17966656_1068553003277149_5363186886044809115_o

رابعا: قضايا للمناقشة:

أ. علاقة التصوير الفوتوغرافي بالفن التشكيلي:

هناك علاقة وثيقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي حيث يمكن القول أن التصوير الفوتوغرافي خرج من رحم الفن التشكيلي.. بل إننا يمكن أن نطلق على التصوير الفوتوغرافي (بالابن العاق) ذلك أننا وحسب ما تطرقنا اليه في التطور التاريخي لآلة التصوير وجدنا أن من ساهم في اختراع وتطور الغرفة ا لمظلمة (Dark Room) هم الرسامون وقد كانوا يستخدمونها لتسهل لهم عملية الرسم.. فالتشكيل اذن هو سبب ظهور الكاميرا!!

وبعد فترات من الزمن متلاحقة أصبح فن التصوير الفوتوغرافي منافسا حقيقيا للرسم.. “ففي العالم الحديث حل التصوير الفوتوغرافي محل التصوير الزيتي والرسم كوسيلة أساسية لالتقاط الصور، التقاط صور دونوا حاجة الى مهارة الرسم” (21). فأصبح بالإمكان تصوير المشاهد وخاصة المناظر الطبيعية (Landscape) بسهولة كبيرة وفي وقت يسير والأكثر من ذلك أن آلة التصوير ترسم معالم الأشياء بحذافيرها.. وبالتالي أصبحت آلات المصورين منافسا قويا لأدوات الرسامين وخاصة من أصحاب المدرسة الانطباعية والواقعية (22).

بعد ذلك ظهرت مدارس أخرى في الفن التشكيلي ويرى البعض أن التصوير الفوتوغرافي سبب رئيسي في ظهور بعض المدارس الفنية كالتجريدية والسريالية، وذلك هروبا من منافسة المصورين فآلة التصوير كانت لا تستطيع أن تلتقط الا ما ترده أمامها.

ولكن مع ذلك.. وبعد التطورات الرهيبة التي حدثت في مجال التصوير الفوتوغرافي سواء في أجهزة الآلة أو الأفلام دخل المصور (الفنان) منافسا قويا من جديد حتى مع أصحاب المدارس الحديثة في الفن.. فمن خلال آلة التصوير وجهاز الحاسب الآلي (Computer) وبمهارة الإنسان الفنان يمكنك أن تلتقط صورة تجريدية أو سريالية بل إن البعض لا يمكن أن يفرق فيما يرده ما إذا كانت لوحة مرسومة أو صورة فوتوغرافية.. فالمعايير تداخلت الى حد كبير كما هو الحال بين الأجناس الأدبية.. والتطور المتلاحق ما زال مستمرا في عالم التصوير الفوتوغرافي.. فبعد اكتشاف التصوير الرقمي عبر الحاسب الآلي أصبح بالإمكان التلاعب بالصورة وكأنها رسمة

فتغير فيها ما تشاء. (23)

ولكن يبقى سؤال ملح وهو.. هل يمكن القول إننا في القرن القادم يمكن أن نستغني عن الرسم بالفرشاة والألوان ما دمنا وجدنا البديل في التصوير الفوتوغرافي ؟ خاصة إذا كان يحقق لنا نفس سؤال قد يكون سابقا لأوانه ولكن بالتأكيد يحتاج الى وقفة ومناقشة. فهناك من يرى في أدواته البسيطة كالفرشاة والألوان قمة الإبداع وحتى في الوقت الذي يستغرقه لصنع اللوحة من رحم الألم والمعاناة.. ولا يستطيع أي جهاز مهما كان أن يتحداه “ها أنا أتحدى الكمبيوتر” اتحداه بما تملكه أدواتي البدائية البسيطة من قدرة على الحركة وتفجر الحياة”. (24)

إلا أن البعض الآخر يجد في آلة التصوير وفي جهاز الكمبيوتر ما هو أفضل من الفرشاة والألوان ويمكن أن يحصل عل نتائج أفضل وفي وقت أيسر وابداع أكبر.

ولكن من وجهة نظري البسيطة أرى أن كلا من الرسم والتصوير الفوتوغرافي جزءين مكملين لبعضهما.. فبعد أن كان أحدهما ابنا للآخر أصبحا توأما يدخلان تحت جناح الأب الأكبر (الفن ).. فليعبر كل بطريقه لكن المهم أن يكون المولود فنا.

ب: أين يقف المبدع ؟!

قد يتساءل البعض بعد كل هز» التطورات.. أين يقف البدع ؟!

فكما لاحظنا من خلال حديثنا عن التطورات التقنية الرهيبة في أجهزة التصوير الفوتوغرافي ومن خلال مناقشتنا لقضية التشكيل والتصوير نجد أن تداخلا كبيرا قد يحدث بين الغث والثمين.. فصورة يمكن التقاطها في خمس دقائق مع وتوش الآلة أو الحاسب الآلي قد تكون لافتة للأنظار لروعتها.. وأخرى وبعد عناء ومشقة ربما استمر لسنوات من أجل أن تظهر بشكل يعبر عن فكرة معينة وموضوع معين بقوة قد تكون بنفس القوة وربما أقل من الصورة الماضية !

في هاتين الحالتين كيف نفرق ؟ وكيف يكون تقييم الفن مستقبلا؟ وكيف يمكن للنقاد أن يميزوا بين هذه وتلك ؟

أسئلة لا زالت تلح على الأذهان بقلق.. الا أن البعض يرى أن الصورة العظيمة تعبر عن نفسها، المهم كيف تستطيع أن تخلق صورة لا يمكن لأحد غيرك أن يأتي بمثلها.

فالمصور دائما ينتقل من تحد الى آخر، ويخشى البعض من عدم تمكنهم من إتيان الجديد ذلك أن كل ما شاهده قد تم تصويره الا أن (هلن روجرز Helen Rogers) يقول “هذا لا يقلقني لأن كل صورة بالنسبة لي تحكي قصة وليست مجرد صورة منظر أشاهده أمامي”. (25)

فالمبدع دائما يلقى الجديد.. يعصر فكره بقلق ومعاناة من أجل فكرة أو معلومة فالمبدع.. “المبدع هو الذي يعود الى محاورة الأرض.. بعد أن تملى السماء طويلا طريقه الى الأرض هو طريقه الى السؤال قد لا يجد جوابا لكن أليس البحث جوابا؟ أليس البحث اقترابا؟!” (26)

جـ – بين الحقيقة والتزييف !!

من القضايا المطروحة وبشدة هي كيف نميز بين الصورة الحقيقية والأخرى المزيفة ؟ ولكن هل هذا يهمنا أو حتى يخدم الفن.. لنقرأ ما كتبه د. أحمد النعمان في مقال بعنوان (سلفا دور دالي في موسكو، معرض دالي بلا حدود) نشره في مجلة المدى وهي مجلة فصلية ثقافية (27) يقول: “قرأت وأنا غارق في كتابة هذا الموضوع مقالا يعتبر من النقد العلمي للفن التشكيلي مفاده >>… أن جيوكندة ليوناردو دافنشي المحفوظة في متحف اللوفر هي ليست عن موناليزة فيما تحفظ لوحة ليوناردو دافنشي التي رسمها عن الموديل موناليزة في متحف الارميتاج في سانت بيترس بورغ (ليننغراد سابقا)!!

وماذا في ذلك ان كان هذا الرأي خطأ أم صوابا؟؟! أيقلل ذلك من أهمية وقيمة جيوكندة اللوفر؟؟ أم يزيد من قيمة وأهمية موناليزة الارميتاج ؟؟ لا مطلقا إن اللوحتين تعودان لريشة الفنان دافنشي وما عدا ذلك تفاصيل لا تفيد الا المختصين في الفن “والراسخين في العلم” وحدهم كشهادات وثائقية، ويواصل “أيهم القاريء العادي مثلا ان كان وليم شكسبير موجودا أم منتحلا؟؟! لا أبدا فنحن نعرف هاملت وماكبث وعطيل والآخرين من أبطاله ويبقى شكسبير حيا في هذه الأعمال فقط، فما معنى الحقيقة هنا أو الانتحال”؟؟!

اذن يهمنا كما يرى د. أحمد النعمان هو النتاج الفني وما يمثله.. المهم أن يستمتع الناظر بالفن (كل هذا في إطار أن مصدر اللوحتين هو فنان واحد) ولكن كذلك يبقى الا نأخذ الكلام على محلاته فأن نستمتع ونعرف قيمة ما نشاهد أفضل من مجرد الاستمتاع. كما اللوحات الفنية والصور قد انتشر انتشارا كبيرا بين ما يطلق عليهم البعض بعصابات الفن فكيف الأمر بعد اختراع الصورة بالحاسب الآلي حيث يمكن تزييف الصورة في دقائق معدودة ودون أن تعرف الصورة الأصلية وهذا ليس في مجال الفن فقط ولكن كذلك قد يسبب مشاكل أخرى في الصور الصحفية والعلمية. (28)

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.