الفنان أحمد كنعان

الفنان التشكيلي الفلسطيني ” أحمد كنعان” من مواليد عام 1965 في بلدة طمره الواقعة بالجليل الفلسطيني المغتصب منذ نكبة فلسطين الكبرى عام 1948، في بداية رحلته الفنية التشكيلية درس الفن في مرسم الفنان التشكيلي الفلسطيني “خليل ريان” في بلدته طمرة، ثم تابع دراسة الفن في أكاديمية الفنون والتصميم “بتساليل” في القدس ما بين 1985-1989. بعد تخرجه عمل في ميادين فنية شتى، في معمل لصناعة التماثيل البرونزية بمدينة القدس أولاً، ثم في مهنة التعليم كمدرس لفنون النحت وتقنياته في المعهد العربي بمدينة سخنين الفلسطينية ما بين 1999-2006. تظم وأدار مجموعة من المعارض والتظاهرات الفنية التشكيلية داخل الوطن الفلسطيني المغتصب بالفترة الواقعة ما بين 2004-2010، وله مجموعة من المعارض الفردية والجماعية داخل فلسطين والوطن العربي ودول العالم، وحائز على مجموعة جوائز وشهادات تقدير.

هو فنان ملكته الموهبة الفنية التشكيلية فطرة منذ طفولته، ويفاعته المفتوحة على فضاء الحرية المتاحة والتجريب الفني في تقنيات متعددة. متنقلاً براحة فنية تشكيلية ما بين مجموعة من الميادين والتخصصات، وإن كان النحت معبر البداية والفسحة الأولى للتعبير عما يجول في خاطر الفنان وبصره وبصيرته من رؤى وأحلام وهموم، لكن الرسم والتصوير الملون بدوره ساحة ثانية ممكنة لتقديم المزيد من تجلياته الفنية، ومبتكراته التي تتسع لحدود الوطن الفلسطيني بجميع جمالياته الطبيعية والتراثية والبشرية، وما بينها من تأملات ومسارب بصرية تصوير، وكتل نحتية ثلاثية الأبعاد المنظورة وثنائية، والتي لا تقف تقنياته وأساليب اشتغاله في نمطية شكلية محددة.

دائما ثمة جديد فني لديه، ومساحة لتغريد في سرب الرؤى البصرية المشغولة والمفتونة بذاكرة مكان الفنان وبيئته الفلسطينية الحاضنة، والتي يرى فيها مساحة من الوعي الفكري، والمتخيل السردي المنشود، كفسحة للتاريخ العربي الحافل بالبطولات والانتصارات، وما يعنيه في رمزية الفارس الذي يدونه كمقام شكلي ورؤية جمالية مسكونة بيوميات تحرير مدينة القدس من أيدي الفرنجة والأعاجم في حروبهم الصليبية المتكررة، وأن النصر قريب وآت لا محالة، والعدوان والاغتصاب الصهيوني إلى زوال، ومدونة الفارس المتكررة في الرسم والتصوير الملون، والنحت المؤتلف من أحجار رخامية وجذوع أشجار وصفائح معدنية، تُخفي في طياتها تعبيرات رمزية وتضمينات فلسفية وقيم الشهامة والبطولة والرجولة، ومكانة الفارس العربي في هذا السياق.

والتنقل المريح في معابر فنه وتقنياته، ما بين تجليات التجريد المساحي للأشكال الموصوفة وما يتخللها من علاقات بينية متآلفة، ومتناقضة خطاً ولوناً ومتوافقة فكرة جمالية وتصويرية، ومدارات التشخيص المحملة باللمسات الواقعية، والواقعية التعبيرية، والرمزية الشاعرية، هي دلالات موحية ومعبرة عن حيوية الفنان، وطريقته في تلمس خصوصيته الفنية وتفرده ما بين أقرانه، وحركته المعتادة في التناغم الشكلي للمحتوى المنشود والمصحوب في إيقاعات لونية وكتل شكلية وملامس متوازنة، ولا تتوقف في نمطية شكلية محددة.

بل ترنو روحه المفكرة ويده الماهرة الوصول إلى جميع متواليات المدارس الفنية التشكيلية والتطرق إلى موضوعات شتى، متناسلة من الواقع الفلسطيني المعاش، وتتغنى فيه ببساطة وصف وملامح تعبير دون تكلف ومبالغة وصفية، وأن تكون ماكينة الرصف والوصف تتماشى مع الحداثة التعبيرية بنكهة شكلية وتقنية خاصة. جميع رموزه ومفرداته مأخوذة من واحة الفلسطيني عربي الوجه والتاريخ والمعتقد واللسان، ملامح فلسطينية بكل ما تعني الكلمة من مدلول ومعني.
وما لوحاته التشخيصية المعنية بترجماته الحسيّة الصادقة والموصولة بمواضيع اللاجئين الفلسطينيين المشردين في عام 1948، هي دلالة رمزية على ديمومة تفاعل الأجيال وجماليات الهدف الفلسطيني، واجتماعه على وحدة الفلسطينيين في مواضيع اللاجئين والقدس وحق العودة. وأن حلم العودة الذي ما زال قائما كحق مشروع لا عودة عنه إلى ديارهم التي أخرجوا منها عنوة، وبتآمر المتآمرين من أعاجم أوربيين وصهاينة وعرب متخاذلين ومتآمركين، هي تعبير صريح عن رغبة الملايين من الشعب العربي الفلسطيني للعودة لفلسطين مُحررين وفاتحين في صورة الفاتح الفارس حيناً، والعائد إلى فلسطيني بكثير من الأحيان، كما كان عليه السلف الصالح في معارك عين جالوت وحطين.

البنية التركيبية لعموم لوحاته مفتونة بالتواتر الشكلي للعناصر والمفردات والرموز، المتوالدة من واحة الفنون الشعبية الفلسطينية، ومعين التراث الحافل بمرئيات جميلة وفاتنة، يستضيف في متنها التصويري مشاهد مألوفة في جماليات البيوت، والشخوص العاديين أو المقربين في حياته الشخصية، ونجد للقدس المدينة المقدسة وزهرة المدائن ثمة تذكارات سردية معانقة لجمالياتها ومكانتها في قلوب وعقول المسيحيين والمسلمين، لاسيما أماكنها المقدسة التي تتوسط لوحاته فيها مسجد قبة الصخرة المشرفة.
أعماله النحتية مشغولة بهم جمالي وحمولات وظيفية ونفعية بأن معاً، فيها متسع لحاضنة مكانه الفلسطيني، المتجلي بالميادين والساحات الرئيسة تارة، وفي فسحة مكان لحديقة هنا وهناك، تارة أُخرى. وفي نهاية المطاف ترتدي كتله النحتية مسحة شكلية عربية الملامح والتوليفات، ولا تذهب بعيداً عن الصنائع الشعبية التي أتقنها الشعب العربي الفلسطيني في دورة حياته اليومية المتجدد، ولا تُغادر أيضاً في رمزيتها ورسالتها البصرية شخصية الفارس العربي والمسلم الذي يحتل الناصر صلاح الدين مكانة مميزة في توليفاته التقنية وتعبيراته الشكلية في هذا الإطار.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.