الفنان محمد الركوعي

الفنان التشكيلي الفلسطيني “محمد الركوعي” من مواليد قطاع غزة عام 1950، موطن أهله الأساسي ما قبل نكبة فلسطين عام 1948 يعود لبلدة جورة عسقلان، أقام معرضه الفني الأول في غزة عام 1970، التحق بعد نيله شهادة الدراسة الثانوية بمعهد إعداد المعلمين متخرجاً بشهادة دبلوم تربية فنية، مكنته من العمل في تدريس التربية الفنية في مدارس قطاع غزة، اعتقلته قوات الاغتصاب الصهيوني عام 1973 بتهمة الانتماء للثورة الفلسطينية، وبدعوى مشاركته بأعمال فدائية قتاليه ضدها، وحكمت عليه بالسجن المؤبد، وبقي في الأسر والمعتقلات الصهيونية نحو ثلاثة عشر عاماً.

حُرر في عملية الجليل الفلسطينية لتبادل الأسرى عام 1985، وطاب له مقام العيش والاستقرار في مدينة دمشق السورية وما زال، مزاولاً الفن ومهاراته المتنوعة، وانتخب عضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين فرع سوريا أكثر من مرة مشارك دائم في المعارض الجماعية لاتحاد الفنانين التشكيليين السوريين والفلسطينيين، وله عدة معارض فردية داخل سورية والوطن العربي، يُدير في المرحلة الحالية محترفاً للفنون التطبيقية الفلسطينية بدمشق موصولاً بقضيته الفلسطينية على طريقته الحياتية الخاصة.

في يوميات سجنه الطويلة كانت الرسوم التي يُنفذها بمثابة صديقه الودود التي يبثها شجونه ومعاناته من خلال أدوات بسيطة متاحة تُمكنه على تفريغ شحناته الانفعالية، وسويعات وجوده كمعتقل وأسير فلسطيني، وتتناغم مواضيعه مع معاناة أقرانه داخل جداران السجن، وتُساعده على صقل مواهبه وتلمسه طريقه النضالي، كحالة تعبيرية ونضالية راقية في مدلولها ومحتواها، ورسائلها السياسية التي تحملها مضامين لوحاته، وتفتح باب المقاومة الناعمة على جبهة الثقافة البصرية.

لوحاته عموماً، مهمومة بالفعل الفلسطيني المقاوم، وغارقة في أتون الحالة الفلسطينية، ومعنية بنبش ذاكرة المكان الفلسطيني بجميع تجلياته الجمالية والإنسانية. تستحضر الأسطورة والحكايات الشعبية، وتعزف على أنغام رموزها وتداعيات الفكرة المتخيلة والموصوفة في سياقات تعبير حافلة بالواقعية التعبيرية، والتعبيرية الرمزية. وتقوم على إظهار مفاتن الرمز وحرية الحركة الشكلية ومساحة التعبير،وطريقة توزيع عناصر ومفردات اللوحة الخطية واللونية ومفرداتها.

شُغلت لوحاته بعناق الأرض والتراث والمقاومة، ورسم وتصوير أشكال النضال الوطني الفلسطيني في أدواته الكفاحية، قوامها الجماهير ومكونات البيئة الطبيعة الفلسطينية، بناسها وكائناتها الحية من عصافير ونورس وأحصنة. تفيض حيوية ورمزية وصف وتوصيل. تحفل بضجيج الحركة الشكلية وإيقاعات اللون المتجانس، والحشود البشرية المندرجة في متن مكوناته المفتوحة على فضاء الحرية والتحرر من النمطية الشكلية. فيها تداعيات للمدارس الفنية الموصوفة، مغردة في فضاء الفكرة وطاقة التقنيات متعددة الأوصاف والصنائع، تجود بمهاراته المصقولة بالخبرة والتجربة وديمومة الرسم والتلوين والبحث والوصول إلى خصوصية شكلية محمولة بالتفرد الوصفي.

كثير من لوحاته مجتمعة في نسج بيانها البصري المتناسلة من واحة مدينة القدس، كعناصر ومفردات متوالية الأشكال الهندسية، يرصفها الفنان داخل أسوار لوحاته أشبه بموسيقى الجدران اللونية، وتتآلف من مجموعة أوصاف شكلية متوالية الاتجاهات، وكأنها جوقة ملونة ترسم معالم الوصف والرصف البصري ومسالك تعبير، لفنان وجد في فترة اعتقاله ومكوثه في سجون العدو الصهيوني فسحة متاحة لتأمل ووعي فني وفكري. فحاول تفريغ شحنات الذات وإتباع وسائط ابتكار جديدة للمقاومة عبر الفنون التصويرية. مستنبطاً صوراً نابضة بالمعاناة ودروب الألم في أشكال متنوعة محتواها مشمول بتجليات الحرية قوامها الرسم والتلوين.

ولوحاته التي تجوس مواضيع التراث الشعبي الفلسطيني، هي حالة طبيعية لدى فنان عشق تاريخه وهموم شعبه في لحظات رسم وتلوين وتجلي، وهي ربط منطقي ما بين التراثي والنضالي، وتوثيق ملحوظ لمساحة الرمز والدلالة، والتي نجد النسوة الفلسطينيات بكامل أناقتهم وأثوابهن المزخرفة وما يُحيط بهن من بيوت فلسطينية متراصة في مساحات لونية متوافقة، جميعها موحية ومُعبرة عن  الإنسان الفلسطيني بثورته وقدسه، مدينة القدس في قبابها وحواريها ورمزية الأشجار وطائر الحمام وحيز الأفق وملونات السماء. وفي لوحاته كثير من الأصالة والانتماء إلى وطن وقضية وذاكرة مكان حافلة بمباهج الأمل والحياة.

وكثيرة هي الرسوم واللوحات المتغنية بجماليات القدس في صيغ فنية وتقنيات متعددة الأساليب والملونات، يأخذ مسجد قبة الصخرة موضع القلب فيها، في وهجه ومكانته داخل التكوين، محاط بتلك الكثرة من تجريديات البيوت والمساجد والكنائس، ورقص العصافير في لوحاته المفتوحة على الرمز والإحالات الدلالية المتسعة لفضاء التجريب والخبرة، وحبلى بمسالك العبث التقني والمحاولات الشكلية المقصود في رصف العناصر والمفردات والخلفيات المحملة بأنفاس الحداثة التعبيرية والمعاصرة، فهي متنوعة الاتجاهات الفنية، موحدة في مضمونها الفكري بأهمية القدس ومكانتها في ضمير الفنان ووعيه، كشكل من أشكال التعبير عن مقاومة العدو الفلسطيني بوسائط حضارية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.