Sabri Yousef
‏١١ أكتوبر‏ 2020م ·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
2
تلاحقني الأحزانُ من كلِّ جانبٍ
تغوصُ عميقاً في رحابِ شِعري
هل غضبَتِ السّماءُ علينا
أم جنَّ الشَّرقُ من تفاقمِ الخياناتِ؟!
أيُّها الشَّرقُ إلى أينَ يجرفُكَ الغباءُ
إلى متى سيعشِّشُ
في مآقيكَ البكاءُ؟!
تبخَّرتِ الحكمةُ من آفاقِ هذا الزَّمان
عبورٌ مُخلخِلٌ للوجودِ
في دهاليزِ الشُّرورِ!
لِمَ كل هذا الانجراف
نحوَ اندلاعِ شهوةِ النِّيرانِ؟!
ماتَتْ قيمُ الخيرِ بينَ أهوالِ الانشراخِ
انزاحتِ البسمةُ منذُ انبلاجِ الصَّباحِ
وتعشَّشَتْ في الأعماقِ لغةُ الاكتئابِ
فشلَ الشَّرقُ في قيادةِ الذّاتِ
لِمَ تزرعونَ الفسادَ وتحرقونَ سنابلَ الخيرِ
ولا تزرعونَ بذورَ الحبِّ في أرضِ الحضاراتِ؟!
آهٍ .. ما هذا الَّذي أراهُ؟!
جنونٌ حتَّى النّخاعِ
حضارةٌ برمَّتِها برسمِ الاشتعالِ
نيرانٌ على مساحاتِ المدى
استفحلتْ شرائعُ الغابِ
على مقاسِ الأنيابِ
آهاتٌ ممتدّةٌ على شهقاتِ الصّدى
ماتَتِ الأحلامُ فوقَ أهزوجةِ المهدِ
احترقَتِ الآمالُ عندَ نداءِ الضُّحى!
كيف يحرقُ الإنسانُ اخضرارَ الخيرِ؟!
مرضٌ فتّاكٌ يجتاحُ مُخيخَ الإنسانِ
توغَّلَتْ سيوفُ الحقدِ
في أعناقِ السّنابلِ
انسلاخٌ مريرٌ عَنْ دِفءِ الوئامِ
انزلاقٌ مُخْزٍ نحوَ نيرانِ الحقدِ
أنثرُ أوجاعي على هلالاتِ الغمامِ
تاهَتِ الحضارةُ في دنيا الشَّرقِ
عن هديلِ السَّلامِ!
متى سيفهمُ المرءُ
أنَّ الحياةَ نسمةُ فرحٍ هانئة
على وجهِ الدُّنيا؟!
لِمَ لا يستغلٌّ الإنسانُ كل حياته
من أجلِ الفرحِ والسّعادةِ والهناءِ؟!
لماذا يلهثُ خلفَ قشورِ الحياةِ
تاركاً جوهرَ العمرِ يضيعُ
في متاهاتِ الحياةِ؟!
متى سيفهمُ المرءُ
أنَّ الحياةَ بعيدةٌ عن نيرانِ الحقدِ
عن جشاعةِ المالِ
وضغينةِ الكُرهِ
بعيدةٌ عن لغةِ الدَّمارِ والاحتيالِ!؟
مَن يستطيعُ أن ينشلَ الشَّرقَ
من تفشِّي شراراتِ الغباءِ
على خيراتِ آلافِ الهيكتاراتِ
من حقولِ القمحِ والشَّعيرِ؟!
الحياةُ محبَّةٌ وارفةٌ فوقَ مروجِ الدُّنيا
الحروبُ مساراتُ فشلٍ
في آفاقِ سياساتِ هذا الزّمانِ
جريمةُ الجرائمِ
أن يحرقَ المرءُ خيراتَ الآخرين
قحطٌ وعقمٌ مريرٌ في الرُّؤيةِ
عندما تصلُ لغةُ المواجهاتِ
إلى إحراقِ مواسمِ الحصادِ!
الحياةُ عناقٌ مفتوحٌ
على مساحاتِ المدى
رسالةُ عشقٍ لهديلِ اليمامِ
حنينٌ مبهجٌ للروحِ ..
لأغصانِ السَّنابلِ
الحياةٌ سنبلةٌ شامخةٌ فوقَ مهودِ الأطفالِ
أغنيةُ فرحٍ تصدحُ في فضاءِ الكونِ
قصيدةُ وئامٌ تنسابُ خيراً وفيراً
من رفرفاتِ أجنحةِ السَّلامِ!
آهٍ .. تاهَ إنسانُ هذا الزّمان
عن منارةِ الحضارةِ
عن نداوةِ المطرِ
عن عدالةِ الأرضِ والسّماءِ!
ضلَّ الطّريقَ عن مرامي الوئامِ
داسَ فوقَ وصيّةِ الأجدادِ
كسرَ بعنجهيّةٍ مريرةٍ مرامي السَّلامِ
تحوَّلَ إلى عقمٍ في أوجِ العطاءِ!
فقدَ لغةَ الحبِّ وتفاقمَتْ شراهةُ الكُرهِ
مندهشٌ من هذا الانحلالِ المريعِ
في أخلاقِ الكثيرِ من البشرِ
يؤلمني انحدارُ الإنسانِ
نحوَ تأجيجِ نيرانِ الدَّهاءِ!
تنامى البغضُ بينَ أواصرِ العلاقاتِ
تراجعتِ الأخلاقُ مقابلَ مَنْ تلوَّنَ
بمُكرِ تلاوينِ الحرباءِ!
الأرضُ عطشى لرحيقِ الخيرِ
لبزوغِ أهازيجِ النُّورِ
عطشى لبسمةِ الأطفالِ
وهم بين أحضانِ الطَّبيعةِ
يعانقونَ حنانَ الأمَّهاتِ!
الأرضُ صديقةُ السّماءِ
حديقةُ خيرٍ لفقراءِ وأغنياءِ هذا العالم
جنَّةُ الكائناتِ في كلِّ أرجاءِ المعمورةِ
لا يعرفُ الإنسانُ قيمةَ الأرضِ
ولا قيمةَ الخيراتِ
يحرقُ الحنطةَ وكأنّها عدوٌّ لهُ
الحنطةُ بركةُ السّماءِ على الأرضِ
خيراتُ الأعالي عبرَ هطولِ الأمطارِ
الإنسانُ غريبٌ عن ذاتِهِ
غريبٌ عن كنهِ الحياةِ
لا يفهمُ أغوارَ الذّاتِ ولا يعي مرامي الحياةِ
يحتاجُ إلى رجَّاتٍ لا تحصى
كي يخفِّفَ من تسطُّحاتِ المخيخِ!
غاصَ الإنسانُ في دهاليزِ الجنونِ
زاغَ عن البرِّ ورحيقِ الأخلاقِ
حرقَ اخضرارَ المروجِ
هشّمَ بسمةَ الطّفولةِ
وخلخلَ أجنحةَ الشّبّانِ
زاغَ عن كُنهِ الحياةِ
لاهثاً خلفَ قشورِ الدُّنيا
ناسياً أنَّ جوهرَ الحياةِ مرتكزٌ
على وئامِ الإنسانِ معَ حُبِّ السَّنابلِ!
خرجَ الإنسانُ عن طورِهِ
لم يرَ خصوبةَ الحقِّ عندَ انبلاجِ الصَّباحِ
ولا اخضرارَ العدالةِ
على أنغامِ زخّاتِ الأمطارِ
حرقَ آخر ما تبقَّى من إنسانيّةِ الإنسانِ
هشّمَ عظامَ الكهولةِ وأدمى قلوبَ الشّيوخِ
طغى في عوالِمِهِ سوادُ الفكرِ
دقَّ بشراهةٍ مقيتةٍ طبولَ الحربِ
وخرّشَ آذاننا بأبواقٍ مؤجَّجةٍ بنيرانِ القُبْحِ!
ينمو الإنسانُ على وجهِ الدُّنيا
كما تنمو الذّئابُ والأفاعي
وكما تنمو أشجارُ الزّيتونِ
كيفَ تنحو أنيابُ الإنسانِ
نحوَ ترياقِ السُّمومِ
لِمَ لا ينحو الإنسانُ منحى الوئامِ
مركّزاً على نشْرِ الفضيلةِ
وإنسانيَّةِ الإنسانِ؟!
لا أرى في رِحابِ الآفاقِ
سوى ألسنةَ النّارِ
تحرقُ بهاءَ الجمالِ
تجتاحُ الصِّراعاتُ بوَّاباتِ الحلمِ
تحرقُ الحروبُ شهيقَ الرّوحِ
تنغِّصُ حنينَ الأمّهاتِ إلى زغرودةِ الفرحِ
انزلقتْ حياةُ الكثيرِ من البشرِ
نحوَ منزلقاتِ الجحيمِ
كأنّنا في حالةِ ضياعٍ مريعٍ
من بداياتِ نشوءِ الكونِ!
شرقٌ في مهبِّ التِّيهِ
شرقٌ منزلقٌ في شفيرِ الضّياعِ
غائصٌ في متاهاتِ الصّحارى
غير قادرٍ على النّهوضِ
في حالةِ انشراخٍ مع الذَّاتِ
كأنّهُ خارج عن جغرافيّةِ الكونِ
لا يرسمُ مسارَ الغدِ الآتي
لم يفهمْ تجاربَ الأزمنة الغابرة
كأنّهُ في نومٍ سريري
معَ أهلِ الكهفِ!
جنونٌ ما أراهُ مندلعاً في دنيا الشَّرقِ
احترابٌ من أغلبِ الجهاتِ
تحترقُ الأحلامُ عندَ انبلاجِ الشَّفقِ
تزدادُ أنيناً عندَ هبوطِ اللَّيلِ
انسحقتِ الأماني على مساحاتِ البلادِ
يحرقونَ غلالَ الحصادِ بقلوبٍ باردةٍ
جنونٌ أن يحرقوا الحنطةَ بهذا الحقدِ والكرهِ
كأنَّهم ينتقمون من أنفسِهم بأنفسِهم!
طارتِ العصافيرُ بعيداً عن لظى النِّيرانِ
احترقَتْ فراخها قبلَ أن تنقذَها الأمّهاتُ
إلى برِّ الأمانِ
كيفَ يحرقُ الإنسانُ خيراتَ أخيهِ الإنسانِ؟
يموتُ الضَّميرُ عندما يضيقُ مفهومُ الخطابِ
ما فائدةُ الإنسان عندما يكونُ خالياً
من دفءِ الوئامِ معَ أخيهِ الإنسانِ؟!
لا قيمةَ لكلِّ انتصاراتِ البشرِ
عندما ترتكزُ على لغةِ القتلِ والغدرِ والنَّارِ!
وحدَها العدالةُ وقيمُ الخيرِ والمساواةِ
تقودُنا إلى أبهى مرافئِ السَّلامِ
شوقٌ عميقٌ يشدُّني إلى بسمةِ الرَّبيعِ
إلى بهاءِ طبيعةِ الشَّرقِ
مللنا من تفاقمِ لغةِ العنفِ
قرفٌ حتَّى النّخاعِ
من رفْعِ راياتِ القتلِ وهدْرِ الدّماءِ
حماقةُ الحماقاتِ انغماسُ الشَّرقِ
في شراهةِ نيرانِ الحروبِ!
…. …. …… …… …. ….. …..!
صبري يوسف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.