الفنان سليمان العلي

الفنان التشكيلي الفلسطيني (سليمان العلي ) من مواليد دمشق عام 1957، من أسرة فلسطينية لجئت من جليل فلسطين الأعلى إلى سورية عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، حاصل على شهادة الإجازة الجامعية ودبلوم الدراسات العليا من قسم الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1980م عمل في سلك التعليم الأكاديمي في معاهد الفنون الجميلة في الجزائر ما بين 1983-1992.

ثم عاد إلى دمشق وعمل في معاهد إعداد المدرسين فيها، فضلاً عن كونه أستاذ محاضر في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق، وسبق له العمل كمصمم ومخرج فني ورسام كاريكاتير في العديد من المجلات الفلسطينية والعربية، ويشغل حالياً وظيفة موجه اختصاصي لمواد التربية الفنية في تربية مدينة دمشق، حائز على مجموعة جوائز مادية وشهادات تقدير، وعضو في اتحاد الفنانين التشكيلين في سورية وفلسطين، أقام مجموعة من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية والوطن العربي وأوربا.

لوحاته التصويرية في المرحلة الحالية هي تمثيل أمين لوجوه الحداثة التعبيرية في صورها التجريدية المحملة بالرمز والإحالة الدلالية، والمفارقة لواقعية الأماكن والشخوص، والتي تعتمد الإيثار واستفزاز عين المتلقي وبصره في محاولة تحليل رموزها ودلالاتها اللونية المتعددة، وفهم محتواها البصري، لكن قديمه التشكيلي حافل بمساحة جيدة من المقاربة البصرية لذائقة المتلقي وارتياحه لمكوناته الواقعية التعبيرية. وتشغل لوحاته مواضيع الانتفاضات الشعبية الفلسطينية وانتفاضة الأقصى المباركة، ويوميات العدوان على غزة العزة بعضاُ من مقاماته.

فيها ما فيها من المحاكاة التصويرية، والانحياز لخياراته الأكاديمية، الموصولة بالأحداث الفلسطينية دائمة التوهج، وتدوين مقامات سردية من يوميات المقاومة الشعبية والمسلحة، في أوصاف رمزية، محملة بالسمو الذاتي وتجليات الكفاح والألم، وما يحتل الفدائي من حيز بصري ودلالات موحية معبرة، باعتباره ضمير الشعب وصورة عاكسة لجموع الأسر الفلسطينية المكافحة والقابعة تحت حراب الاغتصاب الصهيوني، وما تحتضن لوحاته من مكونات وخطوط وملونات، وما تستحضر من رؤى شكلية لجميع مقومات الوجود الفلسطيني من تاريخ وجغرافية وتراث وطبيعة، جامعة للبشر والماء والخضرة والحجر.

مكوناته مسكونة بذاكرة مكان وإنسان وتاريخ وتراث، ساهمت في صناعة أطفال ومقاومين من كافة الشرائح والأعمار، وتُشكل في بوتقتها التقنية مدارات واسعة لرقص الملونات، وهي أشبه بوليمة بصرية فلسطينية الأبعاد والهوى، متداخلة الخطوط والملونات سابحة في مجرة الانتفاضة الفلسطينية المُُباركة ميدانها المسجد الأقصى، والذاكرة البصرية الفلسطينية المفتوحة على مقامات السرد النضالي والكفاحي المقاوم بأشكالها العبرة عن الوجودية المعروفة في حياة الشعب العربي الفلسطيني. اتخذ من خضرة الطبيعة وزرقة السماء ومياه البحر والنهر مادة لونية دسمة لتوليف مفرداته وعناصره الشكلية، ومن الفدائي الفلسطيني المنتفض والمقاوم بالبندقية والحجر الحضن الشكلي الجامع، مقدمته التصويرية المنطقية لقول مقولته الفنية التشكيلية في مُحددات الدور الوظيفي للفن التشكيلي في خدمة معركة الصمود والوجود.

ولوحات أُخرى صورها تجسيد لهمجية العدوان الصهيوني على أبناء شعبنا في مخيمات الصمود والمقاوم في قطاع غزة، فيها تجليات الصبر والمصابرة، وملامح المعاناة المرتسمة فوق الوجوه، وعبر أشلاء الضحايا، وترسم معالم المقاومة الشعبية برمزية الوصف التشكيلي، المعتمدة على رومانسية الحالة التصويرية، وأثيرية الألوان المتعانقة داخل حيز اللوحات، بما فيها من تناغم وإيقاعات تقنية مفتوحة على التعبيرية التجريدية، يلعب الخط فيها دوره المميز في احتضان المساحات اللونية.

وثمة متسع في لوحاته لمواضيع التراث الشعبي الفلسطيني، ولقطات مأخوذة من يوميات الواقع الفلسطيني المعايش في مخيمات اللجوء في سورية، تستدعي وجوه النسوة والرجال في لحظات استراحة وتأمل، وتكمل في مكنونها دورة الأحزان الفلسطينية، تأخذ من الواقعية الرمزية بعضاً من دثارها الشكلي من خلال الاشتغال التقني والمهنية المدروسة لتوزيع الكتل والمساحات وحركة اليد الماهرة والريشة المحملة بألوان مناسبة منثورة فوق قماش اللوحات.

البنية التشكيلية المتبعة في قديمه وحديثه التشكيلي، تفصح عن مقدرته الذاتية وخبرته في رسم وتصوير معالم تكويناته، وفق خصوصية تأليف وتشكيل، عنوانها التحرر الخطي واللوني، وتجاوز النمطية التقليدية في كثير من الأحوال حتى تلك المنتمية في أساليبها ومكوناتها إلى المدارس الأكاديمية، تقوم على أساس الرصف الطبقي للملونات، وفق جدولة الخطوط المرنة والمتحركة في حيز الفراغ، ليلتهم اللون اتساع المساحة، باعتبارها البوصلة وطريق الرؤى في تدوين مداراته الموضوعية ومداراته اللونية، تُبقيه عازفاً فلسطينياً ماهراً ومتميزاً في تفرده، في توليف مقطوعات موسيقاه اللونية التي تحمل في طياتها الشفافية والمتانة والانسجام

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.