لم يستطع الفنان التشكيلي محمود الضاهر (1963-2019) الصمود أكثر في مواجهة مرض السرطان الذي استوطن رئته، برغم أن آخر ما كتبه على جداره الأزرق:
إلهـــي لـــم أعـــد أملـــك
ســوى دمعتيــن وبقايــــا بكـــــاء
فاســندني قليـــلاً في انهيـــاري الأخيـــــر.

لكن محمود هجر في ليلة السبت الماضي ألوانه ومرسمه وما أبدعه من لوحات إلى الأبد. وكان آخر كلام سمعته منه «أنا تعبان يا نضال» عندما هاتفته أستأذنه بعيادته، فقدّرت حالته وتمنيت له أن تخف وطأة المرض عنه.. ولأنك كنت محباً للحياة أعدك أن تظل تلك الجملة يا صديقي في ذاكرتي أغنية محبة ولن أجعلها تحزنني كثيراً، بل سأظل أتذكرها كعنوان لتحدي المرض وما سيواجهني من صعاب، فأنت لم تستلم لواقع الحرب ولم تدخل حظيرة اليأس، بل ظللت في حديقة الفرح تأخذ بأيدينا لمباهج الحياة الممكنة، تُشكلها لنا من خلال ألوان لوحاتك المفعمة بكل ما يجعل الروح تنتشي. فروحك المبدعة يا محمود لم تدع لما شاهدته في سنوات الحرب أن تأخذ طريقها إلى لوحتك، برغم أنك شاهد عشرات الشهداء كيف تمزقت أجسادهم بفعل المعارك مع الإرهابيين، بحكم قرب منزلك من أحد المشافي الخاصة، في حي الزهراء بحمص الذي سقطت فيه عشرات القذائف وانفجرت فيه أكثر من عشر سيارات مفخخة، فتناثرت أجساد الذين استشهدوا من المدنيين، وبرغم ذلك أصررت على بناء لوحتك بالحب والفرح والخصب، في منأى عن الحرب والموت، فكانت المرأة مكوناً رئيساً للوحاتك، تجسدت في حالات حيوية عدة كعنوان لتجدد الحياة، مزدهيةً بألوان تعبّر عن توقك للفرح. ألست من قال في حوار مع الفنانة التشكيلية التونسية سعاد الشهيبي، ذات يوم: «العمل الفني هو نتاج حالة ثقافية وإنسانية ومخزون روحي، ولا يمكن الفصل بين الفنان ولوحته، اللوحة هي الفنان والفنان هو لوحته، لا يمكن أن أرسم من دون حب، الحب هو أعلى الحالات إنسانية، ولا يمكن أن يمزج الفنان لوناً من دون حب» لكن رحيلك يا صديقي مزجنا بلون الألم، فلروحك السكينة ولنا ذكراك وأن نراك فيما أبدعت من لوحات مزدانة بنساء يجسدن الحب بكل أطيافه ومزدهيات بما يليق بهن من بهجة وألوان.

الفنان التشكيلي عبد الله مراد | Facebooksyriandays / arts | الواقعية والاسلوب المعتمد على الفكرة... في ...طباعة المقال
موقع طرطوس - "محمود الضاهر".. التدرج السلس للألوانموقع طرطوس - "محمود الضاهر".. التدرج السلس للألوان