ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، و‏‏‏‏‏أشخاص يجلسون‏، و‏أشخاص يعزفون على آلات موسيقية‏‏، و‏‏أشخاص يتناولون الطعام‏، و‏جيتار‏‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

شاعرة القصيدة

سعد القاسم
21 أيار 2019
جاءت مُعذّبَتي في غَيهبِ الغَسَقِ كَأنّها الكَوكَبُ الدريُ في الأُفُقِ
فَقُلتُ نَورتِني يا خَيرَ زائِرَةٍ أما خَشيتِ مِنَ الحُراسِ في الطُرُقِ
فَجاوَبتني ودَمعُ العَينِ يَسبِقُها مَن يَركبِ البَحرَ لا يأمن من الغَرَقِ
هذه الأبيات الثلاثة نظمها الشاعر والفيلسوف والطبيب والوزير الأندلسي لسان الدين بن الخطيب (1313- 1374م) ولقب بذي الوزارتين: الأدب والسيف، ونـُقِشت أشعاره على حوائط قصر الحمراء بغرناطة، وترك نحو ستين كتاباً في الأدب والتاريخ والجغرافيا والرحلات والشريعة والأخلاق والسياسة والطب والبيزرة (علم الطيور الجارحة والأرجح أنه اشتقاق من اسم الباز أو البازي أشهر صقور الصيد وأمهرها) والموسيقا والنبات والفلسفة، وقد أُحرق الكثير منها خلال النزاعات بين حكّام الأندلس، كما أن ابن الخطيب نفسه كان ضحية لتلك النزاعات والمؤامرات فُقتل خنقاً في سجنه من قبل أعدائه وحاسديه قبل أن يدفع عن نفسه التهم التي كان سيحاكم على أساسها.
هذه الأبيات سمعناها بصوت فيروز في واحدة من أجمل أغاني (الأندلسيات) بعد إلغاء البيت الرابع منها (قَبلتُها قَبلتني وهي قَائِلةٌ قَبّلتَ خَدي فلا تَبخَل على عُنُقي)، جرياً على عادة الرحابنة في تجنب الوصف الحسّي، وإبدال كلمة لا يأمن بكلمة لا يخشى لضرورة اللحن، وإذا كان اسم صاحب هذه الأبيات معروفاً (وخاصة بالنسبة للمهتمين بالشعر العربي)، فإن قلائل ربما يعلمون أن الصوت الرخيم الذي يتلو الأبيات في مطلع الأغنية هو صوت عاصي الرحباني، وربما أن قلائل أيضاً يعرفون أن هذه الأغنية ليست من ألحان الرحابنة – كما يرد في كثير من المواقع الالكترونية – وإنما من إبداع الملحن السوري الكبير محمد محسن، وإحدى أربع أغانٍ من الشعر العربي التقليدي لحنها لها إلى جانب سيد الهوى (كلمات الأخوين رحباني)، لو تعلمين (جميل بثينة) أحب من الأسماء (قيس بن الملوح)، و ولي فؤاد، وقد اختار لها الرحابنة توليفة من أبيات منتقاة من قصائد رائعة، فالبيتان الأوليان:
ولي فؤادٌ إذا طال العذابُ بهِ هامَ اشتياقاً إلى لُقِيا مُعذِّبهِ
يفديك بالنفس صبٌ لو يكون لهُ أعزُّ من نفسهِ شيءٌ فداكَ بهِ
هما من قصيدة للشاعر الوأوأ الدمشقي
والبيتان التاليان
وكنتَ وعدتني يا قلبُ أنّي إذا ما تُبْتُ عن ليلى تتوبُ
فها أنا تائبٌ عن حُبِّ ليلى فمالكَ كلّما ذُكرَت تذوبُ
تنسبهما بعض المصادر إلى الشاعر والموسيقي السوري ميخائيل بن خليل خيرالله ويردي، وتنسبها مصادر غيرها إلى قيس بن الملوح.
أما البيتان الأخيران
نبكي على الدُنيا وما من معشرٍ جمعتهمُ الدُنيا فلم يتفرّقوا
وعَذلتُ أهلَ العشق حتّى ذُقْتُهُ فعجبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ
فهما من نوادر شعر الغزل التي نظمها المتنبي
كل ما سبق، وسواه، جزءٌ يسيرُ مما تقدمه هيام حموي في برنامجها الإذاعي (شاعرة الصوت.. فيروز القصيدة) الذي يذاع منذ مطلع شهر رمضان الكريم، فهذا البرنامج الصباحي الذي يجذب عشاق فيروز والرحابنة، وعشاق الشعر العربي بآن معاً، يقدم في نصف ساعة وفيرة المتعة جولة وافية مع القصائد والأشعار التي غنتها فيروز لكبار شعراء العربية، قديمهم وحديثهم، تتضمن الأغاني والذكريات والحكايات والآراء النقدية، والمعلومات الثرية، وأحياناً النادرة، عن الأشعار والشعراء الذين غنت لهم فيروز ضمن المشروع الرحباني، وإذ أقول المشروع الرحباني فلأنه لم يقتصر على ألحان الرحابنة وحدهم، وإنما شارك فيه ملحنون مجيدون آخرون، مثل محمد محسن – كما سبق – وزكي ناصيف، وفيلمون وهبي، ونجيب حنكش الذي لحن (أعطني الناي وغني) رغم أن حنكش لم يكن ملحناً، ولا عارفاً بكتابة النوطة الموسيقية، لكنه صاحب إحساس لحني عميق أدركه عاصي فطلب منه تلحين قصيدة جبران الساحرة ونجح كلاهما في الرهان. وطال المشروع الرحباني عمالقة التلحين خارج لبنان وسورية أيضاً، وفي المقدمة محمد عبد الوهاب.
في إعداد برنامجها البهي، المترف بالمتعة والمعرفة، اعتمدت هيام أرشيفاً ثرياً من النصوص المنشورة، والمذكرات الشخصية، واللقاءات الإذاعية، والتسجيلات الغزيرة الشهيرة، والمغمورة، والنادرة، مما لا تستطيع توفيره إلا إعلامية قديرة ومثقفة ومثابرة، وعاشقة للكلمة واللحن، وعارفة – إلى حد أن تكون مرجعاً – بالتجربة الرحبانية وعاشقة لها. وقد استطاعت بفضل ما سبق، وبفضل خبرتها وكفاءتها وحُسن انتقائها أن تصوغ حلقات متكاملة وغير متماثلة، تعطي صورة وافية عن أكثر التجارب الفنية العربية ثراءً إبداعياً وثقافياً شعرياً، يتداخل فيها الشعر واللحن والأداء بسحر يصعب وصفه. وقد خصصت حلقات بأكملها لأسماء مبدعة من الشعر الجاهلي والأموي والأندلسي والعباسي والمهجري، ممن صادقهم الرحبانيان وفيروز حين تعرفوا بعمق على روائعهم فانتقوا بحسهم الشعري الرفيع بعضها وأعادوا إحياءها في زمننا. وفي زمننا ربطتهم صداقة واقعية مع كبار الشعراء في سورية ولبنان فلحنوا أشعار بدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني وسعيد عقل..
وما انتهى الكلام.. بهذه العبارة تختم هيام حموي كل حلقة من برنامجها الرائع..
وهي عبارة تصح عند الحديث عنه..
http://thawra.sy/in…/saad_elkasem/176326-2019-05-20-23-16-05

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، و‏‏‏‏‏أشخاص يجلسون‏، و‏أشخاص يعزفون على آلات موسيقية‏‏، و‏‏أشخاص يتناولون الطعام‏، و‏جيتار‏‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏
  • لينا كنامة اتابعها للمرة الثانية وأخبرتها أن برنامجها هذا هو توثيق مختصر مفيد ل فيروز القصيدة
    والشعر في اللحن الرحباني وغيرهم
    شكراً لك
  • Nouha Bachour هالاشعار .سبق وألقاهن الرحابنة بشكل شعري فقط بحفلات قديمة للسيدة فيروز .بصوت الكبير عاصي وأحيانا بصوت هدى (أخت فيروز)… وبعدين ب عمل:مش كاين هيك تكون) اللي هوي من أعمال زياد الرحباني ..نزلت فيروز ضمنه اعمال الملحن محمد محسن اللي ذكرتا حضرتك ..والتوليفة الشعرية اللي ذكرتا جمعتا بأغنية واحدة ..وانتقت هالاشعار تحديدا ايمانا منها بذوق عاصي اللي سبق واختارا ل تلقى شعرا فقط بحفلات سابقة متل ماذكرت ..
    شكرا لإضاءتك أستاذ .وشكر كبير للاعلامية المبدعة اللي منفتخر فيها هيام حموي…??

    Saad Alkassemتم الرد بواسطة Saad Alkassem
  • Izzat Malas شكرا على هذه الإضاءة.. فعلا .. كثيرون يعتقدون أنها ألحان الرحباني.
    الملحن المرحوم محمد محسن من عائلة الناشف الدمشقية العريقة ( من قصر حجاج ) و شقيقه فنان تشكيلي قدم الكثير و بكر في الرحيل كما أن أخاه مرب جليل خرج أجيالاً من المتفوقين..

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.