الفنان ابراهيم ابو الرب

الفنان التشكيلي الفلسطيني الأردني ” إبراهيم أبو الرب” من مواليد قرية “يالو” بمدينة رام الله الفلسطينية عام 1949، التجأ مع عائلته الفلسطينية عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 م إلى الأردن والاستقرار في نهاية ترحاله بمدينة عمّان. مواهبه المبكرة وبروز قدراته الفنية، مكنته من متابعة الدراسة في مدينة إربد والحصول على دبلوم تربية فنية في منطقة حواره عام 1970، وتم إيفاده للدراسة الأكاديمية للفنون الجميلة بجامعة حلوان بمدينة القاهرة بمصر، حاصلاً على بكالوريوس فنون جميلة ودبلوم الدراسات التربوية عام 1976،ومن ثم نيل درجة الماجستير حول الفن التشكيلي الأردني عام 1982، والدكتوراه في ميادين الفن الإسلامي وأثره على التجريد العربي المعاصر عام 1987.

بعد عودته للأردن عمل في ميادين شتى ذات علاقة بالفنون الجميلة التشكيلية مدرساً ومحاضراً وكاتباً صحفياً وناقداً، ومقيماً مجموعة من المعارض الفنية الفردية والمشاركات الجماعية داخل الأردن وخارجها. أسس جماعة الفنانين التشكيليين الأردنيين الشباب، وساهم أيضاً في تأسيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ويعمل حالياً في إطار الهيئات التدريسية في أكثر من جامعة أردنية خاصة ورسمية، وله بصمات واضحة في جامعة اليرموك ورابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وحظوة ومكانة مميزة في مسيرة الفنانين التشكيلين الشباب في الوسطين الفلسطيني والأردني، حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون الجميلة عام 1995، فضلاً عن حضوره اللافت في المهرجانات والندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية الخاصة بالفنون التشكيلية. من مؤلفاته (الفن الأردني المعاصر، اليسكو- تونس عام 2001، وعدد من أوراق العمل والبحوث والدراسات المعنية بالتربية الفنية ذات الصلة بالبيئة والطفولة).

هو فنان خصب الخيال، ومثقف مكشوف على تجليات الفنون الجميلة التشكيلية في واقعيتها وحداثتها، منحاز في مضامينها الوصفية وتوليفاتها المعنوية لخياراته الوطنية الفلسطينية النضالية، ومُحصنة بانتمائه القومي المناهض لقوى العدوان والاغتصاب الصهيوني، كمواطن فلسطيني أردني، عربي الملامح والتقاسيم الوجودية، يعتلي صهوة الفنون الجميلة التشكيلية التصويرية، بجموح مُخيلة، ومنافذ تعبير صوري، كواحد من فرسانها المميزين في الحركة الفنية التشكيلية الأردنية.

فلسطين التاريخ والجغرافية والمكان والإنسان حاضرة في لوحاته على الدوام ومُختصرة في تفاصيلها الواقعية بدثار وهيئة الفدائي الفلسطيني الشكلية التقليدية، وقامته المتطاولة مرفوعة الرأس، ممجدة للفدائي ومكانته في مدارات الوصف البصري لأولئك المجاهدين الفلسطينيين الممسكة أيديهم على الزناد، وعيونهم وعقولهم وقلوبهم مصوبة نحو فلسطين الطريق وبلوغ المنى والهدف. خطوط وملونات وتفاصيل لا تفارق سطوحها الشكلية المتباينة ما بين العناصر الرئيسة والخلفيات اللونية المتممة في أعماق اللوحات، وتبني لذاته السردي عالمها الرمزي السريالي، بكل ما فيه من جماليات ومعاني وأفكار بينية متخللة داخل متن مفردات عناصرها الخطيّة واللونية. يعيش الفنان كصورة رمزية متوارية في شخوصه المُدرجة كواحد من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، يغوص في متن معالم قضيته الفلسطينية بجميع تجلياته التعبيرية، كلاجئ ومقاوم على جبهة الفن والثقافة، وحالم بالعودة إلى مسقط رأسه وربوع الوطن الفلسطيني الأجمل، كذاكرة مكان وإنسان متواترة في العديد من لوحاته.

لوحاته في شكلها ومضمونها وتقنياتها مسكونة بهمه الفلسطيني، وغير مفارقة لمساحة أحلامه وابتكاره وأقواله، حيث نجد في أعماله ثمة ملامح تشبه أحاديثه، وتعكس حقيقة مشاعره داخل أسوار قصائده التشكيلية، وتُظهر السمات الخلفية التي تقف وراء مضامينها، كخلفيات فكرية وجمالية وشكلية مُطابقة تطابقاً تاماً مع فسحة أقواله: ” علمتني قضية شعبي معنى الصبر والتضحية وحتمية الوصول، وفي حالة قضيتنا وعلى الرغم من تعدد المطروحات فإن الشهادة هي الحل، وكم هو عظيم أن أمارس فني على أرض فلسطين في ملحمة مسيرة شعبي العظيم” .

لوحاته كبيرة نسبياً وتدخل عوالمها السردية العاكسة لتجلياته التعبيرية المتناسلة من واحة الحداثة والاتجاه التعبيري الرمزي السريالي بالفن على وجه الخصوص، سريالية مؤتلفة من قامات الفدائيين الفلسطينيين الذين عبروا النهر واقتحموا أسوار الهزيمة، واضعين أرواحهم ودمائهم الطاهرة فوق أكفهم، شهداء ومشاعل على طريق التحرير والعودة. شهداء مرفوعين فوق أذرع المناضلين ومطوقة بعيون الأحبة، ومسجاة بمواقف سرد بصري متجانس، أو تكوينات شكلية حركية سابحة في مجون القصيدة الثورية المتحررة من القيود النمطية، وتبلغ مساحة التجريد الشكلي المتعانق مع تجريدية الفكرة المعنوية المشتهاة في أشكال الفدائيين الفلسطينيين التعبيرية، المرصوفة ككتل وخطوط ملونة في حيز السطوح التي تفصح عن ذاتية الفنان ورؤيته الفنية لقضيته وتبيان لمساحة نضاله الوطني، لوحات ملونة بملونات الحرية المضرجة بالدماء والكبرياء، تبوح بأماني الصامدين الصابرين والحالمين بعودة الأرض الفلسطينية لأصحابها الفلسطينيين.

البنية التركيبية لشخوصه ومدرجات خطوطه وملوناته، تعتمد على اتساع الحيز البصري داخل جدران السطوح الممتدة، والمحضونة في مدارات أوصافه التصويرية الجدارية، الفراغ فيها افتراضي يشكل معادلاً موضوعياً لكتله الرمزية كمحتوى موضوعي، مصحوب بمكونات سردية متوالدة من حركية اليد الماهرة وفراشي التلوين المشبعة بالملونات الحارة والباردة، والتي تنسج عالماً شكلياً متجانساً في إيقاعاته وحركية توليفاته التصويرية، والموشاة بغزل الخطوط الحركية المتداخلة والمندمجة بمساحات اللون المكررة، وتغدو في مُجمل تفاصيلها وفسحتها الحركية، أشكال رمزية تجريدية ممجدة لخيارات الحداثة وأوصافها الشكلية المتناسلة من معين الاتجاهات التعبيرية الرمزية والسريالية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.