لا يتوفر وصف للصورة.
لا يتوفر وصف للصورة.
لوحات الفنَّان التَّشكيلي السُّوري عبد السَّلام عبد الله

وشوشات لونيَّة شاعريَّة مضمَّخة بالواقعيَّة الانطباعيَّة

عبد السَّلام عبد الله

(24)

 

الفنَّان التَّشكيلي السُّوري الكردي عبد السَّلام عبد الله، حالة فنّيّة باذخة في تدفّقات الجمال والبهاء، عبر تشكيل لوني غارق في لمسات حفاوة الأزاهير والورد. يرسم عوالمه اللَّونيَّة الرَّهيفة بواقعيّة مفعمة بروحٍ انطباعيّة شاعريّة مدهشة، كأنّه في حالةِ عبورٍ واستكشافٍ لأعماقِ مرابع بوح الطَّبيعة أو في حالةِ مناجاة لروحِ الطّبيعة ودقائق الفرح المنبعث من شهقةِ الشَّمسِ وانعكاسها فوق مآقي الزُّهور. يرسم لونًا مسربلًا بأشهى مذاقات الحنين، موشِّحًا خدود اللَّوحات بندى الصَّباح المتناثر فوق روعة الأزاهير. تشبه ألوانه موشور فرحٍ منبعثٍ من انسيابات بهجة الأحلام المتهاطلة فوقَ بياضِ اللَّوحة.

كم من التَّأمُّل والشَّغف والخيال والبحث في مرامي رحاب الجمال، في بهاء الطَّبيعة والحياة والحبّ والفرح والسَّلام الدّاخلي والصَّفاء والجموح نحو جمال الإنسان الخلّاق، حتَّى تشكَّل عند الفنّان كلّ هذا التَّألُّق اللَّوني بإيقاع تشكيلي شفيف؛ أشبه ما يكون تناغمًاشعريًّاوغنائيًّاوإنسانيًّاوروحيًّا.

ترقصُ ألوانه بهجةً وحبورًا وشوقًا إلى تجسيد لوحات بديعة، بحساسيّة مرهفة وعميقة ومعبّقة بحبق الزُّهور، لمسات في غاية الانسيابيَّة، أشبه ما تكون وشوشات شاعريّة تناغي حنين القلب والرُّوح إلى بهاء الجمال والحبِّ والفرح، فارشًا رؤاه عبر ألوانه، حيث تبدو أزاهيره وورده، كأنّها كائنات بشريّة جميلة متناغم بعضهامعبعض، يبدو وكأنّه في حالة نزوع عميق لترسيخ دعائم المحبّة والفرح والسَّلام في قلوب مشاهديه، عبر لوحاته الموغلة في الغنائيّة، ويعكس روحه الوئاميّة بين طيّات ألوانه المتراقصة فرحًا وشوقًا إلى حنين الإنسان لأخيه الإنسان.

هل هذه دعوة منه للإنسان؛ كي يعود إلى إنسانيّته السَّامية وجماله وروعته كإنسانٍ سامٍ ومخلوق جميل، وهل هذه الرُّؤية هي ردٌّ على ما يراه من قبْحٍ متفاقمٍ حوله من تصدُّعات في ممارسات الكثير من المآسي والحروب في دنيا الشّرق، فلا يجد أجدى وأفضل من أزاهيره كي يطمسَ القبحَ الّذي يراه، راغبًا في أعماقه أن يقول للمشاهدين، للمتلقِّي، للإنسان: لِمَ لا تكون جميلًا وعبقًا ومتناغمًا مع بني جنسك مثل الأزاهير؟!

من خلال ولوجي في فضاءات أعمال الفنّان، تلمَّستُ لديه قدرات عميقة في مسارات تأويل البوح عبر ألوانه، فتبدو لي لوحاته كأنّها في حالة حوار عميق مع المتلقِّي؛ ومع عين المتلقِّي أولًا، فيقدِّم مباشرة  لعين المشاهد: الفرح، الحبَّ، الجمال، الوئام، الموسيقى، أشهى موشور الأغاني. تتراقص الألوان على إيقاع ابتهالات الطَّبيعة والكون مع الكائنات. أتلمَّس من لوحاته بهاءً شعريًّا شهيًّا، رؤى مفعمة بالجمال الرُّوحي والدَّاخلي،وشغفًاعميقًا لزرع هذه المشاعر لدى عين المشاهد، كأنّه في حالة شوق عميق لعناق الآخرين عبر لوحته وألوانه وأفكاره الغزيرة المتهاطلة من حنين غيومٍ حُبلى بالمطر إلى أعماق الصَّحارى، حتّى أنّه يرسم -على ما يبدو- لذاته المعبّقة، ويعطي أقصى ما لديه من عطاء خلَّاق للآخرين.

هل هي حالة تحدٍّ لبعض حالات القحط وشظف العيش والأحزان والأنين الّذي رافقه في بعض مراحل طفولته وشبابه وحياته، أو هي انعكاس لأوجاعه المتفاقمة؛ وبالتَّالي، يسعى إلى تجسيد الجمال، كابحًا غمائم الحزن المتناثرة حوله، ومبلسمًا الجراح الثَّخينة لما ألمَّ به وما يحيط به وبالأوطان الَّتي تبدو وكأنّها مصلوبة من خاصراتها، فيدفعه جموحه العشقي للجمال والسَّلام والوئام، إلى رسم ما تحتاجه الرُّوح وما يحنُّ إليه القلب وما يتّسع لرحابة أحلامه المفتوحة على مدى روعةِ وخصوبة الحياة؛ كي يمحقَ حالات القبح المتفاقمة حوله، ويستعيض عنها ما يمور في داخله من جمال؛كردٍّ مضادٍّ لهذه القباحات الَّتي شرخت الإنسان ورمَتْه في مهبِّ الأنين؛ وكي يستعيدَ توازنه وطموحاته وتأمُّلاته وولعه بالموسيقى والجمال والسَّلام؟!

يرسم الفنّان التَّشكيلي عبدالسَّلامعبدالله كمَنْ يعبد في محراب العشق شهقات العناق على إيقاع دندنات اللّون، تاركًا روحه وقلبه وإحساسه، تلامس رؤانا وأبصارنا، دامغًا دمغته البهيجة فوق نضارةِ اللَّوحات، وأسلوبه موغل في الشّاعريّة والتَّعبير المدهش في ترجمة شغفه بالطَّبيعة والأزاهير والورود. تمتّعتُ وأنا أشاهدُ كلّ هذا البهاء والابتهالات اللَّونيّة المنسابة بطريقةٍ مدهشةٍ في تناغمِ الموشورِ اللّوني كأنّه في رحلةٍ فسيحةٍ بين جنانِ الأرضِ ووهجِ الخيالِ الجامحِ نحوَ مرامي انبعاثِ بوحِ القصائد وتراقصاتِ الألوان!

حالما نَعْبُرُ فضاءات لوحاته، نجدنا مقمّطين في حالةِ عناقٍ لوني معبّق بالحنين إلى دفء الرُّوح. تنبجسُ ألوانه من ينابيع روحه المضمّخة برؤية صافية صفاء النّدى المتناثر فوق بتلات أزاهيره وورده بشكلٍ مبهج للعين؛ حيث نرى تناغمًا أشبه ما يكون تماهيات أنغام موسيقيّة صادحة على مدى ابتهالات بوح الرّوح واخضرار مروج القلب. تبدو اللَّوحات كأنّها مقتطعة من بهجة الطّبيعة في أوجِ حبورِ الرّبيع؛ لما فيها من طاقات لونيّة منعشة للقلب والعين والخيال!

يبدعُ الفنَّان بتوهّجاتٍ مدهشة لونًا مرفرفًا بأجنحة السَّلامِ والحبِّ والجمال، يسطعُ لونه فرحًا وبهجةً، تمنحُ تجلِّيات ألقه المتلقِّي متعةً غامرةً، ويسربلنا في حالة فرحيّة راقصة، كأنّنا نتلقَّى موسيقى جانحة نحو رقصة القلب، على أنغام شهقة الرُّوح وهي في أوج تجلّياتها نحو أبهى مروج الألوان!

يُشيِّدُ الفنَّان فضاءاته وهو يزهو إلى صفاء السّماء وبهاء الحرف وحفاوة الرُّوح، كأنّه في حالة انتشاءٍ عميقٍ رغم استفحال الغبار فوقَ جفونِ هذا الزَّمان، كأنّه يريد أن يمسحَ سماكاتِ الحزن المرصرصة حولنا ليقدّم لنا بشائر الأمل والفرح والسَّلام عبر رؤاه المحبوكة من ضفائر حلمٍ مستوحى من روعة الغابات والأزاهير والورد وزخَّات المطر المتلألئة في بواطنه ومشاعره وخياله المجنّح نحو إشراقة خيوط الصّباح. لوحات الفنّان تنضح ألقًالونيًّا طافحًا بالأمل والحبِّ والجمالِ والحياة! .. حاملًا بين أجحته آفاق بسمة لونيّة سلاميّة وئاميّة وارفة بالمحبّة وشهقات الأمل في دنيا من بكاء، كأنّه في سياق رحلة شعريّة عبر مزامير لونيّة مبهجة للروح، فيقدّمها لنا على هدهداتِ مزاميرِ التَّجلِّي!

يمتلكُ الفنّان تقنيّات لونيّة ومهارات عالية في بناء تشكيل معالم لوحاته، فيتهاطل عالمه على بياضِ اللَّوحة مثل كرنفال لوني معبّق بالدّفء وشهقات الحنين، مترجمًا تأمُّلاته السّارحة في جمال الطّبيعة، دامجًا ترميزاته وإسقاطاته عبر أزاهيره وورده وطموحاته وآماله الفسيحة، المرتكزة على مراميه الحالمة في بناء إنسان مسالم ضمن مجتمع تتوفَّر فيه علاقات إنسانيّة دافئة، مطرَّزة بالمحبّة والدّفء والتَّعاون الخلّاق؛ تعميقًا لمحبّته اللّامتناهية مع الطّبيعة، معتبرًا نفسه جزءًا لا يتجزّأ من الطَّبيعة، ولديه حنين عميق إليها؛ حيث يقولُ الفنّان معلِّقًا حول أحد معارضه (معرض السَّيِّد) في دمشق: 

« .. في معرضي هذا أعيش حنين الطَّبيعة؛ لكوني جزءًا منها، فالورود والأشجار والزُّهور ليست مجرّد أشكال في لوحاتي، وإنّما هي شخوصي وأناسي، وأتمنّى هنا-وذلك سعيي ورسالتي- أن نكون مثل الورود ولدينا عبق إنساني .. ».

ويضيف الفنّان مُفنِّدًا علاقته الحميمة مع الطّبيعة كأنّها كائنٌ حيٌّ مدهش في انبعاثِ إشراقاته:

«الطَّبيعة صديقتي، وأنا صيَّاد المشهد الَّذي أشعر أنّه يغريني تشكيليًّا ويقنع عين المشاهد، ويشكِّل قصيدة متكاملة تؤسِّس لخيط ربط بينه وبين الطَّبيعة، وهو المشهد ذاته الَّذي يحرِّك أدواتي للعمل.

لعلّني لا أبالغ إن قلت إنَّ الطَّبيعة وليمة لا تنتهي، وبانوراما مشهد لا يتكرَّر ولا يشبه غيره من المشاهد إلّا في كونه طبيعةً، وكلّ عمل أقدِّمه عن الطّبيعة هو حالة بحدِّ ذاته».

تتميَّز أعمال الفنّان عبد السَّلام بإبراز العلاقة العميقة بكلِّ جدليَّاتها المنبعثة من سموِّ الحساسيّة الذَّوقيّة عنده وارتقاء تقنيّاته الحرفيّة العالية؛ فاللَّوحة عنده مساحة بانوراميّة لونيّة شاهقة، دافئة، متفائلة، حنونة، ومبهجة، يعيش من خلالها حالة ربيع دائم مع مكوّناته، كما يطرح رؤى واقعيّة ومواقف بصريّة تتماهى مع جماليات الطَّبيعة والورد والإنسان، والَّتي ما هي في حقيقة الأمر، إلّا إسقاط لواقع غير موجود،  مغترفًا من أعماقِ مكنوناته ورغباته ما يتعلَّقُ بعلاقة الإنسان مع جمال الطَّبيعة والحياة؛ حيث يقول:

«أميل إلى الانطباعيّة والواقعيّة ودمج المدرستَين؛ فالانطباعيّة تمتاز بالتقاط الزَّمن والمكان والضَّوء وحالة الضَّوء وانعكاساته على العناصر الموجودة الَّتي تمتاز بالألوان الصَّريحة والنَّقيّة؛ فهي من أخطر مدارس الفنِّ التَّشكيلي الَّتي تتطلَّب وليمة لونيّة كبيرة لها تفاعلاتها الكيميائيّة والبصريّة الّتي تتفاعل وتؤثّر في بعضها البعض، وذلك يتطلّب من الفنّان دراية عالية باللّون ومقدرة على تحقيق حواريّة وعلاقة لونيّة منسجمة، وذلك الأمر يمكن إسقاطه على النّاس والبشر؛ فنحن نختلف في الآراء والعقليّة والطِّباع، ولكن في النّهاية يجب أن يكون هناك وفاق جميل مثل الورود».

نجد عبر فضاءات لوحات الفنّان عبدالسَّلام ميلًا عميقًا إلى أنْسنة تجلِّيات اللَّون، فيبدع ألوانًا شفيفة تنضحُ أملًا، وأعماله ناطقة بأريج الورد والزُّهور، منتشلًا الإنسان من الواقع المشوَّش إلى عالم الصَّفاء المنبعث من بهاء الطَّبيعة، وهذا ينمُّ على رهافة الحسِّ لديه، وهي أشبه ما تكون ابتهالات لسموِّ السَّماء على روعة ما تنعّمت به على الأرض، ممتنًّا لكلِّ هذا الجمال الَّذي ينعشُ البصر والبصيرة، ومغدقًا على الرّوح أسمى المعاني؛ راغبًا أن يبدعها برهافة فنّية عالية ويوصلها إلينا بروعة تصويره الخلَّاق.

الفنّان التَّشكيلي السّوري الكردي عبدالسَّلامعبدالله مجنّح نحو أبجديات جمال الطَّبيعة والأزاهير، يرسّخ أسلوبًا شاعريًّا مضمّخًا بالواقعيّة الانطباعيّة، كأنّه في حالةِ عشقٍ مفتوح مع الحياة بكلِّ تجلِّياتها، راغبًا بكلِّ ما لديه من رؤية جماليّة عميقة، وخيالٍ جامحٍ أن يؤنْسنَ الجمالَ والفرحَ والسَّلامَ والحبَّ عبر ريشته المنسابة نحو أرقى فضاءات أبناء الشّمال السّوري، الموغل في إشراقةِ أشهى تجلِّيات العطاء والإبداع!

 

ستوكهولم: (2016).

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏اسم المؤلِّف: صبري يوسف.عنوان الكتاب: تجلِّيات الخيال.- الجزءالأوَّل.
– مقالات نصوص أدبيَّة.- الطَّبعة الأولى: ستو كهو لم (2020م).الإخراج،التَّنضيد الإلكتروني،والتَّخطيطات الدَّاخليّة : (المؤلِّف).- تصميم الغلاف:الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو.- صور الغلاف:للأديب التَّشكيلي صبري يوسف.- حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.

دار نشـر صبري يوسف – [email protected]

Sabri Yousef – (محررمجلةالسلام)

حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏ و‏ماء‏‏‏
  ربما تحتوي الصورة على: ‏‏منظر داخلي‏‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Sabri Yousef‎‏‏، ‏‏بدلة‏‏‏‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.