ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

“حسيبة الشربجي”1863-1962م- مدرسة للفن التراثي الدمشقي
عملت السيدة حسيبة طيلة حياتها على تثبيت فن الحبك الدقيق، في أذهان من يريد تعلم هذه الحرفة الدمشقية المتميزة، هي حسيبة بنت محمود الشربجي زوجة عبد الرحيم الحفار الطباع، دمشقية الأصل، امتهنت مهنة التطريز في سن مبكرة، لتكون من أوائل السيدات الدمشقيات اللاتي، عملن في تعليم فتيات المحلة والمناطق المجاورة فن تطريز “الصرمة” وهو عبارة عن رسومات وكتابات مختلفة، ترسم يدوياً، ثم تثبت على القماش، ليبدأ العمل المضني، بلف القصب على الحرف مع القماش ليصبح نافراً.
في ذلك الزقاق الضيق من جادة قصر حجاج، عاشت السيدة حسيبة، كانت كبنات جيلها لاتجيد القراءة والكتابة، إلا أنها استطاعت بذكائها، أن تنطق الشعر بالإضافة إلى إجادتها حرفة التطريز، بدأت في منزلها في محلة قصر الحجاج، زقاق المعازة، السيدة حسيبة رحلتها، فافتتحت ورشة تعليم صغيرة، ومالبث عدد الراغبات في التعلم بالازدياد، كانت عدتها قوالب للطباعة على القماش، محفور عليها ورود وأشكال هندسية متعددة، أو آيات من الذكر الحكيم، وهي الرسوم الشرعية التي يمكن التعامل به.
يقول حفيدها السيد محمد الحفار الطباع: قامت في عشرينيات القرن الماضي بين عامي( 1927- 1929م) بخياطة وتطريز ثوب الكعبة ونقله إلى الحجاز، حيث قدمته كهدية إلى الكعبة المشرفة، وهو ثوب ينوء عن حمله جوز من الجمال صنع من المخمل الحريري الطبيعي، واسعملت للتطريز بخيوط حرير ملفوف عليها خيط من الذهب. وكان عمرها حوالي ستين سنة، كذلك خاطت جدتي حسيبة، ستر مطرزة بخيوط الذهب والفضة، لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وعليه قابلت الملك عبد العزيز آل سعود في قصره هي وولدها حسن، الذي أثنى على العمل وقام بإهدائهم هدايا تذكارية قيمة. وفي طريق العودة، قابلت سلطان باشا الأطرش في مضافته لحل بعض الاشكالات بين المواطنين في تجارتهم بين دمشق والسويداء.
ليقول: كانت متكلمة وقارضة للشعر المحلي “زجل” وكانت تستخدم الأمثال في جلّ حديثها، ومن الأمثال التي حفظت منها المئات أو أكثر؛ مع انها كانت أميّة لا تعرف القراءة أو الكتابة، إلا أنها كانت تجتمع بمجالس كبار رجال العائلة والأقرباء وتقوم بحل مشاكلهم وكانت ذات نشاط اجتماعي منقطع النظير، وبعد وفاتها رثاها ولدها حسن بقصيدة قال فيها:
رواية شفوية كانت السيدة حسيبة تجلس لساعات طوال وهي ترسم بأناملها المتعبة آيا ت من الذكر الحكيم وأدعية و تعمل بشكل متقن في حبكها بخيوط القصب الفاخر على أنواع من القماش حسب الطلب، لترسلها فيما بعد إلى تاجر معين من آل الطرابيشي يتولى هو بيعها.
تعد بحق مثالاً يحتذى عن سيدات دمشق الطموحات اللاتي عملن جاهدات لتطوير حرفة التطريز اليدوي الذي شاع منذ أواخر الفترة العثمانية وإلى أواخر الستينيات، فلم يخل بيت دمشقي، أو جهاز عروس من قطعة أو قطعتين من تلك المطرزات التي تنوعت حسب استعمالاتها، من المناشف، ذات الرسوم الجميلة على أطرافها ، وانتهاءاً بأغطية الأسرة الحريرية المطرزة بالخيوط الفضية والذهبية، إلى البقج التي علقت اليوم كلوحات أثرية لتذكر بأصحابها، وغير ذلك كثير، كانت السيدة حسيبة واحدة من تلك السيدات اللاتي عملن بصمت، ولكن بروح إبداعية عالية، وردن فن دمشقي رائع للمدن السورية، داخل الوطن، ولكل متلمس لروح جمال هذا الفن الدمشقي الزاخر بالجمال خارج الوطن.
فاق حسن ماقدمت الحدود، ويمكن القول، بأن أعمالها باتت لوحات فنية تناقلتها الأجيال لدقة صنعها وبهاء النظر إليها، وكانت للملك سعود بن عبد العزيز، تضمنت أشياء كثيرة، قطعة منها آيات كريمة للكعبة المشرفة، والقسم الآخر رايات جميلة، وحسب الراوية، بات اسم السيدة حسيبة، على كل لسان، ونحن اليوم نذكر بها كفنانة موهوبة، عملت بصمت ولكن نتاجها الفني تكلم بالنيابة عنها، من خلال رؤية الجمال في عيون الناظرين للقطع الفنية التي قدمتها طوال سني عملها.
أفادت السيدة مها الأشقر، المقيمة في الولايات المتحدة اليوم، بأنها تعلمت التطريز في مدرسة اللورد على يد السيدة حسيبة، وما زالت تتذكرها، إلى يومنا هذا، لتقول مازلت أطرز بعض أشياء أتذكر معلمتي وأنا أشتغلها.
عاشت السيدة حسيبة في زقاق حجاج وكان بيتها بجوار منزل الشيخ أحمد الأزهري زوج السيدة صفية بنت الشيخ العلامة عبد المجيد الخاني، وماكتب منقول شفهياَ عن الأستاذة عفت زكريا، الصوفية الدمشقية، الباحثة في الطرق الصوفية.
عاشت السيدة حسيبة الشريجي الطباع، في زمن آخر، وثقافة مختلفة عن ثقافة الجيل الذي نعيش فيه، ولكنها كانت موجودة، من خلال البحث عن حياة مشرقة، لمن أبهجت عيون من نظروا إلى فنها.
من صفحة الشام حلوة فينا
تحقيق د. عزة

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.