علي المرعي وجهاد حسن: هذا الفن تقليدي لكننا أضفنا إليه طابع المعاصرة

فن تقنية لمسة النار… وتكنيك النقش بالإبر…

المنامة – عدنان الموسوي

11 ديسمبر 2002م

زار البحرين حديثاً اثنان من الفنانين التشكيليين السوريين وذلك بهدف الاطلاع على معالم وحواضر البحرين وبقصد عرض تجربتهما الفنية في مجال الفن التشكيلي عن طريق تقنية وتكنيك «النقش بابر النار» أو كما تعرف تقليداً «الحرق بالآلة» وما يعرف بـ «لمسة الحرارة»، وهذه التجربة في عمقها ومظهرها الفني ليست جديدة بالنسبة إلينا في البحرين على اعتبار ان وزارة التربية كانت قد ادخلت مثل هذا التكنيك ضمن مقرراتها الدراسية منذ السبعينات لكن الجديد فيها أنها تعمل على إحداث تكنيك جديد وخاص بصاحبها وهما الفنانان علي المرعي وجهاد حسن وهو اعداد بورتريهات يفوق مقاس مساحاتها ما هو متعارف عليه، كون اللوحات التي ترسم بالحرق غالباً ما تكون مساحاتها صغيرة كون مثل هذه الاعمال تعتمد على بصمة «المنمنمات» وهو نفس فني يحتاج إلى حس وجهد واسلوب خاص…

عموما، ما يهمنا اننا وفي هذا اللقاء الذي اجريناه معهما حاولنا إسقاط الضوء على هذه التجربة… والاضافات التي ستقدمها… وهل ما يقدمانه تكنيك جديد… وهل يلاقي هذا الأسلوب القبول الفني والاجتماعي؟

* وهم يدلون بدلوهم لتعريف مراحل الرسم بالإبر قال محدثاي، علي المرعي وجهاد حسن:

– إن الرسم أو النقش بالإبر يتم من دون استخدام الالوان الطبيعية، إذ ترسم الصور أو اللوحات على صفائح من «عود الحور» وهو نوع من أنواع الخشب متوافر بمنطقة «الغوطة» القريبة من دمشق إذ يصل سمك الصفيحة إلى 2 مليمتر تعالج ويتم تعقيمها وتتم مراحل رسم هذه اللوحات بدءاً من اختيار صفائح الحور التي يشترط ان تكون بيضاء اللون وخالية من العقد والشوائب الاخرى على ان تتم عملية معالجتها من اجل ألا تتأثر بعوامل التعرية الطبيعية ومن ثم تحدد معالم الصورة بالرسم أولاً ومن ثم بطريقة النقش بإبر النار وهذا الاسلوب دقيق جداً ومميز ويحتاج إلى خبرة متميزة وغالباً ما تكون الالوان انعكاسا لعملية الكي بالإبر إذ يفرز الخشب نوعية هذه الالوان وتدرجاتها سواء كانت الالوان فاتحة أم قاتمة، وهذا النوع من الرسم الخطأ فيه غير قابل للمعالجة مرة أخرى نظراً إلى العملية التي تتم عبر النقش بالنار.

وأما إطار هذه اللوحات فهو يصمم من خشب «الزين» الصلب ويحفر يدويا وهذا النوع من خشب «عود الزين» يعالج بطريقة التجفيف والتخمير كي يحافظ على جودته اكبر فترة زمنية ويصل العمر الافتراضي له إلى عشرات السنين من دون ان تتدخل العوامل الطبيعية في التأثير على جودته ونضارته وهذا الاسلوب التشكيلي بحسب رأي النقاد نادر وفريد من نوعه وخصوصاً على مستوى الساحة التشكيلية العربية…

* لكن مثل هذا الفن التشكيلي هل هو فن تقليدي عربي ام انه مستوطن بفعل تواصل الحضارات وتقادم الاثنيات… وما وجه المعاصرة فية؟

– من خلال مطالعاتنا للمصادر التاريخية فإن بداية انطلاق مثل هذا الاسلوب كانت في الصين أو الهند وهو بالدرجة الاولى فن شرقي وكما هو معروف فإن اسلوب الحرق بالآلة تستخدم فيه إبرة كبيرة وتعطى عملية الحرق مساحة كبيرة بينما نحن اضفنا عليه بعض الابعاد كالتنقيط والحرق بالابرة وكذلك التدرج، مستخدمين في تحقيق ذلك درجة حرارة معينة إضافة إلى الدقة والاتقان وعملنا على الوصول إلى«بالتون» والاضاءة بهذه الابعاد وهذه عملية تحتاج إلى جهد ووقت ودقة متناهية حتى يصل العمل المراد إلى المستوى المطلوب، كما نعتقد ان تحديث هذه الحركة التشكيلية بحاجة إلى كثير من الصبر والتأني ولن نذيع سراً اذا اعترفنا بأنها قد اخذت زمناً من الوقت طال إلى عشر سنوات وقد نمت مراحل هذا التطور من خلال الممارسة والنقد بعد التجربة…

* وهل هذا تكنيك جديد؟

– نعم. هو في شكله ومضمونه يمكن اعتباره تكنيكاً جديداً وخاصاً بنا وقد بدت بصمتنا عليه وهو نفس فني يحتاج إلى كل ثانية، وجهد غير عادي وتوظيف الادوات بدقة واتقان وعلى نحو غير مألوف قياساً إلى الرسم بالحرق على الآلة الذي يعد تقليدياً بل ومغرق في التقليدية اذا شئنا ان نسمي الاسماء بمسمياتها!!

* وما الاضافة المعاصرة على تقنية لمسة الحرارة أو ما يعرف تقلديا بـ «الحرق بالآلة»؟

– في ردهما وهما يستعرضان ثلاث صور خاصة بشخوص القيادة السياسية صاحب العظمة ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وسمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة – قالوا – كما هو متعارف في الرسم بالحرق بالآلة فإن مساحة اللوحة لها مقاسات صغيرة ومحدودة جداً ومن الصعب توسيع هذه المساحات بينما ما عملنا على اضافته كي يأخذ طابع المعاصرة ان هذه اللوحات الثلاث الخاصة بالقيادة السياسية في مملكة البحرين قد تم رسمها على مساحة متر ونصف في مترين وهذا الموضوع يحتاج إلى زمن وقد لا تصدق ان اللوحات الثلاث تطلب انجازها جهداً لمدة سنة كاملة بحهودنا وجهود زملاء لنا من فريق العمل المكون من خمسة فنانين. ونحن كما نعتقد اردنا تحقيق معادلة صعبة عبر التحدي لتجاوز المتعارف عليه والنقش على مساحات اكبر وهي كما تعلم قضية معقدة وصعبة…

* وهل فكرة الرسم «بالمنمنمات» تلاقي القبول الاجتماعي والفني في سورية اولا والعالم العربي ثانياً؟

– اسلوب المنمنمات كما بينت الوقائع له القبول الاجتماعي والفني في سورية والعالم العربي ودليلنا في ذلك اننا قد اعددنا بعض اللوحات التي عرضت في سورية والدول العربية ووجدنا إقبالاً عليها وهذا القبول والاقبال دفعنا إلى قبول التحدي والتوسع في عمل اللوحات الكبيرة التي تراها ماثلة امامك الآن، ولعل هذا ما ولد لدينا قناعة مفادها يقول ان هذه الاعمال مطلوبة اجتماعياً وفنياً على الساحة الفنية والاجتماعية العربية. وللحقيقة فهو نفس فني يحتاج إلى تهيئة الاجواء له من اجل ان يأخذ دوره… وحالياً نحن بصدد دراسة ادخال لمسات التطوير على هذا الفن ولربما ندعو إلى اقامة معهد لتدريس هذا النوع التشكيلي لصب الخبرة للأجيال القادمة ونتمنى على كل بلد عربي ان يدخل هذا الاسلوب ضمن مقررات المرحلة الاعدادية لتدريس الطلبة العرب هذا الشكل الفني.

* وماذا عن الزمن… الصبر في اخلاقيات مريدي هذا الفن التشكيلي؟

– الزمن هو عنصر حساس في أخلاقيات الفنانين الذين يعملون بالرسم بالنار، والصبر هو سيد الموقف. ولعل ما يثير الملاحظة أن ان هذه الاعمال وبقدر ما تتطلب الصبر والفسحة الكبيرة من الزمن فإن عمرها الزمني له أطول في الحياة لأنك كلما اعطيت اللوحة البعد الفني والزمني بأمكانات الصبر العالية تعطيك الزمن…

* والان وبعد زيارتكم للبحرين ماذا اردتم ان تنجزوا على الصعيدين الفني والاجتماعي… وهل هي زيارة اطلاع أم انفتاح على الفنانين البحرينيين التشكيليين؟

– هذه اول زيارة لنا للبحرين وهي زيارة من اجل الاطلاع والمعرفة على معالم البحرين وقد قوبلنا خلال هذه الزيارة بالدفء من قبل ملك مملكة البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عندما تشرفنا بلقائه ولقاء المسئولين الآخرين، ويحدونا الامل في زيارتنا المقبلة للبحرين والتي ستتم بعد عيد الفطر، في اقامة علاقات واسعة مع الوسط الفني والاجتماعي في البحرين لتبادل المعارف والخبرات واقامة المعارض المشتركة بين فنانين من البحرين وبيننا سواء في البحرين أو سورية… ولعل ما لمسناه من حفاوة من قبل جميع من التقيناهم وعلى رأسهم ملك مملكة البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة قد شجعنا على ان نقيم في المستقبل معرضاً خاصاً بنا في البحرين?

** العدد 97 – الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.