الفنان كمال ملحم
الفنان التشكيلي الفلسطيني “كمال ملحم” من مواليد مدينة كفر ياسيف في الجليل الغربي لفلسطين المغتصبة عام 1948، تخرج من كلية المعلمين العرب بمدينة حيفا، وحاصل على شهادة تخصص، كمدرس مؤهل كبير لتعليم التربية الفنية، حيث قضى في مهنة تدريس الفنون نحو ثلاث وثلاثين عام بمدرسة كفر ياسيف. فضلاً عن كونه رسام ونحات وخزّاف، له مساهمات ابتكار متنوعة في ميادين الشعر والقصائد المغناة والكتابة النقدية في الصحف والمجلات وسواها، ويُعد من مؤسسي رابطة إبداع للفنانين التشكيليين العرب الفلسطينيين بالأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1948، وشغل منصب عضو لجنة إدارية وأمين لصندوقها، مًشارك في العديد من المعارض الجماعية داخل فلسطين وبعض المدن العربية وأوروبا. 

لوحاته شغوفة بالحداثة التعبيرية، والتأثيرية المحلية بقصص الأولين وأساطيرهم، وتجد لها فسحة كبيرة من الطيف البصري والرؤى الجمالية المعشبة بمساحات ملحوظة من الزخارف الفلسطينية ذات النكهة الشعبية، والمشغولة وفق معايير بحث تقني وصياغة أسلوبية قريبة من التصميم الصناعي وفنون “الكولاج” التصويري، بما هي عليه من تنوع في الخطوط الملونة والمساحات المتداخلة والمتجاورة، وكأنها تبحث عن صورة رمزية سريالية الطابع، تصل ما بين مزق الرؤى البصرية المسكونة في تجليات الذاكرة الحافظة، والمفتوحة على مكينة الوصف السردي الذاتي، كألحان بصرية منفردة في دائرة سربه التشكيلي. 

لوحاته تأخذ من تداعيات الرسم الخطي والمساحات اللونية المؤتلفة، ألق وأريج متنها الوصفي لموضوعات موصولة بالتراث كفرصة مواتية لقول مقولته الفنية التشكيلية، التي تصل الإنسان الفلسطيني بذاكرة مكانه، وتسعى لرصف واحة جمالية متناسلة من معين الموروث الشعبي الكبير والمُختزن في شفاف ذاكرة الفنان الشخصية، ويده الماهرة التي ما زالت تُحسن صنيعها اليدوي في طرق محاكاتها لميادين التطريز الفلسطيني المتنوع، كصناعة وثقافة وحضارة ودلالات رمز ووجود، ومساحة مناسبة لتوليف الرؤى المحكية كشكل من أشكال المقاومة الوطنية الفلسطينية المشروعة من خلال بوابة الفنون التشكيلية والتطبيقية، وتسعى إلى توليد خلفيات فكرية وجمالية وإنسانية، ممجدة ودالة على أهمية التراث الشعبي كصناعة، وفنون متناقلة عبر الأجيال وتجد فيها النسوة الفلسطينيات والفنانين التشكيليين ملاذاً لتفريغ مواهبهم، وشحناتهم الانفعالية واندماجهم بوطنهم الفلسطيني غير قابل للتهجين. 

عناصره ومفرداته التشكيلية مُستعارة من خيرات الأرض الفلسطينية، من جماليات الطبيعة والإنسان والحقول والأشجار، مُمسكة بأغصان زيتون ودوار شمس، وحدائق قمر فلسطيني مزين بمتواليات الأشكال الهندسية المطرزة، حبلى بالرموز وتضمينات العبر عن الأهل الغائبون والمغيبون، تُبقي تذكاراتهم معلقة في متن اللوحات، موصلة بمفاتيح الدور والبيوت التي طاولتها يد الاغتصاب الصهيوني، ومقربة لخطوات الأمل في العودة عبر بوابات العلم ومشاعل المقاومة، والتمسك بنسيج الذاكرة الشعبية الفلسطينية المكحلة بالحكايات. 

لوحات مشغولة بمنطق الراوي للسير الشعبية، أي “الحكواتي”، الذي يخط بكلماته المسرودة فوق سطوح الخامات المستعملة، بهاء اللون ورقصه المنثورة في فسيفساء مرصعة في أتون ذاكرة شعبية متنوعة القصص والحكايات، تُدخلنا في مجرة الفن الشعبي الفطري “النايف”، لتصنع في أوصافها الشكلية حلقة بصرية متواصلة ما بين الفنان ورؤاه الفنية التشكيلية، وما يجول في خاطره ودواخل نفسه ومحسوس انفعالاته، فيها ما فيها من معايشة لقصص الجدات المسرودة في ليلة ربيعية فلسطينية مُقمرة، تقربنا خطوة باتجاه حكايات كليلة دمنة، وتفصح عن جموح الخيال والصور ذات الملامس الحلميّة، من نوع أحلام يقظة موصوفة. 

فيها متسع لحكايات”خرافيات” الثعلب المكّار “أبو الحصيني”، والحملان الوديعة، وديك الصباح، وترجمة سردية لمسقط الصور المتخيلة، وكأنها خرائط طبوغرافيا لمعين الذاكرة الشعبية المتوهجة، فيها مقاربات شكلية لواحات المسجد الأقصى ومعالمه التاريخية في تالفات شكلية مبسطة ومتسقة المساحات الهندسية، وأخرى مداعبة لبيوت البلدة القديمة لمدينة القدس، في خصوصية الرصف الخطي واللوني ونسج المساحات المتآلفة في واحتها الفسيحة وتدريجاتها الشكلية. 


هندسة عمارة الفنان الشكلية مأخوذة بالتبسيط الشكلي، واعتمادها على تداعيات الرؤية المسبوكة في ثنائية الأبعاد المنظورة، غير معنية بالأنماط التقليدية الغربية، تروم صناعة توليفة شكلية من نسيج الواقع البصري المعاش، والمتوالدة من الذاكرة الشعبية الفلسطينية وقصصها المفتوحة على جماليات الحياة، ملوناته فرحة مرحة متفائلة في طبيعتها الشكلية وحدتها اللونية وتجانسها الإيقاعي المنثورة داخل أسوار اللوحات، وهي أشبه بمقطوعات موسيقية
شعبية، خارجة للتو من عرسها البصري وذاكرة صانعها المطوق بالحنين للأهل والأرض والتراث والإنسان

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.