14-9-2012

تشكيليون فلسطينيون (96) الفنان معتز العمري

  خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة

عبد الله أبو راشد*

الفنان التشكيلي الفلسطيني “معتز العمري” من مواليد مدينة دمشق عام 1974، من أصول فلسطينية تعود إلى مدينة حيفا الفلسطينية. حاصل على دبلومات في الرسم المعماري من مركز تدريب دمشق التابع للأنروا عام 1994، وتقنيات الرسم على الكمبيوتر من المعهد العالي لتعليم الكبار بدمشق عام 1996، وخضع لدورات متنوعة في مجالات الفنون التشكيلية والتطبيقية والحفر والطباعة اليدوية من خلال ورشات عمل خاصة بمراكز الفنون التشكيلية في سورية ولبنان. وهو عضو نشط في الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين فرع سوريا، ومُشارك دائم في معارضه منذ عام 2003.

أغوته فنون الحفر والطباعة اليدوية لما فيها من غواية العبث والمتعة على تقاسيم التناقض اللوني ما بين الأسود والأبيض، والمحاولة الدائمة في نقش مقاماته الشكلية من خلالها كترجمات حسيّة لفصول القضية الفلسطينية ونضال شعبها، ليلعب دور الراوي التشكيلي في مواقف بصرية متعددة.

والمتبحر في عموم تجاربه التشكيلية سيجد تطوراً ملحوظاً في مسيرته الفنية وفي مسارات بحثه الشكلي وتناوله لأفكاره المستعارة من وحي مجتمعه وتراثه، وطريقته في رصف مضامينه ذات الأنفاس الفلسطينية، واضحة القسمات والمعاني في حدود بنيتها الشكلية المتبعة في عموم مكوناته. والتي وجدت من فنون الحفر والطباعة اليدوية مجالاً حيوياً لإبراز مواهبه ودربته ومقدرته الفنية على تحويل الأشياء المصمتة إلى كائنات طبيعية وبشرية متحركة فوق سطوح الورق المرسوم والمطبوع، وبالتالي قص حكاياته المتواترة لمجموعة الصور والمرئيات المختزنة في معين ذاكرته الحافظة ومخيلته المداعبة لحلم ما مأمول في أحضان الواقع وتجلياته. وهي أكثر نضجاً وتعبيراً في الشكل والمضمون والأساليب والاشتغال التقني، العاكسة بطبيعة الحال لمناطق وعيه الإنساني بذاته ومحيطه وما يحوي من مفاتن رؤى وأسرار.

لوحاته موصولة -كما أسلفنا- بميادين الفنون التشكيلية والتطبيقية، فيها ما فيها من الهواية والحرفية، وجموح الذات الشخصية الباحثة عن مرادها التشكيلي من خلال تسجيل يوميات بصرية منتمية لوطنه وهموم شعبه الفلسطيني أينما كان وفي أية بقعة جغرافية تواجد. فلسطين هي عنوانه الرئيس والعريض لتفاصيل مكوناته يطرزها في ولائم بحثه البصري، والمندرجة في خطوط ومساحات وتكوينات هندسية وخطية متداخلة في جميع الاتجاهات، تحمل في جوانحها التصويرية أشكالاً من الرتابة الشكلية، ورصف لمتواليات الرؤى في مساحات التجلي الذاتي بالمواقف السردية، عبر كوادر وإطارات هندسية جامعة.

عناصرها مستمدة من الطبيعة والإنسان ورحاب الأرض المتسعة للجميع. تستظل بحكايات الشعب الفلسطيني بجميع فئاته وأطيافه وطبقاته، وتندرج في إطار مفردات وجمل تشكيلية يُكحل فيها الفنان مداد ملوناته. ويجد في مفاتن الأسود وسطوته كلون سائد، الصيغة الشكلية والتقنية المناسبة لأحاسيسه وانفعالاته، يدخله في عالم التناحر الأبدي ما بين العتمة والنور. وتوازن القيم اللونية مع القيم الوجدانية الرمزية لمفهومي الخير والشر، كنقائض متصارعة في وحدة وصراع الأضداد في مدلوله الرمزي والتشكيلي.

يجعل من أفكاره ورؤاه الشكلية المنسوخة على بياض الورق ما قبل النقل الطباعي، معنى وقيمة بصرية وجمالية متداخلة العلاقات الشكلية، متسعة لفضاء الأرابيسك بجميع مفاتنه ومؤلفاته من خط عربي وزخرفة. متناسلة عناصره ومفردات التشكيلية من واحة العجمي والرقش العربي المصحوب بالطبيعة الصامتة وشيئاً مُحاكياً لتقنيات الزجاج المعشق وتنويعاته الشكلية وتجلياته العفوية. فالخط لديه له دلاله حسيّة ومفهوم رمزي في مُنتجه المشمول بحرفية الصنعة والمهنة اليدوية المفتوحة على تجليات الخط العربي، والخارجة من عقال الأكاديمية والقواعد المنسوخة من معين نقطة القياس الذهبية.

مدوناته السردية المشغولة عبر تقنيات متعددة الصنائع والخامات والأدوات، تقربه خطوة من الفسحة المهنية واللمسة الفطرية، السابحة في وظيفية المنتج اليدوي لأغراض نفعية وجمالية. باعتبارها حركة طبيعية في مسيرته الفنية القائمة على مدارات التجريب والمحاولة الدائمة، والمشروعة فوق خامات متنوعة الخصائص التقنية. مشفوعة بالجلد والمثابرة والاكتشاف والمتعة الشخصية وكسب ود الرضا الذاتي. فهي تنتمي لاتجاهات ومدارس فنية تعبيرية مطوقة بمسحات متسعة من التجريد الشكلي، ويلف بعضها دثار الواقعية التعبيرية التشخيصية، والمحملة بأنفاس التعبيرية الرمزية، المفتوحة على كثافة الخطوط والمساحات المتوالية في سياق سلسلة متشابهة في المبنى الشكلي والتقنية، والتجريب والبحث عن تقنية وأسلوب خاص داخل دوامة الأبيض والأسود والدرجات الرمادية المشتقة.

لوحاته تعرف طريقها جيداً في آليات التعاطي مع الفكرة والتقنية، وتهرول أدواته وخبراته في رسم ملامحها فوق خامات تقنية متعددة مثل الخشب الطبيعي والصناعي واللدائن المطاطية كاللينوليوم وسواها. تخط حدود جغرافيتها الشكلية أدوات الحفر اليدوية التقليدية والصناعية الكهربائية في مقامات شديدة الخصوصية والتنوع، لتشكل بعد صمت الأدوات خامات ونماذج (كليشات) متعددة المضامين والمكونات، تفصح عن مسارات وعيه البصري والفكري والإنساني  بالأشياء. والعاكسة لذلك الفيض الشكلي والعفوي للخلفيات المعشبة بأشكال الهندسية التوليدية للمربع والمثلث والمستطيل والمعين والدائرة، وتناسق وانسجام العناصر الرئيسة للشخوص المُعبرة عن رمزية الوطن والمواطنة والتراث والإنسان، مؤلفة مقطوعة موسيقية بصرية عربية التقاسيم فلسطينية الهوى مشفوعة بخبرة وموهبة مميزة ما بين جيلها من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين الواعدين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطيني

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.