الفنانة رقية اللولو

الفنانة التشكيلية الفلسطينية “رقية اللولو” من مواليد قطاع غزة، مواهبها المبكرة سمحت في اكتشافها كفنانة واعدة من خلال دراستها الإعدادية والثانوية، وبالتالي رعايتها وتوجيهها لدراسة الفنون دراسة أكاديمية. حيث وجدت ضالتها المنشودة في قسم الرسم والتصوير بكلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس وتخرجها منها عام 1998، ومن ثم متابعة دراستها العليا والحصول على الماجستير في فنون التصوير من كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان بالقاهرة عام 2006.

أهلها ذلك للعمل في ميادين تدريس مواد التربية الفنية بمدارس وزارة التربية الفلسطينية، وكذلك كأستاذة مشاركة في جامعتي الأقصى والقدس المفتوحة في قطاع غزة. شاركت في مجموع المعارض الجماعية داخل فلسطين وخارجها، ومعرضها الفردي “تحت السماء” 2011، يُشكل نقلة نوعية في الشكل والمضمون وتخير العناصر والمفردات التشكيلية داخل بيئتها التصويرية. وهي متفرغة لتدريس الفن والإنتاج الفني.

لوحاتها التصويرية تدخل من بوابة الفن الانطباعي المحمول بتقنيات مستعارة من الاتجاهات التعبيرية الألمانية، واللمسات التجريدية المتحررة من قيود النمطية الكلاسيكية، والمتحركة بحيوية الطبقات اللونية المرصوفة والمتداعية فوق متواليات السطوح، والتي تبني عوالم هندستها الشكلية ومضامينها الوصفية في سياق كتل لونية متلاحمة ترسم معالم صورة بصرية هنا، ولمسة تشكيلية هناك.

تُقارب الواقع البيئي والاجتماعي المحيط بملامس ريشتها المرنة، والمشبعة باللون والمتداعية فوق قماش الخامة بامتداد مساحي تعبيرية غير واقعية، تحدد مكونات المشهد وما فيه من عناصر ومفردات، وما تحوي عجينتها اللونية من محددات وحدود فاصلة، موزعة ما بين الكتل المرصوفة والمعانقة لمتواليات الفراغ، فراغ لوني ما بين درجة لونية وأُخرى، تشدو بلوغ مقامات سرد بصري، مستلهم من واقع المعايشة اليومية لذاكرة المكان الفلسطيني الطبيعية الخلوية، وبيوته وشخوصه وأسواقه المشرعة على الحياة، والمقاربة لحياة الفلسطينيين الشعبية بكل ما فيها من ألق التحدي وديمومة الحياة المليئة بالحكايات.

لوحاتها التصويرية معنية بمحاكاة تعبيرية جامعة لمجموع من المشاهد المنقولة عن الطبيعية الخلوية المتناسلة من البيئة الفلسطينية، الموصولة بالبيوت والأوابد التاريخية والأسواق وحركة الناس، وبمواضيع الطبيعة الصامتة المعشبة في أصيص الورود والنباتات المتعددة والزهور. وثمة متسع لها لتعبيرات صوريّة شكلية، منقولة من واقع الحياة اليومية الفلسطينية الراصدة لمظاهر مقاومة جيش الاغتصاب الصهيوني في تجليات صور ومرئيات. ويُشكل الرسم والتصوير التشخيصي المساحة الأبرز في مكوناتها السردية، المحاكية للشخوص في أوضاع شكلية مأخوذة بفنون البروترية، أي رسم الوجوه الآدمية، المعبرة من مقامات بصرية لأشخاص مقربين وسواهم من المناضلين الذين احتوتهم مخيمات ومدن حاضنة لمكونات الشعب الفلسطيني متعددة الطبقات.

تأخذ الطفولة مساحة طيبة من رسومها ومدوناتها التصويرية، لأنها انعكاس طبيعي لحياة الناس وتصوير لجلسات ومناظر، تكرس حيوية الأفراد ومكانتهم الموصولة بحيوية الشعب الفلسطيني، وإرادته الحرة على مواجهة العدو والمقدرة على مقارعته بوسائط العلم والمعرفة والنضال اليومي الأهلي والشعبي، واختراق لجبروته واختبار قوته العسكرية التي تتهاوى على صخرة وصمود أبناء الشعب الفلسطيني، وما يُشكله الأطفال من مدارات أمل وتحدي وديمومة مواجه في رمزية الصورة التشكيلية.

ملونتها المائية الدسمة من نوع أكرليك، تفتح مداد الرؤية البصرية وجمالياتها المتعانقة مع جودة المعالجة التقنية للملونات وتخير الملونات، وإدراجها كطبقات لونية متداخلة ومنسجمة من حيث الحدة اللونية والاحتواء الشكلي لمعمارية المساحات، والتي تقوم على أساس الضربات اللونية السريعة المتنقلة من ريشة مدربة وخبيرة، وعين بصيرة، تحسن إدارة الصنعة المهنية الاحترافية، ومقدرة الفنانة على زخرفة ولائمها الشكلية بذلك الكم الشكلي المُحقق للانسجام والتناسق اللوني داخل حدائق مكوناتها التصويرية المسكونة بالأنا الذاتية المندمجة بالأنا الاجتماعية.

لوحاتها وعجينتها اللونية وطريقتها التقنية في رصف مضامين مكوناتها الشكلية، تقوم على أساس الهدم الشكلي لمكونات الواقع البصري المشهود أو المُتفكر فيه داخل مختبرات المخيلة الحافظة، لمصلحة تبيان حالة انطباع شخصي للفنانة، وتحرر مقصود من فضاء الكلاسيكية التقليدية بالفن، انحيازاً مكشوفاً نحو الاتجاهات التعبيرية التجريدية. هذا الأمر وهذه التقنية والأسلوبية في التعبير والتوصيل، أدخلها في مجرة التفرد والخصوصية التصويرية، والتمايز عما حولها من فنانات وفنانين تشكيلين فلسطينيين، وأفسح لها المجال لاحتلال مكانة مميزة في ميادين الرسم والتصوير الفلسطيني المعاصر، كواحدة من الفنانات المغردات في فضاء الحرية التعبيرية المتاحة في بناء عالمها الفني التشكيلي بكل ما فيه من مضامين ومكونات وملونات.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.