الباحث عن ذاته في غابات الزمن الأسود

نقولا النمّار

لا يمكن الفصل بين سلوك عارف الريس الشخصي وأعماله التي تعددت مراحلها، فتكثفت حينا وأمست شفافة أحيانا، تبعا للشحنة التعبيرية وقدرة الفنان على الإمساك بالمساحة والعناصر وأسباب التأليف في فضاء اللوحة ولا سيما أن عارف الريس أحس غريزياً وثقافيا، ولاحقا سياسيا، بالفن حين قصد باريس، وهناك بدأت محاولاته التجريدية الأولى، ليس أكاديميا في المعنى التقني للكلمة، مما أتاح له فرصا في حرية التعامل مع كل ما أنجزه.
شخصية “متوثبة”. ينفعل ، يحلم، يبحث عن رموز وأدوات وأمثلة. بريء وبارع في آن واحد، تتراكم داخل ذاته معتقدات وأفكار وتقاليد وتمنيات صعبة بتغيير المواقف والأشياء والقيم وفق منظاره الخاص. وانعكس ذلك على مسيرته كفنان يرسم، يلوّن، يقدم المنحوتة، وفي حالاته الثلاث هو أقرب إلى نظام “الكتلة” في اللوحة مع ما يفصل الكتلة عن فضائها من خطوط جارحة. المرئيات لديه تتوالد في بداهة مظهرها فيحولها إلى لغة تؤدي بالمتلقي إلى مواجهة ما أراده الفنان صراحة، وان ما يراه ليس تشخيصا عفويا بل فكرة أراد إيصالها، ولطالما ظن تكرار محاولة إيصالها في طرق ووسائل أخرى، لذا لجأ إلى أكثر من وسيلة تعبيرية.
ومثلما هو في المحترف، هو نفسه بين طلابه في معهد الفنون الجميلة، كأنه أحس بأن التعاليم الفنية وتقنياتها الخطية واللونية هي في التعامل الحر بعيدا عن التزمت الأكاديمي وبالتالي أقرب إلى التعبير المطلوب.
عارف الريس ذو مزاج تبشيري بالفطرة، تشكيلي سلوكي. يتقدم من الآخرين دونما حرج، صريح في القول كما هو في اللوحة والمنحوتة، شديد الإيمان بذاته.
كان رئيسا لجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت وكانت تفاجئه الأحداث بكبرها أكثر من كبر أحلامه ومطالبه وتمنياته. عايش الخيبة مكرها، وحاول الوصول بالجمعية إلى مستوى يليق ببيروت عاصمة دائمة الحضور الثقافي والتفاعل الإبداعي فكان ما كان، وتوارى عارف الريس في محترفه يطل بين فترة وأخرى بمعرض يؤكد قول ما يريده برموز نجد فيها روحه المتوترة والباحثة دائما عن ذاته وذوات الآخرين في غابات الزمن الأسود.
وحين يهدّه اليأس يعود إلى ترابه ليتحول إلى ظاهرة اسمها عارف الريس.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.