6-9-2012 
 تشكيليون فلسطينيون (95) الفنانة سومر زكي سلاّم
  خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة

عبد الله أبو راشد*

الفنانة التشكيلية الفلسطينية “سومر زكي سلاّم” المولودة في مخيم اليرموك بمدينة دمشق عام 1988، هي سليلة عائلة فنية تشكيلية فلسطينية معروفة في الأوساط التشكيلية المحلية والعربية والدولية، ترجع في أصولها إلى قرية الطنطورة حاضرة البحر المتوسط في قضاء لواء حيفا الفلسطيني، وجدت في والدها الفنان “زكي سلاّم” وأمها الفنانة أيضاً “هناء ديب” حاضنة طبيعية للأخذ بيدها وصقل مواهبها الفنية في سن مبكرة، وتكريس المقولات الشعبية: “فرخ البط عوام” لتسبح في أحواض ومبتكرات ذويها متعددة التقنيات والصنائع والمواضيع، فاتحين لها ولموهبتها أروقة ابتكار وخبرة متسعة على العطاء الفني، والمقدرة الذاتية لتخير مسالك مستقبلها الشخصي ورغباتها الشخصية في العبور الآمن والناجح في جميع مراحل دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية.

خضعت لمجموعة دورات فنية “ورشات عمل” في دمشق وبيروت، وخاضت غمار تجاربها الفنية والخزفية خصوصاً داخل محترفات ذويها، وفي سياق محيطها الاجتماعي والفني التشكيلي، تخرجت من قسم الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة وحصلت على بكالوريوس فنون جميلة عام 2010، فاتحة لذاتها الفنية التشكيلية فسحة ابتكار لعروض متناسبة مع أبناء جيلها. هي عضو في اتحادي الفنانين التشكيليين السوريين والفلسطينيين، ومشاركة في عدة معارض فنية جماعية ولها معارض فردية، أكثرها إضاءة معرضها الفردي “هالات لونية” في صالة بيت الرؤى للفنون التشكيلية في منطقة جرمانا بدمشق عقب تخرجها، والذي ضم في طياته مشروع تخرجها باعتباره نقطة الانطلاق في تكريس حضورها الفني التشكيلي الفلسطيني والسوري.

لوحاتها خارجة عن مألوف الرسم والتصوير النمطي الكلاسيكي، مُغردة في مضامين فصولها اللونية معابر وصف شكلي مُغاير، وولوج مناحي سردها التصويري في معاصرة تشكيلية واضحة القسمات. تروم بلوغ مناطق تعبير واشتغال تقني مُشبعة بأنفاس الحداثة التصويرية، المتناسبة مع حيوية الشباب وحركتهم السريعة والمواكبة لروح العصر التشكيلي الحديث، في تقنياته وجمالياته ونزعاته الفكرية المعاصرة. المعنية باللون واللون فقط كمظهر شكلي وعجينة تقنية، مُحملة برمزية الرؤى والخلفيات الفكرية المستترة وراء كل لون من ملوناتها التصويرية. تجود فيها بصوفية اللون واتساعه وكثرة في تنوع تدريجاته اللونية المنثورة فوق قماش اللوحات والورق المسجى في حضرة رسومها التمهيدية المسبوكة بقلم الرصاص.

التعبيرية التجريدية ذات النكهة التقنية المداعبة للمؤثرات الانطباعية هي ميدان بحثها الجمالي، ومسرحها الأكثر تواجداً واحتضاناً لمعالم شخوصها ومكوناتها الشكلية، والمعبر البصري المناسب لتوصيل مقول قولها السردي. تُحاكي فيها الرموز وهيئات شكلية لشخوص مستعارة من واحة حلم أنثوي جميل. تُجيد التعبير عن فكرتها التصويرية المعنونة باسم “هالات لونية” المنسجمة مع ذاتها الفنية المدربة والعارفة لحدود رغباتها ومقدرتها التقنية على تطويع مفردات جملها التشكيلية والعبور في متاهات النصوص المسرودة، والمتماشية مع روح النص وحسبتها التقنية والفكرة الجمالية التي تبغي الوصول إليها.

لوحاتها متخمة بأنفاس التعبيرية التجريدية، فيها ما فيها من مجاز القول البصري ومساحات الاختزال لمركبات نصوصها التقنية، والقائمة على تناغم البحث التجريبي، ومدارات التلخيص في المبنى التشكيلي واللحمة التقنية، ودلالات المعنى الجمالي الرمزي المضمر والمستور في متواليات النصوص. وبالتالي رسم ملامح وحدتها العضوية لمنثور فكرتها المتداعية في الملونات والتقنيات، وفي طريقة تخيرها لأساليب وصفها الشكلي المتبعة في تبيان آليات السرد ومكوناته. فالتبسيط الشكلي للمساحات اللونية المتعانقة، وتأكيد حضور اللون في سطوته وسيادته في جميع مكونات عناصر لوحاتها التصويرية، ينبئ عن جرأة كبيرة من فنانة في بداية إبحارها الفني، وتظهر في الوقت نفسه حركية البحث وروح المغامرة في مخاطر اللون وحرفيته، ومحاولتها في مسك ناصية النص السردي وتشكيل عالمها الرمزي الذي لا ينتهي في مداد مرصوف مساحاته اللونية المتجاورة والمتداخلة، والمتصارعة في سياق حسبة لونية افتراضية، ولموحية بسرد نصوص بصرية لأشكال هلامية لشخوص وأماكن ورموز.

ولائمها السردية مفتوحة على بنات جلدها وحسب، تصوغهم كتلاً لونية وأشكال مختزلة وخارجة عن سياق موصف آدميتها المعروفة. تروم الانفلات المقصود من عقال الروتين الشكلي المحاكي لشخوص الواقع المعايش، وترسم ملامح لأجساد هلامية خيالية متراقصة في حضرة اللون. معنية بمنادمته حدة وإيقاعاً وتوافقاً وانسجاماً وتآلفاً لموسيقاها الشكلية، والمتوالدة بطبيعة الحال من دائرة الألوان الرئيسة (الأحمر، الأصفر، الأزرق، الأبيض، الأسود). وتدريجاتها المتآلفة والتي تلبس دثار كسوتها الجمالية من زرقة البحر والسماء، وخضرة الأشجار والنباتات، واصفرار التربة والصحراء، وتفاصيل البرودة والحرارة. تجمع أشتات البحث التجريبي لعبث لوني وفكرة مقصودة، وديمومة المحاولة الشكلية لخلق مناخ تشكيلي متمايز في خصوصيته وبساطته وطفولته.

والجدير ذكره أن تجربتها الفنية ممتدة في مناطق النشر الفني التشكيلي عبر المجلات المتخصصة برسوم الأطفال، وهذا ما أسقط عليها هذه العفوية والبساطة الشكلية في ترجمة أحاسيسها وانفعالاتها كأنثى يافعة مفتوحة على حرية التعبير والاختيار، والخروج من جلباب والديها. وعدم الدخول في مساحة المباشرة التسجيلية لمواضيع ذات صلة بالقضية الفلسطينية، كما درج عليها الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة، فالشباب لهم تجربتهم وحضورهم الفني الذي لا يقلل بطبيعة الحال من وطنيتهم وانتمائهم لشعبهم وقضيتهم الفلسطينية، بل يدعونا لاحترام إنتاجهم الفني، وطريقة تفكيرهم وتجربتهم ومتطلبات عصرهم وجيلهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطين
[email protected]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.