ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏جلوس‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

ملكة أبيض..

سعد القاسم
02 تموز/يوليو 2019

أحزنني خبر رحيل السيدة ملكة أبيض رغم أني لم ألتقِ بها سوى مرتين، الأولى خلال الأسبوع الثقافي السوري في العاصمة اليمنية صنعاء ربيع عام 2005، والثانية خلال محاضرة عن الصديق الراحل د. حيدر يازجي خريف عام 2014، وكانت هاتان المناسبتان العابرتان كافيتين لغرس الاحترام والتقدير الكبيرين، تجاه سيدة سورية تملك سيرتها الشخصية كل أسباب الاحترام والتقدير.
في اليمن لم يكن يصعب على أحد اكتشاف المكانة الرفيعة التي تمتلكها عند المثقفين اليمنيين، والنساء خاصة، فعندما وصلت اليمن كانت السيدة الوحيدة التي تحمل شهادة جامعية، وعندما غادرتها بعد خمس عشرة سنة كانت هناك خمسون سيدة يمنية تحمل شهادات جامعية، بفضل تأسيسها مناهج التعليم هناك، وفي جامعة صنعاء تحديداً.
وفي محاضرة دمشق لم يكن ممكناً تجاهل الوفاء الذي تكنه لرفيق دربها الكبير سليمان العيسى، فقد لبت دعوة الدكتورة سلوى عبد الله لمحاضرة عن الفنان يازجي، وقد كانت تربطه بالشاعر الكبير صداقة عميقة، توجت بلوحة جميلة عن الشاعر، وبقصيدة شكر للفنان، كانت هذه الواقعة مدخل حديث السيدة أبيض حين دُعيت لسرد ذكرياتها مع اللوحة، فلم تتوقف عندها، وإنما عمقت حديث المحاضرة عن العمل الجوهري لسليمان العيسى في تخليص المناهج الدراسية من تعبيرات تزيف صورة الغزاة وحقيقتهم، وعن دوره الاستثنائي في إيصال الشعر إلى الأطفال، وتحبيبهم به، وبالتالي إيصال لغتهم إليهم وتحبيبهم بها.
لم تكن ملكة أبيض (تتحسس) من تعريفها بزوجة الشاعر سليمان العيسى، حتى بعد رحيله، وهي التي تملك من الأهمية الثقافية والعلمية، ما لا يمكن الانتقاص منه، ولا هي كانت تنتقص من قيمة ما عملت وأعطت، لكنه الوفاء والسمو والترفع عن المشاعر الصغيرة، وربما أيضاً – ودون إعلان – المعرفة الواثقة بأهمية وجودها في حياة الشاعر والذي يتخطى دورها كزوجة محبة مخلصة، فحسب، ليكون دور المثقفة القادرة على (تقييم) إبداعه، ويذكر الدكتور فايز الصايغ أنه يوم قامت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون -وكان مديراً عاماً لها- بتكريم الشاعر سليمان العيسى وصف السيدة ملكة بأنها أهم نقاده.
في نعي وزارة الثقافة لها إنصاف لا يقلل من قيمة سليمان العيسى ولكنه يعيد وضع الراحلة في مكانتها التي تستحقها، في مكانتها الحقيقية، فبعد سرد موجز لسيرة حياتها الثقافية والعلمية، يدرج النعي عناوين كتبها التي بلغت سبعة عشر مؤلفاً ومترجماً في الشعر والقصة والتربية وعلم الاجتماع وعلم النفس، وبعد ذلك ينتهي إلى ذكر أن الراحلة هي زوجة الشاعر الكبير سليمان العيسى.
تحت عنوان (سيدات خالدات) كتب الدكتور عاصم قبطان على صفحته في (الفيسبوك): توفيت اليوم في كندا السيدة ملكة ابيض… نعت الصحف الكندية السيدة السورية، كثيرون لم يسمعوا بها، من باب الوفاء أكتب عنها: ابنة مدينة حلب، ولدت عام 1922، نشأت في بيت ثقافي، والدها منفتح الذهن يتقن عدة لغات، كانت واحدة من بين تسع بنات، شكلت مكتبة والدها بذور الوعي لديها، تعرضت أسرتها لضغوط اجتماعية واقتصادية لمنعها من إتمام تعليمها لكن تفوقها وحصولها على منحة مجانية لدراسة الثانوية شجع والدها على التمسك بقرار إكمال دراستها، شاركت بكل المظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي، ما جعل إدارة المدرسة تحجب عنها المنحة المجانية، فاضطرت للعمل هي وشقيقاتها في التطريز والخياطة والدروس الخصوصية لتأمين نفقات دراستها، حصلت على البكالوريا بتفوق، بعد البكالوريا أوفدت في بعثة لبلجيكا، درست اختصاصين بنفس الوقت: التدبير المنزلي، والعلوم التربوية والنفسية.
في فترة الثورة الجزائرية قدم لحلب الشاعر الجزائري مالك حداد وكان قطباً من أقطاب الثورة الجزائرية جاء لحشد الدعم للثورة، كان يتكلم الفرنسية ولا يجيد العربية، فبدأت بترجمة الكتب التي أحضرها من الفرنسية للعربية، حصلت على منحة للماجستير من الجامعة الأميركية في بيروت، ودرست عشر سنوات حتى حصلت عليها بسبب أن الدراسة مختلفة عن مناهجنا، بعدها حصلت على الدكتوراه من جامعة ليون في فرنسا، عادت لسورية وبدأت بترجمة كتب كثيرة متعلقة بعلم النفس التربوي من الإنكليزية والفرنسية وقدمتها لجامعة دمشق.
إضافة للترجمة والتأليف والتدريس، كانت رئيسة تحرير المجلة العربية لبحوث التعليم العالي، وكانت تعمل 14 ساعة يومياً لتستطيع تأسيس منظومة تعليم منهجي تربوي في سورية، سافرت لليمن وبقيت 15 عاماً فقامت بتأسيس مناهج التعليم في اليمن، في جامعة صنعاء تحديداً، حيث كانت السيدة الوحيدة، وعندما تركت اليمن كانت هناك خمسون سيدة يمنية أكاديمية، أهدت مكتبتها بكاملها لمكتبة الأسد بدمشق.
آخر كلماتها كانت: المعركة الثقافية موازية للعسكرية والسياسية .. رغم بلوغي 90 عاماً ما زلت أسعى لخدمة وطني، يجب أن يكون كل السوريين واعين لمشكلات سورية ويعملوا على حلها، أي جهد يبذله السوري من شأنه تحقيق الانتصار في المعركة.
وقبل أن يختم الدكتور قبطان نصه يشير – كما نعي وزارة الثقافة – إلى أن الراحلة ملكة أبيض هي زوجة الشاعر الكبير المرحوم سليمان العيسى، ثم يختم بالقول: لن أستطيع مهما كتبت أن أوفي حق هذه العظيمة.
لذكراك الخلود..
وأكرر معه: لن نستطيع مهما كتبنا أن نوفي حق هذه العظيمة..
لذكراك الخلود..
http://thawra.sy/in…/saad_elkasem/182600-2019-07-01-23-08-11

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏جلوس‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏
التعليقات
  • Nouha Bachour اسم وشخصية كبيرة ..
  • Nelly Merjaneh كل الرحمة لها وننتظر أن تبادر وزارة التربية لغرس هذه النماذج في عقول أبنائنا ..حتما هي نموذج يحتذى به بهذه الابعاد التي كنا نجهلها ..وشكرا لكم لتعريفزا بها .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.