جيهان محمد: الفن هو السترة الواقية من مخلفات الجهل والحرب
تاريخ النشر : 2019-10-07

جيهان محمد: الفن هو السترة الواقية من مخلفات الجهل والحرب

جيهان محمد: الفن هو السترة الواقية من مخلفات الجهل والحرب

تقول محمد: قد تتشابه الأفكار في بعض اللوحات، لكن يستحيل التشابه في الأساليب

حوار أجراه: خالد ديريك

ظهرت موهبتها الفنية في السن الطفولة، وارتبطت بها بشكل وثيق، كأن قوة غريبة تدفعها إليها إلى درجة كانت تهمل دراستها وترسم بشكل مكثف ولا تستمع إلى نصائح أهلها! في ضرورة المتابعة والاهتمام بدراستها من أجل الحصول على الشهادات العليا…  فالعناد والمزاجية من أهم صفاتها منذ طفولتها!

إلى جانب الرسم، كانت مهتمة بالرياضة أيضًا، فقد كانت لاعبة الكرة السلة في العمر الخامسة عشر، ولمدة ثلاث سنوات على التوالي في النادي الحرية بحلب.
فيما بعد، حدثت معها المتغيرات ومنها ظروف خاصة أدت بها إلى الابتعاد عن الرسم بشكل النهائي لمدة عشر سنوات، ولهذا فإن عمرها الفني يعد قصيرًا، لكن إبداعاتها في صنع اللوحات تشير إلى عكس ذلك، فلكل لوحة رسمتها بفكرها وريشتها وإحساسها لها من جمالية الكثير، التي يمكن للمتلقي والمهتم بالفن أن يستخرج من لوحة واحدة أكثر من دراسة وقصة!

عاشت ظروف الحرب القاسية من الترهيب والقتل، والدمار الذي لحق بالبلاد والأرواح، لذلك تركت الوطن وانضمت إلى قوافل النزوح، للبحث عن مساحة الأمان لتجد نفسها في دولة مجاورة!

عادت إلى الرسم مرة أخرى بعد عقد من الافتراق! مشاهد وأخبار وأوجاع الحرب التي كانت تلاحقها في موطن الاغتراب جعلتها تخرج ريشتها من غمد العزلة والنسيان وتظهرها إلى النور فسجلت بها القصص والحكايات التي مرت بها وشاهدتها بالألوان والصباغ على مساحة بيضاء ومزجتها بــ تراث وثقافة منطقتها…

هي من أسرة صغيرة مؤلفة من شقيق وشقيقتين. ترعرعت في حلب المدينة، ودرست فيها صناعة الإلكترونيات التي هي بعيدة عن التشكيل والرسم.

جيهان محمد عبد الله فنانة تشكيلية كُردية من قرية كوبلك التابعة لمدينة عفرين في محافظة حلب ـ سوريا

…. نص الحوار

تعرفت جيهان محمد على موهبتها وميولها الفنية في طفولتها الأولى:

ظهر رغبتي وميولي واهتمامي بالرسم في السابعة من عمري، أي في بداية المرحلة الابتدائية، حينما تتوفر للتلاميذ الأدوات … كالأقلام والدفاتر …

بدأت بالرسم حينها، وكنت أحب رسم الفتيات أكثر، وسرد القصص والحكايات عن طريق الرسم بطريقة بريئة وعفوية، رسمتُ بشكل مستمر وبكل الأوقات حتى في الحصص الدراسية، كانت رسوماتي تنال إعجاب الأساتذة وكانوا يشاركونها في المعارض المدرسية التي تقام في مناسبات معينة …. موهبتي كانت تعيش في داخلي، ولدت معي بالفطرة، واكتشفتها بنفسي، لم أدرسها بطريقة أكاديمية…

فيما بعد، ستنقطع عن الرسم لمدة عشر سنوات حتى عام 2017، عن أسباب هذا الانقطاع، صرحت:

انقطعت عن الرسم لأسباب عدة كالدراسة والزواج، وكان عدم تلقي الاهتمام والتشجيع من الأهل من أهم الأسباب، إضافة إلى الظروف والتغييرات الأخرى التي طرقت على حياتي كانت غير ملائمة للاستمرار بالرسم… لذلك قررت الابتعاد عنها نهائيًا! ولهذه الأسباب فإن عمري الفني يعد قصيرًا!

أما المستجدات التي أدت بها أن تعود بقوة إلى الساحة الفنية، كانت محورها الحرب ومآسيها:

بسبب الحرب الدائرة في سوريا، اضطرينا إلى النزوح واللجوء إلى تركيا بحثًا عن مساحة الأمان، فأنا أقيم في تركيا منذ سبع سنوات!

ولأن الوقت الفراغ كان كبيرًا لدي، زائد الواقع المرير الذي نعيشه بسبب ظروف الحرب فقد كنت بحاجة إلى ممارسة هوايتي التي أحبها منذ طفولتي فالتراكمات والمعاناة في داخلي دفعتني إلى إفراغ طاقتي وبالتالي أن أترجم أحاسيسي ومشاعري من خلال الريشة والألوان … وحدث ذلك في 2017

تضيف: في الغربة زاد لدي الإصرار بالاستمرار في مجال الفن وتطويره …

فقد طورت موهبتي بمجهود ذاتي، فيما بعد، درست الفن التشكيلي لمدة خمسة أشهر فقط بطريقة أكاديمية من أجل تطوير مهاراتي والوصول إلى المستوى الاحترافي التي أريدها.

أهم الألوان والأدوات التي تستخدمها وتفضلها في الرسم:

ارسم بالرصاص والفحم والألوان الزيتية والأكريليك، بطبيعتي أود تجربة كل ما هو جديد وإتقان كل الخامات، رغم أنني أفضل الألوان الداكنة والباردة… في البداية كنت استخدم الرصاص فقط من ثم كيفية استخدام الفحم وتكنيكها وتطورت بالعمل فيها، وأحببت خامة الزيتي أكثر من غيرها لأنها سلسة الاستخدام، ويمكن اللعب بالألوان ودمجها لإنشاء لوحة فنية، فيها متعة أكبر من غيرها مقارنة بالفحم والرصاص مثلًا.

تبين لنا، كيف تنتقي ألوان لوحاتها ومتى:

هناك إيحاءات معينة تخلقها كل لمسة لونية يضعها الفنان في عمله، وأن هذه الإيحاءات تؤدي إلى تطوير اللوحة وتغيير الألوان على حسب مزاجه، وعادة تتناسب الألوان مع الحالة النفسية أثناء العمل مثل، القلق، السعادة، الاكتئاب، الحب … كلها عوامل مؤثرة في لوحاتي ولها ألوانها الخاصة، انتقي ألواني في أغلب الأوقات على حسب محتوى اللوحة، وأكون قد حضرت لها سابقا في مخيلتي.

تؤكد بأن التعدد في الألوان وزيادة حدتها ليست مقياسًا لصنع جمال اللوحة:

التعدد في الألوان وحدتها ليست بالضرورة أن تعطينا جمالية للوحة بل نستطيع خلق الإبداع من خلال لون واحد فقط، فالعمل الفني الجيد الهادف الذي يحمل فكرة يصل إلى المتذوق بقوة، لكن هناك مدارس معينة تحتاج لتعدد الكثير من الألوان كالمدرسة الانطباعية التي تعتمد على الألوان الفاتحة والمشعة والأكثر حيوية…

تنوه أن وظيفة الفن التشكيلي ليست جمالية فقط بل مرتبطة بحياة الإنسان من كافة الجوانب، ولهذه الوظائف دورها وتأثيرها الكبير:

الفنون ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان، أي دورها وأثرها كبير اجتماعيا وسياسيا ودينيا ….  وهي عملية تتمثل في الحفاظ على الآثار التاريخية والحضارية، ويلعب الفنانين التشكيليين اليوم دورا محوريا في الحركة الثقافية لترجمة مواضيع واقعية وإضافة أخرى خيالية بلمسات إبداعية وبالتالي تعتبر أعمالهم بمثابة وثائق تاريخية…

تضيف: الفن هو السترة الواقية من مخلفات الجهل والحرب، خاصة عندما يكون هادفا ويحمل رسالة وطنية وإنسانية كالساعي البريد يوصلها لكل مكان…لا نستطيع أن نجسد جمال الحياة فقط في أعمالنا بالأخص في الوقت الراهن، هناك ظروف سوداوية نعيشها، نمر بها، نشاهدها كل يوم، تفاصيل تشدنا إلى أن نتكلم عنها بريشتنا وألواننا، فالفنون … هي السلاح الأقوى ضد الإرهاب والسواد.

تستمد أفكارها الفنية حاليًا من بيئتها الكُردية، وستضيف ثقافات أخرى إلى سجلها الفني مستقبلًا:

في البداية لابد أن تكون لثقافتي الكردية الدور الأكبر في أعمالي فهي الأساس في معظم لوحاتي، وستكون لدي أعمال عن ثقافات مختلفة بمبدأ “التنوع الثقافي وأهميتها في عمل الفنان”

تعتقد من المهم جدًا أن يتقن الفنان في بداية حياته الفنية الرسم الواقعي أولًا، لأنه أساس المدارس الفنية، ثم يغير ويضيف بعدها كما يشاء، وتقول:

أجد نفسي في المدرسة الواقعية أكثر أسلوب تصويري واضح دقيق الصياغة، واختار مواضيعي من واقع الحياة اليومية بالأسلوب التعبيري، لكن هذا لا يمنعني من إتقان أو تجربة المدارس الأخرى للفن التشكيلي …

قد تتشابه الأفكار في بعض اللوحات، لكن يستحيل التشابه في الأساليب:

قد تتشابه وتتقارب الأفكار في بعض لوحات الفنانين إلى حد ما بالأخص عندما يكونون من نفس المحيط والخلفية الاجتماعية والثقافية، لكن يستحيل تشابه الأساليب فكل فنان لديه لمسة فنية وطابع خاص وإحساس مختلف يميزه عن باقي الفنانين، في لوحاتي أتوجه أحيانا للفن التطبيقي وأضيف عليها بعض من المواد لتزيين وتجميل اللوحات ما يميزها عن غيرها…

لم تتأثر بأحد، لكنها تطمح للوصول إلى احترافية بعضهم:

لم أتأثر بأحد من الفنانين على الإطلاق، كل فنان لديه أسلوب يمثله، لكن أطمح أن أصل لمستوى احترافية بعضهم وأن أكون ذاتي بأسلوبي، وأصل لمراحل متقدمة بالفن التشكيلي.

شروط ينبغي توافرها لإقامة معرض فردي:

المعارض الفردية تحتاج إلى ذخيرة كبيرة من الأعمال الفنية لعرضها بشكل خاص ونحتاج إلى القدرة المادية الجيدة ثم الإعلان والحضور لنضمن نجاح المعرض. إقامة معرض فردي هو حلم كل فنان ليثبت نفسه وقدراته على الساحة الفنية، بإذن الله في المستقبل أن سنحت لي الفرصة سأقيم معرضا خاصا بي.

أهم المشاركة والتكريم بالنسبة لها:

جميع المشاركات في الجمعيات والمؤسسات الفنية والمعارض المشتركة التي قمت بها كانت مهمة بالنسبة لي، لكن في آخر مشاركة لي في المعرض الدولي للفن التشكيلي تحت شعار “الفن يوحد الشعوب” كان له دور الأهم الذي أخذ صدى ونجاح كبير فقد تم تكريمي ومنحي شهادة تقدير من قبل المسؤولين في مدينة غازي عينتاب التركية…

ترى بأن الفن التشكيلي الكردي مميز وتخطو نحو الأفضل:

التشكيل الكردي له لون مميز، ويسير نحو الأفضل، إذ لدينا فنانين عظماء بريشهم الإبداعية، لكن هناك قسم آخر هم من يعملون فقط على تغطية لوحاتهم بالألوان أو رسم الأشياء لا يستطيع حتى هو نفسه فهمها، فهي مجرد ضربات للفرشاة على اللوحة تحت مسمى الفن التشكيلي…

الفن بشكل عام في تقدم مستمر، هو ثورة الفنانين اليوم، كلما سلطنا عليه الضوء أكثر كلما تطورت أكثر …

لنقرأ متى تحذف الفنانة التشكيلية جيهان محمد أصدقاءها:

نعم كل فترة أحذف، أتخلى عنهم لأني لست بحاجة لأصدقاء منافقين في حياتي وأحذف الصديق المستغل عندما أرى أنه يحاول أن يحقق مصالحه الشخصية من خلالي.

لا يمكن نسيان مكان الولادة والطفولة، ولا بد من العودة:

مدينة عفرين غادرتها أقدامنا لكن قلوبنا مازالت فيها، هي هويتي وذكرياتي، أرضي وانتمائي وتاريخ آبائي وأجدادي، من الممكن جدًا العودة عندما يعم الاستقرار والأمن والأمان في المنطقة…. فالإنسان بلا وطن لا شيء…

في النهاية، أود أن أشكركم لتقديركم ولمنحي هذه الفرصة للتعبير عما في داخلي، فقد حظيت بوقت ممتع للإجابة على أسئلتكم الذكية والهامة، جزاكم الله خيرًا على هذه المجهودات الكبيرة… تحيتي وتقديري لك أستاذ خالد ديريك.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.