أثارت جلسات مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة، الذي عقد على مدار يومي 26 و27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري في المجمّع الثقافي، تحت شعار “كلمة إلى العالم”، نقاشات واسعة حول آفاق الترجمة وإشكالاتها، خاصة في الشأن المتعلق بنقل المنجز الفكري والثقافي والأدبي من اللغة العربية، للآخر عبر لغات عدة، وهو مشروع خلاق تقوده الإمارات أخيراً.

وعلى هامش المؤتمر، ينقل 24 أبرز رؤى المفكرين والمعنيين بالفكر والأدب حول الترجمة وجهود مشروع “كلمة”، الذي انطلق من أبوظبي إلى العالم.

قال أستاذ الأدب العربي في جامعة السوربون، فريدريك لاغرانج: “العالم العربي قد يعول على الترجمة لدحض الصور النمطية عنه في العالم الغربي، خاصة عبر الرواية التي تعطي الصورة الإنسانية الحقيقية عن العالم العربي والإسلامي، ومن المهم التنبه إلى وجود نقص فضيع في الترجمة من الإنتاج العربي في العلوم الإنسانية إلى اللغات الأجنبية”.

وأضاف: “هناك دراسات عربية قيمة، مهمشة ومتجاهلة من قبل الجامعيين الغربيين، ودور النشر التجارية تميل لترجمة الرواية، بعيداً عن مجالات أخرى مهمة كما ذكرت، ونحن بحاجة إلى نقل هذا المنجز العربي بأوجهه المختلفة إلى القارئ الغربي”.

صورة خلاقة للإبداع

وقال رئيس هيئة أبوظبي للغة العربية د. علي بن تميم: “أهمية هذا المؤتمر أنه يجمع نخبة خبراء من مترجمين ومؤلفين، لتحفيز حركة الترجمة من العربية والعكس، ويأتي هذا النقاش المستمر لرفد حركة الترجمة والانطباعات الحية حول العالم العربي للآخر”.

وأضاف: “ينبغي علينا التوقف ملياً أمام الإثني عشر عاماً الماضية في مشروع كلمة وما جرى ويجري فيه، وهو بالطبع حقق إنجازات كبيرة جداً، لكننا يجب أن نراجع هذا الإرث والاحتفاء بالكتاب ونبين الآفاق التي يمكن أن يخوضها المشروع في المستقبل القريب ينبغي أيضاً أن نفكر ملياً ونحن بصدد تأسيس هيئة جديدة وهي هيئة اللغة العربية، أن تعقد الصلة بين الثقافة والتكنولوجيا والترجمة والتكنولوجيا في الوقت ذاته، حتي نصل لأهدافنا بأسرع ما يمكن، مشروع كلمة عقد أكثر من اتفاقية مع 12 مؤسسة دولية واستطاع أن يقيم علاقات مع أكثر من 500 مترجم، ونوجه التحية لجميع المترجمين الجدد وسنقوم بدعمهم ودفعهم لتطوير مهاراتهم ونسعى لأن يستكمل هذا المؤتمر ورشه التطبيقية وأهدافه”.

وقال بن تميم: “مشروع كلمة سيواصل جهوده في هذا السياق بدعم منقطع النظير من راعي هذا المشروع الثقافي ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وسنعمل على قوائم لاختيار الأعمال التي تترجم من العربية للغات أخرى بما ينقل صورة إيجابية وخلافة للإبداع العربي”.

محتوى ضئيل.. دور المؤسسة غير الربحية

وأشار المؤلف والكاتب الألماني، ديفيد فاغنر إلى أن “هناك نسبة بسيطة جداً من الكتاب العربي مترجمة للقارئ الغربي، ولا يوجد أبداً ما يمكن قول أنه يكفي من الترجمة في هذا النقاط تحديداً، نحتاج في أوروبا لقراءة العالم العربي، وهذا ما أتمناه”.

وقال الناقد والأديب السعودي، د. سعد البازعي: “ما يترجم من الإنغليزية للغات الأخرى يبلغ 40 % بإحصائية عام 2014، لكن ما يترجم من العربية والصينية، إلى لغات أخرى، لا يتجاوز أقل من 1%، ومسؤولية هذا تقع بالدرجة الأولى على أهل هذه اللغات، وعليهم نقل وتوصيل منجزهم للعالم، ليس في الكتاب فقط، بل محتوى الإنترنت، خاصة في الجانب العربي، المحتوى ضئيل جداً قياساً بالإسبانية والفرنسية وغيرها”.

وأضاف: “هناك دور ضروري للمؤسسات غير الربحية لدعم الترجمة، بين المؤسسة الوطنية العربية ودور النشر العالمية الغربية، لتحمل تكاليف النشر ودعم الكتاب العربي”.

عالم مجهول
وقال الإعلامي والباحث، د.سهير الزبيدي: “مشروع كلمة يترجم 100 كتاب سنوياً، من اللغات الأخرى، والآن حان وقت الترجمة العكسية، وتقود إمارة أبوظبي مشروعاً ثقافياً ثميناً لنقل وترجمة الأدب والثقافة العربية للغات أخرى”.

وأضاف: “هناك خطط حثيثة لدعم صناعة الترجمة، والإمارات تسعى جاهدة في هذا الإطار، ونحن خلال المؤتمر نناقش أمراً في غاية الأهمية، وحتمية نشاط أكبر للترجمة، عبر مشروع “كلمة”، ولازالت الإمارات بصدد تقديم المزيد”.

وقالت الناشرة ورئيسة التحرير في مجلة “بانيبال” مارغريت أوبنك: “وجدت صعوبة على الدوام لوجود العالم العربي عبر ترجمة محتواه، وسعيت مع زملاء لنقل الأدب العربي للغرب، مع التركيز على وضع مصادر للراغبين بالبحث عن المزيد، وفوجئت بالعديد من كبار الكتاب والنقاد باهتمامهم بهذا الأمر الذي تمثل بمجلة ثقافية تنقل المشهد الأدبي والفكري العربي باللغة الإنغليزية، مؤكدين على أن هناك عالم كامل لازال مجهولاً بشأن العرب، سواء عبر النص أو الصورة”.

قلوب الصحراء
وقال الروائي والإعلامي، علي أبو الريش: “الآن الإمارات تقود مرحلة تنويرية مضاءة بقلوب اللذين عاشوا في هذه الصحراء على تلقائيتها وعفويتها، نحو آفاق العالم، والترجمة هي مضيق يعبر بك للمحيط، نحن بحاجة لترجمتنا للعالم الآخر، الذي لم يعرفنا حقاً حتى الآن، ونحمل مئؤولية ترجمة أعمالنا الفكرية والأدبية لإبراز صورة الإنسان العربي”.

وأشار المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب بالإنابة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، عبدالله ماجد آل علي، إلى الدور الكبير الذي لعبه مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة على مدار سنواته الماضية في ترسيخ دور مشروع “كلمة” للترجمة كداعم محوري في نقل المعرفة من حول العالم إلى القارئ العربي بمختلف اهتماماته.

وأضاف قائلاً: “نحتفي بتحقيق مشروع (كلمة) إنجازاً آخر يتمثل في إضافة 5 لغات عالمية جديدة إلى قائمة ترجماته وهي: الكورية، الأوكرانية، الفنلندية، البولندية، والهندية، ليصبح إجمالي اللغات 18 لغة عالمية، رغم أنه واجهتنا الكثير من التحديات في مشروع (كلمة) للترجمة تتعلق بفنيات الترجمة إلى اللغة العربية، إلا أن مؤتمرنا اليوم يأتي كمنصة لتبادل آفاق الترجمة وإشكالاتها عبر التفكير المشترك والحوار الفعال والتلاقي والتشاور، بما يتماشى مع رؤية دولة الإمارات في التسامح والانفتاح على الآخر من خلال ثقافته وحضارته”.