020

023

أرشفة وتصوير : فريد ظفور

مسرح الدمى تاريخ من الحكايا والتراث الشعبي بين ذكريات الموروث الشعبي “خيال الظل” ومسيرة “مسرح الدمى” وما واكب هذا الفن المسرحي من تطورات تستنهض “الهيئة العربية للمسرح” ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية ذكريات مسرح الدمى حيث تجمع صناع هذا الفن المسرحي و”مخايليه” وأدواته من مختلف أرجاء الوطن العربي . في ذات المكان وبتلك الزاوية بين معالم الشارقة القديمة يطلق الحكواتي بغدادي عون بصوت لم يهده تعب السنين نداءه الذي يجمع حشود بشرية يروي لها حكاية “القدس” بينما تحرك يديه أعمدة اسطوانية اعتلت طرفي “صندوق العجب” الذي يشكل أحد معالم التراث العربي . وبينما ينشغل سيل بشري تنوع بين الكبار والصغار بالنظر إلى فتحات دائرية اصطفت على واجهة الصندوق تعرض فيها صور ورسوم توضيحية لحكاية البغدادي يتجمهر حشد آخر من الأطفال حول طاولة خشبية تحمل قطعاً قماشية وأدوات مطبخية وعناصر مختلفة يشكلون من خلالها دميتهم المفضلة . شخوص مسرحية مختلفة ترامت على تلك المنضدة الخشبية وتدلت معظمها على الجدران شكلها الأطفال بمساعدة صانع الدمى المسرحية عبد السلام عبده ليجسدوا فيها حكاياهم وشخوصهم وتحلل من خلالها الاختصاصية النفسية حكمت القواسمي التي تساعدهم على تشكيل شخوصهم مكنونات داخلية ترجمتها تلك الدمية . في أيام الشارقة التراثية منظومة ثقافية متكاملة لمسرح الدمى بوجود كركوز وعواض وصندوق العجب وورش خصصت لصناعة الدمى وتجسيد شخوصها في أعمال مسرحية . ووفقاً لأصحاب الاختصاص يؤكد تقرير “مركز الشارقة الإعلامي” أهمية ذلك المسرح في البناء النفسي والوجداني داعياً إلى ضرورة إعادة الاعتبار لهذا الفن الذي يهدده شبح الانقراض . وأشاد التقرير بجهود الهيئة العربية للمسرح وأيام الشارقة التراثية لتخصيص فعاليات تتعلق به بما فيها ورش عمل وتوفير كافة أدواتها وإتاحة الفرصة لتبادل الخبرات ونقلها إلى الزوار . يجد غنام غنام مسؤول النشر والإعلام في الهيئة العربية للمسرح أهمية إحياء مسرح الدمى لتفعيل المشهد كونه موروثاً شعبياً يحمل ذاكرة المسرح العربي والعالمي . ويقول إن فكرة إعادة إحياء هذا الفن انبثقت من الهيئة العربية للمسرح في ضوء شبح الانقراض الذي يهدده لافتاً إلى أن الهيئة تعمل ضمن خطط وبرامج مدروسة على إعادة الاعتبار به ضمن خريطة الفنون الأدائية والحفاظ عليه وتوريثه بين الأجيال . ويؤكد صانع الدمى المسرحية الفلسطيني عبد السلام عبده أهمية هذه المهنة التي تقل أعداد أصحابها مشيراً إلى مساعي ممتهني الدمى المسرحية في نشر ثقافة هذا الفن لا سيما في المناطق التي تفتقر له وبناء نواة لهذا الفن العريق . يقول الأسعد المحواشي عضو المركز الوطني لفن العرائس بتونس أن هناك مساعي كثيرة لإعادة ربط الصلة مع التقاليد التونسية في مجال الدمى والعرائس لكي يستقطب الجماهير العريضة من الصغار وحتى الكبار . ويقول إن فن الدمى شامل فيه الممثل ومحرك الدمى “المخايل” مشيراً إلى انه عندما تنتهي إمكانات الممثل بتقديم عروض خارج قدراته تدخل الدمية أو ما يطلق عليها ب”العروسة” لتؤدي العروض المسرحية . يجد القائمون على صناعة الدمى المسرحية أن التحديات التي تواجه هذه الصناعة تعتبر واهية من الممكن التغلب عليها في ضوء إصرارهم على ترسيخ هذا النوع من الفنون وجهود الهيئة العربية للمسرح في إعادة إحيائه لافتين إلى أن جمهور مسرح الدمى قائم وكبير . ويؤكد “العرائسيون” استعدادهم نشر كامل خبراتهم للحفاظ على مهنتهم من الضياع لافتين إلى فقدان بعض النصوص المسرحية القديمة بسبب احتكار أصحاب المهنة سابقاً . في قهوة منى في القدس كان الحكواتي هو السلوى الرئيسة للناس في أوقات فراغهم يأتونها لسماع روايات تتكرر على مسامعهم لكنهم لا يكلون أو يملون ويتفاعلون معها بذات الحماسة المفاجأة في كل مرة . يجد بغدادي عون أن الحكواتي الذي يؤرخ للعديد من الأحداث السياسية بأبعاده الثقافية أخذ حظه في فترة الستينات عندما انشغل المجتمع العربي في البحث عن ثقافة بديلة لمناصرة اللغة العربية والقضية الفلسطينية . “شوف تفرج آه يا سلام، شوف أحوالك بالتمام . .” ينادي الحكواتي الأطفال الى روايات صندوق مزركش برسومات ملونة فيه فتحات دائرية مغطاة بزجاجة مكبرة تتيح النظر من خلالها إلى داخل الصندوق الذي يتواجد به بكرة على كل طرف مثبت عليها لفة ورق عليها صور تجسد فيلم الكاميرا التقليدية لتظهر الصور صورة بعد الأخرى أمام الناظرين . يتحدث الفلسطيني أحمد أبو سلعوم عن وجدانية صندوق العجب الذي تتولد بينه وبين الأطفال ليبقى عالقاً في أذهانهم وروحانياتهم لافتاً الى دوره في إطلاق خيالاتهم وتفعيل إحساسهم بالقصة أو المعلومات التي يرويها حكواتي الصندوق . تؤكد الاختصاصية النفسية حكمت القواسمي أهمية مسرح الدمى في التفريغ النفسي معللة ذلك بأن الدمية تولد الإيجابية لدى صانعها كونها تعبر عن مكنونات داخلية للطفل والصانع والمتلقي . وتجد القواسمي التي تدرس الدكتوراه في العلاج بالدمى العديد من الحالات التي تعالج وتتم دراسة ظروفهم النفسية من خلال الصورة التي تظهر بها الدمية التي يعملون على صناعتها .  

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.