Sabri Yousef
‏١١ أكتوبر‏ 2020م·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
3
تمادَتْ أفكارٌ في استفحالِ ضغائنِ الغدرِ
عبورٌ في دهاليزِ الهلاكِ
خروجٌ تام عن إنسانيّةِ البشرِ
انشراخٌ مريرٌ في لُغةِ الحوارِ
حوارِ النّارِ قَصَّ رقابَ الصّغارِ
محَقَ رغيفَ الخبزِ
جنوحٌ نحوَ أتونِ النَّارِ
قرفٌ أن نرى كل هذا الانحدارِ
يزدادُ اشتعالاً
على أيدي الأشرارِ!
تفوحُ رائحةُ الخياناتِ
من قمَّةِ الأبراجِ
تصدَّعَتْ رؤى الحضاراتِ
من هولِ الدّمارِ
انزلقتْ نحوَ شفيرِ القاعِ
بعيداً عن آمالِ الأبرارِ
خروجٌ مريرٌ عن مرامي الخيرِ
انحرافٌ مرعبٌ عن نضارةِ الاخضرارِ!
وجعٌ لا يبارحُ سماءَ حلقي
تلظَّتِ الأفكارُ في صحارى الشَّرقِ
تهاوتْ في أقصى شفيرِ الانهيارِ
بلادٌ قائمة على سِننِ الحروبِ
على كبحِ الرّؤى في أوجِ النّهارِ!
تهشّمتْ هامةُ الشَّرقِ
من ضراوةِ العنفِ والعنفِ المضادِّ
تهدَّلَتِ الرُّؤى عندَ قادةِ القومِ
فتوارى بعيداً جموحُ الإبداعِ
أينَ المفرُّ من موبقاتِ الغدرِ
من نيرانِ الصَّدِّ والرَّدِّ؟!
تناحرَ الجميعُ على خميرةِ البلادِ
فماتتْ قيمُ الخيرِ في مرامي الأحلامِ
تلوَّنتِ الوجوهُ بألوانِ مُكرِ الحرباءِ
فأصبحَ الدَّجلُ لغةً مستباحةً لمسارِ الحوارِ
كيفَ سيميِّزُ المرءُ الحابلَ منَ النّابلِ
وشرقُهُ يزدادُ خلخلةً وارتكازاً على شهوةِ الاحتيالِ؟!
أينَ المفرُّ من طفوحِ مسارِ السّوادِ؟!
تبخَّرَ الجمالُ من تفاقمِ الاحترابِ
وتنامى في تجاويفِ المخيخِ
لغةٌ مرتّقةٌ بدخانِ الغدرِ
جنونٌ أن يرفعَ المرءُ
راياتِ القتلِ وهدرِ الدِّماءِ
تهاوتْ رؤاهم المخرّشة
إلى أعماقِ القاعِ
اهتاجَ في مراميهم لهيبُ النّارِ
وأحرقوا أجملَ ما في خمائلِ الدُّنيا!
تشمخُ في ذاكرتي الآنَ
سهولُ القمحِ الممتدّةِ على مدى البصرِ
عبرْنا مراراً في ربوعِ السُّهولِ
سربلَنا النّسيمُ العليلُ في أوجِ الرّبيعِ
كم من الفرحِ حتَّى تبرعمَ في أعماقِنا
اخضرارُ السّنابلِ
كيفَ طاوعَ قلوبُ بعضِ الحمقى
اِحراقَ أسمى خيراتِ الشَّرقِ؟!
إنسانٌ في كاملِ عافيّتهِ
يسمِّمُ حقولَ الحنينِ
إنسانٌ في أوجِ نضوجهِ
يحرقُ دونَ وجلٍ اخضرارَ الحياةِ
يموتُ الضَّميرُ
في ذروةِ احتقانِ البغْضِ!
ازدادَتْ رؤاهم تقعُّراً
معَ انتشارِ بذورِ الفسادِ
كأنّها منبعثةٌ من سوادِ القيرِ
لا خيرَ من رؤيةٍ محشوَّةٍ بلغةِ الغدرِ
لا أملَ يُرتجى من اشتعالِ نيرانِ الحقدِ
في خيراتِ سهولِ القمحِ!
الحياةُ أعمقُ ممَّا يرسمُها بعضُ الأوباشِ
محبَّةٌ محتبكةٌ بنداوةِ المطرِ
رذاذاتُ خيرٍ تتهاطلُ فوقَ خدودِ الأرضِ
حرفٌ مندَّى برحيقِ الخيرِ
قصيدةُ عشقٍ مرفرفةٌ في رحابِ الدُّنيا!
آهٍ يا غربةَ الرّوحِ ..
يا قلبي المجنّح نحوَ رهافةِ الحرفِ
يا أنينَ العمرِ
إلى أينَ تجرفُنا متاهاتُ الحياةِ؟!
إلى متى ستقودُنا عقولٌ معشَّشةٌ
بشهوةِ أجيجِ النّارِ؟!
تحرقُ عمرَنا على إيقاعِ جرّافاتِ القهرِ!
أحنُّ إلى وئامِ الإنسانِ
معَ أخيهِ الإنسانِ
لا أطيقُ لظى نيرانِ الحروبِ
ولا نيرانِ الانتقامِ
أحنُّ إلى هدهداتِ الحبِّ
إلى رفرفاتِ أجنحةِ السَّلامِ!
انشراخٌ غريبُ الأطوارِ في مروجِ الشَّرقِ
تصدَّعَ ما تبقَّى من أرقى الحضاراتِ
تنامَتْ لغةُ التَّخاريفِ في عصرِ التَّنويرِ
انحرافٌ نحوَ شواطئِ الموتِ الزُّؤامِ!
لغةُ الحقدِ والكراهيَّةِ
لا تناسبُ حفاوةَ النُّورِ
ولا تناسبُ عذوبةَ القلبِ ولا رهافةَ الحبِّ
انجرفَ الشَّرقُ نحوَ هدرِ الدِّماءِ
غيرُ مبالٍ بهبوبِ النَّسيمِ
فوقَ هضابِ الخيرِ
حرقَ أجملَ ما في الحياةِ
شرقٌ منشطرٌ إلى عشراتِ الانشطاراتِ
ضياعٌ غريبُ الأطوارِ
صراعاتٌ مفتوحةٌ على أغلبِ الجهاتِ!
تسمَّمَ هواءُ الشَّهيقِ في كلِّ آنٍ
احترابٌ في وضَحِ النّهارِ
على قشورِ الحياةِ
سباقٌ في مهبِّ الاحتراقِ
جنونٌ حتَّى النّخاعِ
على استنشاقِ الهواءِ
عداءٌ مسمومٌ بينَ أبناءِ الشَّرقِ
يضاهي سمومَ العقاربِ والأفاعي!
أخرجُ من وجعٍ إلى وجعٍ
ومن نارٍ إلى نارٍ
أشعلَها جلاوزةُ العصرِ
أحرقوا مؤونةَ الشِّتاءِ
كل ما تبقَّى من بذورِ الخيرِ
أفسدوا حليبَ الأطفالِ
سمَّموا شهيقَ الحياةِ
تاهوا في أتونِ الجنونِ!
ماتَتِ الحكمةُ في ظلالِ المهدِ
قبل إشراقةِ الشَّفقِ
انشراخٌ في لجينِ الآمالِ
على مساحاتِ اخضرارِ القلبِ
جنونٌ لا يخطرٌ على بالٍ
أن يحرقَ المرءُ حبَّاتِ الحنطةِ
جنونٌ أن يحرقَ الإنسانُ حبورَ الحلمِ
ما قيمةُ ميزانياتِ الكونِ
أمامَ انهيارِ آفاقِ الخيرِ؟!
تَتبخَّرُ كرامةُ الإنسانِ أمامَ لهيبِ الاحتيالِ!
غدرٌ يضاهي أنيابَ الأفاعي
أن يحرقَ المرءُ خيراتِ الأرضِ
أن يدوسَ فوقَ كرامةِ البشرِ
كيفَ لإنسانٍ من لحمٍ ودمٍ
أنْ يحرقَ حقولَ القمحِ
أن يحرقَ حنينَ الأطفالِ
أن يحرقَ قُوْتَ آلافِ البشرِ
أن يحرقَ آمالَ الملايينِ؟! ..
نهضْتُ من نومي
على دندناتِ أنغامِ الانكسارِ
رأيتُ لهيبَ نيرانِ سهولِ القمحِ
تموجُ في أبهى كنوزِ العطاءِ
عجباً أرى في دنيا الشَّرقِ
اجتاحَتْ نيرانُ البراري
متوغِّلةً في أعماقِ خميرةِ الخيراتِ
انهارَتِ القيمُ في أوجِ سطوعِ الشَّمْسِ
تخلخلَتْ أجنحةُ الحضارةِ
انحدارٌ نحوَ أسفلِ السّافلين!
تاهَ الوطنُ بين أنيابِ الطَّيشِ
تخندقَ في دهاليزِ الغباءِ
تلظّى من شراهاتِ السّيوفِ
تدلَّتْ رقابُ الأوطانِ
من لظى الاشتعالِ!
يجيُ الإنسانُ إلى الحياةِ ويرحلُ
كغمضةِ عينٍ في عمرِ الزَّمنِ
الحياةُ رحلةُ اشتعالٍ
من وميضِ هلالاتِ الرَّدى
نحنُ ضيوفٌ على وجهِ الدُّنيا
ضيوفٌ نحوَ غمامِ الأعالي
مثلَ بخارِ الأنهارِ!
انذهلَ نسيمُ اللَّيلِ والصَّباحِ
من لهيبِ النِّيرانِ
فرَّتِ الطُّيورُ بعيداً عن أعشاشِها
تفحّمتِ الأعشاشُ معَ بيوضِها
ماتَت فراخها قبلَ أن ترى نورَ الحياةِ!
هل انسابتْ مآقي القمر دمعاً
عندما رأتْ احتراقَ سهولِ القمحِ؟
حامَتِ العصافيرُ فوقَ أعشاشِها
مذهولةً من أجيجِ النّارِ
مَن أشعلَ النِّيرانَ في سهولِ الخيرِ؟
بكتِ الأطفالُ عندما رأتْ
أجنحةَ الفراشاتِ الرّهيفةِ تموجُ اشتعالاً
اكفهرَّتْ وجوهُ الغاباتِ
وخيّمتِ الأحزانُ فوقَ قممِ الجبالِ!
هطلَ أنينُ السّماءِ فوقَ حقولِ القمحِ
من شدَّةِ أجيجِ الاحتراقِ
اقشعرَّتْ قلوبُ العشاقِ أسىً
من لهيبِ النِّيرانِ المتربّصة
في رحابِ خيراتِ الحقولِ
تراخَتْ أعناقُ أشجارِ الغاباتِ
من هولِ اشتعالِ النِّيرانِ
ماذا يختلفُ الإنسانُ عن خرقةٍ تالفةٍ
عندما يحملُ في أنيابِهِ غدرَ الحيتانِ؟!
….. ……. ….. …. ….. ….. ….!
صبري يوسف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.