حكاية جميلة الجميلات بغداد

سأحكي لكم حكاية ليست من حكايات الف ليلة وليلة ولكنها حكايتي انا وحكايات بنات جيلي كلهن انها حكاية آبائكم وأجدادكم ليست حكاية من سومر وبابل ولكنها حكاية الزمن المعاصر الذي طومسوه ودفنوه ومحو ذكره!

انها حكاية جميلة الجميلات بغداد الراقية الأرستقراطية الحسناء التي غدر بها الزمان فانزلها أسفل سافلين وترك اولادها وبناتها أيتام لايعرفون لهم تاريخ قريب جميل تركوهم محرومين من النعمة التي ذاقها وعاشها آبائهم وأجدادهم! لقد شوهوا وجه بغداد الحسناء بماء النار فاختفت ملامحها ولم يتبقى أمامكم ياولادي سوى صورة مسخ بلا ملامح ولاطعم ولارائحة سوى رائحة البارود والدم مع الاسف والاسى عليك يادرتي يابغداد!

فقبل الاسواق المركزية في السبعينات “والتي كان اسمها قبل التأميم شركة أورزدي باك” كانت بغداد زينة وبوتيكاتها كانت من الجمال والرقي تضاهي بوتيكات لندن وباريس ولااقول دبي والكويت وعمان لان هذه الأسماء كلها كانت صحراء قفراء وقرى بأزقة متربة غير مبلطة في حين كانت شوارع بغداد مسفلتة بحدائق وجزرات وسطية تملأها احواض الزهور من كل شكل ولون وعلى ارصفتها تتهادى الغزلان الحسان لايعكر صفوهن كلام خادش او نظرة وقحة!!

في نهاية الأربعينات تأسست شركة أورزدي باك باربعة طوابق واجهاتها كانت تزين شارع الرشيد وكان يجاورها محلات جنة الاطفال التي تحتوي على كل مستلزمات الطفولة ويقابل أورزدي باك من اليمين باتجاه الباب الشرقي محلات حسو اخوان التي تحتوي على ارقى الحاجيات المنزلية ويجاور أورزدي باك من جهة اليسار باتجاه ساحة حافظ القاضي محلات فوك للملابس النسائية الراقية ومحلات نوفس ومحلات ليبرتي

  

وفي شارع النهر كان بوتيك المقص الذهبي لأجمل الملابس المستوردة ومحلات الافراح والكابيتول وكانت معظم عرائس بغداد يتبضعن من بوتيكات شارع النهر ويشترين اجمل الأقمشة من سوق دانيال ومن محلات سليكت وحتاحت والأزرار والسوتاجات والخيوط تشترى من محلات كارو وأبو سمير

  

والمصوغات آه يالمصوغات فكان اشهر الصاغة هم اليهود العراقيين والصاغة المندائيين أولئك الفنانين في الصنعة والصياغة اليدوية ومن أناملهم كنا نشتري اجمل المصوغات الذهبية في ذلك الزمان الجميل في بداية السبعينات زمن الرخاء كان الذهب يباع بالمثقال وليس بالغرام كما اليوم وكانت اصغر موظفة قادرة على شراء قطعة ذهب زنجيل او سلسلة او خاتم بدينار ونصف ودينارين لان سعر مثقال الذهب الذي يساوي خمسة غرامات كان بدينارين فقط والصياغة كانت شئ لايذكر!

هذه هي بغداد التي لاتعرفوها بغداد التي غربوها وهجروا اَهلها وعبثوا بشوارعها ومسخوها وصارت سقط متاع لاذكر لها في محفل او فضائية الا وذكرها مقرون بعمل ارهابي ولاانساني
بغداد تذكر عندما تذكر اسؤا العواصم وياتي ذكر بغداد مع ذكر اسؤا الحكومات وبغداد تذكر عندما يذكر الفساد السياسي والفساد الاداري والمؤسساتي.
بغداد صارت عاصمة فاشلة لانها تستهلك ولاتنتج وان مقياس تطور الشعوب والامم هو مقدار الانتاج وليس مقدار الاستهلاك يااولادي

اعزائي افرحوا واستبشروا خيراً عندما تمتلئ المجمعات التجارية بالمنتوجات العراقية الجيدة بتوازي مع المنتوجات المستوردة ولا فرحة في قلبي عندما اقلب البضاعة وأجدها كلها صيني وتركي وايراني! اين صناعتي الوطنية؟ لماذا هم ينتجون ويستهلكون ويصدرون الفائض؟ ماذا يزيد الفرد الصيني او التركي او الإيراني عن الفرد العراقي؟ بل قولوا ماذا يعوز العراقي حتى يصل الى مستوى الصيني او التركي او الايراني؟ انتم أجيبوني ماذا وكيف ينعدل الحال المايل هذا؟؟؟؟؟؟

يالوعتي عليك يابغداد ويالوعتي عليكم ياشباب لقد أرادوا ان يمحو ذاكرة الشعب ولكن الذاكرة لاتمحى مادام فينا قلب ينبض وضمير حي وبصيرة ترى..

 

الگاردينيا: المادة اعلاه أرسلتها أحدى صديقاتنا من دون التوصل الى ‌اسم كاتبتها..شكرا لصديقتنا وشكرا لكاتبة المادة..

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.