12257809914aKdRZ

التصوير الضوئي آفاق الماضي.. ومؤشرات المستقبل

عبدالمنعم الحسني
 02-09-1435
الخلود.. من بين بساطة اللفظ وعمق الدلالة.. نرقص على ايقاع الكلمة.. فتهزنا من الأعماق.. لتتولد لفة عالمية أخرى غير الموسيقى.. لفة في إطار.. انها الصورة الفوتوغرافية.فالخلود هو أبسط تعبير عن الفن الحقيقي قديما وحاضرا.. سواء في الهدف والغاية.. أو النتيجة المتوقعة لهذا الفن بمعناه الشامل.. “فالفن الحقيقي يمتلك القدرة على قهر الموت”. (1)

وهنا نتحدث عن فن خالد خلود البشرية.. من عصر جلجامش والحضارات البدائية الأولى..الى عصر الصورة بالحاسب الآلي اليوم.. ولا ندري ماذا يخبيء لنا المستقبل من الأسرار؟!

فن التصوير الفوتوغرافي مجرد محاولة لسبر أغواره.. تطوره المتلاحق.. تاريخه الطويل.. ستشرفين أجواء القرن الحادي والعشرين رغم أني أعترف سلفا أنني لن أستطيع أن أوفي الموضوع حقه من التحليل والتمحيص.. وإنما هي مجرد ومضات بسر عات مختلفة وفتحات تضيق أحيانا وتتسع أحيانا أخرى حسب القضايا التي نتطرق لها.. كما تأتي هذه الدراسة المبسطة للاستزادة والتواصل مع المصورين العرب أينما كانوا لنناقش قضايا كثيرة تتعلق بالتصوير الفوتوغرافي.. ونسمع آراء واتجاهات شتى لنبني على أساسها دراسات أخرى قادمة لفنانين عرب قادرين على العطاء.. فنكسر بذلك حاجز الصمت والعزلة بيننا.

أحاول من خلال هذه الدراسة المبسطة أن أدخل في أعماق ثلاثة تطورات هامة في مجال التصوير الفوتوغرافي وهي التطور التاريخي ونذكر فيه أهم التطورات التاريخنة التي حدثت في عالم التصوير الفوتوغرافي.

ثم التطور الوظيفي لفن التصوير الفوتوغرافي ومن خلاله نناقش علاقة التصوير الفوتوغرافي بالأدب والفن التشكيلي.

بعد ذلك نأتي الى التطور التقني ومن خلاله نناقش علاقة التصوير الفوتوغرافي بالعلم والصحافة.

من خلال التطورات الثلاثة تبرز لنا قضايا للمناقشة سنخصص لها جزءا من الدراسة.

أما الجزء الأخير فسأتحدث فيه بشيء من الاختصار عن التصوير الفوتوغرافي في سلطنة عمان أين يقف اليوم ؟!

أولا: التصوير التاريخي:

يعد التصوير منذ الأزل شهادة عصرية ودليل وجود.. من هنا حاول الإنسان البدائي تسجيل آثاره وأعماله ومعاركه على جدران الكهوف.. و”تعود بداية التصوير عند ملاحظة القدماء ظاهرة ظلال الأشياء عند انعكاس الضوء عليها.. ومع تكرار الملاحظة تم اكتشاف الغرفة المظلمة (Dark room) التي ما زال الجدل قائما حول من اكتشفها فمنهم من قال إنه أرسطو ومنهم من قال قبله، كما أن البعض يشير الى العالم العربى عالم الفلك الحسن بن الهيثم. (2) و “لا يوجد شخص واحد يمكن ان ينسب اليه اختراع الغرفة المظلمة”. (3)

ولا نريد هنا أن نخوض في إشكالية أن التصوير الفوتوغرافي فن حديث من ابتكار الأوروبيين أو هو فن قديم عرفه العرب من قبل أو ربما قبل ذلك لأنها قضية لا تسمن ولا تغني من جوع وانما لابد أن ندرك أن المعرفة البشرية هي معرفة تدرجية تراكمية ساهمت الشعوب الأولى والحضارات لبدائية في خلقها وهنا نحن نكمل المسيرة.. كما علينا أن نذكر للتاريخ فقط وحسب ما جاء في مقدمة كتاب د. عبدالفتاح رياض (آلة التصوير) (1993) ص 12، ان مخطوطات الحسن بن الهيثم لم تعرف ما فيها إلا في عام 1910 في مكتبة (The Indian office library, London ).

ونرجع للغرفة المظلمة ذلك أن المرحلة الكبرى لتاريخ التصوير بدأت مع استعمال هذه الغرفة من قبل الفنانين الإيطاليين في القرن السادس عشر حيث إن عددا كبيرا من الرسامين المشهورين قد استعملوها، من بينهم الفنان العظيم ليوناردو دافنشي الذي طور هذه الفكرة وأصبحت صندوقا به ثقب في أحد جوانبه يستخدمه الفنانون في اعداد اللوحات والرسوم.

بعد ذلك أدخلت عليه تعديلات مهمة حيث أضاف اليه (كاردوي عام 1590) العدسة البصرية. التي كانت تستخدم لاصلاح أخطاء النظر والتطوير الذي أدخل على هذا المبدأ هو ادخال الحدقة (الدايفرام).

أدى هذا التطور الى زيادة 0وضوح الصورة وبعد ذلك تطورت الغرفة المظلمة من حيث الحجم والقياس.. وما أن حل القرن السادس عشر إلا وأصبح الرسم بواسطة الغرفة المظلمة هواية سهلة وممتعة للمحترفين والهواة.

ونصل الى عام 1727 حيث كان العالم الألماني (يومان شولز) منهمكا بالعمل في مختبره فلاحظ عن طريق الصدفة تأثر أملاح الفضة بالضوء.. فكانت تلك البداية الفعلية للتصوير الفوتوغرافي، بالرغم أن هذا العالم لم يتمكن من أن يكتشف أي تأثير عملي لهذه الظاهرة وتوفي قبل أن يرى نتائج بحوثه.

هذه الملاحظة استحوذت على اهتمام العلماء فقاموا بدراستها وبعد نصف قرن من الجهود المضنية أمكن التوصل الى استخدام املاح الفضة في اختزال الصورة عن طريق نفس الصندوق الذي كان مستخدما لتسهيل عملية الرسم.

فشل العلماء بداية في الحصول على صورة ثابتة اذ كانت الصورة تختفي حين تتعرض للضوء.. وهكذا استمرت الأبحاث الى أن تمكن العالم (نيبس عام 1826م / من التقاط أول صورة ثابتة عرفها التاريخ استغرق التقاطها (8) ساعات من التعريض. (4)

توصل بعد ذلك العالم (دايجير) الى عملية تثبيت الصورة عن طريق ملح الطعام وأطلق على اكتشافه (النموذج الدايجيري) وهو عبارة عن نماذج موجبة (Positive) استطاع أن يطورها لتصبح واضحة لدرجة أن أحد الفنانين قال عندما رآها “مات الرسم اعتبارا من اليوم”.

لننتقل الى مرحلة أخرى مهمة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي وذلك عندما استطاع عالم الرياضيات البريطاني (فوكس تالبوت عام 1835) من التوصل الى انتاج أول مبررة سلبية (Negative) وبذلك كانت الصورة السلبية بمثابة الرحم أو الأنثى التي تمكن الصور من التوالد الى ما لا نهاية.. فانتشر التصوير الفوتوغرافي مع حلول منتصف القرن التاسع عشر وكثر المصورون وتقنياتهم (5).

وفى عام 1935 تمكن العلماء من التوصل الى الفيلم الملون إلا أن الفيلم المتعارف عليه حاليا الذي يتألف من طبقات مكونة على دعامة واحدة قد طرح في الأسواق لأول مرة عام 1955 وكان تحولا جديدا في عالم التصوير الفوتوغرافي. لتتوالى بعد ذ لك العديد من الاضافات الى آلة التصوير بعد أن استقر العالم على أجزائها الرئيسية لتبدأ بعد ذلك الأجزاء الفرعية والثانوية كالفلاش والمرشحات والتطورات ا لمذهلة في امكانات التصوير الحديثة سواء بزيادة سرعات الغالق أو فتحات العدسة وما الى ذلك الى أن وصلنا الى التصوير ا لفوتوغرافي عن طريق الحاسب ا لآلي (Computer ) وا لذ ي سنتحدث عنه لاحقا بشيء من التفصيل.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.