ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

الحرس القومي السوري

٢٧ يونيو ٢٠١٩  · عميد الأدب الشعبي السوري. القصاص الشعبي السوري :حكمت محسن 1910 / 1968وُلد حكمت محسن عام 1910 في استنبول، لأب وأم سوريين. انخرط والده، صبحي محسن، في الجيش ، أثناء الحرب العالميّة الأولى، وحفظاً على سلامة العائلة، أرسل الأب زوجته وطفله حكمت إلى دمشق، ليتابعا مسيرة حياتهما عند أهل زوجته، لكن الأب الضّابط فُقِد في حرب «السّفر برلك» ولم يعد.تمزّقت خيمة الأمان التي كان يحتمي بها الطّفل حكمت محسن وأمّه، ثانية، حين توفّي جدّه الضّابط، تاركاً راتباً تقاعدياً بسيطاً، لزوجته وأولاده، فعملت والدة حكمت محسن كمدرّسة للأطفال لتعيل ابنها، فما كان من الأخير إلا أن انخرط في العمل ليساعد والدته وهو لم يتجاوز التّاسعة من عمره، ثم انتقلا إلى بيت جديد بسهولة كبيرة، نظراً لقلّة الممتلكات.رضع حكمت محسن الفن من أمّه خيريّة، تلك المحدّثة البارعة، والتي كانت تصحبه إلى حفلات الاستقبال، وتتنصّت على الحكواتي في مقهى مصلبة العمارة بدمشق، ثم تحكي بالسّهرة لابنها ما سمعت، فكانت معلّمه الأول، والحكواتي بمثابة معلمه الثاني.تخرّج حكمت محسن في العاشرة من عمره، من مدرسة الإسعاف الخيري (لفقره)، وهذه المدرسة لا تزال حتّى هذا اليوم على نفقة أهل الخير، تقدّم العلم، المنامة والطعام والشراب للمحتاجين.سكن حكمت مع أمّه في عدّة غرف بالأجرة في سوق ساروجة والمهاجرين وقبر عاتكة والقنوات وباب سريجة، مستمتعاً بقراءة الكتب على ضوء الشّمعة!مْسَبِّع الكاراتعانى حكمت محسن من الحرمان والجوع بالرّغم من محاولاته الفاشلة في تعلّم مهنة ما وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، فعمل كأجير عند البقّال، الخضري، الكوّا، الحلاّق، الحدّاد، النّجار، الخيّاط، ولم ترق له إلا مهنة التّنجيد، فأحسن التّعامل مع كافّة أنماط النّاس، وتعرّف على طبائعهم وأحاديثهم وأساليب حياتهم، وقصصهم وحكاياهم الشّعبية، فكان يدوّنها لتكون أساساً لمسرحيّات فكاهيّة.الشّرارة الأولىلم تقدر أكوام الصّوف، على محو موهبة حكمت محسن الفكاهيّة، وعجز الكشتبان والإبرة، عن حياكة فم الفكاهة، وما إن تجاوز الطفل الرابعة عشرة من عمره، حتّى وجد نفسه يحضُر عرضاً مسرحياً لفرقة أمين عبد الله القادمة من مصر، فسحرته كواليس المسرح ومفاجآته، وأشعلت في قلبه شرارة توق، لم يقدر الليل على إطفاء نيرانه، فعجز في تلك الليلة عن النوم، حتّى جاء الصّباح، فنهض وذهب ليقابل الفنّان المصري، أملاً بالانضمام إلى فرقته المسرحيّة، كمتطوّع من دون أجر، فوافق الفنّان على طلبه.بدأ حياته الفنية ككومبارس في مسرحية «حمام بنت الملك»، فعمل بالنّهار وسهر باللّيل ما أثار حفيظة زوج خالته، الذي لم يقبل أبداً فكرة الفن، حفاظاً على شرف العائلة، فهدّده ساخراً:«إن عملت مع كشكش بك ، وإن دست بيتي لأكسر رجلك»، ثم طرده من البيت.في سن الرابعة عشرة من عمره، شاهد حكمت محسن عروض فرقة أمين عطا الله المصرية في دمشق، فأحب فن التمثيل، وانضم إلى الفرقة إبان عروضها في سورية ولبنان. وبعد عودة الفرقة إلى مصر، قام حكمت محسن مع لفيف من أصدقائه بتشكيل فرقة تمثيلية، بدأت بتقديم التمثيليات في بعـض البيوت الدمشـقية الكبيــرة، كما كانت تقدم الأغاني والمونولوجات الناقدة. وبسرعة استقطبت الفرقة جمهوراً كبيراً، وكانت المونولوجات التي كتب كلماتها تهاجم الاستعمار الفرنسي. ثم انتقل مع فرقته ليقدم عروضه على المسارح، ومنها مسرح العباسية الذي كان أكبر مسارح دمشق وقتئذٍ. وفي أثناء ذلك اطلع على المسرحيات العالمية المترجمة، ليتعرف منها أصول الكتابة المسرحية.في بيروت قالت له الممثلة فكتوريا حبيقه: «أنت باين عليك ابن أوادم، اسمع مني وارجع لبلدك، لا تغتر بحياتنا، نحن شحادون بثياب ملوك، حرام عليك».عاش حكمت مع الفرقة بالجوع، سكن في بيروت، في غرفة صياد سمك في المينا البيضا، وعمل في جوقة علي العريس، ومثل دور الرجل الشامي، ولكن قبضايات مرج عيون أجبروه على العودة إلى دمشق.في دمشق مثّل دور مرجان في فرقة «نادي الفنون الجميلة» لوصفي المالح وذلك على مسرح مدرسة اللاييك. واشترك في مسرحية «استقالة إبليس» التي حضرها فخري البارودي. بعد أن يئس من التّرحال جائعاً ومنهكاً، مع الفرقة المسرحيّة، التي تنقّلت بين المحافظات السّورية، وبيروت، ترك حكمت محسن الفرقة وعاد إلى دمشق، لتحصيل لقمة العيش، في مهنة التّنجيد، فانخرط في تأسيس أوّل نقابة مهنيّة للمنجّدين في سورية، وأضحى أوّل رئيس لها، ثم علّم نفسه الموسيقى سماعاً، وعزف على العود، ولحّن ما كان يكتبه ويؤدّيه من مونولوجات غنائيّة، منتقداً الاستعمار الفرنسي، والحالة الاجتماعيّة، فطارت شهرته إلى كل الأرجاء، ما ساعده على تقديم حفلات خاصّة به على مسرح سينما العباسية بدمشق، في مطلع الثلاثينيات.تميّز حكمت محسن بقدرته الهائلة – بالرغم من نزقه – على التّعامل مع النّاس، وتسليتهم، إسعادهم وتقديم المتعة والفائدة، مؤكّداً لهم طبيعتهم الخيّرة، محوّلاً غضبهم أو عدوانيّتهم إلى ضحكات، دون أن ينسى أثقال المسؤوليّة الإنسانيّة الملقاة على عاتقه، فكان رائد المونولوجات، المسرح، الإذاعة والتّلفزيون، ومبتكر أعمق الشّخصيات الدراميّة الشعبيّة مثل «أبو رشدي»، «أبو فهمي»، «أبو شاكر»، «سعد حَنّي كفّك» (الذي جسده الفنان رفيق سبيعي عام 1962)، «صابر أفندي»، «أبو صيّاح»، «درويش».كتب شخصية «أم كامل» عبد الهادي الدّركزلي أول الأمر، وقُدّمت أوّل مرّة كقابلة شعبيّة في تمثيلية إذاعية اسمها «إصابة مشتبهة» ومثّلها سامي أبو نادر الذي ترك الفرقة، فأعطى الدّور لأنور البابا، وكذلك غادر الدركزلي فتابع حكمت محسن الكتابة، فأثرى الشخصيّة وذاع صيت أم كامل، ثمّ تتابعت أعمال حكمت محسن، مثل «سلسلة حكايات الجدّة»، «انسى همومك»، «اضحك واربح»، «سهرات الفن» وغيرها، فصارت أم كامل الأخت والأم، الحماة والأرملة، والعانس التي تُضحِك العالم بسذاجتها وحنكتها بآن.وقد تتابعت كتابات حكمت محسن وعروضه: «زوجتي رقم 2»، «أم كامل في عيادة الطبيب»، «يا مستعجل وقّف لقلّك»، «الكرسي المخلوع»، حيث وصل صيت أم كامل إلى الوطن العربي بأكمله.بدأت المرحلة الأهم في مسيرة حكمت محسن مع افتتاح الإذاعة الوطنية السورية بعد الاستقلال، فكان من أوائل العاملين فيها، إذ بدأ بتقديم التمثيليات الإذاعية التي كان يكتبها ويخرجها ويمثل فيها. واشتهر بالشخصية الشعبية «أبو رشدي»، إلى جانب فهد كعيكاتي بشخصية «أبو فهمي»، وأنور البابا بشخصية «أم كامل»، ثم انضم إليهم تيسير السعدي. وكانت هذه التمثيليات تعالج القضايا الاجتماعية، ولكن بأسلوب شعبي قريب من عامة الناس. ومع افتتاح التلفزيون عام 1960، بدأ بتقديم التمثيليات التلفزيونية على الشاشة الصغيرة.اتفق حكمت محسن مع فرقة موسيقية لتحيي حفلته على مسرح سينما العباسية، لكنّها خيّبت أمله في الحضور، بعد أن أغراها خصومه ومنافسوه بالمال، لتنسحب وتتركه وحيداً على المسرح من دون ديكور أيضاً، وحين طالبه عمّال المسرح بأجورهم، لم يجد مالاً على الإطلاق، لأن قاطع التّذاكر كان قد سرق المال أيضاً وهرب، ولكن بما أن الدّنيا لا تفرغ من الطيّبين، فقد تطوّع أحد أصدقاء والد حكمت محسن، في مرافقته على الأكورديون من خلف الستارة، وبما أنّه كان مبتدئاً، فلم يقدر على أن يواكبه جيداً في غنائه، ما أدّى إلى فشل الحفلة، وإغماء حكمت محسن، الذي قال حين استعاد وعيه متفكّهاً: «كأن الجنّ كانوا يعزفون من ورائي». لم توقف الصّدمة حكمت محسن عن العمل، بل تابع كتابة التمثيليات، الزّجل والمونولوج، بلغة العامة، وأبدع نصوصاً مسرحية مثل «أبو رشدو»، دون أن يتمكّن من تجسيدها على خشبة المسرح.التقى حكمت محسن الممثل والمؤلف عام 1948، بالمخرج تيسير السعدي في أحد الأسواق، فأطلعه على قصة كتبها باللّغة الدّارجة، داعماً إياها بالأمثال الشعبية، فنالت إعجاب تيسير السعدي، وكانت بداية تشكّل الثّنائي، فسجّلا في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص (B.B.C)، مسرحيتين هما: «يا آخد القرد على ماله»، «نهاية سكير»، ثم سجّلا ثلاثين حلقة إذاعية بعنوان: «صندوق الدنيا عجايب»، والتي نالت إعجاب الجماهير.تولى حكمت محسن، بنفسه تمثيل دور «أبو رشدي»، وهو شخص فصيح اللسان، ذو صوت رجولي، يتمتع بمقدرة كبيرة على النطق السليم، وضبط مخارج الحروف، متحوّلاً إلى «كراكتر» كوميدي متميز.لم يحمل حكمت محسن في حقيبته الجلدية، حين رحل إلى قبرص لتقديم تمثيليات إذاعية بمناسبة شهر رمضان، سوى قلم رصاص عريض، يستخدمه النجارون، فما إن طلب مخرج الإذاعة عبد المجيد أبو اللبن الاطلاع على النصوص قبل بداية رمضان بيومين، حتّى أخرج عميد الأدب الشعبي، حكمت محسن، القلم، قائلاً: «لديّ هذا القلم فقط»، وباشر بكتابة الحلقة مساء، باللغة الدارجة في دمشق، على ورق كبير أسمر، لتسجّل صباحاً وتذاع، حتّى اكتمل مسلسله الإذاعي «صندوق الدنيا عجايب»، محققاً نجاحاً باهراً، محيّراً الناس بغنى المفردات الشعبية، واشتقاقاتها ومصادر لهجاتها، وهنا تذكّر إداريو إذاعة دمشق ذلك الكاتب الهام الذي نبذوه سابقاً بسبب ثيابه المتواضعة وهيئته المزرية، فعاودوا الاتصال به، وتعاقدوا معه على راتب ثابت بحدود 100 ليرة سورية بالإضافة إلى 35 ليرة عن كل تمثيلية، فاستمر عمله في الإذاعتين معاً، فكتب لإذاعة الشرق الأدنى فواصل تمثيلية في برنامج «انس همومك»، شارك فيه فنانون كبار أمثال الأخوين رحباني وفريد الأطرش وفيلمون وهبي، وبعد عدوان 1956 على مصر، استقال حكمت محسن من الإذاعة في قبرص.أعمالهتمثيلية «نهاية سكير»الذي يؤدي به إدمان الكحول إلى الإفلاس وخراب البيت، بشكل تراجيدي شعبي، مؤثر جداً. «يا مستعجل وقف لقلك»«الكرسي المخلوع»«مرايا الشام»تحكي كل حلقة منها قصة فنان حكواتي، ملحن، ممثل، راقصة… إلخ، إضافة إلى الاستقاء من التاريخ وحكايات «ألف ليلة وليلة» والسير الشعبية، «العصابة»«الطلعة من ورا…النّزلة من قدّام»أسس حكمت بعد عودته من لندن «الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى» بالتعاون مع تيسير السعدي، أنور البابا، فهد كعيكاتي، وقدّم لإذاعة دمشق تمثيليات اجتماعية ناقدة، تجاوز عددها 800 حلقة إذاعية: «الخطّابة»، «طاقية الإخفاء»، «متعب أفندي»، «تحت الشباك»، على مسرح دار الإذاعة.«مذكرات حرامي»فرقة المسرح الشعبينزولاً عند رغبة مديرية الفنون في وزارة الثقافة، أسس حكمت محسن وعبد اللطيف فتحي عام 1959 «فرقة المسرح الشعبي»، وفي عام 1960 شكل «فرقة المسرح القومي»، حيث قدّم حكمت محسن أول عروضه عن نص لأريستوفان، كان قد اقتبسه توفيق الحكيم وتم عرضه في 25 شباط 1960، ثم قام بتشكيل «فرقة أمية للفنون الشعبية»، و«فرقة مسرح العرائس»، واقترح حكمت محسن أن تقدم فرقة المسرح الشعبي التابعة لوزارة الثقافة عروضها في كل حي دمشقي، ألهمه وأثرى مخيّلته بالتمثيليات والأغاني والحكايات، فبينما كانت مسرحية أريستوفان تعرض على خشبة المسرح القومي، عرض حكمت محسن «بيت للإيجار» على خشبة مسرح المقاومة الشعبية في سوق ساروجة، ثم في أحياء الميدان والقنوات والمهاجرين وغيرها من أحياء دمشق الشعبية.ونظراً لحدوث صراع بين النخبة المثقفة التي لا تريد إلا مسرحاً كلاسيكياً، وبين المسرح الشعبي، تمت إعاقة مشروع المسرح الشعبي، إلى أن صدر قرار دمج المسرحين معاً عام 1969، حيث خلع عبد اللطيف فتحي رداء «صابر أفندي» ليؤدي دور «الملك لير» على خشبة المسرح القومي، لكن حكمت محسن لم ينصع لهذا الأمر، بل حاول تأسيس مسرح خاص به، مبقياً على الاسم ذاته، مؤكّداً احترامه العميق لهذا الفن، وكتب مسرحية «الأب»، دون أن يتمكّن من تجسيدها على الخشبة، لنقص في التمويل.«مأوى العجزة»كتب منها حلقة واحدة، لكنه لم يتمكن من إكمالها بسبب اشتداد المرض عليه ومن ثم رحيله.يُعتبر حكمت محسن مؤسس الدراما الشعبية السورية إذاعياً ومسرحياً وتلفزيونياً، والذي قدم على مدار أكثر من خمسين عاماً من القرن الماضي الكثير من الروائع التي كانت تحاكي وتترجم الواقع الاجتماعي، وقد حفظ تراث هذا الفنان الكبير في أرشيف الدراسات الشرقية في باريس.قال له أحد أصدقائه ذات يوم: «يا أستاذ حكمت، أنت تكتب كل يوم تمثيلية، يا أخي من أين تأتي بكل هذه القصص؟»، فأشار بيده إلى سيل البشر العابرين أمام الدكان وقال: «انظر إلى هؤلاء الناس! هدول، بقى سيدي، كل واحد منهم قصة، وكل واحد منهم حكاية، وطالما أنهم يمرون من هنا، لا تخف على حكاياتي من النضوب»، و«خلف كل باب قصة».خمس دقائق تأخير ووفاتهاختلف حكمت محسن مع إدارة الإذاعة التي لم تقدر تلك الموهبة الكبيرة حق قدرها، فوجّهت إليه عقوبة خصم 10% من راتبه بسبب تأخّره خمس دقائق عن الدوام الرسمي، حيث كان تيسير السعدي رئيس دائرة آنذاك، فوصل كتاب العقوبة إليه، وعندما رأى حكمت محسن الكتاب وقرأه، لم يقل شيئاً، ولكنه نظر إليه ملياً ثم التفت خارجاً من المكتب، ومن يومها صمت ولم يعد للكتابة، حتى أصيب عميد الأدب الشعبي، حكمت محسن (أبو رشدي)، بالفالج ومات، يوم 19 كانون الأول 1968.رحم الله الفنان المبدع حكمت محسن أبو رشدي..قدم الكثير لشامنا حين حظيت تمثيلياته الأذاعية بأعجاب جيل كامل ولم يحصد غير النكران وخيبة الأمل…لقد كان عملاقاً في زمن الأقزام….

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محسن (حكمت ـ)

(1910ـ 1968)

حكمت محسن، هو بحق رائد فن الدراما في سـورية. كان فناناً متعدد المواهب، إذ خاض غمار التمثيل والإخراج والكتابة الدرامية، ونظم الزجل. ولد في دمشق وتوفي فيها.

في سن الرابعة عشرة من عمره، شاهد حكمت محسن عروض فرقة أمين عطا الله المصرية في دمشق، فأحب فن التمثيل، وانضم إلى الفرقة في عروضها في سورية ولبنان. وبعد عودة الفرقة إلى مصر، قام حكمت محسن مع لفيف من أصدقائه بتشكيل فرقة تمثيلية، بدأت بتقديم التمثيليات في بعـض البيوت الدمشـقية الكبيــرة، كما كانت تقدم الأغاني والمونولوغات الناقدة. وبسرعة استقطبت الفرقة جمهوراً كبيراً، وكانت المونولوغات التي كتب كلماتها تهاجم الاستعمار الفرنسي. ثم انتقل مع فرقته ليقدم عروضه على المسارح، ومنها مسرح العباسية الذي كان أكبر مسارح دمشق وقتئذٍ. وفي أثناء ذلك اطلع على المسرحيات العالمية المترجمة؛ ليتعرف منها أصول الكتابة المسرحية.

بدأت المرحلة الأهم في مسيرة حكمت محسن مع افتتاح الإذاعة الوطنية السورية بعد الاستقلال، فكان من أوائل العاملين فيها، إذ بدأ بتقديم التمثيليات الإذاعية التي كان يكتبها ويخرجها ويمثل فيها. واشتهر بالشخصية الشعبية «أبو رشدي»، إلى جانب فهد كعيكاتي بشخصية «أبو فهمي»، وأنور البابا بشخصية «أم كامل»، ثم انضم إليهم تيسير السعدي. وكانت هذه التمثيليات تعالج القضايا الاجتماعية، ولكن بأسلوب شعبي قريب من عامة الناس. وتفرغ حكمت محسن للإذاعة تفرغاً كاملاً. وفي تلك الفترة قدم مسلسلاً إذاعياً اجتماعياً لإذاعة الشرق الأدنى عنوانه «صندوق دنيا العجايب» الذي تألّف من ثلاثين حلقة، وقام بتمثيل الدور الرئيس فيه. ومع افتتاح التلفزيون عام 1960، بدأ بتقديم التمثيليات التلفزيونية على الشاشة الصغيرة.

استمر حكمت محسن في عمله في إذاعة دمشق حتى عام 1964، ثـم نقل إلى وزارة الثقافة للاستفادة من خبرته في مجال المسرح، وسعى إلى تأسيس مسرح شعبي تقدّم فيه المسرحيات باللهجة العامية، إلى جانب المسرح القومي الذي يقدم مسرحياته باللغة الفصيحة. إلا أن جهوده ذهبت سدى بسبب مواقف بعض أنصار الفصحى ضده، فانكفأ على نفسه. وفي عام 1966 أصيب بالشلل، وبقي طريح الفراش حتى وافته المنية. وقبل رحيله منحه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب جائزة الدولة التشجيعية.

قدَّم حكمت محسن عبر مسيرته الفنية كثيراً من المسرحيات الشعبية، من أهمها: مسرحية «صابر أفندي» عام 1958، ومثّل الدور الأول فيها عبد اللطيف فتحي[ر]. كما قدَّم الكثير من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية، منها «أبو رشدي»، و«بيت للآجار»، و«يا آخد القرد على ماله»، و«مرايا الشام». كما كتب كلمات كثير من الأغنيات. وكانت آخر كتاباته التمثيلية «مأوى العجزة» التي كتب منها حلقة واحدة، لكنه لم يتمكن من إكمالها بسبب اشتداد المرض عليه ومن ثم رحيله.

أحمد بوبس

حكمت محسن… رائد المونولوج السوري بين سحر المسرح والمونولوج

 20/ 08 / 2018  م

 لم يكن الفن عنده فقط للفن، ولا الضحك للضحك، بل كان محصلة لكفاح يومي، وطني وإنساني، يؤمن به ويتبناه، ويعبر عنه بكل ما يملكه من موهبة هو (حكمت محسن) عميد الأدب الشعبي.

ولد حكمت محسن  عام 1910 في استانبول لأبوين سوريين، والده (صبحي) الذي انخرط خلال الحرب العالمية الأولى في صفوف الجيش العثماني، ما اضطره لإرسال زوجته وابنه إلى دمشق ليتابعا حياتهما في دار أهل زوجته  قبل أن توافيه المنية خلال الحرب، فعاش حكمت مع أمه برعاية جده  الضابط الذي توفي بعد فترة، مما اضطر والدته خيرية للعمل معلمة للأطفال كي تعيل ولدها الذي ما كان منه وهو ابن التاسعة من العمر إلا الانخراط بالعمل لمساعدتها.

سكن (حكمت) مع أمّه (خيرية) في عدّة غرف بالأجرة في سوق ساروجة والمهاجرين وقبر عاتكة والقنوات وباب سريجة، مستمتعاً بقراءة الكتب على ضوء الشمعة بعد أن تخرج في مدرسة الإسعاف الخيري وهو ابن العاشرة، عانى من الحرمان والجوع بالرّغم من محاولاته الفاشلة في تعلّم مهنة ما وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، ودخل معترك الحياة العملية فعمل أجير عند البقّال، الخضري، الكوّا، الحلاّق، الحدّاد، النّجار، الخيّاط، ولم ترق له إلا مهنة التّنجيد، فأحسن التّعامل مع أنماط النّاس كافّة، وتعرّف على طبائعهم وأحاديثهم وأساليب حياتهم، وقصصهم وحكاياهم الشّعبية، فكان يدوّنها لتكون أساساً لمسرحيّات فكاهيّة، إضافة لما تعلمه من أمه التي رضع منها الفن فقد كانت تصحبه لحفلات الاستقبال وتنصت إلى الحكواتي في مقهى مصلبة العمارة بدمشق، ثم تحكي له ما سمعت، فكانت معلّمه الأول، والحكواتي معلّمه الثاني.

لم تستطع كل المهن أن تمحو موهبته الفكاهية، وما إن تجاوز الطفل الرابعة عشرة من عمره حتّى وجد نفسه يحضّر عرضاً مسرحياً لفرقة (أمين عبد الله) القادمة من مصر، فسحرته كواليس المسرح ومفاجآته، وأشعلت في قلبه شرارة توق، لم يقدر الليل على إطفاء نيرانه، ومع بزوع فجر نهار جديد، ذهب ليقابل الفنّان المصري أملاً بالانضمام إلى فرقته المسرحيّة متطوّعاً دون أجر، فوافق الفنّان على طلبه وانضم إلى الفرقة إبان عروضها في سورية ولبنان، وبعد عودة الفرقة إلى مصر شكل (حكمت محسن) مع لفيف من أصدقائه فرقة تمثيلية بدأت بتقديم التمثيليات في بعـض البيوت الدمشـقية الكبيــرة، إلى جانب تقديم الأغاني والمونولوجات الناقدة التي كانت  كلماتها تهاجم الاستعمار الفرنسي، واستطاعت أن تستقطب جمهوراً كبيراً، ثم انتقل حكمت محسن مع فرقته ليقدم عروضه على مسرح العباسية أكبر المسارح الدمشقية آنذاك.

عاش حكمت محسن مع فرقته بالجوع مما اضطره للعودة  إلى مهنة التنجيد لتحصيل لقمة العيش فانخرط في تأسيس أوّل نقابة مهنيّة للمنجّدين في سورية، وأضحى أوّل رئيس لها، ثم علّم نفسه الموسيقا سماعاً، وعزف على العود، ولحّن ما كان يكتبه ويؤدّيه من مونولوجات غنائيّة، تميّز حكمت محسن بقدرته الهائلة بالرغم من نزقه بقدرته على التّعامل مع النّاس وتسليتهم، وإسعادهم وتقديم المتعة والفائدة لهم، مؤكّداً لهم طبيعتهم الخيّرة، محوّلاً غضبهم أو عدوانيّتهم إلى ضحكات، دون أن ينسى أثقال المسؤوليّة الإنسانيّة الملقاة على عاتقه، فكان رائد المونولوجات (المسرح، الإذاعة والتّلفزيون)، ومبتكر  الشّخصيات الدراميّة الشعبيّة مثل (أبو رشدي، أبو فهمي، أبو شاكر)، ثمّ تتابعت أعمال حكمت محسن، مثل (سلسلة حكايات الجدّة،أنسَ همومك، اضحك واربح، سهرات الفن) وغيرها.

بدأت المرحلة الأهم في مسيرة (حكمت محسن) مع افتتاح الإذاعة الوطنية السورية بعد الاستقلال، فكان من أوائل العاملين فيها إذ بدأ بتقديم التمثيليات الإذاعية التي كان يكتبها ويخرجها ويمثل فيها واشتهر بالشخصية الشعبية (أبو رشدي)، إلى جانب (فهد كعيكاتي) بشخصية (أبو فهمي)، وأنور البابا بشخصية (أم كامل)، ثم انضم إليهم (تيسير السعدي) الذي التقاه  حكمت محسن عام ،1948 في أحد الأسواق، فأطلعه على قصة كتبها باللّغة الدّارجة داعماً إياها بالأمثال الشعبية، فنالت إعجاب تيسير السعدي، وكانت بداية تشكيل الثّنائي، فسجّلا في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص B.B.C))، مسرحية (صندوق الدنيا عجايب)، والتي نالت إعجاب الجماهير.

وكانت هذه التمثيليات تعالج القضايا الاجتماعية بأسلوب شعبي قريب من عامة الناس، ومع افتتاح التلفزيون عام 1960 بدأ بتقديم التمثيليات التلفزيونية على الشاشة الصغيرة، وبالتاريخ ذاته شكل حكمت محسن (فرقة المسرح القومي) التي أسبقها ونزولاً عند رغبة مديرية الفنون في وزارة الثقافة بتأسيس (فرقة المسرح الشعبي)، كما شكل (فرقة أمية للفنون الشعبية)، و(فرقة مسرح العرائس) واقترح أن تقدم فرقة المسرح الشعبي التابعة لوزارة الثقافة عروضها في كل حي دمشقي.

كان حكمت محسن الرائد الأول في صناعة الكاراكترات الكوميدية السورية، وأهمها على الإطلاق كاراكتر (أم كامل، أبو فهمي)، يُعتبر حكمت محسن مؤسس الدراما الشعبية السورية إذاعياً ومسرحياً وتلفزيونياً، والذي قدم على مدار أكثر من خمسين عاماً من القرن الماضي الكثير من الروائع التي كانت تحاكي وتترجم الواقع الاجتماعي، وقد حُفظ تراث هذا الفنان الكبير في أرشيف الدراسات الشرقية في باريس.

قال له أحد أصدقائه ذات يوم: يا أستاذ حكمت، أنت تكتب كل يوم تمثيلية، (يا أخي) من أين تأتي بكل هذه القصص؟، فأشار بيده إلى سيل البشر العابرين أمام الدكان وقال: انظر إلى هؤلاء الناس (هدول بقى سيدي)، كل واحد منهم قصة، وكل واحد منهم حكاية، ماداموا يمرون من هنا، لا تخف على حكاياتي من النضوب، وخلف كل باب قصة).

أصيب عميد الأدب الشعبي، (حكمت محسن) بالفالج فأودى بحياته في 19 كانون الأول 1968.

صحيح أنّ حرفة التّنجيد قد اندثرت نوعاً ما  لكن فنّ المبدع حكمت محسن لا يموت، ولا بدّ أن نحيي فنه، وتطّلع عليه الأجيال الجديدة.

السيرة الذاتية

فنان سوري، ولد عام 1900 في أسطنبول حيث كان والده مشتركًا في الجيش العثماني، ومع بداية الحرب العالمية الأولى أُرسل مع والدته إلى دمشق. عمل في طفولته بأكثر من مهنة، ولكنه استقر وامتهن مهنة المنجد، حتى أنه أسس ورأس أول نقابلة للمنجدين في سوريا. كان صوت حكمت محسن هو أول صوت يبث عبر أثير الإذاعة السورية بعد صوت رئيس الجمهورية آنذاك (شكري القوتلي)، حيث أدى على الهواء مباشرة مونولوج انتقادي، وذلك في عام 1947. يعتبر مؤسس الدراما الشعبية السورية إذاعيا ومسرحيا وتلفزيونيا، وكان هو مبتكر شخصيات شهيرة لازمت المجتمع السوري لعقود طويلة مثل: (أبو رشدي، أبو فهمي ، أبو صياح ، أم كامل، وغيرهم). ساهم في تأسيس المسرح الشعبي عام 1959 قبل أن يندمج مع المسرح القومي بعد عشر سنوات من تأسيسه، ذاع صيته بعد أن سجل لإذاعة الـ(بي بي سي) في قبرص ثلاثين حلقة من مسلسل إذاعي بعنوان (صندوق دنيا العجائب) مع الفنان تيسير السعدي، قدم بعدها العديد من المسرحيات في دمشق وفي الإذاعة وبلغ عدد الحلقات التي شارك فيها أكثر من 800 حلقة، أُعيد في العام 1968 إنتاج مسرحيته (صابر أفندي) التي عرضت في عام 1959 من قبل المسرح القومي بدمشق بتوقيع الفنان عبد اللطيف فتحي عليها للمرة الثانية. توفي في عام 1968.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.