سميرة موسى.. حلم أول عالمة ذرة عربية قُتل في المهد

سميرة موسى

سميرة موسى
SameeraMoussa.jpg

معلومات شخصية
الميلاد 3 مارس 1917  تعديل قيمة خاصية (P569) في ويكي بيانات
محافظة الغربية  تعديل قيمة خاصية (P19) في ويكي بيانات
الوفاة 5 أغسطس 1952 (35 سنة)  تعديل قيمة خاصية (P570) في ويكي بيانات
كاليفورنيا  تعديل قيمة خاصية (P20) في ويكي بيانات
سبب الوفاة حادث مرور
  تعديل قيمة خاصية (P509) في ويكي بيانات
مواطنة
Flag of Egypt.svg

مصر  تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات

الحياة العملية
المدرسة الأم جامعة القاهرة (1935–1939)  تعديل قيمة خاصية (P69) في ويكي بيانات
تخصص أكاديمي علوم طبيعية، ‏علم الأشعة و اضمحلال نشاط إشعاعي  تعديل قيمة خاصية (P69) في ويكي بيانات
شهادة جامعية بكالوريوس العلوم و دكتوراه في الفلسفة  تعديل قيمة خاصية (P69) في ويكي بيانات
المهنة عالمة نووية
،  وأستاذة مساعدة،  وعالمة فيزياء طبية،  وفيزيائية  تعديل قيمة خاصية (P106) في ويكي بيانات
اللغة الأم العربية  تعديل قيمة خاصية (P103) في ويكي بيانات
اللغات العربية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات
مجال العمل فيزياء نووية،  وفيزياء طبية  تعديل قيمة خاصية (P101) في ويكي بيانات
موظفة في جامعة القاهرة  تعديل قيمة خاصية (P108) في ويكي بيانات

سميرة موسى (3 مارس 19175 أغسطس 1952) ولدت في قرية سنبو الكبرى مركز زفتى بـمحافظة الغربية، وهي أول عالمة ذرة مصرية، وأول معيدة في كلية العلوم بـجامعة فؤاد الأول؛ جامعة القاهرة حاليا.

النشأة

ولدت سميرة موسى في 3 مارس 1917 بقرية سنبو الكبرى، مركز زفتى، محافظة الغربية، مصر. كان والدها يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته، فكان منزله بمثابة مجلس يلتقي فيه أهل القرية ليناقشوا كافة الأمور السياسية والاجتماعية. وقد كان لها من الشقيقات واحدة، ومن الأشقاء اثنان. التحقت سميرة موسى بمدرسة “سنبو” الأولىة، وحفظت أجزاء من القرأن، وكانت مهتمة بقراءة الصحف. انتقل والدها مع ابنته إلى القاهرة من أجل تعليمها، واشتري ببعض أمواله فندقا في حي الحسين حتى يستثمر أمواله في الحياة القاهرية. التحقت سميرة بمدرسة قصر الشوق الابتدائية ثم بمدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة، والتي قامت على تأسيسها وإدارتها نبوية موسى الناشطة النسائية السياسية المعروفة.

الدراسة

حصلت سميرة على الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، حيث كانت الأولى على الشهادة التوجيهية عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا في ذلك الوقت، إذ لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل، حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، وهي أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.

كان لتفوقها المستمر أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يخرج منها الأول، مما دفع ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يوما أن سميرة تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر فيها معمل. يذكر عن نبوغها أنها قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزعته بالمجان على زميلاتها عام 1933.

المشوار الجامعي

اختارت سميرة موسى كلية العلوم جامعة القاهرة، على الرغم من أن مجموعها كان يؤهلها لدخول كلية الهندسة حينما كانت أمنية أي فتاة في ذلك الوقت هي الالتحاق بـكلية الآداب، وهناك لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مصطفى مشرفة، وهو أول مصري يتولي عمادة كلية العلوم. تأثرت به تأثرا مباشرا؛ ليس فقط من الناحية العلمية بل أيضا بالجوانب الاجتماعية في شخصيته.

المؤهلات

حصلت سميرة موسى على بكالوريوس العلوم، وكانت الأولى على دفعتها، فعُينت معيدة بكلية العلوم، وذلك بفضل جهود د/مصطفي مشرفة الذي دافع عن تعيينها بشدة، وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب (الإنجليز).

اهتماماتها النووية

معادلة هامة توصلت اليها

د/سميرة موسى.

أنجزت الرسالة في عام وخمسة أشهر، وقضت السنة الثانية في أبحاث متصلة توصلت من خلالها إلى معادلة هامة (لم تلق قبولا في العالم الغربي آنذاك) تُمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع، ولكن لم تدون الكتب العلمية العربية الأبحاث التي توصلت إليها د/سميرة موسى.

اهتماماتها السياسية

كانت تأمل أن يكون لمصر وللوطن العربي مكان وسط هذا التقدم العلمي الكبير، حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، لأن أي دولة تتبني فكرة السلام لابد وأن تتحدث من موقف قوة. فقد عاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945، ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة.

قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948. كما حرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة، فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي. كما نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم، وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.

اهتماماتها الذرية في المجال الطبي

كانت تأمل أن تسخر الذرة لخير الإنسان، وتقتحم مجال العلاج الطبي، حيث كانت تقول:

«أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين

كما كانت عضوا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة، وعلى رأسها “لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية” التي شكلتها وزارة الصحة المصرية.

هواياتها الشخصية

كانت د/سميرة مولعة بالقراءة، وحرصت على تكوين مكتبة كبيرة تضم كتبا متنوعة منها: الأدب، والتاريخ، وكتب السير الذاتية. وقد تم التبرع بها إلى المركز القومي للبحوث. كما أجادت استخدام النوتة، والموسيقى، وفن العزف على العود، بالإضافة إلى تنمية موهبتها الأخري في فن التصوير بتخصيص جزء من بيتها للتحميض والطبع. وكانت تحب التريكو والحياكة، وتقوم بتصميم ملابسها وحياكتها بنفسها.

نشاطاتها الاجتماعية والإنسانية

  • شاركت د/سميرة في جميع الأنشطة الحيوية حينما كانت طالبة بكلية العلوم، حيث انضمت إلى ثورة الطلاب في نوفمبر عام 1932، والتي قامت احتجاجا على تصريحات اللورد البريطاني “صمويل”.
  • شاركت في مشروع القرش لإقامة مصنع محلي للطرابيش وكان علي مصطفى مشرفة من المشرفين على هذا المشروع.
  • شاركت في جمعية الطلبة للثقافة العامة والتي هدفت إلى محو الأمية في الريف المصري.
  • شاركت في جماعة النهضة الاجتماعية والتي هدفت إلى تجميع التبرعات لمساعدة الأسر الفقيرة.
  • كما أنضمت أيضا إلى جماعة إنقاذ الطفولة المشردة، وإنقاذ الأسر الفقيرة.

مؤلفاتها

تأثرت د/سميرة بإسهامات المسلمين الأوائل، وبأستاذها علي مصطفى مشرفة. وقد كتبت مقالة حول دور محمد بن موسى الخوارزمي في إنشاء علوم الجبر. ولها أيضا عدة مقالات تتناول بصورة مبسطة الطاقة الذرية، وأثرها، وطرق الوقاية منها، وتشرح تاريخ الذرة وتكوينها، والانشطار النووي وآثاره المدمرة، وخصائص الأشعة وتأثيرها البيولوجي.

سفرها للخارج

سافرت سميرة موسى إلى بريطانيا ثم إلى الولايات المتحدة للدراسة في جامعة أوكردج بولاية تنيسي الأمريكية. ولم تنبهر ببريقها أو تنخدع بمغرياتها، ففي خطاب إلى والدها قالت:

«ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، يبدو أن كل شيء ارتجاليا. فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب، كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئاً على الإطلاق فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب.»

مصرعها

استجابت الدكتورة سميرة إلى دعوة للسفر إلى الولايات المتحدة في عام 1952، حيث أُتيحت لها الفرصة لإجراء أبحاث في معامل جامعة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية، وتلقت عروضا للبقاء هناك لكنها رفضت. وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 5 أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة، لتصطدم بسيارتها بقوة، وتلقي بها في واد عميق. وقد تمكن سائق السيارة – زميلها الهندي الذي كان يحضر الدكتوراه – من النجاة، حيث قفز من السيارة، واختفي إلى الأبد.

بداية الشك في حقيقة مصرعها

أوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا، وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها. وقد كانت سميرة موسى تقول لوالدها في رسائلها:

«لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أصنع أشياء كثيرة.»

وعلق محمد الزيات مستشار مصر الثقافي في واشنطن وقتها أن كلمة “أشياء كثيرة” كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات، ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكلفة. في آخر رسالة لها كانت تقول:

«لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام.»

، حيث كانت تنوي إنشاء معمل خاص لها في منطقة الهرم بـمحافظة الجيزة.

لا زالت الصحف تتناول قصة سميرة موسى وملفها الذي لم يُغلق، وإن كانت الدلائل تشير – طبقا للمراقبين – إلى أن الموساد هو الذي يقف وراء اغتيالها جزاء لمحاولتها نقل العلم النووي إلى مصر والوطن العربي في تلك الفترة المبكرة.

تكريم الدولة لسميرة موسى

  • تم تكريمها من قبل الجيش المصري في عام 1953.
  • لم تنس مصر ابنتها العظيمة، فقد قامت بتكريمها عندما منحها الرئيس الراحل محمد أنور السادات وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981.
  • أُطلق اسمها على إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم بقريتها. كما سميت احدى معامل كليتها باسمها.
  • قُرر إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها في قريتها عام 1998.

تم تسجيل قصتها في سيرة ذاتية بعنوان “اغتيال العقل العربي: سيرة ذاتية لأولى شهداء العلم د.سميرة موسى”سميرة موسى.. حلم أول عالمة ذرة عربية قُتل في المهد

  • ألفت كتابا “الجبر” وكان عمرها 16 عاما وطبع منه أبوها 300 نسخة.. وزعتها على طلاب المدرسة مجانا
  • أنجزت الدكتوراه في لندن خلال عام و5 أشهر.. ونظر لها الأكاديميون الإنجليز باعتبارها “معجزة علمية”
  • أول من فكر في تسخير الفيزياء النووية طبيا.. وكانت تتمنى أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل “الأسبرين”
  • أكاديمي بريطاني: تجارب سميرة موسى قد تغير وجه الإنسانية لو أنها وجدت المعونة المالية والعلمية الكافية
  • تلقت عروضاً لمنحها الجنسية الأمريكية أثناء دراستها هناك لكنها رفضت وتمسكت بهويتها العربية الإسلامية
  • لقيت مصرعها في الولايات المتحدة على احدى طرق كاليفورنيا الوعرة في حادث سير غامض
  • حفيدة الممثلة اليهودية راقية إبراهيم: جدتي ساهمت في اغتيال موسى من أجل “مصلحة إسرائيل العليا”

الدكتورة سميرة موسى هي أول عالمة ذرة في العالم العربي والشرق الأوسط، وهي “الآنسة النابغة” التي أدركت مبكرا أهمية أن تمتلك الدول العربية السلاح النووي، فكانت نهايتها هي الموت في حادث سير غامض بالولايات المتحدة، عليه آثار جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” الذي استطاع أن يغتال “الحلم النووي” العربي في مهده.

وكانت موسى، أيضا، أول من فكر في تسخير الفيزياء النووية طبيا، وكانت تتمنى أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل “الأسبرين”، لكنها عادت إلى مصر جثة في “تابوت”.

وُلدت سميرة موسى علي أبو سويلم، وهذا هو اسمها كاملا، في 3 مارس 1917 بقرية “سنبو الكبرى” في محافظة الغربية بدلتا مصر، لأسرة عريقة وكبيرة العدد، وكانت الابنة الرابعة لوالدها الذي عزم على ألا يفرق في التعليم بين بناته السبع وأبنائه الذكور الذين رزق بهم بعد ذلك. وتعلمت القراءة والكتابة قبل بلوغها سن الدراسة النظامية، وأتمت حفظ القرآن الكريم في “كُتّاب القرية”، وهو بمثابة مدرسة أهلية صغيرة كانت منتشرة في البلاد حتى أواخر القرن الماضي، وأبدت “سميرة” ذكاء فطريا غير عادي منذ صغرها، وكانت شغوفة بقراءة الصحف وتتمتع بذاكرة وُصفت بأنها “فوتوغرافية” مكنّتها من حفظ أي شيء بمجرد قراءته.

النابغة الصغيرة

لمس والد “سميرة” فيها نبوغا مبكرا، فانتقل بها إلى القاهرة، من أجل تعليمها تعليما عاليا، واشترى فندقا صغيرا في حي “الحسين” استثمر فيه أمواله، وألحق ابنته بمدرسة “قصر الشوق الابتدائية”، ثم بمدرسة “بنات الأشراف الثانوية الخاصة” والتي كانت تديرها السيدة نبوية موسي الناشطة النسائية المعروفة.

وحصدت “سميرة” الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، فقد كانت الأولي علي شهادة “التوجيهية” -أي الثانوية- عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا في ذلك الوقت، حيث لم يكن مسموحا لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا “من المنازل”، حتي تغير هذا الوضع فيما بعد.

وكان لتفوق “سميرة” أثر كبير علي مدرستها، إذ كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يتخرج فيها الأوائل، وهو ما دفع نبوية موسى، ناظرة المدرسة، إلى شراء معمل كيماوي حينما سمعت أن النابغة الصغيرة “سميرة” تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر بها معمل.

وبلغ من فرط نبوغها أنها ألفت عام 1933 كتابا في مادة “الجبر” المقررة في المدارس الحكومية على طلاب السنة الأولى “الثانوية”،  وكان عمرها 16 عاما، سمته “الجبر الحديث” وأهدته إلى “أستاذها الفاضل محمد أفندي حلمي”، وطبع منه أبوها 300 نسخة على نفقته الخاصة، ووزعته بالمجان علي زميلاتها في المدرسة.

وبعد أن أنهت دراستها الثانوية بتفوق، اختارت سميرة موسى كلية “العلوم” جامعة القاهرة “فؤاد الأول آنذاك”، رغم أن مجموعها كان يؤهلها للالتحاق بـ”الهندسة”، وكانت أمنية أي فتاة في ذلك الوقت هي الدراسة بكلية الآداب باعتبار أنها كلية “نظرية” تتناسب مع طبيعة الفتيات.

وكانت مولعة بالقراءة، وحرصت على تكوين مكتبة كبيرة متنوعة من كتب الأدب والتاريخ وخاصة كتب السير الذاتية للشخصيات القيادية المتميزة، كما أجادت استخدام النوتة الموسيقية وفن العزف على العود، كما عشقت التصوير الفوتوغرافي وخصصت حجرة في بيتها لتحميض وطبع الصور، وكانت تحب التريكو والحياكة وتقوم بتصميم وحياكة ملابسها بنفسها.

وأثناء دراستها في كلية “العلوم”، لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مصطفى مشرفة، عالم الفيزياء النووية الشهير، وأول مصري يتولى عمادة كلية العلوم، الذي تأثرت به كثيرا كإنسانة وعالمة.

حصلت موسى على “بكالوريوس العلوم”، وكانت الأولى على دفعتها، ثم عُينت في هيئة التدريس بالكلية بفضل جهود “مشرفة” الذي دافع عن تعيينها بشدة وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب في الكلية، ثم حصلت على درجة الماجستير في موضوع “التواصل الحراري للغازات” من جامعة القاهرة، وسافرت بعد ذلك في بعثة دراسية إلى بريطانيا، حيث درست في الإشعاع النووي في جامعة لندن، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها علي المواد المختلف، وأنجزت الرسالة في خلال عام و5 أشهر فقط، ونظر إليها الأكاديميون الإنجليز في لندن باعتبارها “معجزة علمية”.

وكتب أكاديمي بريطاني في جامعة “بدفورد” في تقريره العلمي الذي أرسله إلى جامعة القاهرة، قائلا إن “تجارب سميرة موسى قد تغير وجه الإنسانية لو أنها وجدت المعونة المالية والعلمية الكافية”.

ولكن سميرة موسى لم تنتظر المعونة الكافية بل راحت تقدم خبرتها وعلمها لمساعدة مرضى السرطان في مستشفى قصر العيني. وكثيرا ما كان أهل المرضى يظنون أنها ممرضة.. ولم يكن ذلك يضايقها.. فهي تريد أن  ولم تتوقف سميرة موسى عند حجة نقص الإمكانيات وطلبت الأب بأن يبني لها معملا.. وبالفعل اشترى الأب فدانا من الأرض على طريق الهرم لبناء المعمل.. لكن القدر وأنصار الظلام لم يمهلوها الوقت الكافي لدخوله..

“الذرة” من أجل الإنسانية

كانت موسى، التي درجت على المشاعر الوطنية القومية منذ صغرها، تأمل أن يكون لمصر والوطن العربي مكان وسط هذا التقدم العلمي الكبير في المجال النووي، حيث كانت تؤمن بأن أي دولة تتبني فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من “موقف قوة”، فقد عاصرت ويلات الحرب وشاهدت تأثير القنبلة الذرية الأمريكية التي دكت مدينتي “هيروشيما وناجازاكي” في اليابان عام 1945، وأسهمت في إنهاء الحرب العالمية الثانية، كما لفت انتباهها اهتمام إسرائيل المبكر من بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ودعت مرارا إلى أهمية تسليح العرب نوويا، ومجاراة هذا “المد العلمي المتنامي”.

ونظمت العالمة النووية بعد عودتها إلى مصر مؤتمرا تحت عنوان “الذرة من أجل السلام”، استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم، وكانت تأمل في تسخير القوة الذرية لخير الإنسانية، وكانت أول من فكر في إدخال الفيزياء النووية إلى العلاج الطبي، حيث كانت تقول: “أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين”.

وتأثرت موسى بإسهامات العلماء المسلمين الأوائل، ولها مقال منشور عن عالم الجبر الشهير “الخوارزمي” ودوره في إنشاء هذا العلم، كما أن لها مقالات أخرى من بينها مقالة مبسطة عن الطاقة الذرية وأثرها وطرق الوقاية منها، شرحت فيها ماهي الذرة من حيث تاريخها وبنائها، وتحدثت عن “الانشطار النووي” وآثاره المدمرة وخواص الأشعة وتأثيرها البيولوجي.

وأوضحت موسى جانبا من فكرها العلمي في مقال بعنوان “ما ينبغي علينا نحو العلم”، حثت فيه الحكومات على أن تفرد للعلم المكان الأول في المجتمع، وأن تهتم بترقية الصناعات وزيادة الإنتاج والحرص على تيسير المواصلات، كما دعت في المقال إلى التعاون العلمي العالي على أوسع نطاق.

الموت في أمريكا

تلقت موسى عام 1952، دعوة للسفر إلى أمريكا، حيث أتيحت لها فرصة استكمال دراستها في المجال النووي، وإجراء بحوث في معامل جامعة “سانت لويس” بولاية ميسوري، وتلقت هناك عروضاً للبقاء في الولايات المتحدة بشكل دائم، مع منحها الجنسية الأمريكية التي كانت حتى في ذلك الحين أملا كبيرا لمعظم الناس من مواطني الدول الفقيرة، لكنها رفضت هذه العروض وتمسكت بهويتها العربية الإسلامية.

ولم تنبهر موسى ببريق أمريكا، فقد قالت في خطاب إلى والدها من الولايات المتحدة: “ليس هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر، إنهم يبدأون كل شيء بشكل ارتجالي، فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب، والكثيرون منهم جاءوا إلى هنا وهم لا يملكون شيئاً على الإطلاق، فكانت تصرفاتهم في الغالب همجية”.

في آخر رسالة لها إلى والدها كتبت تقول: “لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا، وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان وسأسعى جاهدة لأن أخدم قضية السلام العالمي”.

وقبل عودتها إلى وطنها بأيام، استجابت لدعوة لزيارة المعامل النووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس، وعلى طريق كاليفورنيا الوعر ذي المرتفعات ظهرت سيارة نقل بشكل مفاجئ؛ لتصطدم بسيارتها اصطدما عنيفا وتلقي بها في وادي عميق، وقفز سائق السيارة الهندي، الذي كان زميلها في الجامعة، ثم اختفى إلى الأبد ولم يُعثر له على أثر، وأظهرت التحقيقات أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارا، وقيدت الشرطة الأمريكية الحادث “ضد مجهول”.

وعادت سميرة موسى إلى بلادها جثة هامدة في تابوت، ونشرت صحيفة “المصري” في عددها الصادر يوم 19 أغسطس عام 1952، خبرا بعنوان “وفاة الدكتورة سميرة موسى.. مسز كوري الشرق”، ذكرت فيه تفاصيل حادث السير دون تعليق.

وصرح المتحدث باسم السفارة المصرية في واشنطن وقتها، للصحف بأن “الآنسة سميرة موسى الطالبة المصرية التي تتلقى العلم في الولايات المتحدة قُتلت في حادث سيارة بعد أن أتمت دراستها بولاية تنيسي الأمريكية”.

وفي 25 أغسطس من نفس العام، سُلّمت إلى والدها المكلوم نوتة سوداء صغيرة كانت تسجل فيها خواطرها وكانت آخر ما خطته فيها عبارة أدبية تقول فيها “ثم غربت الشمس”. (4)

 

وأشارت إصبع الاتهام، فيما بعد، إلى أن الحادث من تدبير جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، الذي نجح في تجنيد هذه الشخص الهندي من أجل اغتيال هذه العالمة العربية خشية أن تتوصل حال عودتها إلى مصر من تصنيع القنبلة النووية.

واعترفت الإسرائيلية ريتا ديفيد توماس حفيدة الممثلة راشيل إبراهام ليفي التي عُرفت باسم “راقية إبراهيم”، بأن جدتها تعاونت مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» لاغتيال سميرة موسى من أجل “مصلحة إسرائيل العليا”.

ومن المؤكد أن سميرة موسى كانت أول الضحايا في مسلسل دموي شرس، راح ضحيته 146 عالم ذرة من دول العالم الثالث، وعلى رأسها الهند وباكستان وجنوب أفريقيا ومصر، خلال الفترة من عام 1959 إلى عام 1985. والغريب أن 92% من هؤلاء الضحايا تلقوا عروضا للعمل في دول أكثر تقدما في مجال البحث العلمي من بلادهم ولكنهم رفضوا هذه العروض لدوافع وطنية، فكان الموت اغتيالا هو مصيرهم، بلا شفقة أو رحمة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.