّة الخلّاقة نحو فضاءات التّرميز والعمق الرُّومانسي والسّريالي، حيث كان يرتئي أحيانًا أن يتوارى خلفَ صوره الشّعريّة بحذاقة وحرفيّة عالية، ليس خوفًا من الرّقيب؛ وإنَّما رغبةً منه في الغوصِ عميقًا في انبعاثاتِ حبقِ الشِّعرِ، كم كانت صداقاته مع المبدعين والمبدعات بديعة! وفيها قفشات طريفة ومصارحات بديعة، ومع كل ما كان يحصل من اختلاف في وجهات النّظر، كان ودودًا ومحبوبًا من قبل أغلب الأصدقاء الّذين عرفوه وعاشوا معه، وأحبّهم هو الآخر حبًّا صافيًا عميقًا، كما أحبَّ دمشق كأنّها قصيدته الأزليّة المفتوحة على جراح الرّوح، وأنسنَ الأشياء والأمكنة الّتي أحبّها، فكتبَ لدمشق شغفه وحبّه العميق لها كما كتبَ أجمل القصائد عن حواريها وأزقّتها ومقاهيها وفضائها السّاحر وعن قاسيون وبردى.

يعدُّ المبدع محمّد الماغوط ظاهرة أدبية شعريّة، خارجًا عن المألوف، وخارجًا عن السّرب، أطلقَ العنان لخياله وكتبَ ما يجول في خاطره بكلِّ مصداقيّة وأريحيّة لا رقيب لديه إلّا حرفه وقلمه. كان شاعرًا حلميًّا، وأكّد في كتاباته ولقاءاته أنه سيظلُّ يحلم ويكتب عن أحلامه وأمانيه؛ كي نوفِّرَ للإنسان العربي والشّرقي لقمته وكرامته، وكأنّه بقوله هذا يؤكِّد أن لا كرامة للعربي ولا لقمة عيش كريمة له، فلِمَ لا نسعى إلى تأمين الكرامة ولقمة العيش له.

قرأتُ كل دواوين الماغوط، وأغلب مسرحيّاته وولدَ معي نصّ من وحي فضاءاته الرّحبة، أدرجته في الجزء العاشر من أنشودة الحياة، تحت عنوان: “ماغوط، حزنكَ ينبعُ من آهاتِ البشرِ”، وتمَّت ترجمة هذا الجزء مع الأجزاء العشرة إلى اللّغة الإنكليزيّة عن طريق المترجم سلمان كريمون وصدرَ في واشنطن عن دار صافي للنشر والتّرجمة والتَّوزيع في مجلّد خاص، قبل أن يصدر المجلّد بالعربيّة كتابًا ورقيًّا!

وفيما كنتُ أقرأ دواوينه، انتابني مرارًا أنّني عثرْتُ على كنزٍ شعريٍّ ثمين؛ لِمَا كان لحرفه وقعٌ على رؤاي وأفكاري وخيالي وعالمي؛ لأنَّ الماغوط يخاطب القلب والرُّوح عبر شعره ونصوصه وكتاباته، فهو شاعر الكلمة الصَّافية صفاء النّسيم المنبعث من غابات الحنين، وأجمل ما في عوالم الماغوط أنّه لم يخطِّط أن يكونَ شاعرًا، بل جاء إلى الشَّعر؛ لأنّه شاعرٌ بالفطرة؛ ولأنّه ترجم مشاعره وانكساراته وأحزانه بطريقته الخاصّة، وإذ به يكتب شعرًا راقيًا دون أن يدري أن ما يكتبه هو من رحيق الشّعر الصّافي؛ لأنّ قصيدة النَّثر –آنذاك- ما كانت منتشرة، لهذا كتب قصيدة النّثر على السّليقة وبحسب ما تمليه آفاقه ومشاعره، وغاص شيئًا فشيئًا في فضاءات الشِّعر إلى أن أصبح شاعرًا طافحًا بعطاءات شعريّة خصبة، تضعه في مصاف الشّعراء العالميين؛ لما في عالمه الشّعري من جموحات وآفاق شعريّة رحبة، قلّما نرى في دنيا الشّرق والعالم العربي مَنْ عبَّرَ عنها الشُّعراء مثلما عبَّرَ عنها الماغوط؛ لأنّه ترجم مشاعر ملايين النّاس عبر نصوصه، حاملًا همومه وهموم الإنسان أينما كان؛ خاصّة هموم المواطن الشَّرقي والسُّوري، فجاء نصّه مفتوحًا على أحلام ملايين النّاس؛ لهذا أحبّه الملايين ووصل إلى أعماق قرّائه وقارئاته، وسيبقى الماغوط شاعرًا سامقًا ومسرحيًّا باهرًا، تصلُ كلمته وشعره وأدبه إلى قلوب الملايين على مرِّ الأجيالِ القادمة!

 

ستوكهولم: (12/ 9/ 2019).

  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم المؤلِّف: صبري يوسف.

عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).

الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :

نتابع تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef.. النَّحَّات السُّوري #إلياس_ نعمان.. ينحتُ أعماله بكلِّ مشاعرِهِ..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الأول..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ و‏ماء‏‏‏

 

ينحتُ النَّحَّات السُّوري إلياس نعمان أعماله بكلِّ مشاعرِهِ

لأنَّهُ يجدُ عبر النَّحت ذاته التَّوَّاقة إلى أقصى مرامي الإبداع!

إليالس نعمان

(11)

 

إلياس نعمان نحّات سوري مبدع في تقنيّاته الفنّيّة المدهشة، مواليد يبرود، إحدى المدن المتاخمة لياسمين دمشق، فنّان عميق الرّؤية والخيال، مترهبن للنحت والفنِّ والإبداع. يمتلكُ خيالًا جامحًا وأفكارًا جديدة في كلِّ عملٍ ينحتُه ببراعةِ فائقة، مركّزًا على إزميله ومطرقته دون استعمال أيّة أدواتٍ كهربائيّة، مستوحيًا من ثقافته وإرثه الحضاري والتّاريخي أفكار منحوتاته وتجلّياته الشَّاهقة بحرفيّة وشغفٍ عاليَين، ينظرُ إلى النّحت كحلمٍ مفتوح على مرافئ الدّنيا، حيثُ يعملُ لساعاتٍ طوال وهو يستمع إلى الأوبرا برهافةٍ عالية وصبرٍ منقطع النّظير، كأنّه يريد أن يدخل أنغام الموسيقى إلى تقاطيع ومنحنيات منحوتاته،، فتأتي إيقاعات إزميله موائمة لأنغام الأوبرا، كأنّه في رحلةِ فرحٍ وعشقٍ إبداعي لا يُضاهى.

ينحتُ أعماله بمتعةٍ لا مثيل لها، وهذا ما قاده أن يحقِّقَ نجاحًا وحضورًا متميّزًا وتفرُّدًا مبهرًا في تقنيّاته الّتي ابتكرها خلال رحلته البديعة في عالم النّحت، مستلهمًا من فضاءات رؤاه وتجاربه وخبراته وثقافته العميقة في الفنِّ وتاريخ الفنّ الشَّرقي والغربي؛ فهو يمتلكُ ثقافتَين موغلتَين في أعماقِ الفنِّ والإبداع الرّصين، فاستمدَّ الكثير من التَّجلِّيات من دراساته لتاريخ الفنِّ واطلاعه العميق لفنون بلاد الرّافدين ووادي النِّيل والإغريق وعصر النّهضة والفنِّ العالمي، فولدت منحوتاته من رحمِ خيالٍ مجنّحٍ نحوَ أرقى منائر الإبداع، كأنّه جاء للحياة خصيصًا ليترجم هذه الخصوبة الفنّيّة بكلِّ تفرّعاتها المتربّعة على مساحات أجنحته المرفرفة على مرامي طموحاته الممتدّة من دنيا الشَّرق بكلِّ حضارته وتراثه وثقافته، مرورًا بالحضارة الغربيّة والعالميّة بآفاقها الرّحبة، مركّزًا ومتشرّبًا بفنون عصر النّهضة، ومغذّيًا تدفّقاته من ثقافته العميقة في تاريخ الفنِّ عبر كافّة العصور، مستخلصًا لنفسه أسلوبًا خاصًّا به وبعالمه وخياله وآفاق رؤاه، فجاء الإنسان هدفه الأوَّل، وولدت منحوتاته ونُصبه الكبيرة بطريقة خلّاقة كأنّها تنطقُ شموخًا باهرًا؛ لما يحمله من آفاق رهيفة ومدهشة للغاية. يعمل بصبرٍ طويل واستمراريّة غارقة في العطاء، كأنّه في حالةِ توحُّدٍ وعناقٍ مع إيقاعِ مطرقته ورهافةِ إزميله وهو يسمعُ إلى موسيقى الأوبرا بشغفٍ كبير.

مرارًا صعدَ إلى جبالِ يبرود في طفولته ممعنًا النّظر في سلسلةِ جبال يبرود الّتي تشكّلتْ في مرتفعاتها ما يشبه التّاج، ترسّخَت هذه الجبال في ذاكرته إلى أن ظهرت تكويراتها في شموخِ منحوتاته الّتي نحتها وهو في أوجِ حنينهِ لياسمين الشّام ومرتفعاتِ يبرود. يكبرُ الفنّان وتكبرُ طموحاته، وانشغاله بالطَّبيعة، بجمالِ الأشجارِ، بألعابِ الطُّفولةِ والصِّبا والشَّباب، ويتنامى شغفه بالكتلة من خلالِ اشتغاله معَ والدِهِ بالنّجارة في باكورةِ عمره، كان حلمه شاهقًا لمتابعة دراساته العليا في إيطاليا، وبعد تخرّجه في كُلِّيَّة الفنون الجميلة بدمشق، تابع تسجيل دراساته للماجستير، وفي الوقت نفسه تقدَّم لمتابعة دراساته في جامعات إيطاليا، فورده الموافقة علىدراسة النّحت في جامعة كرارة في إيطاليا، فقطع دراساته في الماجستير ليتابع دراساته العليا في إيطاليا؛ بلاد الفنِّ والنّحت والفن العالمي العريق، وكم سرَّه وشعرَ بالزُّهوِّ في أوَّلِ يومٍ يصلُ إلى إيطاليا ويتمشَّى في شوارعِ روما، عاصمة النّحت والفنِّ البديعِ ويشاهدُ المنحوتات في الشّارعِ وجهًا لوجه، متسائلًا بفرحٍ كبير: هل من المعقول أن أرى ما قرأته في كتبِ تاريخِ الفن بأمِّ عيني على أرض الواقع؟!

درسَ بهمّة عالية وطموحٍ يلامسُ شموخَ الجبال، ونجح بتفوّقٍ، وقدّم بحثًا حولَ رحلته في النّحتِ من الشّام إلى إيطاليا، والبديع في الأمر أنَّه أثناء تخرّجه قال له المشرف على مشروع التّخرج:إنَّكَ يا إلياس تشبه وجه آشوري، فسرَّه هذا التّشبيه؛ لأنّه من حضارة آشور وسومر وأكّاد وحضارة بلاد الرّافدين، حضارة الشّام وآرام، حضارة الحرف الأوّل والإبداع الرَّصين.

يشتغلُ النّحات إلياس نعمان بمتعةٍ غامرة على حجرِ المرمر، مستخدمًا يديه وأزاميله، ولا يستخدم نهائيًّا الآلات الكهربائيّة، معتبرًا العمل بالمطرقة والإزميل هو الإحساس الدّافئ الصّادق الّذي يجمعه بعمله النّحتي؛ لهذا، يعمل على منحوتاته بعشقٍ لا يُضاهى كمَن يشتغلُ على الألماسِ والذّهبِ الخالصِ. تهدهدُ ضربات إزميله إيقاعات موسيقى الأوبرا، ويعمل دون كللٍ ساعاتٍ طويلة كأنّه في محرابِ النّعيمِ، مركّزًا على الإنسان ومراميه الغزيرة في الحياةِ؛ لأنّه يرى أن الإنسانَ هو موضوعه الأساسي في النّحتِ؛ لأنَّ الإنسان هو جوهر الحياة، فلِمَ لا يكون هو الآخر جوهر عمله الفنّي؟! ولا تستهويه الأعمال التّجريديّة؛ لأنّها لا تعكس أهدافنا ومشاعرنا وتطلُّعاتنا مثلما تعكسها الشّخوص، وغالبًا ما ينحت المرأة والرّجل والأطفال، والأسرة. وعندما ينظر المشاهد إلى منحوتاته، يلاحظ أنّه أمام موضوع معيَّن لكلِّ منحوتة؛ حيث يرسمُ منحوتته ضمن سياق أفكار معيّنة ويترجمها بطريقة مدهشة، وأجمل ما في أعماله، أنّه يترك جزءًا من حجر المنحوتة، فتبدو المنحوتة محفورة في قلب المرمر وتبدو جميلة للغاية ككتلة فنِّيّة بما تبقّى من الحجر على أطراف المنحوتة وتصبح إطارًا فنِّيًا للمنحوتة، ويشعرُ بالزُّهوِّ عندما ينتهي من كلِّ عملٍ من أعماله. للمرأةِ باعٌ كبير في منحوتاته، يبدو شاعرًا بديعًا في نحْتِ المرأة، ينحتها بطريقةٍ شاعريّة رومانسيّة مبهرة، تبدو كملكة، كأُمٍّ، كعاشقة، كحبيبة في أوج حنينها لحبيبها، كمبدعة، كإنسانة جميلة كأنّها موسيقى الحياة بكلِّ بهائها. أشعرُ وأنا أشاهد منحوتاته أنّني أمام عاشق شاعري رهيف الإحساس تجاه بهاء المرأة، ويبدو من خلال أعماله أنَّ لديه طاقات عشقيّة فريدة من نوعها تجاه هذا الكائن الجميل (المرأة) والّتي تبدو وكأنّها جنّة الإنسان على الأرض وهديّة الهدايا؛ ولهذا ينحت تفاصيل بهائها بطريقةٍ انسيابيّة متفرّدة!

ينحتُ بكلِّ جوارحِهِ ومشاعرِهِ؛ لأنّهُ يجدُ عبر النّحت ذاته التَّوّاقة إلى أقصى مرامي الإبداع؛ لأنَّ النّحتَ هو هدفه الأوّل والأخير في الحياة، لهذا يصبُّ كلّ تجلِّياته بلذّة ومتعة غير مسبوقة، لهذا نراهُ غائصًا في أدقِّ التّفاصيل وكأنّهُ في رحلةٍ حلميّةٍ مبهجةٍ للروحِ خلالَ انغماسه في تشكيل منحوتاته الفنّيّة، فيستمرُّ طويلًا بكلِّ شغفٍ دون أن يراوده أي كللٍ أو مللٍ؛ لأنّهُ يستمدُّ طاقاته باستمراريّة حاذقة كي ينفِّذَ برامجه ومشاريعه الفنّيّة ويواظب عمله وهو في أوجِ لياقته وصفاء ذهنِهِ وقدراته في ترجمةِ مشاعرِهِ الخلّاقة.

يرى النّحات إلياس نعمان أن للفنِّ لغة كونيّة تتعانقُ مع بقيّة فنون العالم، وهو مقياس تقدُّم البلاد واستنهاض الحضارات الإنسانيّة في سائر أنحاء المعمورة، محاولًا أن يبدع أرقى ما لديه؛ كي يقدَّمَ الأجمل، ويبيِّنَ للآخر أنّنا كنّا ومانزال أصحاب حضارات فنِّيّة وثقافيّة وفكريّة شاهقة. ويميل إلى اللِّقاء بالفنّانين والفنّانات بالمشاركة في الملتقيات والمعارض الدَّوليّة؛ كي يتبادلوا الخبرات الفنّيّة والتِّقنيّة، ويطلع بعضهم على أعمال بعض، وكل هذا يُسهم في رفع وتعميق مستوى الفنّان.

شعرَ ببهجة وفوز غير مسبوق وهو يشارك في ملتقى بالأرجنتين عام (2012) في بينالي دل تشاكو ضمن مسابقة مباشرة، وكان يحضر آلاف المشاهدين يوميًّا، وصوَّتَ الجمهور على أجمل عمل نحتي، ففاز بجائزة تصويت الجمهور، معتبرًا هذه الجائزة من أرقى الجوائز؛ لأنّها نبعت من الجمهور وهو يعمل المنحوتة أمامهم، كما حقَّقَ فوزًا آخر في متلقيات أخرى بتصويت الجمهور، وهذا يدلُّ على نجاحه الباهر، وتحقيق الأجمل بين الفنّانين المشاركين والمشاركات، وقد حقَّق نجاحًا وفوزًا وحضورًا وتقدُّمًا عن الكثير من الفنَّانين والفنّانات في معارضه ومشاركاته في العديد من الملتقيات الدَّوليّة، كما شارك في العديد من الصُّروح والنّصب التّذكاريّة بنجاحٍ كبيرٍ في الكثير من عواصم ومدن العالم.

قدَّم النّحّات المبدع إلياس نعمان ابن يبرود، أعمالًا نحتيّة عالميّة في ملتقياته ومعارضه الفرديّة والجماعيّة، وخلَّد اسمه في سجلِّ المبدعين العالميِّين، ورفع اسم سوريا عاليًا كفنّان آتٍ من معقل الفنون ومكمن الحضارات الّتي قدّمت عبر تاريخها الموغل في القدم، أبدع ما يقدّمه الإنسان للعالم، وبهذا يكون قد ترجم على أرض الواقع أنَّ سوريا كانت وستبقى أمُّ الحضاراتِ، ومنبع الإبداعِ والنّحتِ واللَّونِ والإيقاعِ والضّوءِ والحرفِ والجمالِ. ترفرفُ في معراجِ الحلمِ وخيالِ المبدعين، وقد نحَتَ سوريا عبر إبداعه منحوتةً معبّقةً باخضرارِ الحنطة والعطاءات الخلّاقة وهي تشمخُ بمبدعيها بمختلف تجلِّياتهم أمام العالم أجمع!

ستوكهولم (11/ 9/ 2019).

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏ ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم المؤلِّف: صبري يوسف.

عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.- مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).

الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :

 

نتابع تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الأديبة #حياة_ قالوش.. شاعرة متوهِّجة بألقِ الزَّنبقِ والنّعناعِ البرّي..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الأول..

لا يتوفر وصف للصورة.

حياة قالوش شاعرة متوهِّجة بألقِ الزَّنبقِ والنّعناعِ البرّي

حياة قالوش

(10)

 

تكتبُ القصيدةَ كما تتهاطلُ زخَّات المطرِ فوقَ مرافئِ الحنينِ، حاملةً فوقَ أجنحتِها مذاقَ حبور القصيدة؛ كي تنثرها ألقًا شهيًّا فوقَ اخضرارِ أزاهيرِ البساتينِ، ممسكةً بتجلِّياتِ انبعاثِ حرفها من ظلالِ الأحلامِ النَّديّة، كأنّها على اتّصالٍ حميمي معَ مُهجةِ الحرفِ وهو في أصفى إشراقاته. ينسابُ حرفُها فوقَ خفقةِ القلبِ مثلَ نسائمِ الصَّباحِ، مثلَ مرحِ الأطفالِ وهم يلعبونَ فوقَ مروجِ الحياةِ، ينهالُ حرفُها مثلَ بلسمٍ شافٍ فوقَ جراحِ السِّنين فتضحكُ القصيدةُ من توهُّجِ هلالاتِ الخيالِ. حياة قالوش حرفٌ متدفِّقٌ من حبورِ الحنطة، تزهرُ دندنات حروفها على إيقاعِ شهقاتِ الأماني، تُشبه رحيقَ الزّهورِ في أوجِ انبعاثِ بهائِها، تفرشُ حبرَ القصيدة فوقَ أوجاعِ غربةِ الحياة، تغوصُ عميقًا في رحابِ انبعاثِ الحلمِ على هدهداتِ انبلاج الفجرِ الوليدِ، وهي تنادي بإيقاعٍ رهيف هدير البحار؛ لعلّ حرفها يمتزج مع هديرِ البحارِ في مواجهة أوجاعِ الانكسار!

تكتبُ القصيدةَ كلّما هبَّ نسيمُ الصَّباح، كلّما رفرفَتْ أجنحتها شوقًا إلى إشراقةِ الفرحِ، كلّما رنّمَ مرنِّمٌ تراتيلَ الشَوقِ إلى رنينِ أجراسِ الأديرة القديمة، تُشبهُ انبعاثات القصيدة كأنّها غيمة مجنّحة من أنغامِ مزاميرِ حلمٍ هاربٍ من ضجر هذا الزّمان. تجمحُ نحو غابات القصائد البكر، تقطفُ من ثمار الغابات أشهى هلالات بوح الكلام، مركّزةً على ضياء نجمة الصّباحِ وسطوعِ البدرِ في اللَّيالي القمراء، مجسِّدةً عبر تجلّيات حرفها بهاء المحبّة بأرقى دفئها للحياة المعبّقة بأزاهير الفرح، مستلهمةً بوحها من جموحاتِ يراعِ الرُّوحِ!

حياة قالوش شمعةُ فرحٍ ساطعة في دنيا المحبّة، بسمةٌ وارفة فوقَ أرخبيلاتِ اللّيل الحنون، في حالةِ وئامٍ مع شموخِ القصيدة إلى أن غدت القصيدة صديقة عمرها، وشهيقها المزنَّر بمذاقِ ثمارِ الجنّة، وكأنَّ القصيدة ابنتها الحاضرة في أغصانِ الحياة. يتناغمُ حرفها مع بسمةِ الشَّمسِ وهي ترنو إلى عذوبةِ البحار. كيفَ ترسمُ قالوش حرفها وهي في دنيا محفوفة بأسئلة طافحة بالأوجاع؟! هل القصيدة قادرة أن تسمو إلى وميض نُجيمات الصَّباح، رغم تفاقمِ الجراح هناك من كلِّ الجهات؟! يبدو أنّها قصيدة منبلجة من وجنةِ غيمة، حرفٌ متناثر من مآقي نجمة، سرٌّ غائر في جوفِ البحارِ الهائجة، شوقًا إلى مناغاة أزاهير الرّبيع.

حياة قالوش شاعرة متوهِّجة بألقِ الزَّنبقِ والنّعناعِ البرّي، تكتبُ قصيدتها من نسغِ الدّاليات المتدلّية من أشهى انبعاثاتِ جموحِ الخيال! ..

 

ستوكهولم: (3/ 7/ 2019).

 

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نبات‏‏ ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم المؤلِّف: صبري يوسف.

عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.- مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).

الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :

 

نتابع تجليات خيال المبدع الأديب و التشكيلي السوري #صبري_ يوسف Sabri Yousef..عن الرِّوائيِّة السُّوريَّة #لينا_ هويان.. الحسن سنبلة بدويَّة شامخة على جبينِ الزَّمن..– من كتاب تجليات الخيال – الجزء الأول..

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

الرِّوائيِّة السُّوريَّة لينا هويان الحسنسنبلة بدويَّة شامخة على جبينِ الزَّمن

لينا هويان الحسن

(8)

 

الرِّوائيَّة السُّوريَّة لينا هويان الحسن كاتبة زاخرة بتجربة بدويّة عميقة، تفتخر ببدويّتها ومعتزّة بهذا الانتماء البدوي، ومتحسِّرة على اختفائه مع مرورِ الزّمن، لهذا تريد إعادته عبر ذاكرتها المنقوشة بهذا الإرث الفريد؛ لتخلِّده عبر إبداعها الرّوائي عربون محبّة وانتماء!

أثَّرتْ طفولتها الَّتي عاشتها في البادية تأثيرًا كبيرًا على تجربتها الرّوائيّة، كانت معينًا لا ينضب لإرواء عطشها لهذه الفضاءات الرَّحبة، فاستلهمَتْ من هذه العوالم آفاقًا سرديّة فريدة وساحرة، وأبدعَتْ روايات مدهشة في بنائها الخلَّاق، تفتقرُ إليها المكتبة العربيّة!

عمَّقت دراساتها الفلسفية وعملها في الصّحافة السُّوريّة من فضاءات حرفها وسردها، فكتبت رواياتها بهدوءٍ عميق. وتُعَدُّ لينا هويان الحسن أوَّل روائيّة كتبَتْ عن عوالم البادية السُّوريّة في دنيا الشَّرق، وقد امتدَّ فضاء سردها إلى بوادي وصحارى الأردن والعراق ونجْد وغيرها من البوادي.

تتميّز أعمالها الرِّوائيّة بسردٍ بهيج معبَّق بحبق البوادي ورحاب الصّحارى. بناءٌ متماسكٌ ولغةٌ منعشة في طراوتِها وفرادتِها. متألّقة في بناءِ تدفّقات خيالها الرِّوائي. تحملُ الرّوائيّة بين أجنحتها تجربة فسيحة عن عوالم فضاءات سردها، كأنّ لغتها منبعثة من هلالات روح الطَّبيعة في ليلةٍ قمراء، ومتعانقة مع نسيمٍ صباحي وهو يناغي حبق السَّوسن وآفاق الصّحارى في أوجِ الانبهار. سردٌمعبَّق بشهقاتِ الحنين، كأنّه يلامسُ كهوف الجان والمَرَدَة ومتاهات السَّراب. تتدفّق لغتها من أعماقِ غربةِ الرُّوح. هل تستلهمُ الرّوائيّة عوالمها من واحات البوادي في غمرةِ أحلامِها المعشوشبة بسحرِ ليالٍ متلألئة بالنّجومِ، أم أنّها تنبعث من إشراقاتِ حنينِ الطُّفولة وهي في أوجِ توقها إلى مداعبةِ ضياءِ القمر؟!

تمتلكُ الرّوائيّة لغةً متينة، مكثّفة بسحرِ البادية وعراقتها وتلاوينها المخضلَّة بالأسرارِ والغرائبيّة مقارنةً بما هو سائد في عوالم الحضر. تنسجُ متونَ سردها بشاعريّة شفيفة، عبر حوارٍ سلسٍ بين شخصيَّات رواياتها المتشعّبة إلى تفاصيل سحريّة لا تخطر على بال، مركّزةً في سياق سردها على أقوال المستشرقين؛ تأكيدًا منها على دقَّة ما هي ذاهبة إليه في تأريخ البادية، وكأنّها توثّق هذه العوالم الرّحبة الّتي بدأت تتآكل وتضمر شيئًا فشيئًا، وفي سياقِ احتضان هذه الحميميَّات المسترخية في روابي الذّاكرة؛ تفاديًالعوامل التَّلف والنّسيان، فلم تجد أجدى من النّص الرّوائي؛ كي تحافظَ على هذه المساحات الخصبة من الذّاكرة الانفعاليَّة الحميميّة، وتجسّدها عبر تجلّيات شهوةِ الإبداع.

يتداخل السَّرد في فضاءات أعمالها ويتفرّع إلى متاهاتٍ مفتوحة على آفاق متماهية مع ألقِ السَّراب ومنعرجاته، بلغةٍ محبوكةٍ بمهارةٍ عالية. استطاعت أنْ تمسكَ بخيوطِ سردها بدهاء أهل البادية الّذين لا يتيهون حتّى عبر فيافي السَّراب؛ لأنّهم على حميميّة فائقة مع هذه العوالم السِّحريّة الجميلة، فأصبح السَّراب أليفًا، والتِّيه أنيسًا لهم رغم غرائبيّته المفتوحة على فضاء اللَّيل، حتَّى اللَّيل أصبحَ مألوفًا لدى أهل البوادي ولدى الرِّوائيّة؛ فهي قادرة أن تقرأ معالم النّجوم كما يقرأ الحضر معالم المدائن، وكلّ هذا العبور في أعماق اللَّيل والصَّحارى ساعد الرِّوائيّة أنْ تقدَّمَ لنا روايات تليق بمقام معالم جمال البادية البديع.

لا تنسج الرِّوائيّة نصَّها على وتيرةٍ واحدة، بل هناك الكثير من الخيوط المتشابكة والمتداخلة بطريقةٍ متشعِّبة، وأحيانًا نرى هناك قَطْعًا في السَّرد وانتقالًا من مشهدٍ إلى آخر ومن حدثٍ إلى آخر دون ربْطٍ سببي مباشر في تسلسل الأحداث، لكن مهارة الرّوائيّة السَّاردة تجعل القارئ لا يشعر بهذا القفز الفنِّي في عوالم سردها، من خلال رشاقة حوارها وبنهائها السَّردي المتين، وكأنّنا إزاء تدفُّقات مماثلة لتوهّجات الشّعر، عبر متون نصّها الرِّوائي، لكنّها تعرفُ كيفَ تلملمُ خيوطها المتفرِّعة بطريقةٍ سلسة، وتعطي للنص تجلِّيات باذخة في تفرُّعات الأحداث، جانحةً في بعض الأحيان نحو شواطئ الشِّعر في سياق سردها العاجّ بحوار محبوك بلغةٍ ومفردات وأسماء وأحداث وتأريخ بدوي صحراوي.

قدّمت الرِّوائيّة تجربةً ناجعة وعميقة تعكسُ فضاءات جديدة في السَّرد الرِّوائي من خلال تجسيدها عوالم البدو بطريقة طازجة وغير معهودة من قبل بهذه الدِّقة والموضوعيّة، نراها تحبُكُ أحداثها عن الصَّحراء والفيافي والبوادي واللَّيل وعالم البدو بكلِّ تفاصيله وخصوصيَّاته، ونجحت في مغامرة العبور في خصوصيَّات هذه العوالم؛ رغبةً منها أن تجسِّد هذه العوالم الغامضة الّتي يمتاز بها البدو، وقد رأت أنَّ ما هو سائد في عوالم البدو فيه إجحاف أكثر من مرّة؛ فمرّةً تراه يُقدَّمُ عبر الدراما السُّوريّة والعربيّة بطريقةٍ سطحيّة وهزيلة، لا يعدو أن يكون ساخرًا بعض الأحيان، وسطحيًّا في أكثر الأحيان، وترى أن أكثر المشتغلين بالدراما المتعلِّقة بالبدو يلخّصون هذا العالم الرَّحب بالجمال والخيل بطريقةٍ ساذجة ويقدِّمون البدوي على أنّه يرفض الغريب الَّذي يتزوَّج من ابنة عمِّه، ويبنون صراعات هشّة وسطحيّة لا ترقى نهائيًّا أن تمثِّلَ البدو بأبعادهم وعاداتهم ورحابة معالمهم الَّتي لا يعرفها إلّا البدوي الأصيل، فجاءت لينا هويان الحسن، هذه البدويّة الجميلةفي سردها وفي جمال فكرها الخلَّاق أن تقول لا؛ لأنّها ترى أنَّ البدو أعمق بكثير ممّا يظنُّ هؤلاء الَّذين كتبوا عن البدو بسطحيّة ممجوجة، لهذا أرادت أنْ تجسِّد هذه العوالم كما كانتْ وكما آلَتْ إليه وقائع الحياة قبل أن يتآكل ويتعرّض هذا العالم الحميم إلى النّسيان، ما لم يتم تجسيد عوالمه عبر نصوص سرديّة وروائيّة ودراسات عميقة وموضوعيّة، وقد وجَدَتْ أن المستشرق الغربي والغربيِّين الَّذين قدّموا دراسات عن البدو كانوا منصفين أكثر ممَّا قدَّمه العرب أنفسهم عن البدو، وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ العرب لا يعرفون قيمة تراثهم وثقافتهم وحضارتهم؛ سواء على صعيد عالم البدو أو الحَضَر أيضًا، ولا حتَّى على صعيد الثّقافة والإبداع.

أدهشتني الرِّوائيّة بذاكرتها المعتَّقة بالذّهب الصَّافي، فتسرد أسماء شخوص رواياتها والخيول والجِمال والأعشاب والطّيور والحشرات والحيوانات البرّيّة والأهليّة وأنواع الأكل والحبوب والأدوية وأسماء العشائر والمناطق ومفردات لهجة البادية وتفرُّعات وتفاصيل دقيقة كأنّها مصوّرة على شرّيط فيديو أو مدوَّنة على كتاب وتنقله بشكلٍ حَرْفي وتستعرضه بكلِّ هذه المصطلحات والمفردات والعوالم البدويّة بدقّة متناهية، وكلّ هذا يقودنا إلى أنَّ الرِّوائيّة تؤرشف عالم البدو عبر رواياتها الّتي ترقى إلى أن تكون مرجعًامهمًّا لمعرفة عالم البدو؛ لما فيه من اشتغال في تفاصيل لا يمكن الرُّكون إليها، إلّا لِمَن كان على درجة عالية من المعرفة البدويّة بكلِّ حميميّة وشغف واهتمام. لهذا تبدو لي الرِّوائيّة عين البدوي الحريصة على هذا الجمال المهدّد بالنّسيان والتّلاشي، فتقطع الطَّريق عن هذه المخاوف الَّتي ربمّا راودَت الكثيرين، لكنّهم لم يقفوا وقفتها في تجسيد هذا البهاء على جدار الزّمن عبر نصوص روائيّة راسخة رسوخ الصَّحارى!

تتألّق الكاتبة في حفاوةِ السَّرد المستوحى من سرابِ البادية المفتوح على أحداقِ الكون، يمنحها تدفُّقاتٍ سرديّة رهيفة وجامحة نحو أرخبيلات الخيال، كأنّها في رحلة حلميّة في رحاب ذاكرة معتّقة بأسرار البوادي الَّتي عبرَتْ متاهاتها واكتشفت مغاليقها المزدانة بغرائب الطَّبيعة بكائناتها وصمت ليلها وروعة السَّماء المنقوشة ببسمات النّجوم وسطوع القمر في اللَّيالي القمراء، حيث تنساب ريشتها على عناقِ دفءِ الحرف.

تلتقطُ الرِّوائيّة خيوط سردها من رؤية انفراجيّة لواقع الحال الَّذي حلَّ بشخصيَّات رواياتها. وتتوغَّل عميقًا في حيويّة السَّرد، تناجي نجوم اللَّيل عبر خيالها في أعماقِ الصَّحارى. كم من التِّيه تهنا ونحن مانزالُ عطشى لمعرفة ما يُحاكُ خلف التِّلال البعيدة؟! تهرب تلالنا منّا، وينابيعنا عطشى للماء الزُّلال! ينابيعُنا جفّتْ من هولِ تفاقمِ تصدُّعات الصَّولجان، إلى متَّى سنبقى منزلقين في أعماق الرّماد؟! لماذا لا نرسمُ فرحًا فوقَ خدود الغدِ الآتي؟! من يستطيع أن ينتشلنا من مغبّة الانشطار، من يستطيع أن يخفِّف من شفير هدير الرّيح المهتاجة فوق خدودِ الصَّحارى؟! من يستطيع أن يلملمَ أحزان المدائن الغائرة في شفيرِ الانهيارِ؟! من يستطيع أنْ يرسمَ بسمةَ الأطفالِ فوقَ سهولِ الرُّوحِ، من يرى كلّ هذا الانجرار نحوَ أخاديدِ الجحيم؟

قامة روائيّة مسربلة بابتهالاتِ شهوةِ الحرفِ وهفهفاتِ بوحِ القصيدة، إشراقةُ حنينٍ إلى أعماقِ البوادي، تدفّقات منبعثة من رحيقِ الياسمين، تقنيّاتٌ منسابة معَ زخّاتِ المطرِ النَّاعم، رشاقةُ حوارٍ يماثلُ جموحَ غزالةٍ تسابقُ هبوبَ الرِّيحِ، رواياتٌ محبوكة بأسرارِ الصّحارى شوقًا إلى مآقي النّرجسِ البرّي. بناءٌ فنّي محبوك بتدفُّقاتٍ وقفزاتٍ شفيفة، كأنّ الرِّوائيّة كانت في حالاتٍ ابتهاليّة غامرة أثناء كتابة وهجها السَّردي البديع؛ لهذا، تولدُ أعمالها عبر خيالها الجامح، متدفِّقةً مثلَ شلَّالاتِ أفراحٍ مندلقة من إشراقاتِ النّيازكِ في ليلةٍ مجدولةٍ بحنينِ الكلمة إلى أعماقِ البوادي المعشَّشة في آفاقِ تطلُّعاتِ الحلمِ القادم.

لينا هويان الحسن روائية متميّزة ومرهفة في سبكِ شهقةِ الحرفِ، تتألَّقُ عبر تجلّياتِ بوحها السَّردي، كأنّها قصيدةٌ متهاطلة من أشهى مذاقِ الخيال. حرفها معتَّق بأرخبيلات حبور السُّؤال. قرأتُ بانشراحٍ كبير بوحَها المتعطِّش إلى مرابع طفولة مسربلة بتلألؤاتِ نجومِ اللَّيلِ، تنسجُ نصَّها وهي سارحة في أعماقِ الصَّحارى والبوادي عبر ذاكرة محفوفة بالخبز المقمّر؛ بحثًا عن خلاخيلَ أمٍّ ضاعَتْ في خضمِّ شراهاتِ الاشتعال!

هذا العالم العاجّ بالبهاء والجمال والغرابة والغموض والدَّهشة جعلنا في توقٍ شديد إلى قراءة فضاءات سرديّات الرِّوائيّة المبدعة لينا هويان الحسن، فتهنا بفرحٍ عميق في عوالمها المزدانة بتفاصيل حميمة ومتاهات سرديّة شيّقة منبعثة من لبِّ الحياة. أقرأ فضاءاتها بمتعةٍ غامرة وشهيّة مفتوحة على شهقات بوحِها وسردِها الحميم، للولوجِ عميقًا في أسرارِ الصَّحارى والبوادي الفسيحة، إلى أن أوصلتني إلى وهجِ الشّفقِ الأوّل، إلى لحظةِ إشراقةِ الشَّمس؛ إنَّها لحظة الولادة، لحظة استقبال الأرض لـلبادية السُّوريّة؛ كي تصبح يومًا ما رايةً خفّاقة لأصالةِ الطّينِ الّذي وُلِدَتْ عليه في صباحٍ مبلَّلٍ بالنَّدى!

ترعرعَتْ لينا على أرضٍ مباركة، معشوشبة بالخيرِ الوفيرِ والعطاءِ الغزيرِ إلى أنْ غدَتْ سنبلة شامخة على جبينِ الزّمن. تتهاطلُ ألقًا فوقَ تلالِ القصيدة، وتلملمُ أحزان الفصول والسِّنين وذكريات مجبولة معَ قهقهاتِ النّجوم في اللَّيالي القمراء على مدى سكونِ اللَّيل؛ كي تغدقَ علينا تجلِّيات سرديَّاتها وشِعرها وبحثها المتواصل عن تاريخٍ طويل منبعث من تلألؤاتِ النّجومِ عبر إيقاعِ همهماتِ اللّيل، تجسيدًا منها لحميميّاتِ البادية وأصالةِ الأرضِ الخيِّرة الّتي نبتَتْ عليها، وغوصًا في أعماقِ “السَّراب” الفسيح الَّذي قادنا ويقودنا وسيقودنا هذا “السَّراب” من خلالِ سردِ هذه الرِّوائيّة البديعة إلى أعماق أسرارِ البوادي والصَّحارى عبر رحلاتٍ سخيّة محبوكة بتجلِّياتٍ مدهشة إلى أنْ فتحَتْ أمامنا كلّ الطّرق والدُّروب المستعصية عن العبور، ومنحتنا مفاتيح الولوج إلى أعماقِ الطّلاسم والألغاز والأسرار والرّموز الّتي لا تخطر على بال في دنيا الصَّحارى، إلى أنْ أوصلَتْنا بطريقةٍ شفيفة على ضوء نُجيمات الصَّباح إلى عرين الأهداف الّتي رسمتها برحيقِ حبرها المستقطر من أريجِ الياسمين، المنبعث من بوَّابات دمشق إلى أقصى البوادي السُّوريّة على إيقاعِ عناقٍ مفتوحٍ على مدى مساحات حنين بوح الرُّوح إلى الطِّينِ الأوَّل!

ستوكهولم: (2015) صياغة أولى.(8/ 9/ 2019) صياغة أخيرة.

لا يتوفر وصف للصورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم المؤلِّف: صبري يوسف.

عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.- مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).

الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

لا يتوفر وصف للصورة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*يليه بالنشر مجموعة الجزء الثاني :

 

يوم كان اللقاء عام 2003م..في ستوكهولم ضمن حوار الأديب والفنان #صبري_ يوسف Sabri Yousef.. مع الشّاعرة العراقية #فيفيان_ صليوا Vivianne Slioa

حوار صبري يوسف مع الشّاعرة العراقية فيفيان صليوا
(بعد اعتكافٍ وانقطاع طويل للشاعرة العراقية فيفيان صليوا عن مواقع التّواصل الاجتماعي بكل أنواعها، تخرجُ الشّاعرة عن عزلتها الطّويلة وتطلُّ علينا عبر صفحتها الخاصّة على الانستغرام لتتواصل مع قرّائها وقارئاتها والأصدقاء والصديقات والمتابعين والمتابعات على العنوان التالي: vivianneslioa@
وأودُّ بعودتها أن أنشر الحوار الّذي أجريته معها أثناء زيارتها إلى ستوكهولم من لندن).
حوَّلني إلى طائرٍ يحلِّقُ عالياً في السماء من دون خوف من السقوط في حفرة من الغيوم
صبري يوسف – ستوكهولم،
نبتَت الشاعرة العراقيّة فيفيان صليوا في أرضٍ شعرية عراقيّة خصبة، من أسرةٍ تهتمّ بالأدب والثقافة والإبداع، من أحفاد حضارة مابين النهرين، أحفاد كلكامش، ظهرَت ميولها في كتابة الشعر منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وتمكَّنَت أن تحقِّقَ حضوراً على الساحة الشعريّة خلال فترة قصيرة. صدر ديوانها الأوّل ( أحزان الفصول ) عن دارا لمنفى في السويد عام 1997، وقد هيمن على أجواء هذا الديوان، أطياف من كل أنواع الحزن، واستطاعت أن تترجم أحزانها عبر مقاطع شعرية مكثفة، تعبّر عن أوجاعها الجاثمة فوق تلال الذاكرة بأسلوب جديد، وإن الإعدام الذي تمَّ تحت التعذيب لكلّ من جدّها وجدّتها وعمّاتها الأربع وعمّها وزوجته وأطفاله من قبل فرقة الإعدام الصدامية في العراق الوطن الأم، وبعدها توارت فيفيان من بين أيدي الجلادين، وهي طفلة يانعة، وبقي هذا الموت التراجيدي ملتصقاً في ذاكرتها، وربمّا يبقى إلى الأبد، موتٌ يرعب الجبال، فكيف بصبيّة في مقتبل العمر، وعندما انتهى بها المطاف إلى السويد لم تجد الشاعرة أمامها سوى الكلمة، تشهرها في وجه الطغاة، فولدَت القصيدة من رحم الأحزان المتدفِّقة على مساحات روحها وقلبها، فجاءت نصوص الديوان الأول محفوفة بالأنين والألم، إنّه قدر الشعراء أن يحملوا بين أجنحتهم أحزاناً تهزُّ كاهل الجبال، وأمّا ديوانها الثاني ( أطيان ) فقد أخذ بعداً جديداً، تناولت فيه الشاعرة قضايا إنسانيّة عديدة إضافة إلى قضايا وطنها المخبّأ بين تعاريج أحلامها وقلبها، وهناك تقنيات جديدة وبناء فني مكثَّف في غاية الشفافيّة والإبداع في نصوص ديوانها الجديد، ممّا جعل عدد غير قليل من الشعراء والنقّاد الوقوف مليّاً عند تجربتها الشعرية، أمثال الناقد حاتم الصكر الذي أكّد على ( فرادة تجربتها الإبداعيّة، وتميّزها في المشهد الشعري التسعيني).. كما أشاد بعض الشعراء والقصاصين والنقاد وتناولوا نصوصها بالدرس والتحليل أمثال الشاعر عبدالكريم الكاصد والناقد غالب الشاهبندر والقاص إبراهيم أحمد والأب الشاعر يوسف سعيد وآخرين..
مخيّلة فيفيان زاخرة بالعطاء والإبداع، ولا تتسرّع في نشر قصائدها ودواوينها، تشتغل بحرفيّة دقيقة، وهي شديدة الحساسية والتركيز على المقاطع والنصوص التي تختارها، تكتب كثيراً لكنها تختار الأجمل والأفضل، فهي حريصة أن تقدّم أبهى وأعمق ما لديها من نصوص للقرّاء..
تقيم الشاعرة الآن في لندن، وفي زيارتها الأخيرة إلى ستوكهولم، التقيناها وكان الحوار التالي:

– ماذا تعني كلمة شعر بالنسبة للشاعرة فيفيان صليوا؟

الشعر بوّابة خصبة، غيّر مجرى حياتي كلها، أشعرُ وكأنَّ الشعر اختطفني من الظلمة إلى النور، لكنّ النور لم يبهر عيوني. أحسُّ وكأنَّ الشعر أشبه ما يكون بكوكب حنون، يحمل أحزاني المحبطة ومتاعبي المرهقة، وعندما أدخل في عالم هذا الكوكب أشعر بالفرح والراحة، والشعر حوَّلني إلى طائرٍ يحلِّقُ عالياً في السماء من دون خوف من السقوط في حفرة من الغيوم.

– تكتبين نصّاً مكثَّفاً وعميقاً، كيف تكتبين نصَّكِ من الناحية التقنيّة، أي من ناحية البناء الفنّي للنص؟

بعد ديوان ” أحزان الفصول ” تريّثتُ فترة من الزمن، اندهش بعض الأصدقاء الشعراء عن تريّثي وانقطاعي، لكنّي فجأةً عدتُ أكتب من جديد، أفجِّر ما في داخلي من تراكمات أحزان ما بعد الفصول، وكأنّ مقطعاً يتوالد منه مقطعاً آخر. وحول موضوع تقنية النص، تأتي بشكل عفوي، البناء الشعري عندي منبعث من تدفقات الوهج الشعري، لأنّ الشعر صديقي الحميم، يدفّئ حزني وشوقي، لهذا أراه مطواعاً للعبور في خباياه العميقة.
أحبُّ الطين لأنَّ بيتنا القديم كان فيه غرفة من الطين. كان جدّي وجدتي يناما فيها، وكنتُ أنام معهم في غرفة الطين، فتصالب الطين مع كياني، وبعد إعدام أغلب أفراد أسرتي بما فيهم جدّي وجدّتي، تهدَّمَت غرفة الطين، لكنّها لم تتهدّم في داخلي، بقيت شامخة في الذاكرة، وربّما منها انبثق فجأة تسمية ديواني الثاني “أطيان”!

– هل ما تكتبينه تنشرينه، تحتفظين به، أم أنّكِ تغربلي ما تكتبينه، ولهذا تأتي نصوصكِ في غاية الكثافة والتماسك والانبهار؟

لا، لا أنشر كلّ ما أكتبه، ولا أحتفظ بما لا أنشره، فعندما كتبتُ “أطيان”، وجدتُ في النصوص صوراً غزيرة وعديدة، فأنا أكتبُ وأعيد صياغات المقاطع ثمَّ أعود بعد فترة وأنتقي من المقاطع ما يشدُّني ويهزُّني كما هزّني لحظة ولادته!.. والنص الّذي أشعر أنّه عادي ولا يتركُ في نفسي أثراً عميقاً، غالباً لا أنشره ولا أحتفظ به، فأنا شديدة الحساسيّة بانتقاء ما أقرِّر نشره وظهوره إلى النّور. فأكتب أولاً لنفسي ومن ثمَّ أقدِّمه للقارئ/للقارئة، نصّ مكثّف لأنني أحب الاختزال والصور الجديدة غير المطروقة..

– في ديوانكِ الأوَّل “أحزان الفصول”، تقولين في قصيدة فرحي: (فرحي وردة/ لم ينبت بعد)، متى سينبتُ هذا الفرح؟

ينبتُ فرحي بشكل مؤقّت، مؤقَّت جدّاً!.. وسبب حزني العميق يعود إلى الموت التراجيدي المؤلم جدّا ( إعدام أغلب أفراد أسرتي تحت التعذيب)، والحزن أشبه ما يكون قدر العراقيين، لهذا نادراً ما أجدني فرحانة، وحالما أعبر في عوالم الفرح، أجدني أخترق جدار الحزن دونما استئذان من حالاتي الفرحيّة المؤقّتة!.. وآمل أن ينبتَ لي فرحاً عميقاً في المستقبل.. لستُ أدري.

– تقولين في قصيدة “مرّتين”، من أحزان الفصول: “متُّ مرَّتين/ مرَّة داخل الوطن/ ومرّة خارج الوطن/ هل يموت الإنسانُ مرّتين؟”.

نظراً لأني عشتُ فترة كابوسيّة في العراق، ثمّ جئتُ إلى منفاي السويدي، أحسُّ وكأنّي متُّ مرّتين، مرّة داخل وطني المعذب، ومرّة لأنّني بعيدة عنه، وهناكَ مَنْ يشعرُ أنّه مات مئات المرّات، فنحن العراقيين نحملُ موتنا على أكتافنا ونرحلُ في سماء الموت.. فرَرْنا من الموت في الداخل للبحث عن الحياة، فوجدنا موتاً آخر ينتظرنا، وهكذا يتكرَّر موتنا مرّات ومرّات.

– هناك مفارقات بين نصوصكِ وانتقال من حالة إلى أخرى، لا تمتُّ بصلة للتي قبلها، كيف تصوغي هذه المفارقات والحالات الشعريّة بطريقةٍ انسيابية؟

أحبُّ أن يعالجَ النص مواضيع عديدة، غنيّة وجديدة، فلا أريد أن أكتب نصّاً طويلاً عن موضوعٍ واحد، فهو يبعث في نفسي الملل، لهذه أكتب نصّاً ذو مقاطع عديدة، كل مقطع يتضمَّن فكرة ما، موضوع ما، صورة ما، فتأتي المقاطع أكثر غنى وأكثر شمولية!.. وتولد المقاطع بشكلٍ تلقائي وعفوي وانسيابي دون التخطيط لها مسبقا.

– ما هي طقوسكِ في الكتابة، هل تكتبي نصوصكٍ بطريقةٍ ما، أو بطرقٍ عديدة، كيف ومتى تكتبين نصوصكِ الشعريّة؟

عندما أكتبُ شعراً، أكتبه على ورقٍ معيّن وبقلمٍ معيّن، وإذا انتهى حبر القلم ( تضحكُ ) أشتري قلماً من نفس النوع ونفس الدفتر!..

أقاطعها: هل تمزحين؟!

لا، لا أنا جادّة، أنتَ تحاورني وأنا أجيبكَ، فهل وجدتني أمزح مثلاً؟
لم ألاحظ هذا ولكن، ردّكِ أذهلني، فأنا أكتب بأيّ قلمٍ قريب منّي.

هذا أنتَ وأمّا أنا فلا.. فإذا كنتُ مثلاً في مكانٍ ما وخطر على بالي فكرة لنص أو مقطعٍ، أدوّن فقط الفكرة، ليس كصياغة شعريّة، على أن أعود فيما بعد إلى قلمي وأوراقي وغرفتي وأكتب النص شعريّاً، لأنّني أكتب نصوصي دائماً بين أربعة جدران، هناكَ مَنْ يكتبُ على أنغام الموسيقا أو في المقهى، وأمّا أنا فلا!.. أكتبُ نهاراً، وتحديداً في غرفتي،.. الوحيد الذي يزور خلوتي هو الضوء الطبيعي، لأنني أتوائم مع ضوء الشمس، هذه طقوسي وهكذا أكتب نصوصي، ونادراً ما أكتب ليلاً، لكن أحياناً تبهرني فكرة ما فأدوّنها قبل أن تتغلغل في صمت الليل، وأعود إليها نهاراً لأكتبها على ضوء طقوسي.

– تكتبين نصوصاً تحمل أحياناً بعداً فلسفيّاً وتساؤلات كبيرة، ما هي الحديقة التي تقطفين منها رؤاكِ عندما تترجمي مفهومكِ للموت مثلاً؟

الحديقة التي أقطف منها رؤاي هي الأفكار التي تراودني وتتلألأ مثل الشهب في ذهني، فألتقطها وأكتبها ضمن سياق شعري فتأخذ أبعاداً فكريّة وفلسفيّة لا أقصدها أثناء الكتابة، بقدر ما أقصد تجسيد حالة ورؤية شعريّة لها مدلولاتها وأبعادها كما يراها القارئ، وغالباً ما تحمل هذه المقاطع إسقاطات عديدة، فمثلاً لدي مقطع قصير وخاطف أقول: “يجمعنا شيء، أهو الموت؟” فهذا الموضوع ومواضيع أخرى وجوديّة كالموت والميلاد وما بينهما من أفراح وأحزان، كلّها تولد عفو الخاطر ولا يوجد مواعيد بيني وبين نصوصي، هكذا تأتي وتعبر عالمي، وأشعر أنني أتوحّد مع عوالم نصوصي، فأكتب بمتعة عميقة، غائصاً في حالات ولحظات صوفية نادرة ومنعشة.

– هناك بعد إنساني في نصوصكِ، كيف تفجَّرت عندكِ هذه الواحة الإنسانيّة وأنتِ شاعرة عراقية غارقة في آلام وجراح العراق؟

الألم والحزن ليس له هويّة معيّنة، أنا إنسانة وأتواصل مع الإنسان المهموم كائناً مَنْ كان، فلا أكتبُ فقط عن آلام العراق، بل أكتب عن أحزان وهموم الإنسان الآخر أيضاً.. فمثلاً فيما كنتُ أنظر إلى أبراج واشنطن تتهاوى، تخيّلتُ نفسي إحدى هؤلاء المشتعلين بالنار، بعضهم خرجَ من النافذة، يختار موته في الهواء، فيرمي نفسه خارجاً.. أَلَمْ عميق انتابني، تواصلتُ معهم بحزنٍ وأنين، فأنا كشاعرة، إنسانة أولاً وأخيراً. أحزاني تنبع من أحزان الحزانى كائناً مَنْ كانوا، بعيداً عن الأجناس والقوميات.. إضافةً إلى حزني كشاعرة عراقية فنحن العراقيين توصّلنا إلى مرحلة احتضان حزننا وأحزان الآخرين أيضاً، احترفنا الحزن!
– ستوكهولم، ماذا قدّمَت لكِ؟

قدَّمت لي الشئ الكثير، لها مكانة خاصّة في قلبي، يكفي أنني كتبتُ أوَّل قصيدة شعريّة في ستوكهولم، منها انطلقتُ، هي قدَّمتني كشاعرة، وقدّمت لي الحرية والهدوء والسلام. إني أحنُّ إليها كثيراً، رغم ثلجها البارد.

– لندن، ماذا تعني لكِ، وبغداد هل هي الحلم القادم؟

( تهزُّ رأسها مبتسمةً،….. )
يبدو أنّها تريد التوجّه مباشرةً إلى بغداد..

– ماذا تعني لكِ بغداد، هل هي فعلاً الحلم القادم؟

عشتُ ببغداد بعضاً من الوقت، لكنها سكنتني طوال الوقت!.. وُلدتُ في بغداد، إنّها مسقط رأسي، لهذا لدي حنين عميق لبغداد والأماكن التي ترعرعتُ فيها. تشدُّني إليها كثيراً. الوطن يبقى دائماً ـ رغم الخراب والدمار ـ ولكنّ الأنظمة دائماً إلى زوال، خاصّة إذا كانت طاغية على رقاب الشعب. نحن الشعب العراقي، عانينا من الاضطهاد والقمع وعشنا محرومين من الحريّة والديمقراطيّة، والنظام الذي كان يحكم العراق، حوَّل بلدنا العراق إلى سجنٍ كبير، إنْ خرجتَ منه تموت وإنْ بقيتَ فيه تموت. نادراً ما تجد شعباً عانى معاناة الشعب العراقي، حيث يخرج من حربٍ ليدخل في حربٍ أخرى، محاصر من الداخل والخارج!.. وأقول للعراق الجديد، أن يختار حاكمه الجديد بحيث أن يكون ذات أفق ديموقراطي وعلماني، يحقِّق طموحات الشعب العراقي من الجنوب إلى الشمال، بعيداً عن التعصُّبات الدينيّة والعرقيّة والمذهبيّة والطائفيّة والقوميّة، لأنَّ العراق لكلّ العراقيين وحان الوقت أن يعيش العراق في أمان وسلام بعيداً عن الخراب والدمار الّذي عانى منه سنيناً طوال!

– وأخيراً، العراق!.. أين تخبّئينه؟!

العراق طفل صغير برئ، لا أحد يسأل ماذا يريد هذا الطفل ـ العراق، الكلّ يريد أن يخطفه ويربّيه كما يريد هو لا كما يريد العراق، أنا لا أخبِّئ العراق في أي مكان، أريده حرّاً.. أنا كلّي عراق!

ستوكهولم 2003

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، ‏منظر داخلي‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبات‏ و‏منظر داخلي‏‏‏