اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	مسرحية  أسوار بغداد   تأليف محمود القليني.jpg 
مشاهدات:	0 
الحجم:	16.1 كيلوبايت 
الهوية:	1671

مسرحية ” أسوار بغداد ” تأليف محمود القليني
مجلة الفنون المسرحية

الشخصيات :
مؤيد الدين العلقمي…………………………الوزير العباسي
شاهيناز …………………………………..جارية الوزير
الدمغاني ……………………………………مساعد الوزير
عبدالحميد …………………………………مساعد الوزير
صدر الدين النيار ……………………………شيخ الشيوخ
محمد الطوسي ……………………………..صديق صدرالدين
زياد ……………………………………….بصاص
عمار ……………………………………..بصاص
سيف الدين قلج ……………………………قائد الجيش .
أيبك الحلبي……………………….من رجال الجيش
عابر سبيل ……………………………….رحالة وكاتب
أحمد الشيرازي……………………شهبندر التجار
الخليل الصوفي ……………………رحالة .
جمال الدين ……………………….صديق عابر سبيل
تقي الدين ……………………….مُسرح من جيش الخليفة .
بجلي …………………………… صاحب الشحنكية .
أ بو بكر …………………………..صاحب خان الدفتردار
عائشة …………………………ابنة أبي بكر
أبو الحسن …………………….إمام مسجد
دقدق …………………………….ابن أبي الحسن
ثعلبان ……………………………..زعيم العيارين والزعار
أم مظلوم …………………………..شحاذة
المكان : بغداد.
الزمان : 656

                                    الفصل الأول 

المشهد الأول :
رحبة متسعة أمام خان ( الدفتردار ) على يمين ويسار الباب الكبير للخان مقاعد ومناضد متناثرة ، تظللها مظلة من الخشب العتيق ، تتفرع من الرحبة طرق عديدة تؤدي إلى الأسواق المتعددة والمتنوعة التي تحيط بالخان ، تظهر في الخلفية قباب ومآذن المساجد ، وأسطح بعض البيوت المحاطة بالخان الذي يقصده الكثير من التجار والمسافرين والغرباء لأنه يتوسط أسواق بغداد ، وتتفرع منه وإليه الكثير من الشوارع والميادين .
يخرج من باب الخان رجل يدب بعصاه على الأرض ،
الرجل : ( يتجه يمينا ثم يسارا ، يحرك عصاه في مختلف الاتجاهات ) أين أنت يا
(دقدق ) لقد غبت اليوم وطال غيابك ، ألا تدري أنك عيناي التي أبصر بها ، وقدماي التي أعتمد عليهما ، وونيسي في وحدتي ، في وقت عز فيه الأنيس .
( يصيغ السمع ) ما هذا الذي أسمعه ؟! إنها ( عاشة ) تصرخ !
عائشة : ( تجري وتتلفت حولها تختبئ خلفه ) أنجدني يا (أبا الحسن) اللصوص يجرون ورائي.
أبا حسن : ( يضرب بعصاه يمينا ويسارا ويطعن بها الهواء ) لا تخشي شيئا (ياعاشة) . سألقنهم درسا لن ينسوه …ياكلاب يا خونة …ستكون توبتكم على يدي ..لن أرحمكم .سأجعل دماءكم تسيل أنهارا .
عاشة : ( تربت على كتفه ) ماذا تفعل يا (أبا الحسن )؟ وإلى من تتحدث ؟!
أبو الحسن : ( يواصل الضرب ) أؤدب اللصوص الذين يجرون وراءك !
عاشة : لا يوجد لصوص أمامك .
أبو الحسن : ( يلتفت إليها رافعا العصا ) أكنت تعبثين بي ..لقد جعلتي الدم يجف في عروقي وأنت تصرخين ( يقلدها )..أنجدني يا أبا الحسن ….أنجدني يا أبا الحسن .
عاشة : ( تستطلع الناحية التي قدمت منها ) لقد هربوا حينما رأوك .
أبو الحسن :ولكني لم أرهم الجبناء .

عائشة : لم ترهم لأنك أعمى !
أبو الحسن : ( منكسرا ) الملافظ سعد يا ( عائشة ) .
عائشة : ( معتذرة ) معذرة يا (أبا الحسن )، أنا لم أقصد ، ومع ذلك أحيانا كثيرة أشعر أنك ترى كل ما حولك .
أبو الحسن : ( يضرب الأرض بالعصا )كثيرون يقولون لي ذلك ، لدرجة أني بدأتُ أصدقهم .
عائشة : ( متعجبة ) تصدقهم ؟!
أبو الحسن : ( ضاحكا ) ولم لا !! فهم يرون ما لا أراه ، فهم أدري … المهم ..كيف يطاردونك ونحن في رابعة النهار ؟! ولماذا لم ينجدك أحدٌ من الناس ؟ّ!
عائشة : ( تضع ما تحمله على منضدة بجوارها ) بعد أن أشتريتُ لوازم (الخان) ، وجدتُ التجار يغلقون أبواب حوانيتهم ،والبائعين يخفون بضائعهم ، والنساء يصرخن ويبحثن عن أولادهن ويلذن بالفرار والاختباء خلف بيوتهن والرجال يرفعون أيديهم إلى السماء يطلبون الغوث والنجىاة ويحوقلون في خوف وفزع ، حتى الحيوانات تجري في كل مكان وكأنها أصابها مسٌ من الجنون و….
أبو الحسن : ( مفزوعا محتضنا عصاه ) القيامة قامت بدون أن أدري !!
عائشة : ما هذا الذي ثقوله ؟!
أبو الحسن : ( مندهشا ، يخبط الأرض بعصاه) إذن ماذا حدث ؟!
عائشة : يقولون أن التتار وصلوا إلى أسوار بغداد .
أبو الحسن :( يرتعش ، يمد يده إليها ) أجلسيني على أقرب مقعد وإلا تهاويت على الأرض كالجولق ، لا حول ولا قوة إلا بالله ..يا لطيف .
عائشة : (تأخذ بيده وتجلسه متعجبة ) أنت تتصرف كما كان يتصرف الرجال في الأسواق !!
أبو الحسن : ( يعتصر يد عصاه في توتر ) لا أظن أن أحدا سوف يتصرف تصرف الرجال …أعطيني جرعة من الماء ، لقد جف حلقي .
عائشة : ( تأتي بكوب من على المنضدة ) أنا لا أفهم شيئا ، مجرد ذكر التتار يحدث شيئا غريبا ….من هؤلاء التتار ؟!
أبو الحسن : ( يتجرع الماء ) إنهم شياطين سفاحون يشربون الدماء بدلا من الماء ويأكلون لحوم البشر و…

عجوز : ( يخرج من باب الخان ، يجفف عرقه يربت على كتف أبي الحسن ) هون على نفسك يا أبا الحسن …ابنتي ما تزال صغيرة ..لا تفزعها بهذا الكلام .
عائشة : ( تسرع إليه وتحتضنه ) أبي ..لقد أفتقدتك كثيرا .
العجوز : ( يقبل ابنته يجلس بالقرب من أبي الحسن ) حتى لو كان التتار كما تقول ، فإنهم سيُهزمون ويُدحرون أمام أسوار بغداد ، جيش بغداد ليس كبقية الجيوش والخليفة ليس كبقية الملوك .
أبو الحسن : ( ساخرا ) سألوه : ما مبتغاك يا أعمى ، قال لهم قفة عيون .
العجوز : ( يختطف العصا من يده ) ألديك شك في أن التتار سينتحرون على أسوار بغداد .
أبو الحسن : ( ينتفض واقفا باحثا عن العصا في غضب) يا ( أبا بكر ) لقد أخبرتك أكثر من مرة لا تأخذ العصا من يدي …أفعل أي شيء إلا أن تأخذ العصا .
عائشة : ( تأخذ العصا من يد والدها وتعطيها لأبي الحسن ) أنت تعلم يا أبي أن هذا يغضب أبا الحسن .
أبو بكر : أكل هذا الغضب من أجل العصا .
أبو الحسن : ( يحتضن العصا ) إنها عيناي التي أبصر بها ، ( يرفع أصبعيه في مواجهة أبي بكر ) ماذ لو فقأت عينيك بأصبعي هاذين ؟ أيرضيك هذا ؟
أبو بكر : ( يركل العصا بقدمه ) أتسوى بين عيني وعصاك يا أبا الحسن ؟!
عاشة : ( تقف بين والدها وأبي الحسن ) ماذا لو قلت لك يا أبي أن اللصوص الذين كانوا يجرون ورائي خافوا حينما رأوا أبا الحسن وهو يهددهم بالعصا منذ قليل .
أبو بكر : ( يقف ويمسك بيدها مفزوعا ) إذن أنت التي كنت تصرخين ؟!
أبو الحسن : ( ضاحكا ، يطوح بالعصا يمنا ويسارا ) نعم كانت تقول: أنجدني يا أبا الحسن ، ولولا أنهم هربوا لكنتُ كسرتُ عظامهم بالعصا تلك .
أبوبكر :( منزعجا ) وأين كنت حينما طاردك اللصوص ؟!
عائشة : ( تشير إلى الجولق ) كنت في السوق أحضر لوازم (الخان) .
أبو بكر : ( غاضبا ) ألم أخبرك ألا تذهبي إلى السوق ، وإذا خرجت من (الخان) لا تخرجي إلا ومعك ( دقدق ) .
أبو الحسن : أنا مع والدك يا عاشة ..أنت لم تعودي صغيرة وما شاء الله جميلة ، والشباب يلاحقونك بأعينهم الفاجرة .
عائشة : ( معاتبة ) ولوازم (الخان) يا أبي من الذي سيحضرها ؟
أبو بكر :( يعرض عنها بوجهه ) أنا الذي سأحضر كل ما يحتاجه (الخان) يا عائشة .
ابو الحسن : ( يرفع عصاه عاليا ) لا أنت ولا هي ..أنا الذي سأحضر كل ما تحتاجانه
أبو بكر : ( يربت على كتف أبي الحسن ) أرايت إلام صرنا .؟!..أبو الحسن سيحضر لنا ما نحتاجه ..من الغد يا (عاشة) سأبحث عن خادم أو اثنين .
عائشة : وأنا ماذا أفعل ؟!
أبو بكر : الكثيرون يطلبون يدك و ..
عائشة : ( مقاطعة في غضب ) وأنا لن أتزوج أحدا منهم ؟ ولن تجبرني على شيء لا أريده .
أبو بكر : ( يضع يديه على كتفيها ) إن كان على فإني لا أريد أن أفارقك ، ولكن لابد أن تتزوجي …وما تسعين وراءه أمل كاذب لا رجاء فيه ..أنا لا أريد أن أقسو عليك ، فليس لي في الدنيا سواك .
عائشة : ( تحتضنه ) بارك الله فيك يا أبي .
أبو يكر : ( يبحث عما حوله ) أين ما أحضرتيه من السوق ؟
عائشة : ( تحمل ما أحضرته من على المقعد ) ها هو .سأحمله إلى الداخل .
أبو بكر : ( يأخذه منها ) أبقي أنت …نظفي المكان ورتبي المقاعد .
عائشة :(ترتب المقاعد ) ألن تدخل (الخان) يا أبا الحسن ؟
أبو الحسن : سأذهب لزيارة صديق وأنتظر ( دقدق ) ، لا أدري لماذا غاب عني هذه المرة . قلبي يحدثني بأشياء غريبة .
عائشة :(شاردة ) القلب هو سبب شقاء الإنسان .
أبو الحسن : ( يقف ويتقدم من عاشة ويلمس وجهها بيده ) (عابر سبيل) لم أقابله من مدة .وهنا مكانه المفضل .
عائشة : ( تجفل وتبتعد عنه ) أبعد يدك يا أبا الحسن .
أبو الحسن : ( يبتعد ) أنا لا أقصد …ولكني أعرف أن والدك يقصده حينما تحدث عن تعلقك به .
عائشة : ( مندهشة ) وما أدراك أني متعلقه به ؟!
أبو الحسن :يا (عاشة) نصف بنات الحي يحبون( عابر سبيل) ولكن المهم هو يحب من ؟
عائشة : ( تقترب منه وتمسك ذراعه ) أهناك من يحبها ( عابر ) ؟!
أبو الحسن : لا احد يعرف ( عابر ) مثلي …(عابر) عاشق للترحال والتنقل بين البلدان ، لا يستطيع أن يمكث في مكان واحد ، وإن مكث سيموت ، والحب والزواج يجعلانه يمكث في مكان واحد ، وهو لا يريد أن يموت ، لذلك لن يتزوج أبدا .
عائشة : ( تدفعه بدلال) بدلا أن تصبرني ، تقطع كل أمل لي …لك الله يا أبا الحسن .
أبو الحسن : أنت تتعلقين بشخص غريب ، اسمه غريب ولا ندري من أين أتي ولا إلى أين يذهب ، فجأة يظهر ويملأ الدنيا أحاديث وحكايات عن البلدان التي رحل إليها ، وفجأة يختفي ، ويغيب ما يغيب ثم يعود مرة أخرى وينتهي طوافه هنا في (الخان) ، لكم هي شقية تلك التي يتعلق قلبها برجل مثل ( عابر سبيل )
عائشة : ( بأسى ) القلب وما يهوى يا أبا الحسن .
ابو الحسن : كما تقول المغنية ( غريب المأمونية ) :
ما غرني بعدك إنسان فقد بدت لي منك ألوان .
وإن تغيرت فما حيلتي مالي على قلبك سلطان .
عائشة : ( بوله وحزن ) مالي على قلبك سلطان .
أبو الحسن : ( يصيخ السمع مندهشا) أتسمعين ما أسمعه يا (عائشة) ؟!
عائشة : ( تتطلع إلى منافذ الطريق ) أسمع صوت ضجة وجلبة وهنافات .

             [يدخل من كل المنافذ أعداد من الشباب والرجال والصبية يجرون هنا وهناك ]

شاب 1 : التتار وصلوا .
شاب 2 : هدموا كل الأسوار .
رجل3 : إنهم يذبحون الناس في الطرقات .
شاب4 : يخطفون النساء .
صبي5 : يكسرون الدكاكين وينهبون ما فيها .
شاب 6 : يشعلون النيران في الدور .
رجل7 : أيتها النساء والبنات أغلقن عليكن الأبواب والنوافذ .
أبو الحسن : ( مذعورا ) يا عائشة ..أترين ( دقدق ) مع هؤلاء .
عائشة : ( تستطلع الوجوه ) نعم ..ها هو وسطهم يهتف مثلهم .
أبو الحسن : ( يقف على مقعد رافعا عصاه ) يا ( دقدق ) يا ( دقدق ) تعال إلى ..أترك ما أنت فيه كفاك .
دقدق : ( يجذب أبا الحسن من ذيل جلبابه ) ولكننا لم نحذر بقية الناس في الأسواق المجاورة .
أبو الحسن : ( ينزل من على المقعد ) إذن خذ بيدى لأذهب معك محذرا إياهم .
دقدق : ( يعود ويمسك بيده ) أسرع لنطوف على بقية الأسواق .
أبو الحسن : ( يقبض عليه بكلتا يديه ) تعال هنا أيها الولد الآبق ..لن أتركك وسألقنك درسا لن تنساه ..أين كنت أيها العفريت ؟.
دقدق : ( يحاول أن يفلت من يديه ) كنت أنا والرفاق نريد رؤية ( هولاكو ) .
أبو الحسن : ( يملص أذن دقدق بأصابعه ) ورأيت (هولاكو ) .
دقدق : ( يحاول أن يخلص أذنه ) منعونا من الذهاب إلى الأسوار وقالوا أذهبوا إلى الأسواق وحذروا الناس وأعطوا كل واحد منا (دانق )
أبو الحسن : (مسنفسسرا ) من هؤلاء ؟
دقدق : لا ندري …وجوههم غريبة ….وكلامهم عجيب .
أبو الحسن : ( يضربه بالعصا على مؤخرته ) سوف أكسر رجلك كي لا تتركني وتتسكع في أسواق بغداد .
دقدق : إذن لن أستطيع أن أسير بك .
أبو الحسن : بدل من ذلك سأفقأ عينيك..
دقدق :سأكون أنا وأنت أعميين .
أبو الحسن : أذن كيف أعاقبك أيها العفريت ؟!
عائشة : ( تخلصه من يده ) سامحه هذه المرة يا أبا الحسن .
أبو الحسن : ( يتحسس يدها ) من أجل جمال وجهك سأسامحه .
عائشة : ( تجذب يدها ) أتغازلني يا أبا الحسن ؟!
أبو الحسن : يا ليتني كنت (عابر ) .
عائشة : ( بشوق ولهفة ) إني في انتظاره على أحر من الجمر .أين أنت يا ( عابر ).
أبو الحسن : سيأتي …فهو يبدأ رحلته دائما من هنا ….وإن كنت أخمن أنه لن يرحل .
عائشة : ( تقترب منه مبتهجة ) لن يرحل …لماذا ؟!
أبو الحسن : ألم تسمعي أن التتار على أبواب بغداد ، إن كان هذا حقا فلن يخرج أحد ولن يدخل .
عائشة : ( شاردة ) تلك أعز أمنية .
أبو الحسن : ( مندهشا ) أن التتار على أبواب بغداد أعز أمنية ؟!
عائشة : لا… بل ألا يرحل ( عابر سبيل ) .
أبو الحسن : ( يجذب دقدق وينهض ) هيا يا (دقدق ) نزور صديقنا قبل أن يمنعونا من الخروج من (الخان) .
( ستار )

                              الفصل الأول 

(المشهد الثاني) .
أمام خان ( الدفتردار ) تخرج ( عائشة ) تحمل صفحة عليها بعض الأطعمة وأكواب مملوءة بالشراب ، وتضعها أمام رجل منهمك في ترتيب عدد من الحقائب ، نساء ورجال وأطفال يدخلون من أكثر من منفذ ويخرجون ، البعض يحمل على كتفه أحمالا والآخر يجرها جرا ، الأضطراب والخوف والذعر يغلب على حركات الجميع .
عاشة : ( تضع الصفحة على المنضدة ) لقد أتيت لك بطعام وشراب ..تفضل
يا( عابر )
عابر : ( يتناول الشراب ) ما بال الناس ؟! أحدث شيء ؟!
عائشة : ( تتأمل الحقائب ) الأحاديث تملأ بغداد ..كيف لم تصلك الأخبار ؟!
عابر : ( يشير إلى الحقائب ) كنت مشغولا بتجهيز الحقائب استعدادا للرحيل .
عائشة : يقولون إن التتار على أبواب بغداد .
عابر : ( بدون اكتراث ) لعلها دعابة أطلقها أحد الظرفاء وما أكثرهم في بغداد يا (عائشة ).
عائشة : ( تقدم له الطعام وتقترب منه ) ألن تكف عن التطواف بين البلاد وتتزوج كبقية الرجال وتنجب أطفالا ..أم ستظل هكذا والعمر يفر من بين أصابعك وقد شاب شعرك ؟!.
عابر : ( يهرب من نظراتها ضاحكا ) ومن تلك التي ستتزوج رجلا يطوف بين البلاد وأيبض شعره ؟! أنت فتاة طيبة يا (عائشة ).
عائشة : ( تحدق في عينيه ) أنت تعلم أن أمامك من ينتظر منك إشارة وليس كلمة لتقول لك لبيك …لبيك .
عابر : ( ينهض مبتعدا عنها متطعلا إلى الطريق ) سأشقيها معي ، فحياتي قضيتُها وسأقضيها متنقلا بين البلاد لأكتب وأسجل ما أراه .
عائشة : ( تركل الحقائب بقدميها وتقترب منه ) كفاك ما كتبته ..ثم ما جدواه ؟ لابد أن تستقر ، وأنا أخشى إذا جاء هذا اليوم لا تجد من تحلم أن يكون بجوارك .
عابر : ( يلتفت إليها ويبسط ذراعيه ) تلك هي حياتي ، كالطير في السماء ، لا أستطيع أن أمكث في مكان واحد ، لا أشعر أني حي إلا إذا انطلقت كشعاع ضوء في السماء .
عائشة : ( تتقدم منه وتقف بين ذراعيه المبسوطتين ) لكم أنت قاس ومع من يحبونك …أبعد كل هذا لا تدرك ولا تشعر .
عابر : ( يقبض ذراعيه حول صدره ) (عائشة )..أعلم حقا أنك تحبينني …ولكنك
ما زلت صغيرة و أنا…
عائشة : ( تضع يدها على فمه ، تقاطعه ) نعم ، أنا صغيرة ولكن حبي لك شيبني ، نعم أن صغيرة ، ولكن قلقي عليك وطول انتظاري جعلني أودع أيام الصبا والهناء .
عابر : ( يمسك يدها ) أتعرفين يا (عائشة )…لو تزوجت لأنجبت ابنة في مثل سنك وقد تكبرك .
عائشة : ( تحدق في عينيه وتقيض على يده ) وما في ذلك . فأنا أعتبرك أبي وأخي وحبيبي .
عابر : ( يخلص يده ويتلفت حوله ) صه ..وإلا سمعك أحد من نزلاء الخان .
عائشة : ( تخطر في المكان وتدور حول عابر ) ليسمعوا ….وماذا سيقولون ؟!
عابر : ( يمسك بها ) سيقولون إنك مجنونة .
عائشة : ( تحدق في عينيه ) أتدري أنني أود أن أجن ؟
عابر : ( ضاحكا ) لماذا ؟
عائشة : كي أفعل أشياء العقل يمنعني أن أفعلها .
عابر : مثل ماذا ؟
عائشة : أترك الدنيا وأبي والخان ..وأرافقك في كل مكان تذهب إليه .
عابر : ( يمس ذقنها بأصبعه ) إذن سيتبعني مجنونان بدلا من مجنون واحد .
عائشة : ( مندهشة ) وهل هناك مجنون يتبعك ؟!
عابر : ( يذهب نحو الحقائب ليرتبها فوق بعضها) نعم ..إنه صديقي (جمال الدين) .
عائشة : وهل (جمال الدين) مجنون ؟!
عابر : وبما تسمين اتباعه لي كالظل بدون أدني تفكير ، حاولت كثيرا أن أتخلص منه ولكني فشلتُ .
عائشة : ونسيت (الخليل الصوفي) هو الآخر لا يفارقك في حلك وترحالك .
عابر : ( يخرج من إحدى الحقائب كتابا يقلب صفحاته ) (الخليل الصوفي) لا يتبعني ولكنه يتبع إناسا آخرين لا تدرين أهم بشر أم ملائكة أم جن .
عائشة : ( خائفة ) كيف ذلك .؟!
عابر : يكون في صحبتي وفجأة يختفي ويغيب ما شاء الله له أن يغيب ، وفجأة يظهر، ، الغريب أنه يحدثنا عن أشياء وحوادث مرت بنا وكأنه لم يغب عنا لحظة واحدة . ( يشير خلفها ) ها هو قد ظهر .
عائشة : ( مذعورة ) تقصد من ؟!
عابر : ( مبتسما ) (الخليل الصوفي )..إنه يقف خلفك .
عائشة : ( تستدر وتطلق صرخة مدوية وتختبيء في حضن عابر ) بسم الله الرحمن الرحيم ..من أين أتيت ؟!
الخليل الصوفي : ( بدون اكتراث ) من داخل (الخان) .
عائشة : ( تشير إلى باب الخان ) لقد قمتُ بتنظيف كل غرف (الخان) ولم تكن بالداخل …فكيف خرجتَ من (الخان) الآن ؟!
عابر : ( يربت على كتف عائشة ) لا تشغلى بالك بتلك الأمور .( يلتفت إلى الخليل الصوفي ) هل قررت أن تخرج معي هذه المرة ؟.
الخليل الصوفي : ( يأخذ الكتاب من يد عابر ويطالعه ) لا .
عابر : إذن سأرحل من دونك .
الخليل الصوفي : ( يرد له الكتاب ) ولن ترحل .
عابر : ( مندهشا ) لماذا ؟ !
الخليل الصوفي : ( يضرب بعصاه الحقائب المكومة بجانب الجدار ) التتار يحاصرون بغداد .
عابر : ( مندهشا) أتتحدث مثلما يتحدث الناس؟ !
الخليل الصوفي : ما يقوله الناس حقيقة .
عابر : ( غاضبا) مستحيل أن تُحاصر (بغدادُ) !
الخليل الصوفي: ( يرفع يده بالمسبحة ) لماذا ؟
عابر : ( يربت على كتفه ) لأنها أعظم مدن العالم وأنت خير من يعلم ذلك .
الخليل الصوفي : وهذا أدعى لمحاصرتها وغزوها .
عابر : وجيش بغداد وجيوش الشام ومصر وبلاد المغرب .
الخليل الصوفي : وماذا سيفعلون ؟!
عابر : .ينقذون بغداد ..يدافعون عنها .
الخليل الصوفي : ضد من ؟
عابر : ضد هؤلاء الذين يقفون خارج بغداد ويحاصرونها .
الخليل : والذين يحاصرون بغداد من الداخل ؟
عابر : وهل وصل التتار داخل بغداد ؟
الخليل : ( مبتسما في سخرية ) منذ زمن بعيد . وهم يمهدون للدخول التتار .
عابر : ( يمسك رأسه ) على رسك يا يا صاح …من يمهد لدخول من ؟!
الخليل : ( يشير بعصاه ويرسم خطين على الأرض ) التتار يمهدون لدخول التتار .
عابر : ( يحمل مقعدا ويضعه امام الخليل ويجلس ) أين التتار الآن ؟!
الخليل : خارج أسوار بغداد .
عابر : ومن في الداخل الذي يمهد لدخول التتار ؟
الخليل : التتار .
عابر : ( ينهض مبتعدا عنه مصفقا على يديه ) كثيرا ما أتركك تتحدث بتراهات لا أفهمها ..ولكن الأمر الآن خطير .
الخليل : ( يضع ذقنه على مقبض عصاه ) بل أخطر مما تقدر يا صاح .
عابر : ( يقترب منه ) إذن حدثني بكلام أفهمه .
الخليل :(مندهشا) ومنذ متى تحاول أن تفهم كلامي يا (عابر) .
عابر : هذه المرة الأمر متعلق ببغداد ..بمصير الملايين من سكانها ..بمصير العلم ..بمصير الدين ..بمصير كل شيء …أنت تعلم إذا دخل التتار بلدا ماذا يحل بها وبأهلها ؟!
الخليل : والتتار الآن ليبسوا في بغداد فحسب ، بل في قصر الخلافة نفسه .
عائشة : ( تتجه نحو باب الخان ) أني خائفة من كلام (الخليل) ..سأدخل (الخان) .
عابر : ( يشير إلى عائشة ) عائشة معها حق فكلامك إلى أنه مخيف فإنه غير مفهوم وغير معقول .
الخليل : وهل ما يحدث مفهوم أومعقول ؟!
عابر : ما هذا الذي يحدث ؟!
الخليل : بدلاأن يخرج الجيش رافعا سيوفه مصوبا رماحه ناشرا راياته ، تخرج الوفود محملة بالهدايا مبطنة بالوعود والعهود والاتفاقات والمؤامرات .في نفس الوقت يحاصر التتار بغداد حصارا محكما فلا تدخل نسمة هواء أو تخرج بدون علمهم .
عابر : ( يدور حول نفسه ويركل الأرض بقدميه ) ولمصلحة من كل هذا ( يتقدم من الخليل محدقا في عينيه ) لا ..لا …كل ما تقوله غير صحيح …لأنه غير معقول لا يصدقه عقل .
الخليل : ( يقف ، يربت على كتف عابر ) وهل أخبرتك بشيء من قبل ولم يحدث ؟!
عابر : ( يمسك كتفي الخليل غاضبا ) إلا هذا …يجب إلا يحدث .
الخليل : حتى لو حدث .
عابر : حتى لو حدث يجب ألا يحدث …يجب ألا يحدث ..وإن كنت تغضب من قولي هذا ..فإن كل ما قلته لا أصدقك ، وسوف يأتي الآن ( جمال الدين ) ونلحق بقافلة الشبندر (أحمد الشيرازي ) .
الخليل : ( يربت على كتفه) كنت أثق في عقلك ، ومع ذلك فأنت معذور ، لأن ما حدث وما سوف يحدث يتجاوز كل عقل .
[ يندفع من جميع الجهات المتفرعة من الأسواق حول الخان عدد خفير من الرجال والشباب والصبية والنساء ويحملون أشياء مختلفة فوق روؤسهم وعلى أكتافهم والبعض يجرجر ها على الأرض يصرخون ويصيحون ، والنساء تحمل أطفالها ، والبعض منهن ينادين ويبحثن عن أطفألهن ، البعض يسقط على الأرض من التزاحم والتدافع ]
امرأة : ( تبكي وتلطم ) أين ذهبت يا بني ..يا خالد ..يا خالد .
رجل 1 : ( يتلفت حوله ) يا إبراهيم …يا إبراهيم ..ألم ير أحدكم ابني إبراهيم .
طقل : ( يبكي ) يا أمي ..أين أنت ؟ ..أين أنا ؟
عجوز : ( ينهض من سقوطه ويدفع من حوله ) لقد أوشكو أن يسحقوني تحت أقدامهم لقد جُن البغداديون .
رجل 2 : ( يحمل جوالا ويحاول أن يخلصه من يد رجل ) أنه يخصني لقد دفعت ثمنه أبعد يديك عنه وإلا حطمت رأسك .
رجل 3 : ( يجذب الجوال منه ) لقد دفعت ثمنه أولا وإن لم تتخل عنه سأبلغ عنك الشحنكية يا لص الطحين .
عابر : ( يشير إلى جمال الدين ) ها هو (جمال الدين) وسط الناس ..يا جمال …يا جمال الدين .
جمال الدين : ( يخرج مع من خرجوا ثم يعود مع حركة التدافع ، ويتجه إلى عابر يتحسسه ) نعم أنت عابر وهذا الخان ( ينظر إلى نفسه ) وأنا سليم معافي الحمد لله .
عابر : ( متعجبا ) ماذا يحدث ؟ وما جرى للناس ؟ وأين الكتاب الذي كلفتك بإحضاره من سوق الوراقين .
جمال الدين : ( ساخرا ) أي كتاب هذا ؟! إن أسواق بغداد كلها مقلوبة رأسا على عقب ، البعض أغلق أبوابه والبعض نُهب كل ما فيها والآخر احترق وأغلب التجار يخفون بضاعتهم حينما تكالب الناس عليها .
عابر : (متعجبا ) ماذا جري ؟! ماذا حدث ؟!
جمال الدين : ( مفزوعا ) التتار في ميادين بغداد .
عابر : أرايتهم ؟!
جمال الدين : ( مترددا ) لا ، لم أر احدا منهم .
عابر : هل أحد غيرك رآهم ؟
جمال الدين : لا أظن ..ولكن الناس يقولون ذلك .
الخليل : ( يتقدم منه ويربت على كتفه ) لا تخش شيئا يا جمال …التتار ما يزالون أمام الأسوار ولما يدخولها بعد وأظن سيمكثون بعض الوقت .
جمال الدين : ( متعجبا ) كيف هذا ؟ الناس سيقتلون بعضهم بعضا .
الخليل : هذا ما يريدونه .
جمال الدين : ( يذهب نحو الحقائب ويحملها ) إذن علينا ان نسرع بالخروج . لي صديق سيدلنا على طريق نخرج منه بدون علم التتار .
عابر : ( بحزم ويشير إلى باب الخان ) أدخل الحقائب إلى الخان …لن نخرج من بغداد .
جمال الدين : ( يسقط الحقائب من يديه مندهشا) إذن إلى أين سنذهب ؟!
عابر : ( يجلس بجوار الخليل الصوفي ) سنبقى ..ولن نرحل .
جمال الدين : وما لنا في بغداد ؟! لنرحل وأرض الله واسعة …ثم أن الخطر محدق بنا .
عابر : ومن أجل هذا سنبقى ..فليس من الشرف والكرامة أن نستمتع بخير بغداد وقت أمنها ونتخلها عنها وقت شدتها ؟
جمال الدين : ( متعجبا ) وماذا ستفعل أنت أو غيرك أمام بطش التتار ، إن مجرد ذكر اسمهم تجعل القلوب تصعد إلى الحناجر …ألم تر منظر الناس منذ قليل ؟!
عابر : ما يجري على أهل بغداد يجري علينا .
جمال الدين : ( يلتفت إلى الخليل الصوفي ) وأنت هل تشاركه الرأي ؟
الخليل : ( يربت على كتف عابر ) لو غادر بغداد ما غادرتها ، ونحن دائما صحبة واحدة منذ وقت طويل .
عابر : اخرج أنت يا جمال ..وأسرع قبل أن يكمل التتار محاصرة بقية الأسوار .
جمال الدين : ( يصافح الاثنين ) يعز على مفارقتكما ..ولكن ما باليد حيلة …السلام عليكم .
عابر : ( ينادي عليه ) يا جمال ..خذ معك الحقائب ..فلست في حاجة إليها وربما تعينك في سفرك .
[ يخرج من باب الخان ، فارس بثياب القتال ، يسير متعثرا محاولا إحكام
الأزرار والأربطة حول جسمه المترهل ]
عابر : ( يتامل الفارس في تعجب ) ماهذا الذي ترتيديه يا (تقي الدين) ؟! هل أعادوك إلى الجيش ؟
تقي الدين : ( يحاول إحكام القميص حول صدره ) لم يعيدني أحد ، ولكن الواجب يناديني للدفاع عن أسوار بغداد ..وأرجوك لا تعطلني في أحاديث لا جدوى منها .
عابر : ( يتنحى من أمامه ) معذرة فلن أعطلك تفضل كي لا تتأخر .

تقي الدين : ( مترددا ) هل مع أحدكما فرس يعيرني إياه ؟
الخليل : ( مبتمسا ) وأين فرسك أيها الفارس الهمام ؟!
تقي الدين : ( غاضبا ) إني اشتم من كلامك رائحة السخرية مني ، وأنت تعرف مصير من يجرأ على السخرية مني .
عابر : لا مجال للسخرية هنا …ولكنك أنت في كامل عدتك الحربية ، فأين فرسك ؟
تقي الدين : (منكسا رأسه ) لقد أخذوه مني حينما سرحوني أنا والآلاف من صفوف الجيش .
الخليل : ولكن لماذا سرحوك أنت وغيرك ،مع العلم أنك ما شاء الله فارس الفرسان .
تقي الدين : ( يلمع الخوذة بطرف ثوبه ) اقتصادا في النفقات كما قيل لنا يومئذ .
الخليل : وشراء الجواري والقيان والخصيان وآلات العزف والموسيقى والإسراف في الطعام والشراب والملذات والخمور من كل صنف ونوع وبناء القصور والدور والهدايا التي تنفق على كل من هب ودب و …
تقي الدين : ( مقاطعا في غضب ) لا شأن لي بكل ما تتحدث عنه ، إني مجردمحارب في جيش أمير المؤمنين أطيع أوامر القائد .
عابر : وهل تسريح الفرسان وجعلهم يستجدون على أبواب المساجد وفي الأسواق والميادين ويسكنون الخانات يتفق ومكانة المحاربين أمثالكم ؟!
تقي الدين :لا تزد من ألمي يا عابر ..المهم الآن ما ينتظرنا أمام الأسوار ( يشير مجموعة من الرجال مدججين بالسلاح يتقدمهم قائدهم ) ما الذي جاء بصاحب شحنكية بغداد إلى هنا ..هذا الرجل لا أطيق رؤيته .
صاحب الشحنكية : ( يتلفت حوله ) ألم ير أحد منكم اللصوص وهم يجرون من هنا ؟!
عابر : ( متعجبا ) وماذا سرقوا ؟!
صاحب الشحنكية : لقد نقبوا مخازن الشهبندر( أحمد الشيرازي )ونهبوا ما في داخله .
الخليل : ( ساخرا ) كل شيء سينهب يا هذا .
عابر : وهم أولى من التتار .
صاحب الشحكنية : ( يشير إلى الحراس حوله ) لا شك أنهم سيمرون من هنا …ليتوارى كل
منكم حتى نمسك بهم ( يتأمل ملابس تقي الدين ويتقدم منه ) لقد سمنت أيها الفارس ولم تعد الملابس تناسبك ، ( يشير إلى جراب السيف ساخرا ) ومال
هذا الغمد مهتريء ..أكيد ما في داخله سيف صدئ هذا إذا كان السيف موجودا أصلا
تقي الدين : ( غاضبا ) وما شأنك أنت بالغمد وما في داخله ..لقد خاض معارك بعدد شعر رأسك ..أتحب أن تجربه .
صاحب الشحنكية : (يسل سيفه ) أرجو أن تكون ماهرا في استعمال السيف قدر مهارتك في
استعمال لسانك .
عابر : ( يعترض طريقه ) أتتشاجران والتتار على أسوار بغداد..أغمد سيفك .
[ يدخل عدد من الرجال والشباب والنساء من جميع جهات الأسواق يحملون أشياء مختلفة ويخرجون من الجهات الأخرى]
صاحب الشحنكية : ( يشير إلى عدد من الشباب ) أيها الحراس اقبضوا على هؤلاء حذار أن
يفلتوا منكم ( يتأمل وجوههم بعد أن جعلوهم يصطفون) من أنت ؟! (صقر) أمهر لص في بغداد ، ومن أنت أزل القناع من على وجهك أيها اللص ..يا للمفاجأة ( فتنة )التي فتنت شباب بغداد طبعا انت وأخاك تريان أن هذا أنسب وقت تخرجان فيه للسرقة ، وأنت أيتها المرأة اكيد هذا الطفل الذي تحميلنه ليس ابنك .
المرأة : ( تربت على ظهر الطفل ) نعم ليس ابني .
صاحبب الشحنكية : لم تكتفوا بسرقة مخازن الشهبندر (أحمد الشيرازي) تسرقون الأطفال أيضا .
المرأة : أنا لستُ لصة .
صاحب الشحنكية : وماذا تكونين ؟
المرأة : أنا طرارة شريفة .
صاحب الشحنكية : (ضاحكا ) وهذا الطفل ؟!
المرأة :(تحتضن الطفل) لقد أودعته أمه أمانة لدي حتى تقضي بعض حوائجها …وحينما رأيتُ الناس يجرون جريت معهم خوفا وسأبحث عن أمه حتى أسلمه إياها .
صاحب الشحنكية : ( ساخرا ) ومنذ متى السارق يسلم للمسروق ما سرقة با امرأة ( يشير
للواقفين أمامه) طبعا هذا أنسب وقت تخرجون فيه لتسرقوا وتنهبون ..ظننتم أن الأمر مستباح …لا ..طالما أنا جالس على كرسي الشحنكية سأقطع دابركم وستقضون بقية عمركم في السجن يا حثالة بغداد
[ يدخل رجل يجرجر على الأرض جوالا لا يقدر على حمله ]
الرجل : ( يتنفس بصعوبة ) يا خلق ..لقد عثرت على هذا الجوال ملقى على قارعة الطريق و..
رئيس الشحنكية : ( يتقد نحو الرجل فاتحا ذراعيه ساخرا )أهلا وسهلا .. زعيم الشطار
والذعار…..تعال انضم إليهم يا ( ثعلبان ) أيها الحراس قيدوا هذا المجرم
وحذار أن يفلت منكم
ثعلبان : ( يقاوم الحراس وهم يقيدونه ) ألم أخبرك من قبل أن تبتعد عن طريقي يا (بجلي ) …ألم نتفق على هذا آخر مرة تقابلنا فيها ؟!
بجلي : ( يمس على لحيته ) وأنا عند وعدي لك …ولكن أنت الذي جئت إلى ووقفت في طريقي …في تلك المرة ستقضي بقية عمرك في السجن .
ثعلبان : ( متحديا ) ولماذا تقبض علي يا بجلي ؟
بجلي : ( يشير إلى الجوال) أنت هذه المرة متلبس بالسرقة
ثعلبان :(يدور حول نفسه ) وأين تلك السرقة ؟
بجلي : هذا الجوال الذي تحمله .
ثعلبان : أنت تعلم قبل غيرك أني لست لصا ..وأني أكره اللصوص الذين على شاكلتك
بجلي : أعلم أنك لست لصا .حتى وإن سرقت فأنت لا تسرق إلا من الأغنياء لتعطي الفقراء ، لذلك فهنتك مكافأة كبيرة من ضحاياك الأغنياء رصدوها لمن يخلصهم من رزالتك ، والآن سأحصل على تلك المكافأة وألقيك بقية عمرك في السجن
ثعلبان : ليس من حقك القبض على ، ولم يتهمنى أحد بالسرقة .
بجلي : ( يربت على صدره ) أوتظن أني ساتهمك بهذا الجوال الحقير …بل سأتهمك بسرقة مخازن بأكملها ، وسأتي بعشرات الشهود على ذلك .
ثعلبان : ( يشير إلى الحبال حول ذراعيه ) ولكن هذا ظلم …وأنا أحذرك ..وأنت تدرك ما الذي أقدر عليه .
بجلي : ( يدور حول ثعلبان ) مقيد بالحبال وحولك الحراس شاهرين سيوفهم ، ولا أحد من أصدقائك أو صبيانك يعلم بمكانك الآن ، وحينما يعرفون ستكون جدران السجن هي المانع بينكما .
ثعلبان : وهل منعتني جدران سجونكم من الهروب ، وهناك في بغداد قضاة عادلون وسيعرفون أني لم أسرق هذا الجوال
بجلي : سأرسل إلى الشهبندر (أحمدالشيرازي )الذي نهبت مخازنه ليرى تلك المسروقات ( يشير إلى رجل يدخل المكان ) هاهو الشبندر أحمد ( يتقدم نحوه متباهيا ) لقد قبضتُ على الذين سرقوا مخازنك .
أحمد الشيرازي : ( يتجاهله ويتقدم من عابر والخليل الصوفي ) أنتما جالسان هنا ولا تدريان
ما يحدث !!
عابر : علمنا أن التتار محتشدون أمام أسوار بغداد .
احمد الشيرازي : تلك أخبار قديمة جدا .
الخليل : ( مندهشا ) أهناك شيء آخر ؟!
أحمد الشيرازي : هناك أخبار أن قصر الخليفة يقبل شروط التتار وتلك مجردالبداية وستعقبها
تنازلات ليس لها حد .
بجلي : ( يتدخل بين أحمد وعابر) أنت تتجاهلني يا سيدى مع العلم أني قبضتُ على من سرق مخازنك وكأن الأمر لا يعينك ؟
أحمد الشيرازي : ( يلتفت إلى المقبوض عليهم ) خلي سبيلهم يا بجلي ..أنا الذي أعطيتهم ما
يحملونه .
بجلي : ( متعجبا ) أعطيتهم ما يحملون ؟! إنهم لصوص يا سيدى الشبندر ! وهذا (الثعلبان) لم ينج أحد منه
أحمد الشيرازي : الأولى بك أن تأخذ أسلحتك ورجالك وتذهب إلى أسوار بغداد …( يخاطب
الواقفين ) احملوا بضاعتكم التي وهبتكم إياها وأذهبوا إلى حال سبيلكم هيا يا (بجلي) أيها الحراس ..حلوا وثاقهم .
ثعلبان : ( يتقدم من أحمد ) لو كنت أعلمك بهذا النبل ما تعرضت لمخازنك وقوافلك من قبل.
أحمد : ( متعجبا) من أنت أيها الرجل ؟ وهل تقابلنا فيما سبق ؟ !
عابر : ( يربت على كتف ثعلبان ) لا شك أنك سمعت عنه وإن لم تره ، هذا ( ثعلبان ) حبيب الفقراء وعدو الأغنياء ، الرجل الذي يحاول أن يقيم العدل في بغداد من وجهة نظره هو ومن معه .
أحمد : ( يصافح ثعلبان ) ولكن أكل ما كنت تأخذه منا نحن الأغنياء تعطيه للفقراء .
ثعلبان : نعم ، وإلا كنت الآن أغنياء أغنياء بغداد .
أحمد : ( يربت على كتفه ) اذهب إلى مخازني وخذ ما تشاء ( يلتفت إلى الواقفين حوله ) وأتنم يا من تسمعونني من يريد شيئا فليذهب إلى مخازني ويأخذ ما يريده أنتم أولى من التتار .
تقي الدين : ( يربت على كتف أحمد ) سيدي البار الكريم ..ألا يمكن أن تدبر لي فرسا ، فكما ترى لا ينقصني سواه .كي أذهب إلى مقاتلة التتار .
أحمد : ( يتأمله ) أظن ينقصك أشياء كثيرة غير الفرس ، سوف أدبر لك فرسا أيها المحارب الهمام …ألا تريد شيئا آخر ؟
تقي الدين : ( يتحسس جراب سيفه ) فليكن مع الفرس سيف ، فكما ترى السيف ثلم .
احمد : ( ساخرا ) ما رأيك أتيك بفارس ومعه كامل عدته ؟
تقي الدين : ( غاضبا ) إني أحس بنبرة سخرية في كلامك يا أحمد .
أحمد : معاذ الله أن أسخر بفارس من فرسان بغداد ..كل ما تريده سوف أوفره لك وأكثر .
بجلي : (يشير إلى الحراس ) حلوا وثاقهم ( يلتفت إلى الطرارة ) أما أنت يا سارقة الأطفال فلن أفلتك أبدا .
المرأة : ( بتحد ) قلت لك لست سارقة قطع لسانك .
بجلي : ( يصفحها على وجهها ) بل سارقة وداعرة أيضا .
[ تدخل أم الطفل تبكي وتجري إلى المرأة وتأخذه منها تقبله ]
أم الطفل : ( تحتضن الطفل ) أعطيني يدك لأقبلها ، لقد سألت عنك رفيقاتك الطرادات وكن يساعدنني في البحث عنك وهاهن ورائي بارك الله فيهن .
[ تدخل عدد من الطرارات ، ويحطن بالمرأة متعجبات ]
طرارة 1 : ( تحل وثاقها ) من الذي قيدك هكذا يا أم مظلوم ؟!
طرارة 2 :(تتحسس يدها ) وما الذي أوقفك هنا ؟!
طرارة 3 : ( تناولها قطعة خبز ) لقد بحثنا عليك طويلا .
طرارة 4 : ( تناولها جرعة ماء ) هيا لنعد كل الأسواق أغلقت .
طرارة 5 : ( تحدق في عينيها مندهشة) ما هذا ؟! أنت تبكين ؟!
طرارة 6 : ( تدير وجهها إليها ) نعم …أنت تبكين حقا .
طرارة 7: ( تجذبها من يدها بعنف ) من الذي أساء إليك .
أم مظلوم : ( تشير إلى بجلي ) هذا الرجل اتهمني بالسرقة وسبني .
جميع الطرادات:( في صوت واحد ) يا نهارك أسود ، الويل لك .
[ يخلعن ما يرتيدن في أرجلهن ويتجمعن عليه ويضربنه ، وحينما يحاول
الحراس تخليصه من أيديهن ينالوا مانال صاحبهم وهن يزغردن ]
(ستار)

                         الفصل الأول

(المشهد الثالث ).
قاعة الوزير ( مؤيد الدين العلقمي ) في قصر الخليفة العباسي (المستعصم ) ، يتصدر القاعة كرسي كبير ، يجلس الوزير عليه وعلى جانبية عدد من المقاعد الوثيرة ،وخلف الكرسي خريطة كبيرة الحجم مرسومة على قطعة من قماش الحرير لبلاد الصين وفارس والجزيرة العربية وبلاد الشام ، وفي الوسط منضدة علبها طبق ذهبي مملوء بأنواع من الفاكهة ، وبجوارالحائط منضدة أخرى عليها قناني وكؤوس الشراب وبجوار كرسي الوزير رقعة شطرنج كبيرة الحجم وعليها القطع الخشبية مطعمة بالأحجار الكريمة ، تدلف إلى القاعة جارية الوزير ( شاهيناز ) من باب صغير تخفيه ستارة مسدلة ، تخطر في ثوبها الحريري ، تلتقط تفاحة من الطبق وتأخذ كأسا وتقترب من الوزير ( مؤيد الدين العلقمي ) .
شاهيناز : ( متعجبة ) مولاي …لم أرك متجهما وشاردا هكذا من قبل ، حتى أنك لم تنتبه لدخولي عليك !
الوزير : ( منتبها ) منذ متى أنت هنا ؟
شاهيناز : ( تجلس بجواره وتقدم له تفاحة ) أتشكو مرضا ؟
الوزير : ( يبعد التفاحة ) لا .
شاهيناز : ( تقدم له كأسا ) أمتعكر المزاج ؟
الوزير : لا .
شاهيناز : ( تشير إلى فمها ) أغني لك ؟
الوزير : لا .
شاهيناز : ( تتمايل يمينا ويسارا ) أرقص لك ؟
الوزير : ( مطوحا بيده ) لا .
شاهيناز : ( تجثو عند قدميه ) أقتل نفسي إن لم أستطع أن أبعد أشباح الغم والهم عن حبة قلبي ومولاي .
الوزير :( ينهض ويخطو خطوات ) لو كان القتل يحل المشاكل لما بقت مشكلة واحدة في العالم .
شاهيناز : ( تطوقه بزراعيها من الخلف محتضنة إياه ) لن أفلتك إلا بعد أن تخبرني …أول مرة أرى العقل الجبار والقلب الجسور حائرا هكذا ..أيمكن ان تكون وقعت في الحب ؟ أخبرني من تلك المرأة لأجعلها تأتي إليك راكعة تطلب عطفك ورضاك .
الوزير : ( يتخلص منها مبتعدا عنها ) هكذا أنتن ..ما ترين الرجل مشغول الفكر إلا وتحسبن أن قلبه معلق بامرأة .
شاهيناز : ( تأخذ يده وتضمها إلى صدرها ) وهل هناك أهم من المرأة لدى الرجل ؟
الوزير : ( جاذبا يده متأففا ) نعم يوجد …أنت لا تدرين ما يحدث حولك( يشير إلى كؤوس الشراب ) حياتك كلها بين الشراب والغناء والرقص .
شاهيناز : ( تلتصق به ) لا تنس أني أعرف أشياء كثيرة وأنت الذي علمتني أياها ، فأنت أستاذي ومعلمي الأكبر والعقل الجبار .
الوزير : ( يذهب ويتهاوى على كرسيه ويمس على لحيته ) لا ادري إن كنت كما تقولين أم أني أغبى الأغبياء …( ينهض ويدور حول نفسه ) أني أشفق على هذا الرأس الجميل أن ينشغل بأمور معقدة .
شاهيناز : ( تشير إلى رأسها ) هذا الرأس الجميل يعرف كل ما يدور حوله . ..( تخطر بدلال نحوه ) أعرف أن التتار يقتربون من أوسوار بغداد ( تمسك بيده ) ولكني اعرف أن كل هذا بعلمك وتخطيطك ، وانهم يسيرون على الخطوط التي رسمتها لهم …وأنك ..وانك تراسلهم ويراسلونك .
الوزير : ( ينتفض واقفا ، ويذهب نحو الباب ) صه …قاتلك الله ..من الذي أخبرك بذلك ؟ّ
شاهيناز : ( تطوح بشعرها إلى الوراء ) لم يخبرني أحد..ولكني أنا الذي عرفت ..وعرفت أشياء كثيرة أخرى .
الوزير : ( يجري ورائها) وماذا عرفت أيضا أيتها الشيطانة .
شاهيناز : ( تهرب منه بالقفز على المقاعد) الرحلات الليلة التي يقوم بها رجالاك )عبد الحميد )و(الدمغاني) في السر ، يخرجان محملان بالذهب والهدايا ويعودان بالرسائل .
الوزير : ( يمسك بها ويحيط عنقها بيديه ) لم يعد شيء عليك بسر ، ولكن كلما عرفتين من أسرار قد يكلفك عنقك أيتها الجارية …لا أنت لست بجارية أن شيطانة ..شيطانة بحق .
شاهيناز : ( تنزع الخنجر من نطاقه وتناوله إياه ) الخنجر في يد وعنقي في اليد الأخرى فأذبحني إن كان هذا يطمئنك ويرضيك .
الوزير : ( يتناول الخنجر ويرفعه إلى أعلى ،يتأمل العنق والشعر محسورا عنه ) لا أنكر أنك من أذكى جواري القصر ، كذلك لا أنكر أنك تحبينني .
شاهيناز : ( تقترب بوجهها من وجهه ) أظنك قبلت برهان مدى إخلاصي لك .
الوزير : ( يجلس إلى كرسيه ، ويغرز الخنجر في المنضدة بجواره ) ليت كل من حولي مخلصون مثلك .
شاهيناز : ( تجلس بجواره تتناول يده ، تقبلها ) أنا لا افهم شيئا مما تقوله !
الوزير : ( يمس على شعرها متعجبا ) إذن أنت لا تعرفين الكثير مما يحدث !
شاهيناز : ( تنظر إليه بدلال ، تشير إلى رأسه ) نعم ، ولكني عاجزة أن أفهم ما يدور في هذا الرأس من أفكار وحيل …أعرف أنك دخلت الكثير من المعارك ودبربت الكثير من المؤامرات ، وانتصرت على كل أعدائك وخصومك ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ..أنك الرجل الأول في القصر ، واليد اليمنى لأمير المؤمنين ، وأنه فوضك في كل ما يخص البلاد بدون الرجوع إليه ، ومع ذلك هناك مساحة كبيرة في هذا الرأس يغلفها الضباب ، ولا أستطيع ان أرى ما يدور فيها .
الوزير : (يتنهد) أنا نفسي لا أفهم ما يحدث .
شاهيناز : ( تمسك يده ) افتح لي قلبك ..أقصد عقلك …وكما يقولون يضع سره في أضعف خلقه .
الوزير : (يجذبها من أذنها ضاحكا ) أنت شيطانة ولست ضعيفة .
شاهيناز : ومع ذلك فتلك الشيطانة تلميذتك ..وتعلمت منك الكثير لا تنس أنك اخترتني من مئات الجواري في القصر وربيتنيث وعلمتني ..وأنا الآن كاتمك أسرارك فأخبرني عما يقلقك .
الوزير : ( يمس على لحيته ) كنت أظن الذي يتحكم في العالم حولنا العقل وليس القوة
شاهيناز : لا شك في هذا .
الوزير : لا على ما يبدو كنت مخطئا ، فهي القوة ..أما العقل فهو مشلول أمامها .
شاهيناز : ( متعجبة ) مازلت لا أفهم شيئا .
الوزير : ( يتجه إلى رقعة الشطرنج ويحرك بعض القطع ) منذ. مدة راسلت ( هولاكو ) وعرضت عليه صداقتي ، الرجل لم يمانع ، بل رحب بهذا العرض ترحيبا كبيرا .
شاهيناز : ( مندهشة ) صداقة مع هولاكو ..ولم ؟!
الوزير : ( ينحي بعض القطع من رقعة الشطرنج ) لأستخدمه للقضاء على أعدائنا ولأمن جانبه من ناحية أخرى ..وتوطت العلاقة بمرور الأيام ، وقام بالقضاء على الكثير من الأعداء والخصوم بالفعل ، ولكن بعدما تخلص من الجميع بدا يتجه إلى (بغداد) بجيشه .
شاهيناز : ( متعجبة ) ألم يكن بينكما عهود ومواثيق ؟!
الوزير : نعم ، وكان يصونها ويحافظ عليها طالما هو بعيد عن (بغداد) ، ولكن مع كل خطوة كان يخطوها كان يسقط عهدا من تلك العهود تباعا .
شاهيناز : ولماذا ؟!
الوزير : ( يطيح بكل القطع على رقعة الشطرنج غاضبا ) كان يستخدمنى لأغراضه هو ، وكنت أظن انني الذي أستخدمه ..وليت الأمر اقتصر على ذلك .
شاهيناز : أهناك شيء آخر ؟!
الوزير : ربما يكون هناك توارد خواطر بين البشر ، فالكثيرون كانوا يفكرون مثلما أفكر ..
شاهيناز : كيف ؟
الوزير : دخل على نفس الخط مع (هولاكو) الكثير الذين يضمرون لنا العداء ..فقد عرفت أن الكثيرين يدفعون (هولاكو) ويزينون له دخول بغداد وهناك شيطانهم الأكبر .
شاهيناز : تقصد من ؟
الوزير : الشيخ نصير الدين الطوسي .
شاهيناز : ( مذعورة ) إذن نحن الآن في خطر .
الوزير : كنت أعمل حسابا لتلك الساعة ؟
شاهيناز : كيف ؟
الوزير : هناك المنجم الخاص (لهولاكو) رجلنا (حسام الدين) ، وهو يثق فيه ثقة مطلقة . ..ولكن هناك مشكلة الاتصال به سرا بدون أن يعرف أحد . وأريد أن يتم ذلك على وجه السرعة .
شاهيناز : ( مفكرة ) أيمكن أن أقوم بالمهمة .
الوزير : ( مترددا ) ولكنها مهمة محفوفة بالمخاطر .
شاهيناز : ( متحدية ) لا تخش شيئا على شيطانتك .
[ يدخل الحارس معلنا عن وصول القائدين ( أيبك الحلبي ) و ( سيف الدين قلج ) وشيخ الشيوخ ( صدر الدين النيار) و ( ومحمد بن طاوس ) ]
الوزير : ( يذهب إلى كرسيه ، يشير إلى شاهيناز أن تخرج من الباب الخفي ) ها قد وصل الجمع أخيرا …( يشير إلى الحارس ) ليدخلوا .
[ يدخل الجمع ويأخذون مقاعدهم على يمين ويسار الوزير ]
الوزير : ( يدقق النظر في القائدين (أيبك الحلبي) و(سيف الدين قلج )، ينهض ويتقدم إلى وسط القاعة ) أيها الحارس …أيها الحارس .
الحارس : ( يدخل متوترا ) سيدى الوزير ..سمعا وطاعة .
الوزير : ( يومئ بعينه إلى القائدين ) ألم أمرك ألا يدخل على أحد بسلاحه أيها الأحمق .
الحارس : ( مرتعشا ) ولكن يا مولاي أنهما…………..
الوزير : ( مقاطعا ) نفذ أوامري فورا أيها الحارس .
الحارس : ( يتقدم نحو القائدين ) لو سمحتما …
أيبك الحلبي : ( يقف ويناوله السيف ) وما ذنبك أنت …نفذ أوامر الوزير .
سيف الدين قلج : ( يقف غاضبا ويده على مقبض سيفه ) أبعد عن وجهي أيها الحارس القذر
وإلا ضربت عنقك .
الحارس : ( يتراجع مرتعشا ) سيدى الوزير هو الذي أمر بذلك .
قلج : ( يقترب خطوات من الوزير ) الشخص الوحيد الذي أجرد سيفي أمامه هو أمير المؤمنين .
الوزير : ( يشير إليه بأصبعه ) وأميرك هو الذي أمر بذلك .
قلج :ولكننا في حالة حرب .وأنا قائد الجيش .
الوزير : ( يعود إلى مقعده ضاحكا ) وهل تتوقع أن تقابل أحدا من التتار هنا داخل القصر
صدر الدين النيار : ( يمس على لحيته مدققا النظر إلى عين الوزير ) إن التتار موجودون
بالفعل معنا في القصر وقد يكونون معنا الآن و ….
الوزير : ( ينتفض واقفا مقتربا من صدر الدين ) ما الذي تقصده يا شيخ الشيوخ ؟!
صدر الدين : ( يشير إلى القائد قلج بالجلوس) أنت تعرف ما أقصده أيها الوزير .
الوزير : ( غاضبا ) أنت تلقي بالتهم جزافا ، وكل من بالقاعة مخلصون ولا نشك في أحد منهم .
صدر الدين : أنت أسأت فهمي أيها الوزير ، أنا أقصد جواسيس التتار ، فإنهم ينسلون بيننا كالنمل بدون أن نشعر بهم ، وأنت سيد العارفين
محمد بن طاوس : الأمر كما تقول يا شيخ الشيوخ ، إنهم ينتشرن كالوباء في كل مكان ( ينهض
متجها إلى المنضدة التي عليها أكواب الشراب ويصب كأسا ، ويلتفت إلى الوزير ) ولكنك أيها الوزير أقلقتنا ؛ لأن من أرسلته لدعوتنا كان يريدنا على وجه السرعة .
الوزير : أهذا يدعو للعجب ؟!
محمد بن طاوس : قطعا لا ، وإن كان هناك عجب ، فالعجب أنك تاخرت طويلا حتى تدعوننا .
الوزير : أتدرون لماذا دعوتكم ؟
صدر الدين : وهل هناك موضوع غير التتار .
الوزير : أنا لا أدعوكم إلا إذا كان هناك أمر خطير .
محمد بن طاوس : ( ساخرا ) وما هذا الأمر الخطير .؟
الوزير : ألا تعيش في بغداد يا ابن طاوس ..التتار سيدقون أبواب بغداد عن قريب .
محمد بن طاوس : ( غاضبا ) أبواب بغداد عرضة للهدم منذ أن سقطت بخارى وسمرقند
ونيسابور وجرجان وترمذ وبلخ وخراسان .
صدر الدين : أتمنى إلا يأت يوم نقول فيه أكلت يوم أكل الثور الأحمر .
الوزير : ( يخلل لحيته بأصابع يده ) ماذا تقصد يا شيخنا من قولك هذا ؟ّ
صدر الدين : ( يسوى العمامة فوق رأسه ) بغداد أصبحت مهددة منذ وقت بعيد أيها الوزير ، ما يحدث امام أسوار بغداد اليوم مخاض لحالة حمل تم منذ مدة .
الوزير : ( ساخرا ) اليوم يوم اللعب بالألغاز والتلاعب بالألفاظ ..لمذا لا تنزل إلى مستوى فهمنا المتواضع أيها المعلم .
محمد بن طاوس : شيخنا يقصد أن المصيبة الكبرى والتي نحن الآن في ذيولها كانت وقت أن
تخلت بغداد عن نجدة وإمداد السلطان (جلال الدين) ومن قبله والده( خوارزم
شاه )
الوزير : أمير المؤمنين المستنصر بالله لم يفعل أكثر ما فعله الملك (الأشرف )و(السلطان علاء الدين )وسلطان سلاجقة الروم وحكام ميارقين وماردين و ..
صدر الدين : ( مقاطعا ) ولا استبعد أنهم كلهم نادمون الآن ، لأن التتار أصبحت قوة تهددهم .
الوزير : كما قلت أصبحت قوة تهدد الجميع …وبدأت قواتهم تتوافد على أسوار بغداد فما رأيكم ؟!
أيبك الحلبي : ( متعجبا ) وهل هناك امر آخر سوى الحرب والدفاع عن بغداد ؟!
قلج : ( ساخرا ) وإن كان هذا الأمر جاء متأخرا جدا ..ولكن ليس أمامنا سوى ذلك
الجميع :( في صوت واحد ) نعم ليس أمامنا سوى الحرب .
الوزير : ( ينهض ويسير خطوات ويمسك بالخنجر ويمس به على لحيته ) ولكني لي رأي آخر .
قلج : وما هو ؟
الوزير :السلام .
الجميع : (في صوت واحد ) السلام ؟!
صدر الدين : من الذي عرض السلام ؟ نحن أم هم ؟
الوزير : نحن الذي سنمد أيدينا بالسلام .
قلج : وهل سيقبلون ؟
الوزير :على الأقل لن يرفضوا .
بن طاوس : (ساخرا ) وعلام بنيت توقعك أيها الوزير ؟!
الوزير : ( ينتقل خلف كرسيه مشيرا إلى الخريطة المعلقة على الحائط ) منذ أن خرج التتار من منغوليا وهم يحاربون ، ينتصرون تارة وينهزمون تارة آخرى ، ولكن غلبت انتصاراتهم هزائمهم ، واجتاحوا أمما وحطموا ممالك ، ولكن يأتي وقت على تلك الجيوش المنتصرة لتتوقف إما لأنها تعبت وكلت ، أو لأنها حققت ما ماتريده من مكاسب ..
أيبك : ( مستفسرا ) وتلك الحالة تنطيق على التتار الآن ؟
الوزير : نعم .
قلج : ولماذا زحفوا إلى بغداد ؟
الوزير : ( يقف خلف كرسيه ) أظن أرادوا أن يتوجوا خاتمة غزواتهم ببغداد ، وأظن أنهم ليسوا عازمين على دخولها .
صدر الدين : إذا أرادوا أن يتوجوا غزواتهم كما تقول ، إذن لابد أن يغزوا بغداد وإلا لماذا بدأوا يحشدون تلك الأعداد الهائلة أمام بغداد ؟!
الوزير : ( يجلس على كرسيه ) أنا على يقين أنهم لن يجرأوا على غزو بغداد .
بن طاوس : ( مندهشا ) وما يميز بغداد عن بقية الممالك والدول التي غزوها ؟!
الوزير : (ساخرا ) ألا تعرف ماذا تمثل بغداد ..إنها أعظم عاصمة أشرقت عليها الشمس .
بن طاوس : وهل يعرف هولاكو هذا الأمر ؟
صدر الدين : وألا يغريه هذا بغزوها .؟
بن طاوس : وبذلك يضم مجدا إلى مجده .
الوزير : ابن طاوس سأل سؤالا هام : ما يميز بغداد عن غيرها …أن جميع الممالك والدول ناصبت التتار العداء أما نحن فسنعرض السلام .
صدر الدين : تلك مغالطة لأن التتار هم الذين بدأوا بالحرب وحرقوا ودمروا وارتكبوا أبشع الجرائم في التاريخ .
الوزير : حتى ولو كان الأمر كما تقول ..فالتتار كالنار المشتعلة ، كلما ألقيت إليها الحطب زادت اشتعالا ، فالحطب هي الجيوش المحاربة التي تقف أمام التتار .
بن طاوس : ( مندهشا ) تقصد أننا لن نقف أمام التتار ؟!
الوزير : نعم ، لا نستفزهم ..لا نستفزهم أسلوب وطريقة جديدة لم يألوفها ..نفعل كما فعلت ملكة سبأ …نعرض السلام .
صدر الدين : الهدايا ؟
قلج : تقصد الجزية ؟
الوزير إذا كان ما سندفعه يسجنبنا الحرب ، فنحن الفائزون .
قلج ( يقف غاضبا ) أنا لا أعرف تلك الأساليب الملتوية التي تتحدث عنها …نار .وحطب وجزية وسلام ..الذي أعرفه أن هناك عدوا يدق أبواب بغداد بجيشه إذن ليس هناك خيار سوى الحرب …الحرب فقط .
الوزير : ( يقترب من قلج ويربت على كتفه ويمس على مقبض سيفه ) ماذا قال قواد جيش ممكلة سبأ ..أظنك تحفظ قولهم .
قلج : قالوا نحن أولوا قوة وألوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين .
الوزير : ( يعود إلى كرسيه مشبكا أصابعه على صدره ) إذن الأمر بيد الأمير وليس بيد الحصان والعسكري كما هو في لعبة الشطرنج .
قلج : ( غاضبا ) ولكنك لست الأمير .
الوزير : نعم ..فأنا الوزير الذي يحمي الملك وما تعلم وتعلمون كلكلم أن أمير المؤمنين لا يعصي لي امرا ، وانا مفوض في كل شيء إقرارا وكتابة .
صدر الدين : ( يقف ويحكم وضع العمامة فوق رأسه ) إذن أنت قررت ألآ نحارب وستمد يد السلام للتار .
الوزير : وكفي الله المؤمنين القتال .
صدر الدين : والخيار الآخر ؟!
الوزير : ماذا تقصد ؟
بن طاوس : ( يقف ويمد يده نحو الوزير ) أظن لابد أن يكون هناك بدائل عن اليد الممدودة بغصن الزيتون .
الوزير : ما زلت لا أفهم ؟
أيبك : ( يقف بجوارهما ) إذا رفض التتار عرضك بالاستسلام .
الوزير : تقصد بالسلام .
صدر الدين : ( ساخرا ) لا فرق .
الوزير : ( متحديا ) لا… هناك فرق .
صدر الدين : السلام… حينما يكون هناك بدائل وخيارات أخرى ، أما الاستسلام وهذا حالنا الآن حينما لا يكون هناك خيارات أو بدائل أخرى .
الوزير : ( يقف ويسير إلى وسط المكان مواجها لهم )ما زلتم لا تستطيعون استيعاب الطريقة الجديدة التي سأواجه بها التتار وأجعلهم ينصرفون عن بغداد بدون غزو
صدر الدين :( يتجه نحو الباب ويتبعه الأخرون ) الآن فقط تيقنت أن بغداد ليس لها أسوار ..ومعك حق أيها الوزير فلن يكون هناك حرب او غزو ..سلام عليك يا بغداد .
قلج : ( يخلع حمالة السيف ويقدمها للوزير ) ادع الحارس ليحتفظ به ..فلن أحتاج إليه بعد الآن .

                                     ( ستار ) 



                            الفصل الثاني 

(المشهد الأول ) :

أمام خان ( الدفتردار ) المقاعد زادت عن ذي قبل ، وكذلك مرتادي المكان ، وعدد من الناس والرجال يجلسون في زوايا المكان ، ولا تنقطع حركة الدخول والخروج من الخان .ومجاميع من الأطفال يبارزون بعضهم بالعصي ويكرون ويفرون محدثين جلبة وضوضاء .يجلس ( تقي الدين ) مع (أبي الحسن) .
أبو الحسن : من كان يظن أن يصبح خان ( الدفتردار ) أشهر خان في بغداد ويتخذه الناس كمزار سياحي يقصدونه صباح مساء
تقي الدين : ( يخط خطوط متقاطعة على الأرض بسيفه ) لقد جُن الناسُ في بغداد ، ولماذا كل هذا ؟!
أبو الحسن : لم يحدث من قبل أن قام عدد من الطرارات بضرب صاحب شحنكية بغداد والذي زاد الطين بله أن (ثعلبان ) قيده و الحراس بالحبال وطاف بهم على الأسواق .
تقي الدين : ( ساخرا ) وصنعوا من ( ثعلبان ) في يوم وليلة ، بطل الأبطال لقداكتسب صيت وشهرة وأنا الذي خضت من المعارك الكثير لم أحظ بماحظى به .
أبو الحسن : ليس حبا في ( ثعلبان ) ولكن كراهية في صاحب الشحنكية ، فأنت تعرف أن أهل بغداد كلهم يكرهونه لسوء خلقه ولاستخدام سلطته في الظلم ، ( ثعلبان ) فعل ما يحلمون ويتمنون فعله وبالأخص أصحاب الدكاكين والتجار .
تقي الدين : لو كان الظرف غير الظرف ، لقبض على ( ثعلبان ) وقضى بقية عمره في
السجن.
أبو الحسن : أي ظرف تقصد ؟
تقي الدين : ظرف حصار التتار لبغداد .
أبو الحسن : يا أخي رغم أنهم يقولون إن حصارهم حول أسوار بغداد قد أكتمل أني لا أتخيل أنهم سيدخلون بغداد .
تقي الدين : لا يا أبا الحسن ، التتار يريدون دخول بغداد .
أبو الحسن : ( مندهشا ، يتحسس ملابس تقي الدين ) وفيم جلوسك هنا ؟
تقي الدين : أنتظر الشهبندر (أحمد) يأتيني بفرس كما وعدني .
أبوالحسن : وأين هو الآن ؟
تقي الدين : لقد تأخر عن موعده ..وها أنا في انتظاره
أبو الحسن : تنتظر (أحمد) أم الفرس ؟
تقي الدين : الاثنين .
أبو الحسن : ( يصيخ السمع يقف ويشير بيده ) ما هذه الضوضاء ..إني أسمع صوت الولد ( دقدق ) ماذا يحدث ؟!
تقي الدين : إنه هناك يتشاجر هو ورفقاؤه ومعهم سيوفهم أقصد عصيهم .
أبو الحسن : ( يتقدم متحسسا طريقه وسط الصبية ) يا ولد يا (دقدق ) ما الأمر يا ولد
صبي1 : ( يجذبه من يده ) لقد ضربنا هو ومن معه يا عم أبا الحسن .
دقدق :(يدق الأرض بقدميه ) نحن لم نضربهم ولكننا انتصرنا عليهم .
صبي2 : ولكننا اتفقنا أن جيش الخليفة سيهزم جيش التتار .
دقدق : ولكننا انتصرنا على جيش الخليفة لأننا أقوى منهم .
أبو الحسن : هم انتصروا عليكم لأنهم أقوى .
صبي1 : كيف ينتصرون على جيش الخليفة وهم أشرار .
صبي2 : وقد اتفقنا منذ البداية أن الأشرار يُهزمون في النهاية و(دقدق ) ورفقاؤه وافقوا على القيام بدور الأشرار .
أبو الحسن : ( يمد يده ،يمسك برأس دقدق ) طالما أتفقتم على هذا الأمر لماذا خالفت الاتفاق يا دقدق ؟
دقدق : هذا الاتفاق قبل أن ننتصر عليهم .
صبي1 : كيف تنتصرون علينا وأنتم الأشرار ؟!
دقدق :وكيف تنتصرون علينا وأنتم ضعفاء ؟ّ!
أبو الحسن :(يعود إلى مقعده ) هيا ابحثوا عن لعبة أخرى و …
تقي الدين : (مندهشا ) هاهو (أحمد) قد عاد ومعه (عابر) و(الخليل الصوفي) ..ولكني لا أرى مع أحمد الفرس !
أحمد : ( متعجبا ) لماذا ترتدى هذه الثياب ؟!
تقي الدين : (يقف ويتقدم منه ) لماذا لم تحضر لي الفرس كما وعدت بذلك ؟
أحمد : ( حزينا ) وماذا ستفعل بالفرس ؟
تقي الدين : ( ساخرا ) أتنزه به في (الرصافة) .
عابر : ( يربت على كتفه ) هون على نفسك يا (تقي الدين) …لن يكون هناك حرب
تقي الدين : ( متعجبا ) هل رحل التتار عن أسوار بغداد ؟
أحمد : لا ..ولكن سيترك جيش الخليفة أسوار بغداد .
تقي الدين : كيف هذا ؟! أنا لا أفهم شيئا !
الخليل الصوفي : أيها الجندي الهمام يا من تسري في عروقه فروسية (خالد بن الوليد) و جرأة
(القعقاع بن عمرو التميمي) أبشرك لقد تم الموافقة على كل شروط التتار .
تقي الدين :( يمسك بكتف الخليل ) وهل نحن دخلنا الحرب وهُزمنا ؟!
عابر : ( ساخرا ) نحن لم ندخل الحرب ولم نُهزم .
تقي الدين : ( يمسك بسيفه ) ومن الذي اتخذ هذا القرار ؟
عابر : من في القصر .
تقي الدين : (يتقدم وسطهم ) لا شأن لي بهم .ليتخذوا ما يشاءون من قرارات ..أما أنا فسأحارب التيار .
أحمد : ( متعجبا ) أتذهب إلى الحرب وحدك يا (تقي) أجننت يا رجل ؟ّ!
تقي الدين : ( غاضبا ) نعم سأذهب بمفردي ،ولا أريد منك فرسا ، سأذهب إليهم راجلا .
عابر : يا (تقي) للأسف الشديد لا حرب ، فكرة الحرب استبعدها من تفكيرك .
تقي الدين : وهل التتار استبعدوها من تفكيرهم ..هل التتار رحلوا عن أسوار بغداد ؟ ولو أخبرتني أنهم رحلوا فلن أصدقك حتى ولو أقسمت لي .
عابر :(مندهشا ) لماذا ؟
تقي الدين : لأن لم يسبق للتتار حصار مدينة ثم رحلوا عنها ..ثم أخبرني بريك ما الذي يمنع (هولاكو) عن حرق وتدمير( بغداد) وذبح البغدادين عن بكرة أبيهم ؟
أبو الحسن : لا يا (تقي الدين) لقد أخطأك التوفيق في هذا …وهل الخليفة ( المستعصم ) وكبار رجال الدولة غفلوا عن هذا ؟! أنت تتحدث عن تسليم أعناقنا للتتار ..أمعقول هذا ؟!
تقي الدين : وهل كان معقولا تسريح الآف من جنود الجيش ؟!
أبو الحسن : تلك أمور تخص الدولة لا علم لنا بها ..ولكن لانتخيل أن الخليفة يسلم بغداد هكذا .
أحمد : وبم تفسر يا أبا الحسن موافقة الخليفة على كل شروط التتار ؟
أبو الحسن : ربما يكون في الأمر خدعة .
عابر : ( يشير إلى رجل يتقدم منهم مترددا ) أليس هذا جمال الدين ؟!
الخليل الصوفي : نعم هو ..ولكن حالته سيئة جدا …يا جمال …يا جمال أقبل يا رجل
عابر : ( يربت على كتفه مندهشا ) أنت لم ترحل عن بغداد ؟! وماذا حدث لك ؟
جمال الدين : ( يتهاوى على مقعد ويأخذ كوب من الماء ) كنا على وشك أن نهلك أنا ومن معي .
عابر : ماذا حدث ..؟! ظننتك خرجت من بغداد .
جمال الدين : لقد حاولنا أكثر من مرة الخروج من ثغرات في أسوار بغداد ، ولكن كل التغرات وجدنا حشدأ من التتار.. نسمة الهواء لا تمر بدون أن يسمح لها التتار
عابر : ولكن ماذا حدث لك ؟!
جمال الدين : أثناء رجوعنا هجم علينا اللصوص وقطاع الطرق وأمسكوا بنا ولم يخلوا سبيلنا إلا بعد ان جردونا من كل ما معنا .
عابر : والتتار لن يرحلوا عن أسوار بغداد ؟
جمال الدين : ( يجفف عرقه بكم جلبابه ) بل قل سيأكلون بغداد .
عابر : إذن كل ما يقوله (تقي الدين) حقيقة .
أحمد : نعم ..ولكن ما بأيدينا أن نفعله إذاكانوا هناك خضعوا ووافقوا على الشروط .
عابر : نعم ، ولكننا هنا نرفض هذا الخضوع .وأكيدهناك غيرنا لهم نفس الموقف
أبو الحسن : والخليفة ورجال الدولة .
عابر : إما انهم متواطئون مع التتار أو أنهم أجبن من مواجهة التتار .
أحمد : دعونا من كل هذا …ما الواجب علينا أن نفعله الآن ؟
الخليل الصوفي : إذا كانت وصلت رسالة للتتار بالخضوع لشروطهم فيجب أن تصل رسالة
برفض قبول تلك الشروط .
أبو الحسن : معنى هذا إعلان الحرب .
تقي الدين : ( متحمسا ) إذا كانت الحرب كُتبت علينا فبها ونعم ..وهم الذين قدموا إلينا .
الخليل الصوفي : والرسالة التي ستصل إلى التتار ستحمل توقيع من ؟
عابر : ماذا تقصد ؟
الخليل الصوفي : رسالة بتلك الخطورة لابد تحمل توقيع الخليفة يا (عابر) .
أبو الحسن : ( ضاحكا ) إذن نحن في حاجة إلى خليفة يوقع مثل تلك الرسالة .
أحمد : أو أن الناس يوقعون علبها .
الخليل الصوفي : لن يعترف التتار بهذا الأمر …لابد أن يكون فردا
عابر : ( مترددا ) إذن ليختر الناس فردا ليوقع الرسالة .
الخليل : ولابد أن يكون هذا الفرد هو الخليفة .
عابر : (مفكرا ) ليختر الناس خليفتهم .
أحمد : ( متعجبا ) ما هذا الجنون يا (عابر) ؟! كنت أظنك أعقل من ذلك !
عابر : وهل ما يحدث لنا فيه شيء من العقل ؟!
أحمد : وهل معنى أن ما يحدث حولنا خال من العقل أن نتصرف نحن كالمجانين ؟
عابر : الخروج في التفكير عن المألوف والمعتاد ليس جنونا يا (أحمد) .
أحمد : أتفق معك يا (عابر) ..ولكن من يكون هذا الشخص ؟!
أبو الحسن : لابد أن يكون الخليفة قرشيا ، على هذا اتفق الفقهاء .
الخليل الصوفي : الضرورات تبيح المظورات يا (أبا الحسن )..نحن في مأزق خطير .
أحمد : المهم ماذا علينا أن نفعله الآن ؟
عابر : أن ندعوا الناس ليختاروا خليفة يقودهم إلى حرب التتار .
الخليل الصوفي : ليس أمامنا متسع من الوقت …فالوقت سيف مسلط على أعناقنا الآن .
أحمد : ماذا تقصد ؟
الخليل الصوفي: أن نختار نحن الخليفة .
عابر : أظن هذا هو الحل الأمثل .
أبو الحسن : ومن سيكون هذا الشخص ؟
عابر : بغداد حاشدة بالقواد والزعماء والعلماء والأئمة المخلصين والمحبين للبلد …ليكن واحدا من هؤلاء .
أحمد : كفى ما أضعناه من وقت ..وهيا إلى العمل ..لنعرض الأمر على أكبرعدد ممن نعرفهم .
تقي الدين : وماذا على أن أفعله الآن .
أحمد : ( يربت على كتفه ) عليك مهمة خطيرة يا فارس الفرسان ..تجميع الصوف والاستعداد لمواجهة التتار ..ألس هذا ما كنت تسعي إليه .
أبو الحسن : ( يمد يده ضاحكا ) وسوف أساعدك وأعينك في هذا الأمر يا تقي الدين .

                                 ( ستار )




                              الفصل الثاني 

(المشهد الثاني)
أمام خان ( الدفتردار ) يجلس ( ثعلبان ) والشحاذة ( أم مظلوم ) في ناحية ،عدد غفير من الناس يمرون به يصافحونه ويحيونه في إجلال وتقدير ، وأبو الحسن في ناحية أخرى ، يتابع ما يدور بينهما .
ثعليان : ( يسوى العمامة فوق رأسه ) لو كنت أعلم أن ضرب رئيس الشحنكية والحراس وتقيدهم والطوفان بهم على الأسواق سيجعلني محبوبا بين الناس هكذا لكنت ضربتهم منذ زمن بعيد .
أم مظلوم : ( تشير إلى جلبابها ) نساء وبنات بغداد يهنئنني ويغدكن على الهدايا .
أبو الحسن : ( يشير إليهما بعصاه ) ليس حبا فيكما ولكن كراهية لصاحب الشحنكية والزبانية المحيطين به .
ثعلبان : كنت أظن أن الناس لا يكرهون صاحب الشحنكية لتلك الدرجة .
أبو الحسن : كيف لا يكرهونه وهو ظالم ومفتر ولم ينج أحد من ظلمه وبطشه .
ثعلبان : ( متعجبا ) ولماذا لا يفعلون معه ما فعلته أنا وأم مظلوم .
أبو الحسن : الناس ليس في جرأتكما ، وأنتما ليس لديكما ما تخافان عليه ، والأهم أن الجميع مشغول بحصار التتار لبغداد .ويخافون من (هولاكو) خيفتهم من ملك الموت .
ثعلبان : أتدري ما أتمناه يا أبا الحسن الآن ؟
أبو الحسن : ( مندهشا ) ما الذي تتمناه يا (ثعلبان) ؟!
ثعلبان : أن أظفر( بهولاكو) هذا الذي يخيفون به الصغار والكبار .
ابو الحسن : ( ضاحكا ) وماذا ستفعل به يا (ثعلبان) ؟
ثعلبان : ( متحمسا ) سوف أريه النجوم في عز الظهر .
أبو الحسن : أظننت (هولاكو) مثل صاحب الشحنكية ؟!
ثعلبان : ( يربت على كتف أبي الحسن ) ما من رجل أدخل معه في صراع ويكون ظالما إلا وانتصر عليه بعون الله .
أبو الحسن : وهذا ما دفعك أن تضرب صاحب الشحنكية والحراس .
ثعلبان : نعم ، أنا لا أطيق أن أرى إنسانا مظلوما ، لأني ظُلمت كثيرا منذ أن فتحتُ عيني على الدنيا :
أبو الحسن : ( ضاحكا ) والله أنت فتحت عينيك ، غيرك حُرم من ذلك .
أم مظلوم : ( تشير إليه ) تعال اشكي لي همك يا (ثعلبان) …فضفض يا أخي.
عاشة : ( تخرج من الخان ومعها صفحة عليها مشروبات تعطي لثعلبان وأم مظلوم وتتقدم من أبي الحسن ) أظنك يا أبا الحسن ظمآن ..أتيت لك بمشروب بارد .
أبو الحسن : ( يمد يده باحثا عن الكوب ) هنيئا لك يا (عائشة ).
عائشة : ( متعجبة ) علام يا أبا الحسن ؟!
أبو الحسن : عابر باق ..لن يبرح بغداد .
عائشة : ليته رحل ياأبا الحسن .
أبو الحسن : ( مندهشا ) لماذا؟! أليس هذا ما كنت تتمنينه؟!
عائشة : بعدما انشغل هو ورفقاؤه بأمر البحث عن خليفة وتجميع الناس لمحاربة التتار ، تمر أيام لا أراه ، وإذا رأيته فهو مشغول البال والفكر
أبو الحسن : ( متحمسا ) لقد قام هو ومن معه بعمل معجزة ، فبعد أن كان أهل بغداد يرتعشون من مجرد ذكر التتار ها هم يتجمعون بأعداد هائلة ويتشوقون إلى محاربة التتار …حتى الأطفال لا يكفون عن لعبة الحرب وقتال التتار وأسر ( هولاكو ) وبيعه في سوق الرقيق هو وجنوده .
عائشة : أول مرة أرى النساء يأتين إلى الخان ويقدمن مصاغهن ، والتي لا تملك مصاغا تقدم أي شيء في بيتها يصلح لذلك .
أبو الحسن : فعلا تلك المحنة كشفت عن مدى حب الناس لبلدهم كما فضحت الخونة والمتأمرين على هذا البلد الطيب .
عائشة :( متعجبة ) تقصد من ؟ !
أبو الحسن : ( يطوح بيده) ليس هذا وقته يا عائشة …المهم ألم يتم اختيار خليفة للآن و ..
عائشة : ( مقاطعة ) ها هو (عابر) ومعه رفقاؤه ومعهم خلق كثيرين قادمون ولكن الجميع واجمون .
أبو الحسن : إذن التتار دخلوا بغداد .
أحمد : ( يجلس ) لابد أن نتصرف ..كل ما فعلناه قد يضيع هباء .
عابر : وماذا سنفعل ؟ كل الذين عرضنا عليهم المنصب رفضوا رفضا قاطعا …هم معنا في كل شيء ويقدمون لنا كل شيء إلا حكاية منصب الخليفة .
الخليل : وكأنهم تواصوا بهذا الرفض ، كل العلماء والفقهاء وأئمة المساجد والقضاة والمعلمين
أحمد : لم نترك أحدا في بغداد إلا وعرضنا عليه ، الجميع رفض ..الغريب أنهم فوضوا الأمر لنا باختيار رجل ، وهم موافقون عليه حتى ولو لم يروه أو يعرفوه
الخليل : وهذا يعسر مهمتنا أكثر ..وأنا أعذرهم فما نعرضه عليهم في غاية الغرابة ولم يحدث من قبل .
أحمد :(ساخرا ) البعض ظن بنا الجنون والخبل
عابر : ( حائرا) الوقت يداهمنا وهناك أشياء كثيرة متوقفة على هذا .
أحمد : وما العمل ؟
عابر : ( مترددا ) أنا أرى أن نتخطى هذا الأمر .
احمد : ماذا تقصد ؟
عابر : لا داعي أن يكون ثمت خليفة .
أحمد : ( مندهشا ) وخلف من يسير الناس ؟!
عابر : يسيرون خلف الفكرة والمبدأ .
أحمد : ( مندهشا ) أي فكرة وأي مبدأ ؟!
عابر : الآلاف الذين يتجمعون الآن في الميادين والأسواق والمساجد والمدارس والخانات سيدافعون عن من ؟
أحمد : عن أنفسهم وبلدهم ودينهم .
عابر : ما دخل الخليفة في هذا الأمر ؟ بل قد يكون وجوده معوقا ومعطلا في حرب التتار كما حدث مع الخليفة ( المستعصم ) ومن حوله الآن .
أحمد : ( غاضبا ) يا (عابر) إذا كنت أنا و(الصوفي) على استعداد أن نقبل غرابة أفكارك وعجيب تصرفاتك ، فالناس ليسوا على استعداد أن يقبلوا ما قبلناه …لابد أن يكون للناس خليفة ، وهم ينتظرون ذلك الرجل ، ولا تنس الرسالة التي يجب أن يوقعها لنرسلها للتار .
أبو الحسن : ( يحرك عصاه في الهواء ) أعقمت بغداد بعلمائها وفقائها ومفكريها ومعلميها على أن يتجرأ فرد ويتقدم ليقوم بدور الخليفة في تلك اللحظات الحرجة ويقود الناس إلى الجهاد والله لو كنت أصلح لهذا الأمر ما ترددت لحظة واحدة .
ثعلبان : ( يتقدم من أحمد ويربت على كتفه ) سيدي( أحمد) …
أحمد : ( مندهشا ) ثعلبان !! أأنت هنا ؟!
ثعلبان : يا سيدي ..
أحمد : ( مقاطعا ) أنت سيدنا كلنا ..حديث الناس لا ينقطع عنك يا( ثعلبان ).
ثعلبان : سيدى أحمد ..لقد سمعت أنكم تبحثون عمن تنصبونه خليفة .
أحمد : ( مبتسما ) نعم .
ثعلبان : وسمعت كذلك أن جميع من عرض عليه الأمر رفض .
أحمد : للأسف .
ثعلبان : ( مترددا) أيمكن أن أكون ذلك الرجل الذي …
عابر : ( يجذب ثعلبان نحوه ) أتدرك خطورة ما أنت مقدم عليه ؟!
ثعلبان : ( بدون اكتراث ) وأي خطورة في ذلك ؟
عابر :أول رجل سيبحث التتار عنه إذا دخلوا بغداد هو أنت .
ثعلبان : ( متحمسا ) لن نمكنهم من دخول بغداد إن شاء الله .
عابر : والخليفة إذا عرف سيقطع عنقك
ثعلبان : أنا ليس لي إلا عنق واحد ، وهو ليس بيد التتار ولا بيد الخليفة وإنما بيد الله.
عابر : وما الذي يدفعك إلى هذا يا (ثعلبان) ؟
ثعلبان : ( ينظر إلى المتجمعين حوله ويشير إليهم ) هؤلاء .
عابر : وما علاقة الناس بهذا الأمر ؟!
ثعلبان : إذا كنت ضربت صاحب الشحنكية ، فنلت تقديرا واحتراما من الناس لم أكن أحلم به ، فماذا لو قتلت ( هولاكو ) نفسه الذي يريد تدمير وحرق بغداد .
عابر : ( يربت على كتف ثعلبان) ولكن قد ينتصر ( هولاكو) ومعه جيشه الضخم .
ثعلبان : أي معركة فيها غالب ومغلوب ..وقدأكون المغلوب ..كما قد أكون الغالب .
أحمد : ( يجذب عابرا ويتنحي به جانبا ) ما تفكر فيه نوع من الجنون ..أرجو أن أكون مخطئا في ظني .
عابر : (يضع يديه على كتفيه ) (ثعلبان) هو أنسب رجل لتلك المهمة يا (أحمد) ….أين كانت تلك الفكرة غائبة عنا ؟!.
أحمد : ( يبعد يدى أحمد عنه غاضبا ) أي فكرة أيها المجنون .
عابر : فكرة أن (ثعلبان) هو رجلنا المنشود .
أحمد : ( منصرفا ) لا ، لن أتناقش مع شخص فقد عقله ..ولكي لا أفقد عقلي أنا الآخر سأغادر هذا المكان على الفور .
الخليل : ( يمسك يأحمد ) وهل نحن في ظرف يسمح لنا بمثل تلك التصرفات
يا أحمد ؟!
أحمد : ( يعود ) أسمعت ما قاله وعرفت ما يفكر فيه ؟
الخليل : ( يربت على كتفه ) لنتناقش ونعطي لأنفسنا فرصة للتفكير .
أحمد : لو تناقشت مع ( عابر) سيقنعني لأن لديه ألف حجة للإقناع .
الخليل : وأنت رافض للإقناع وللمناقشة العقلية …أليس كذلك ؟
أحمد :(يشير إلى عابر) (عابر) هذا ..كل أفكاره مجنونة والأكثر جنونا قدرته على الإقناع بهذا الجنون …أأنت مقتنع بفكرته ؟
الخليل : ( مفكرا ) قبل لحظات لم أكن مقتنعا ، ولكن الآن إن لم أكن أقبل الفكرة فلماذا أرفضها ؟
أحمد : إذن أنت رافض للفكرة المجنونة .
الخليل :لا ..أنا قلت : إن لم أقبلها فلا أرفضها .
أحمد : لدى أما أن أقبل الفكرة أو أرفضها .
الخليل : الفرق بينك وبين عابر أنك تعرض الفكرة على عقلك .
أحمد :و(عابر) ؟!
الخليل : يعرض الفكرة على الظرف الذي نمر به ، وما نمر به ظرف نادر وصعب ، مصير البلد سيقرر خلال الساعات القادمة .
أحمد : وهذا أدعى أن نحكم العقل والمنطق .
الخليل : ( يتجه إلى عابر ) بماذا سترد ؟
عابر : لقد تجاوزنا منطقة العقل والمنطق بمراحل ..هناك خطر يهدد وجودنا كلنا ..هناك امام أسوار بغداد مائتين ألف سفاك دماء ينتظرون الإشارة من أكبر سفاح في التاريخ ليحصدوا الأرواح ويدمروا ويحرقوا …أهذا بربك يتفق مع العقل ، والجيش الخليفة تلقى أوامر صارمة بردم الخنادق والابتعاد عن الأسوار ومن قبل سرح الآلاف من الجنود أهذا بربك يتفق مع العقل ؟! وخرجت الوفود محملة بالذهب والهدايا أهذا بربك يتفق مع العقل ؟! واستجيب لكل ما أمر به التتارمما يتنافى مع الكرامة والشرف والنخوة ..أهذا بربك يتفق مع العقل ؟! تنتظر حتى يأتيك عدوك في عقر دارك ويحكم حصاره حولك وأنت تنتظر انتظار الحمل هجمة الوحش الضاري أهذا بربك يتفق مع العقل ؟!وكأني أرى سيوف التتار تجز رقاب البشر المسالمين وتسيل أنهارا وتغتصب الحرائر وتحمل سفاحا ، وتدنس المساجد وتهدم المأذن و …
الخليل : ( يحتضنه بقوة ) بربك أنت كف عن هذا …لقد ذبحتنا بسيف كلماتك ..وأنت يا أحمد ألديك حلا آخر غير ما عرضه عابر ؟!
أحمد : كما قلت ..وهل المذبوح له الخيار في شيء .
الخليل : وماذا علينا أن نفعله الآن .
أحمد : نرسل رسالة إلى ( هولاكو ) .
الخليل : وماذا سنكتب فيها ؟!.
أحمد : لن تدخل (بغداد) إلا على أجسادنا ودمائنا …أما شرفنا وكرامتنا فلن تنالها لأنها ستكون في السماء مع أرواحنا .
( ستار )

                        الفصل الثاني 

المشهد الثالث

أمام خان ( الدفتردار ):
أحمد : ( متضايقا ) أنا قلق .
عابر : قلق ألا تصل الرسالة إلى التتار ؟
أحمد : بل ألا تصل الرسالة إلى الناس .
عابر : ماذا تقصد ؟
أحمد : مسألة أن يكون هناك خليفة غير الموجود في القصر ، هذا أمر صادم للناس ،خارج استيعابهم قد يعجزون عن إدراك أبعاده ، هذا شيء، الشيء الأخطر خاص (بثعلبان )، أنا لا أدرى للأن كيف وافقتك على هذا الأمر ، أصارحك لقد فعلت وقررت أشياء كثيرة غير معقولة في حياتي بل مجنونة ، ولكن أبدا لم تكن مثلما كان الأمر بثعلبان …أنا ..أنا
عابر : ( يربت على كتفه )هناك أشياء راسخة في حياة الناس لابد أن يأتي عليها وقت ووتتغير
أحمد :مثل ماذا ؟
عابر : مثل الحاكم الذي يحكم الناس سواء كان ملكا أو وزيرا أو أميرا ، يجب على الناس ألا يشخصنوا الحاكم .
أحمد :(يمسك رأسه ) عابر …ليس هذا وقته لو تكرمت أنا رجل تاجر ، وإن كنت أسمعك وأقرأ أحيانا ما تدفعه لي من كتب إلا أنني في المقام الأول لست متبحرا مثلك .
عابر : أقصد أن يكون الحاكم مجرد دور أو مهمة أومسئولية أو ظيفة إن أداها الحاكم على خير وجه فبها ونعم ، وإن قصر أو انحرف عن دوره أومهمته فعلى الناس أن يغيروه
أحمد : كيف يغير الناس الحاكم وكل أسباب القوة والسلطة في يده ، والأهم السلطة والنفوذ النفسي والوجداني داخل الناس، فطاعة ولي الأمر من المسلمات حتى لو أخطأ كما هو حادث الآن من ( المستعصم ) (فأبو بكر الصديق ) : يقول ما ترك الناس الجهاد حتى ضربهم الله بالذل
عابر : وهذا مانحاول أن ننبه الناس إليه .
أحمد : أوتظن أن الناس ستقبل أن يكون هناك رجلا يسيرون وراءه غير الخليفة الذي يقيم في قصر الخلافة ؟
عابر : لا أظن .
أحمد : ( منفعلا ) كيف تقول هذا ؟! وكل ما نفعله و ..
عابر : ( مقاطعا ) نحن نحاول وإن شاء الله سننجح ، الأمر ليس بالسهولة التي تتصورها ، وإن كان الظرف الذي نمر به قد يساعدنا كثيرا ، فكما يقولون الغريق يتعلق بقشة .
أحمد : نعم ، ولكن تلك القشة قدتهوي به إلى أعماق المحيط ، أنا لا أدري كيف وافقتك على أختيارك لثعلبان ؟! ثعلبان.. يا (عابر) .
عابر : أتعرف أن (ثعلبان) قد يكون أفضل رجلا لتلك المهمة ؟
أحمد : ( متعجبا ) كيف هذا ؟! رجل قضى حياته بين العيارين والشطار والذعار واللصوص وتقول إنه أفضل رجلا .
عابر : ( ضاحكا ) نحن نمر بمرحلة استثنائية لذلك نحن في حاجة إلى رجل استثنائي و.
أحمد : ( مقاطعا ) استثنائي في فكره في رؤيته في مواهبه في زعامته في قيادته .على مستوى خطورة وجلال الحدث الذي نمر به الآن .
عابر : هل لو اخترنا رجلا تتوافر فيه كل تلك الصفات ، أتظن أن الناس سيلتفون حوله ونحن في هذا الظرف ؟!
أحمد : ولم لا ؟
عابر : ما تتحدث عنه لم يكتسب كل تلك الصفات إلا من خلال ابتعاده عن الناس وما
يخوضون فيه ، هناك فجوة واسعة بينه وبين الناس ، العلماء والفقهاء والمفكرين والأئمة والمعلمين والصفوة ..لا يعلم بوجودهم أحد من الناس إلا تلاميذهم والمعجبين بهم .
أحمد : وهذا لا يقلل من أهميتهم .
عابر : حينما يخرج (ثعلبان) يدعوالناس إلى محاربة التتار أتظن من أول المستجبين له ؟
أحمد : العيارين والشطار واللصوص وقطاع الطرق والبدو والغجر .
عابر : لماذا ؟!
أحمد : ( مفكرا ) أظن لأنه منهم وتربطه بهم علاقات وثيقة ؟
عابر : الأهم من هذا أنهم يفهمونه ويفهمهم هو واحد منهم ، وهم ينتمون إليه .
أحمد : وهل سينتهي الأمر عند هذا الحد ؟
عابر : لا بل سيتبع ( ثعلبان ) كل من في بغداد ..العلماء والفقهاء والقضاة والمعلمين والأئمة .
أحمد : (مندهشا ) وهؤلاء علام سيتبعونه ؟!
عابر : الدافع الغيرة منه ومن تبعه ، فالمفروض أن يكون هؤلاء هم المبادرين والمتقدمين للدفاع عن البلد وليس هؤلاء السفلة الرعاع كما يعتبرونهم ، ولا تنس أن العيارين والذعار والفتيان والبدو ووالغجر أعدادهم في بغداد لا يستهان بها ، فهم يزيدون عن مائة ألف..ليس عددهم فقط ولكن شجاعتهم وجرأتهم ومهارتهم في فنون القتال ،لقدأعجزوا ( طاهر بن الحسين ) قائد جيش المأمون عن دخول ( يغداد ) وكانت هناك وقعتين أبلوا فيهما بلاء عظيم ( وقعة قصر صالح ) ووقعة ( باب الشماسية ) .
أحمد : أوتظن أنهم يستطيعون الدفاع عن ( بغداد )
عابر : نامل ذلك ..هم وغيرهم …و ( ثعلبان ) رغم عيوبه ونقائصه إلا أنه شجاع وجرئ ولا يخشى الموت .
أحمد : ( متضايقا) ولكنه أرعن ومتهور وقد يقود الناس إلى الهلاك .
عابر : وأين نحن ..نحن عينه التي يرى بها وعقله الذي يفكر به وإرادته التي ينفذ بها
أحمد : ( يشير إلى مجموعة من الناس يتقدمهم جمال الدين ) أليس هذا جمال الدين ؟!
عابر : (يتقدم من جمال) ما وراءك يا جمال …وأين كنت طوال النهار ؟
جمال : ( يجفف عرقه مفزوعا ) التتار يقذفون السور الشرقي بالمنجانيق .
عابر : ( مندهشا ) وهل انتهت المفاوضات بينهم وبين الخليفة ؟!
جمال : ( يتجرع كوبا من الماء ) يقولون إن التتار طلبوا أن تفتح أبواب بغداد وأن يتنازل الخليفة لابنه ويخرج إليهم أعزلا .
عابر : ألم تدعو الناس إلى مبايعة( ثعلبان) أنت والرفقاء كما كلفتك بذلك ؟
جمال : نعم ، وهذا سبب مانحن فيه .
عابر : ( يتأمل حالته ومن معه ) ماذا حدث ؟
جمال : كعادة الناس يضحكون ويسخرون ، وظنوا أن الأمر دعابة وليت الأمر توقف عن ذلك .
عابر : وماذا حدث غير ذلك ؟!
جمال : البعض أراد ضربنا والنساء ألقت علينا البيض وثمار الطماطم ، رجال الشحنكية كانوا يطاردونا في كل مكان نذهب إليه .
عابر :أهذا قبل أن ينتشر خبر ضرب التتار لسور بغداد ؟
جمال : نعم ، هذا كان في الضحى .
أحمد : ( مندهشا ) وما علاقة هذا بذاك؟!
عابر : ( يمسك بكتف جمال ) أريد منك ومن معك تجميع أكبر عدد من الرجال والنساء والأطفال حاملين أسلحتهم .
جمال : ( مندهشا ) نعم ، أستطيع تجميع هؤلاء ، ولكن ماذا سيحمل النساء والأطفال ..حتى الرجال من أين ..
عابر : ( مقاطعا ) أي شيء يصلح أن يحملونه ..عصا ..سكين قضيب حديد قطعة خشب ،،، هؤلاء يطوفون بالأسواق والحواري والميادين .وكل مكان في بغداد .
جمال : نعم ، ولكن ماذا سنقول لهذا الجمع وهم ماذا سيفعلون ؟ وبعدد أن نطوف بالأوساق والميادين والأزقة إلى أين سنذهب ؟
عابر : ( مفكرا ) تهتفون : السيف البتار للقضاء على التتار مع زعيمنا (ثعلبان) .
جمال : إذن نحن في حاجة إلى راية لنرفعها ليتجمع الناس تحتها .
عابر : ( يبحث حوله ، يجذب قطعة قماش متدلية من نافذة ) لتكن تلك …ضعها في عمود خشبي وأرفعها عاليا …هيا لا تضيع الوقت .
احمد : ( يتابع انصراف جمال ومن معه ) أليس ما نفعله جنونا ؟!
عابر : هو الجنون بعينه ..ولكن إذا كان هذا ما سينقذ بغداد ..فلم لا ؟
احمد : ( شاردا ) أتحب بغداد يا عابر ؟
عابر : إني أعشقها ..ولكن الأمر أكبر من ذلك ، لو سقطت أسوار بغداد ستسقط أشياء كثيرة إلى الأبد ، أوسوار بغداد لسيت حجارة صماء ولكنها تاريخ وشرف وعزة وكرامة وإرادة ..وللأسف ما يسقط ويتهاوي من المحال إعادته .
أحمد : ( متحسرا ) بغداد تلك المحاصرة الآن والمهددة كانت توجه الجيوش شرقا وغربا لتخضع أمما وشعوبا ،والملوك والأمراء كانوا يطلبون ودها …واليوم ..ما أغرب هذا الزمن !!
عابر : ليس الزمان ، ولكن نحن الذين فعلنا ذلك بأنفسنا ..الخليفة ألعوبة في يد وزرائه ، والوزراء فاسدون مرتشون يبيعون ضمائرهم ويتاجرون في شرفهم .
أحمد : الخلفاء ومن غلبت عليهم شقوتهم غارقون في المنتع والملذات ، حياتهم بين الجواري والقيان والأغاني والموسيقى والرقص ..تخلوا عن واجيهم الأول وهو حماية البلاد وصيانة شرف العباد .
عابر : لا تنس أنه كان هناك خلفاء عظام .
أحمد : ( حزينا ) مضوا ومضى زمانهم .
عابر : (متألما ) للأسف ..للأسف .
أحمد : ( يربت على كتف عابر ) أوتظن أننا سننجح فيما نخطط له يا عابر ؟
عابر : كفانا شرفا أن نفدى أسوار بغداد بدمائنا وأرواحنا وهذا أقصى ما يمكن أن نقدمه
أحمد : وهل تظن الناس سيقتنعون( بثعلبان) .
عابر : الأهم أنهم سيقتنعون بشرف مقصدنا ونبل هدفنا ..الدفاع عن شرف بغداد .
أحمد : أرجو ذلك .

                           ( ستار )  





                              الفصل الثالث 

المشهد الأول :

أمام خان (الدفتردار) تمسك ( عاشة ) (دقدق) وتتراقص به وتغني .
عائشة : ( تحتضنه ) لكم أنا سعيدة يا ( دقدق ) .أنت أجمل ( دقدق) رأيته.
دقدق : ( يتخلص منها ) هل قبض ( ثعلبان ) على (هولاكو) يا (عاشة) ؟
عائشة : ( مندهشة ) من الذي أخبرك بهذا يا ( دقدق ) ؟!
دقدق : ( يقفز ويجلس فوق منضدة ) كل الناس في الأسواق يقولون إن (ثعلبان) سيربط (هولاكو ) بالحبال ويركبه على حمار ويطوف به على الأسواق كما فعل بصاحب الشحنكية ؟
عائشة : ( تجذبه من فوق المنضدة ) لا ، لم يحدث …وأظن أنه لن يحدث .
دقدق : ( يعاود القفز فوق المنضدة ) إذن لماذا تغنين وترقصين يا عائشة ؟
عائشة : ( تمسك به وتمس على شعره ) أخيرا (عابر) سيتزوجني …سأكون زوجة (عابر) .
دقدق : ولماذا لا تتزوجين (أبا الحسن ) يا عاشة ؟!
عائشة : ( مندهشة ) لأني لا أحبه !
دقدق : هل لا تحبينه لأنه لا يرى ؟!
عائشة : لا ، فهناك رجال يرون ومع ذلك لا أحبهم .
دقدق : هو الذي أخبرني بذلك ..وأن النساء لا يتزوجنه لأنه لا يرى .
عائشة : هو أدرى بذلك .
دقدق : وإن كنت لا أدري ماذا سيفعلن النساء بعين ( أبى الحسن ) وهن لهن أعين؟!.
عائشة : المهم يا (دقدق) أريدك ان تبحث عن (عابر) في كل مكان وتأتي إلى وتخبرني عن مكانه…هيثا اذهب وسوف أمنحك حلواء لذلك .
أبوبكر : ( يخرج من باب الخان ) أصبح ( دقد ق ) ذراعك اليمنى بعد أن ازدحم الخان بالرواد .
عائشة : ( تربت على كتف دقدق ) نعم يا أبي ..وهو صبي مطيع ولا يرفض لي طلبا .
أبو بكر : لقد سمعتك تغنين مع أنك لم تفعلي ذلك منذ مدة طويلة .
عائشة : ( تقبل يد أبيها ) ( عابر) يا أبي ..لقد طلب أن يتزوجني .
أبو بكر : أخيرا تحرك الجبل …ومتى سيتم ذلك ؟!
عائشة : ( باستحياء ) طبعا بعد أن يرحل التتار عن أسوار بغداد .
أبو بكر : ( متحسرا ) أمد الله في عمرك يا عائشة .
عائشة : أتستبعد رحيل التتار أم زواجي من (عابر) يا أبي ؟ !
أبو بكر : بل أتمنى حدوث الأمرين يا ابنتي ..ولكن ليس كل ما يتمناه المرئ يدركه . .ولكن أهناك أملا أن يرحل التتار عن أسوار بغداد ؟
عاشة : (عابر) ورفقاؤه يتوقعون حينما يرى التتار أهل (بغداد) ومن أنضم إليهم من الجيش محتشدين بأعداد هائلة أمام الأسوار فقد لا يغزون بغداد ويرحلون .
أبو بكر : قلبي يحدثني بغير ذلك يا (عاشة) .
عائشة : ( متضرعة ) أرجوك يا أبي لا تبدد فرحتي .. لم أكن أصدق حينما صارحني (عابر) ..وأنت تعلم أني كنت أحيا على هذا الأمل .
ابو بكر : ( يربت على يدها ) وأنا أملي الوحيد أن أراك في كنف رجل قبل أن أموت .
عائشة : (تحتضنه ) أمد الله في عمرك يا أبي حتى ترى أحفادك يلعبون تحت قدميك .
أبو بكر : ( يشير إلى رجلين يقتربان ) أترين هاذين الرجلين القادمين .؟.لا تنظري إليهما حتى لا يلحظان شيئا .
عائشة : أظن أني رأيتمها مرة أو مرتين من قبل يمران من هنا ؟
أبو بكر : إنهما أخطر رجلين في( بغداد) .
عائشة : (مذعورة ) لماذا ؟ وما يعملان ؟
أبو بكر : ( يضع يده على فمه ) بصاصان ..لا يحلان بمكان إلا والضرروالأذى يسير بركابهما ..الأول الطويل اسمه (زياد )والثاني القصير اسمه (عمار) ..هاتي ( دقدق ) وأدخلا الخان ..وأنا سأمكث خلف الباب لأسمع ما يدور بينهما .
عائشة : وإن طلبا شيئا يشربانه ؟
أبو بكر : ( يدفعها ودقدق إلى داخل الخان ) أدخلي الخان ولا تلبي أي طلب منهما ..هيا .
زياد : ( بشير إلى مقعدين) تعال نجلس هنا لنشرب شيئا .
عمار : ( ينظر بتأفف حوله ) وهل هذا مكان مناسب نجلس فيه ؟!
زياد :( بغداد) كلها مقلوبة ..قد لا تجد غدا مكانا في( بغداد) تجلس فيه !
عمار : غدا!! (بغداد) كل ساعة في حال ..ساعة الكل مذعور ويغلقون أبواب الداكاين والحوانيت والمقاهي ،ساعة يدعون للخليفة بالانتصار .ساعة يلعنون الخليفة والوزراء ..ساعة يريدون الهروب من بغداد ..ساعة يريدون الجهاد ضد التتار والألوف يتجمعون في الأسواق والميادين والمساجد العلماء والأئمة يحرضون الناس على الجهاد .
زياد : الشيء الأغرب والأعجب ذلك الرجل الذي أيدوه ليكون خليفة وأرسل رسالة إلى التتار يهددهم بالحرب والجهاد إن لم يرحلوا عن بغداد
عمار : والأمر داخل القصر مثل الأمر خارجه ..لا تعرف له رأسا من ذيل …
زياد : على رأيك إذا كان الوزير (العلقمي) قد تصالح مع التتار وأرسل لهم الهدايا واستجاب لطلباتهم فلم لم يرحلوا عن (بغداد) …وإن كانوا ينوون الغزو فلم جيشنا في حالة استرخاء كامل ؟!
عمار : أول مرة أراني عاجزا عن فهم ما يحدث حولنا .
زياد : ( متحسرا ) رضينا أن نكون كلابا ولم نخل أننا سنكون حميرا لا تفهم ما يحدث حولها.
عمار : ( واقفا غاضبا ) ألتزم حد الأدب لقد أصبحت سليط اللسان يا (زياد) .
زياد : ( يجذبه من يده ليجلس ) هكذا دائما الحقيقة قاسية نحن بالفعل كنا كلابا للسلطة في القصر ، ألم نشيء ونكتب تقارير بأي فرد ينتقض الخليفة أو أحد من الوزراء ، والسجون ملآنة بالمظلومين .
عمار : ( يربت على يده ) دعك من هذا ..ألا ترى أن الأمور تتغير بسرعة غريبة وفي الإمكان أن تخرج عن السيطرة ؟
زياد : وماذا نفعل …لقد كتبنا بكل هذا ..وديواننا مغلق وكل المسؤولين إما أرسلوا هدايا وتقربوا من رجال التتار او هربوا من( بغداد) حينما أحسوا بالخطر يقترب .
عمار : كل الأمور تنذر بالخطر ، بغداد مقبلة على أكبر مصيبة ..ونحن في موقف حرج ليس لدينا من مال لنقدمه ..ولم نتنبه للخطر كي نهرب .
زياد : ألم أقل لك نحن كنا كلابا خُدعنا وخنا الناس وقدمنا لمن في القصر كل شيء حتى ضمائرنا وشرفنا …والآن الجميع تخلى عنا وأظن لا أحد يتذكرنا الآن
عمار : كفاك جلدنا بلسانك القذر ..المهم ماذا سنفعل الآن ؟
زياد : هناك أعداد كبيرة من أفرادالجيش انضموا للناس .
عمار : ما لا تعرفه أن أحد مصادري أخبرتني ان القائدين : (الحلبي) و(قلج) يتزعمان حركة الجهاد ضد التتار وسينضمان لأهل بغداد .
زياد : إذن نفعل كما فعلا .
عمار : أوتظن الناس سيغفرون لنا ما فعلناه ؟!
زياد : الناس لا يفكرون فيما حدث بالأمس هم يفكرون فيما سيحدث غدا ..هيا ننضم لهولاء الذي يدافعون عن( بغداد) .
عمار : ( ينهض ) هيا لعلل ما سنفعله يغسل ما لحق بنا من ذنوب وخطايا في حق الناس وفي حق هذا البلد .
أبو بكر : ( يخرج من خلف ياب الخان، يحدث نفسه ) الآن رجعتما إلى رشدكما يا كلاب ، لما الكل تخلى عنكما …لو عرف الناس حقيقتكما ربما ضربوكما بالأحذية يا كلاب ( يتطلع إلى نهاب الطريق ) ومن هذين الرجلين القادمين ..ملابسهما غريبة وشكلهما غير مألوف لأختبئ لأسمع ما يدور بينمها إذا جلسا أمام الخان ..أما إذا مرا بدون ان يجلسا فسأدخل لأساعد عائشة .
صدر الدين :(يمد يده ) خذ بيدي يا ( ابن طاوس ) ، لم أكن أتخيل أني في يوم من الأيام سأسير في تلك الطرقات والأسواق والميادين وأتقابل مع تلك النوعيات من الناس ، إنها ( بغداد ) التي لا نعرفها ، يا ابن طاوس ،كانت جدران القصور تعزلها عنا ، وحياة الرفاهية والبذخ تفصلناعن الناس .
بن طاوس : ( يأخذ بيده ) معك حق ، لم نكن نعرف (بغداد) ولا البغداديين ، فلم أكن
أتصور أن يخرج البغداديون إلى الشوارع والميادين والأسواق بتلك الأعداد
الهائلة .
صدر الدين : لقد تركوا بيوتهم ..الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ( ضاحكا )
لقد اصطحبوا معهم خيولهم وجمالهم وحميرهم وكلابهم .
ابن طاووس : ( يشير إلى المقاعد بجوار باب الخان ) لنسترح بعض الوقت ( يمسح
المقعدبطرف جلبابه ) ولنشرب شيئا نرطب به حلوقنا .
صدر الدين :(يتأمل ما حوله ويمس على لحيته ) أحقا ماأسمعه ؟!
ابن طاووس : كل ماتسمعه هنا حقا .
صدرالدين : ( متعجبا ) وهل ما أسمعه يصدقه عقل ؟!
ابن طاووس : وهل ما يفعله (العلقمي) يقبله عقل؟
شيخ الشيوخ :وكيف يقبل الناس أن يكون الخليفة رجلا من عامة الناس …ليس هذا
فحسب هم يختارون خليفة ، وهناك في القصر الخليفة الشرعي ، هذا شيء
لم يحدث من قبل .
ابن طاووس : الأغرب أن العلماء والقضاة والمعلمين والتجار قبلوا بالأمر وساروا مع
عامة الناس في هذا!
شيخ الشيوخ : ( يقترب منه ويسر إليه ) وهل من اختاروه رجلا من العيارين والشطار
والزعار ؟! أظن لو حدث هذا فإن الأمر خرج عن كل خيال وتصور !
ابن طاووس : يغض النظر عن أصله ، الناس أصيبوا بخيبة وحسرة حينما علموا أن
الخليفة لن يحارب التتار وسينزل على كل طلباتهم ويفتح لهم أبواب بغداد ،
وحينما ظهر من يعلن أنه سيحارب ويجاهد التتار ، ألتفوا حوله ، أو بالأصح
التفوا حول الفكرة وأيدوا المبدأ …وكما شهدناهم مصممين على حرب التتار.
شيخ الشيوخ : كما تقول إن أعدادهم كثيرة ومصممين على الحرب والجهاد ..ولكنهم غير
مدربين وغير مسلحين ..ولو حدث لقاء بينهم والتتار فالنتيجة محسومة .
ابن طاوس : ( بأسف وحزن ) نعم ، للأسف النتيجة محسومة قبل أن تبدأ المعركة .
شيخ الشيوخ : ( متعجبا ) ولكن من وراء كل هذا ؟!
ابن طاووس : ماذا تقصد ؟
شيخ الشيوخ : الناس لا يتحركون بهذا الشكل بدون أن يكون وراءهم محرك يا أبن طاووس
هذه التركات ليست عشوائية ، هناك عقل مدبر ومنظم ومخطط لكل هذا .
ابن طاووس : ( يسوى عمامته متعجبا ) نعم ، الأمر كما تقول ..لماذا لم ننتبه لهذا ؟!
شيخ الشيوخ : ( يربت على كتفه ) أنا تنبهت لهذا يا بان طاووس ، ولابد أن نتقابل معهم .
ابن طاووس : كأنك تفترض أنهم مجموعة وليس شخصا واحدا .
شيخ الشيوخ : ما تم وما يحدث لا يقدر عليه شخص واحد ، غنهم مجموعة وعلى قدر عظيم
من الذكاء .
ابن طاووس : أي ذكاء في هذا ؟! لقدقلت منذ قليل ان نتيجة المعركة محسومة لصالح التتار ،هذا إذا حدثت معركة .
شيخ الشيوخ : ومنذ متى نتيجة أي معركة كاشفة عن قوة الخصمين يا ابن طاووس ؟!
[ تخرج عائشة من باب الخان حاملة صفحة وعليها أكواب الشراب ووراءها والدها ]
أبو بكر : سلام الله عليكم …هيا يا (عائشة) وزعي أكواب الشراب على السيدين
الموقرين .
ابن طاووس : ( متعجبا ) ولكننا لم نطلب شيئا .
عائشة : ( تقدم الشراب ) تفضلا أيها السيدان ..أنتما ضيفا والدي .
أبو بكر : ( يجلس أمامهما ، يشير إلى عائشة بالانصراف ) كنت اجلس خلف باب (الخان) وسمعت حديثكما بدون قصد فقدكان صوتكماعاليا …( يتأمل ملابسهما) وشكلكما يدل على أنكما غريبين .
ابن طاووس : ( يومئ إلى شيخ الشيوخ ) نعم ، نحن غريبان عن هنا …وما يحدث هنا غريب كل الغرابة . ولا نفهم ما يحدث ..والناس ..
أبو بكر : ( مقاطعا ) سمعتكما تسألان عمن وراء الناس ليدفعهم إلى فعل ما يفعلونه .
شيخ الشيوخ : نعم ، نريد أن نتقابل وهم ..فكما ترى نحن غرباء ولا نعرف أحدا هنا .
أبو بكر : الذي بدأ بهذا الأمر هو ( عابر سبيل ) والشهبدر ( احمد ) ومعهما ( الخليل الصوفي ) وجاءوا ب( ثعلبان ) هذا ، وحدث ما لم يتوقعه أحد ، أن الناس تجمعوا بالآلاف من كل حدب وصوب في بغداد ، ولا ندري أهم جادون في هذا أم عابثون ؟!
اين طاووس : كيف يكونون عابثين وهم كما تقول بالآلاف ؟!.
شيخ الشيوخ : ( يناول أبا بكر الكوب فارغا ) شكرا على الشراب ..ولكن ألا يمكن يكون الأمر في بدايته مجرد دعابة وانقلب إلى جد ؟
أبو بكر : ( مفكرا ) ربما .
أبن طاووس : هل يمكن أن نقابل ( عابر سبيل ) هذا .؟
شيخ الشيوخ : الشهبدر ( أحمد) و ( الصوفي خليل ) .
أبو بكر : تقصد ( خليل الصوفي ) .
ابن طاووس : نريد أن نتحدث مع أي منهم .
أبو بكر : ( يتلفت حوله ) إنهم يطوفون الآن بشوارع وميادين وأسواق ومساجد بغداد ، ولكنهم في نهاية تجولاهم يتجمعون هنا أمام (الخان ).
أبن طاووس : هل سننتظر طويلا ؟
عائشة : ( تخرج من باب الخان وتشير إلى والدها ) يا أبي ..أريدك في أمر .
أبو بكر : ( يذهب إليها ، سر إليه بحديث ، يعود إلى الضيفين ) (عائشة) ابنتي تقترح أن تنتظرا في داخل (الخان) ، يوجد قاعة نظيفة تليق بكما ، على الأقل تستريحا وتغتسلا من غبار الطريق ..تفضلا ..(الخان) وصاحبه تشرفا بكما .
ابن طاووس : ما رأيك يا شيخنا ؟
شيخ الشيوخ : ( ينهض متجها نحو باب الخان ) ولم لا .فمنذ اليوم لا عودة لنا إلى القصر .
أبو بكر : ( متعجبا ) أتقول القصر ؟!
ابن طاووس : ( بشير إلى أبي بكر ليتقدم أمامهما ) يقول بجوار القصر ، لنا أصدقاء ينتظروننا بجوار القصر .
أبو بكر : ( يتقدمهما ) تفضلا ..يا اهلا ومرحبا بالسيدين الموقورين ..لقد شرف الخان بكما .

                               ( ستار )  



                                  الفصل الثالث 

المشهد الثاني :

أمام خان ( الدفتردار ) يقف ( عابر سبيل ) و( الشهبندر أحمد ) .
أحمد : ( ينظر نحو باب الخان ) أنت تعلم أن وعدك (لعائشة) في هذه الظروف ..
عابر : ( مقاطعا ) أعلم ان وعدي هذا صعب التنفيذ لأكثر من سبب بل يكاد يكون من المحال
أحمد : ( معاتبا ) إذن لم جعلت الفتاة تتعلق بالمحال ؟!.
عابر : أنا قلت يكاد يكون من المحال ، ولم أقل إنه مستحيل .
أحمد : فلماذا وعدتها حتى لو يكاد يكون من المحال ؟!
عابر : ( شاردا ) الذي دفعني إلى ذلك ( بغداد ) !
أحمد : ( متعجبا ) وما علاقة ( بغداد ) (بعائشة ) يا (عابر) ؟!
عابر : في لحظة شعرت أنهما شيء واحد .
أحمد : كيف ؟!
عابر : كنت لا أمكث في (بغداد) إلا لوقت قصير وأخرج مع قافلتك أو مع أي قافلة وأطوف في بلدان العالم ، ثم أعود مرة أخرى ، لا أستطيع أن أمكث بعيدا عن (بغداد) كما لا أستطيع أن أبقى دائما في (بغداد) ، وتلاحظ أن تلك كانت علاقتي (بعائشة )، وقررت أخيراألا اغادر( بغداد) ، وما حدث مع بغداد حدث مع (عائشة) .
أحمد : ( ضاحكا ) أم ما حدث مع (عائشة) حدث مع( بغداد) ؟!
عابر : لا أدري فهما عندي شيء واحد .
أحمد : ( يشير أمامه مندهشا ) أترى ما أراه يا (عابر) ؟ !
عابر : ( صائحا ) (الخليل الصوفي) …ها قد عاود الظهور ، ولكن ما هذا الذي يرتديه ؟ !وماله يسير مترنحا هكذا ؟
أحمد : ( يقدم له مقعدا ) أجلس ..الإجهاد والتعب باديان عليك أين كنت ؟!
الخليل : (زائغ النظرات ) كل ما تفعلانه لا جدوى منه !إني أرى بأم عيني المصير الأسود الذي ستصير إليه بغداد والبغداديون ( ينكس رأسه) لا جدوى من كل ما تفعلانه ..
عابر : ( غاضبا ) المصير الذي رأيته نحن أيضا نراه ..ولكننا نحاول أن نغيره ..أرأيت اليوم كيف قد أصبح حال أهل بغداد ؟ قد يصعب عليك أن تفرق بين الرجل والمراة والطفل والشيخ …أول مرة في حياة البغدادين يصبحون يدا واحدة وروحا واحدة الأغنياء والفقراء العلماء والفقهاء كل هؤلاء يقدمون لا أقول لك كل يملكونه ولكنهم يقدمون أرواحهم ..أتدري يا (خليل) حال الإنسان حينما يكون على استعداد أن يقدم روحه ؟!
الخليل : ( ينقل بصره بين الاثنين ) كل هذا لا جدوى منه !
عابر : (يربت على كتفه ) كنت فيما مضى أتحملك واتحمل شطحاتك وأتقبل كل ما تحدثني به عن أمور يصعب تصديقها ، أما الآن فلن أتحمل شطحاتك ولن أتقبل حديثك ..حتى أنني لن أتواجد في مكان تكون فيه .
أحمد : ( يمسك به معاتبا ) ما بك يا عابر ..كيف تحدث ( الخليل ) بتلك الطريقة ؟! ما عهدت فيك تلك القسوة وبالأخص مع صديقك الحميم .
عابر : ( يربت على يد الخليل ) معذرة إن كنت تلفظت بألفاظ جارحة ..ولكن نحن في ظرف في غاية الحرج ، وأنا وأنت في حاجة أن نفهم ..هناك الآلاف محتشدين في الأسواق والمساجدوالميادين وفي كل مكان في بغداد ليدافعوا عن وجودهم …إن كان لدى (الخليل) معلومات أو حقائق لا نعلمها فليخبرنا بها .
أحمد : ( يضع يده على كتفي الخليل ) أعلم أن هناك أمور تثقل كاهلك ، أشركنا معك وأخبرنا بما لديك من علم .أم أن ما حصلتموه من علم يعتبر من الأسرار ؟
الخليل : ( ينهض ويربت على كتفي صاحبيه ) لا أريد أن أسبب لكما ضيقا أو حزنا ، فما رأيته يحزن ويمزق القلب .
أحمد : ( قلقا ) ماذا رأيت ؟!
الخليل : ( مبتعدا عنهما ) كنت أسير ذات صباح على النهر ، فإذا بمجموعة من جنود الجيش يمتطون الجياد يقبضون على كل من يجدونه ، جمعوا أعدادا كبيرة وكنت واحدا منهم ، أجبرونا أن نحمل المياة إلى جنود التتار أمام أسوار بغداد ، هذا الأمر اتاح لي أن أقترب من الجنود إنهم ليسوا آدميين بل وحوش ضارية ، بل أشد شراسة وأكثر وحشية ، كانوا يصوبون سهامهم على هدف خشبي وحينما رأوانا نحمل الماء إليهم صوبوا سهامهم إلينا وقتلوا عددا منا وسط صياحهم وصرخاتهم وضحكا تهم ، ومع أن أعدادهم وصفوفهم لا نهاية لها مهما مددت البصر إلا ان هناك قوات من العرب المسملين تنضم إليهم قادمة من بلاد الشام ومن أماكن أخرى و…
عابر : (مقاطعا ) هل رأيت البغداديين كيف أصبحوا يا صوفي ؟!
الخليل : التتار سيبتلعونهم
أحمد : كم من فية قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .
الخليل : ( محتدا ) أنت تعلم و(عابر) يعلم أن الأمر لا يتعلق بالعدد فقط وإنما بأمور كثيرة .
أحمد : مثل ماذا ؟
الخليل : الخيانة !
أحمد : ( متعجبا ) الخيانة ؟!
الخليل : نعم ، فرقة من جيش الخليفة توفر الماء للتتار ، هذا ما رأيته بعيني ، وهناك جيوش عربية تنضم للتتار ، بماذا تفسر هذا ؟
عابر : كل هذا كنا نعلمه و…
الخليل : ( رافعا يديه مقاطعا ) لا يا (عابر) ..لا تخدع نفسك ..لا أنت ولا (أحمد) ولا أنا ولا أحد كان يعلم حقيقة ما يحدث إن أوطاننا تباع وبالمجان ، إن ولاة أمورنا نخاسون و(بغداد) سوق كبير للنخاسة ونحن العبيد والرقيق والمأساة الكبرى أننا نباع بالمجان كما قلت لكما .
عابر : ( غاضبا ) والمطلوب مننا أن نساق مغمضي العينين مكبلي القدمين واليدين في هذا السوق إلا نفعل شيئا ..أليس هذا ما جئتنا ا لتخبرنا به ..ألا فلتعلم أن كل ما قلته زادني اصرارا ، وان كل ما قلته لم يزدني إلا رغبة وشوقا في الجهاد والكفاح ضد هؤلاء الذين يريدون اغتصاب حقنا في الحياة ..سيخرج أهل بغداد رجالهم ونساؤهم شيوخهم وأطفالهم لا ليقاتلوا التتار ،بل ليبرهنوا أنهم أحرار وأنهم لم يخونوا وطنهم ودينهم ولم يشتركوا في الخيانة الكبري ، وكل ما أطلبه منك أن تدخل هذا الخان وتغلق عليك غرفتك ولا تحدث أحدا .
الخليل : ( متاثرا ) إنك لم تفهمني يا صاحبي ..أنا كنت على وشك أن أُقتل وأنا أحمل الماء على ظهري للتتار ، ونذرت نذرا أن أقتل ولكن بعد ان أقتل منهم وأنا أحمل سيفا في يدى ، وإني أعلم أننا لن ننتصر عليهم ولكن البشر لا يقاتلون لينتصروا ولكن ليموتوا بشرف و كرامة .
عابر : ( يعانق الخليل ) بل سننتصر إن شاء الله وستبقى أسوار بغداد رغم أنف الخائنين والحاقدين .
جمال الدين : ( يدخل مسرعا ووراءه جمع من الشباب ) يا (عابر) .لن تصدق ما يحدث .
عابر : ( مندهشا يمسك به) ماذا حدث يا جمال… التتار دخلوا( بغداد) ؟
جمال : أعداد كبيرة من جيش الخليفة ينضم إلينا .
عابر : ( واثقا ) ها هي بشاير النصر تهل علينا .
جمال :والخبر الأهم .
أحمد : ( مندهشا ) أهناك أهم من ذلك ؟!
جمال : لقد خرج ( ثعلبان ) عند الفجر وعاد ومعه الآلاف من الذعار والعيارين والغجر والبدو ومعهم سيوفهم ونشابهم وقلاعهم ، لم يبق أمامنا إلا أن نتجه نحو أسوار بغداد لنقاتل التتار
عابر : ( متفائلا ) أن تنصروا الله ينصركم ..هيا وراءنا أعمال كثيرة .ولم يبق الكثير من الوقت .
( ستار )

                                  الفصل الثالث

المشهد الثالث :

قاعة الوزير( مؤيد الدين العلقمي ) في قصر الخلافة . الوزير يسير في القاعة ، في خطوات متثاقلة ، يذهب نحو الساعة الرملية وينقر عليها بأصابعه ، يدخل فارس ملثم من الباب الخفي .
الوزير : ( منتفضا ) من أنت ؟ وكيف دخلت إلى هنا ؟
الفارس : ( يتقدم نحو سالا سيفه ) ألا تعرفني أيها الوزير ؟
الوزير :( متراجعا ) ماذا تريد ؟ هناك حراس بالباب ( مشيرا إلى الباب ) أيها الحارس ..أيها الحارس .
الحارس : ( يدخل ) نعم سيدي الوزير .
الفارس : ( يزيل اللثام من على وجهه ) ألا تعرفني ..أنا شاهيناز …أصرف الحارس
الوزير :( متعجبا ) أنت !! لقد جففت الدم في عروقي .
الحارس : ( متعجبا ) من هذا الفارس يا سيدى ؟! وماذا يفعل والسيف في يده ؟!
الوزير : ( ضاحكا ) لا شيء أيها الحارس …عد إلى مكانك بالباب .
الحارس : ( ينظر إلى الفارس متحفزا ) أأنصرف حقا يا سيدي ؟
الوزير : ( غاضبا ) قلت لك أنصرف …أأنت أصم .
الحارس : ( ينصرف ) سمعا وطاعة .
الوزير : ( يجذبها من يدها ) أيمكن أن تفزعينني بهذا الشكل ؟!
شاهيناز : ( تلقي السيف جانبا وتجلس على أقرب مقعد ) أسقيك من الكأس الذي أسقيتني منه .
الوزير : ( يمس على شعرها ) اخبريني ماذا حدث ؟
شاهيناز :( تعقص شعرها إلى الخلف ) كنت على وشك أن ينكشف أمري لولا كثرة الهدايا شغلتهم ، كدت أموت وأنا وسط جنودهم ،خوفا من انكشاف أمري .
الوزير : ( مندهشا ) ألم تقابلي المنجم حسام الدين ؟
شاهيناز : لقد قابلته ..ولكنه يشك حتى في أصابعه ، ولم يصدق أني مرسلة من طرفك .
الوزير : ( غاضبا ، يجذبها من يدها ) أتذهبين وتعودين بدون أن يخبرك بشيء ؟!
شاهيناز : ( بدون اكترات) لا ..لقد أخبرني .
الوزير : أتعبثين بي أيتها الجارية الحمقاء ؟!
شاهيناز : ( تبتعد عنه غاضبة ) جارية حمقاء ! وانا الذي عرضت حياتي للخطر وذهبت إلى التتار بقدمي !
الوزير : ( معتذرا ) أنت لا تقدرين حالتي وما أنا فيه من قلق .
شاهيناز : ( تقلب خاتم بين أصابعها ) لم يثق في إلا بعد أن أظهرت له خاتم الخليفة كما أخبرتني .
الوزير : ( يجذبها إليه ) اخبريني عن كل ما قاله لك بالحرف الواحد .
شاهيناز : ( ترفع الخاتم أمام عينيه ) أولا أريد أن احتفظ بالخاتم .
الوزير : ( يلتقط السيف ويصوبه إلى صدرها ) إن لم تكفي عن عبثك ، سأغمد هذا السيف في قلبك …قلت لك أنا لست في حالة تتحمل حماقتك تلك .
شاهيناز :لقد حذر(حسام الدين ) (هولاكو) وأنذره إن غزى( بغداد) فالوباء سينتشر بين جنوده والخيل تموت وقد ترسل السماء على جيشه صواعق تحرقه …ومع ذلك قرر (هولاكو) غزو بغداد .
الوزير : ( متأثرا ) لماذا ؟
شاهيناز : الشيخ( نصر الدين الطوسي )أبطل كل حجج والموانع التي وضعها (حسام الدين) أمام (هولاكو ).
الوزير : ( يستشيط غضبا ، يدور في القاعة ) لم يكن هذا ما اتفقنا عليه ..لقد استدرجوني حتى وصولوا إلى أسوار بغداد ..لقد خُدعتُ ( يصفق على يديه ) لقد حدث ما كنت أخشاه .
شاهيناز : ( تتذكر ) لقد أخبرني بشيء آخر .
الوزير : ( يسرع إليها متضرعا ) استحلفك بالله لا تنس حرفا مما أخبرك به( حسام) .
شاهيناز : إن ما بينك وبينهم من عهود في مصانة … أما غير ذلك فهم متحللون منها .
الوزير : هل نسيت شيئا مما قاله لك ؟
شاهيناز : أنت تعرف مدى قوة ذاكرتي ، وأنا طوال الطريق أردد ماقاله لي .
الوزير : ( يتجه إلى الباب ) أيها الحارس .
الحارس : ( يدخل ) سمعا وطاعة سيدى الوزير .
الوزير : ادع لي (الدمغاني) و(عبد الحميد) فورا .( يشير إلى شاهيناز ) أما أنت فأذهبي لتستريحي .
شاهيناز : ( تقدم له الخاتم ) هل ستأخذه أم أحتفظ به ؟
الوزير : ( يتأمل الخاتم ) كما تشائين ..فلم يعد له أي قيمة .
[ يدخل الدمغاني وعبد الجيد ]
الوزير : ( غاضبا ) أين أنتما ؟ ما يشغلكما ؟
الدمغاني : نحن ننتظر بالباب من مدة …والحارس منعنا من الدخول .
عبد الحميد : هناك أمر خطير نود إطلاعك عليه .
الوزير : مرحا ..مرحا..اليوم يوم الأخبار الخطيرة …ما وراءكما ؟
الدمغاني : البغداديون نصبوا خليفة لهم .
عبد الحميد : وبغداد كلها متجمعة ، ويستعدون للخروج لمحاربة التتار .
الوزير : ( مندهشا ) نصبوا خليفة منهم …ويتجمعون لمحاربة التتار !!
الدمغاني : وهناك شيء أخطر .
الوزير : الشيء الأخطر أن تقوم القيامة …أنتما نذير شؤم ، ما الخطب ؟!
عبد الحميد : هناك عدد كبير من الجيش انضم للبغداديين .
الوزير : ( يدور حول نفسه رافعا ذراعيه لأعلى ) اليوم يوم بؤسك يا (علقمي )..المصائب تدخل إلى من كل حدب وصوب .
الدمغاني : ( متعجبا ) أي مصائب تلك التي تتحدث عنها ؟!
عبد المجيد : نحن لا نفهم شيئا !
الدمغاني : أتقصد الخليفة الذي نصبه الناس عليهم ؟
الوزير : أيها الغبيان …التتار سوف يدخلون ( بغداد ).
الدمغاني : ولكن ليس هذا ما اتفقنا معهم عليه .
الوزير : لقد نقضوا كل الاتفاقات .
عبد الحميد : لماذا وقد نفذنا كل ما طلبوه ..ردمنا الخنادق وأوقفنا ترميم الأسوار وأبعدنا قوات الجيش عن أبواب بغداد وأرسلنا لهم الهدايا و …
الوزير : ( مقاطعا ) الطوسي ..قاتله الله .!
الدمغاني : (مندهشا ) وما شأن الطوسي بهذا الأمر ؟ !
الوزير : هو الذي أفتى( لهولاكو) بغزو (بغداد) وحرضه على ذلك بالرغم مما فعله (حسام الدين) لإثناء (هولاكو) عن الغزو
الدمغاني : ولماذا فعل (الطوسي) ذلك ؟!
عبد الحميد : وما الذي سيجنيه إذا غزى (هولاكو) (بغداد) ؟!
الوزير : العداء المتأصل بين (الطوسي) والخلافة العباسية ..لم ينسوا ثأرهم حينما قتل (أبو جعفر المنصور) (أبا مسلم الخراساني ) القائد الفارسي .
الدمغاني : ولكن هذا منذ زمن بعيد .
الوزير : إنهم يورثون الثأر ..وأنا أعرف (الطوسي) ..سيظل وراء (هولاكو) يدفعه ويزين له غزو (بغداد) .ولن يستريح حتى يحيلها خرابا ،( يضرب على جبينه بيده ) كيف لم أنتبه لذلك ..كل ما خططت له تهاوى ، ولم يتبق سوى الخيبة والفشل .
الدمغاني : على هذا فأمير المؤمنين في خطر .
عبد الحميد : أليست هناك وسيله لتهريبه وإخراجه من (بغداد) .
الوزير : لقد أحكموا الحصار حول (بغداد) .
الدمغاني : ( مذعورا ) ونحن ..ما مصيرنا ؟
الوزير : أظن الوعد الوحيد الذي سيحافظون عليه هو الحفاظ علينا من أن ينالنا أي مكروه .
الدمغاني : وكيف سنتصرف مع الخليفة الذي نصبه الناس ..وهؤلاء الذين يستعدون لمحاربة التتار ؟
الوزير :( غاضبا ) إنهم عصاة ومتمردون وخونة .
الدمغاني : ( مندهشا )عصاة ومتمردون !!
عبد الحميد : وخونة …لماذا ؟!
الوزير : ألم يخرجوا عن الخليفة ، ليس هذا فحسب بل نصوبوا خليفة من أنفسهم .
الدمغاني : ولكنهم سيحاربون التتار ويدافعون عن( بغداد) !
الوزير : التتار لا يمثلون خطرا على الخلافة مثلما يمثل هؤلاء .
الدمغاني : ( مندهشا وكأنه يحدث نفسه ) هؤلاء البغداديون أخطر على الخلافة من التتار أنفسهم ؟!
الوزير : هل سينصب (هولاكو) نفسه خليفة أو ينصب أحدا من قومه خليفة للمسلمين ؟
الدمغاني : لا ..ولا يجوز .
الوزير : إذن لا خوف على الخلافة من التتار وكلام (هولاكو) يدل على ذلك ، فقد طلب أن يخرج أمير المؤمنين له بعد أن يتنازل عن الخلافة لابنه ،( فهولاكو) يحافظ ويصون الخلافة بينما هؤلاء اغتصبوا حق الخلافة …والأخطر انهم يريدون محاربة التتار
عبد الحميد : ( مندهشا ) وما الخطورة في ذلك ؟ !
الوزير : في تلك الحالة التتار قد ينقضون عهدهم معي ، فربما يظنون أني وراء ذلك .
الدمغاني : وما العمل ؟
الوزير : سأمر الجيش بالتوجه إليهم فورا والقضاء عليهم
عبد الحميد : ويترك الحيش أسوار (بغداد) وأبوابها في هذا الوقت الحرج ؟!
الوزير : ( بدون اكتراث ) وماذا سيحدث للأسوار إنها قائمة وباقية .
عبد الحميد : أوتظن أن التتار لن يحطموا أسوار بغداد ؟!
الوزير : ( مندهشا ) وهل منعناهم من الدخول من أبوابها حتى يحطموا أسوارها ؟!
الدمغاني : وهل سيدخلون( بغداد) فعلا ؟
الوزير : إن شاءوا دخلوا وإن لم يشاءوا لم يدخلوا .
عبد الحميد : ألا تقلق من هذا الأمر ؟
الوزير :وما الداعي إلى القلق ،لقد استجبنا لكل ما طلبوا وأعطيناهم من الهدايا فوق ما يتصورون.
الدمغاني :ولكن سيوفهم شربت وأترعت من دماء الكثيرين ، فما الذي سيمنعهم من فعل ذلك معنا إن أرادوا ؟
الوزير : لا تخشيا شيئا ، ولا تجعلا القلق والخوف ينتقل منكما إلي .
الدمغاني : بل ليت الاطمئنان والأمن ينتقلا منك إلينا .
عبد الحميد : ( مفكرا ) ولكن لماذا يصر التتار أن يخرج أمير المؤمنين إليهم ؟!
الدمغاني : ولماذا طلبوا منه أن يتنازل عن العرش لابنه ؟!
الوزير : أظن أن من وراء ذلك هو (الطوسي) . ..يريد إزلال أمير المؤمنين .
الدمغاني : إن كان ذلك ..فإن الإزلال لن يقف عند هذا الحد .
الوزير : تقصد …
الدمغاني : ( مقاطعا ) نعم …فقد يقتلونه .
عبد الحميد : وقد يقتلوننا أيضا ..وهل نحن أعز عليهم من أمير المؤمنين ؟
الدمغاني : إذن ليس أمامنا سوى الهرب .
عبد الحميد : أعرف مكانا في سور (بغداد) أسفله نفق ولا يعرف به أحد ..سنمر من تحته ولكن علينا أن نسرع في ذلك .
الوزير : ( غاضبا ) قاتلكما الله ..وكل ما خططتُ له و …
الدمغاني : ( مقاطعا ) سيدى الوزير لا تؤاخذني ..كل خططك قد فشلت ..إما أنك أسأت التخطيط أو أنك خُدعت خدعة كبرى .
الوزير : ( يتقدم منه غاضبا ويمسك بعنقه ) كيف تتجرأ وتخاطبني بهذا ..أنسيت من أنا ومن أنت أيها الصعلوك .
الدمغاني : ( يتخلص من قبضة يده ) الشيخ ( صدر الدين )و(محمد بن طاوس ) والقائدان (أيبك الحلبي) و(سيف الدين قلج) معهم حق حينما خرجوا من القصر ولم يعودوا إليه …سيدى سأقولها لك ولتفعل بي ما تشاء ، لقد كنت ألعوبة في يد التتار .أنت تقدم لهم رأس أمير المؤمنين على طبق من ذهب
عبد الحميد : ولم لا تقول رؤوسنا كلنا .
الوزير : أيها الخائنان ..الآن تتخليان عني وتفرطان و ..
الدمغاني :( مقاطعا ) أنت الذي فرطت في كل شيء ، حينما أعطيت التتار كل شيء ولم تأخذ سوى وعود لا ضامن لها ..وهاهم ينقضونها في كل مرة .
الوزير : كذبتما ..كل ما خططتُ له سوف ينجح ، ولن يدخل التتار( بغداد) وسوف يرحلون وأبقى أنا أقوى رجل في بغداد وستأتون أنتم وغيركم راكعين تحت قدمي تلتمسون رضاي ..أخرجا لا أريد رؤيتكما ..أخرجا وإلا أمرت بقطع رأسيكما .
الدمغاني : ( يتجه نحو الباب ) قد يمضى الإنسان عمره كله بلا رأس وقد لا يدري ذلك …
الوزير : ( محدثا نفسه ) أحقا ما يقولان ..أأنا ألعوبة في يد التتار ؟ هل خدعني (هولاكو) ؟ هل أسأت التقدير ؟ هل أخطأت ؟ أيمكن أن يفعل (ببغداد) ما فعله ببقية الدول والممالك ؟ وهل هو لا يفهم سوى لغة السيف ؟ وأن وعوده وعهوده أغرقها في دماء ضحياه؟
كنت اظن أني خدعتهم وقت أن استخدمتهم في القضاء على أعدائي وخصومي
كنت أظن أني خدعتهم وقت أن مدت يدي بالسلام ونبذت الحرب .
كنت أظن اني خدعتهم وقت أن أغرقتهم في الهدايا والذهب .
( يدور حول نفسه يمس على لحيته ) ولكن ماذا كان على أن أفعل ؟ أرفع راية الحرب وأشرع سيوف القتال ؟ وماذا سيكون مصيرنا غير مصير من حاربوا وقاتلوا ؟
( يجلس منكس الرأس ) ثم أني أكره الحرب والقتال ، أخاف من رؤية الدم والأشلاء ، لا أحب سماع قعقعة السيوف وصهيل الخيل …إن جلدي يقشعر من مجرد ذكر ذلك .
حتى لو كنت على خطأ ، لماذا أمير المؤمنين لم يحاورني ..يناقشني ..إنه ترك كل أمور الخلافة بيدى أفعل ما أشاء …فوضني وطلب منى ألا أثقل عليه ..وخلا هو إلى متعه ولذاته .
( يقف متشامخا ويسير إلى منتصف القاعة ) لا ..لا يا (علقمي) ..لا تدع الشياطين يعبثون بك ، استرد ذكاؤك الذي لم يخنك أبدا ، وشجاعتك التي لم تتخل عنك ، وقوتك التي لم تخذلك يوما …كل ما خططت له سوف تجني ثماره ..سيرحلون عن أسوار (بغداد) وسأكون أقوى رجل في (بغداد ) ولم لا أكون الخليفة ..أنا فعلا الخليفة …أليس الأمر أمرى والقضاء قضائي ..
( يتجه نحو الباب ) أيها الحارس …سوف أمر الجيش بالقضاء على من تسول له نفسه أن يعارضني أو يقاومني ..أيها الحارس .
الحارس : ( مفزوعا ) سيدى الوزير .
الوزير : أدع لي كل قواد الجيش على الفور …سأمرهم بقتل كل من يجدونه في شوارع وأسواق وميادين وأزقة (بغداد) ….الويل لكم أيها البغداديون .
( ستار )

                                           الفصل الرابع 

المشهد الأول :

أمام خان ( الدفتردار ) يجلس ( أبوالحسن) و(عائشة ) و( دقدق ) يضع سيفا خشبيا في نطاقه وبيده سيفا أخر يجري ويقفز على المقاعد ويصرخ وهو يطعن جنود التتار ويطلردهم في كل ركن من أركان المكان .
أبو الحسن :( ضاحكا ) تصوري يا عاشة الولد ( دقدق ) كل ليلة يزعجني من عز النوم .
عائشة : ( مندهشة ) كيف ؟!
أبوحسن : ( يرفع عصاه ) كل ليلة يستيقظ ويفعل كما يفعل الآن وبعد أن ينال منه التعب يسقط على الفراش غارقا في النوم ولم اعد استطع أن أنام بجواره طوال الليل يحلم بصوت عال ، ويريد أن يخرج فيمن سيخرج لمحاربة التتار ، وحينما اخبره أن ما يزال طفلا، يخبرني أنه سيقاتل أطفال التتار .
عائشة : ( مندهشة ) ولكن التتار لم يأتوا بأطفالهم .
أبو الحسن : إذا اخبرته بذلك سيلقى عليك أسئلة لا نهاية لها ، وقد لا تجدي لها إجابة .
عائشة : :( تراقب دقدق ) ( دقدق) هذا فتى رائع وهو سابق لسنه .
أبو الحسن : حينما تتزوجين أنت وعابر تأتيننا بأولاد مثل دقدق يملأون الخان صياحا وحركة .
عائشة : ( بلهفة ) يارب يا أبا الحسن .
أبو الحسن : (عابر) من أنبل وأرقي الشخصيات التي قابلتها وإن كان فيه عيب .
عائشة : ( مندهشة ) عيب ؟! ماهو ؟!
أبو الحسن : لا يطيق المكوث في مكان واحد .
عائشة : ( شاردة ) لقد وعدني أنه لن يفارق بغداد بعد ذلك .
أبو الحسن :لا أظن أنه سيقدر على تنفيذ هذا الوعد يا عائشة .فالسفر والطواف بين البلدان يجري في دمه .
عائشة : لقد أخبرته بذلك ،ولكنه أخبرني أنه اكتشف مدى حبه (لبغداد) .
أبو الحسن : (بغداد) أم من يعيش في بغداد ؟
عائشة : ( باستحياء ) لا تحرجني يا أبا الحسن .
[ يدخل (تقي الدين ) في كامل عدته الحربية ووراءه عدد من الفرسان ]
تقي : ( غاضبا ) أين (عابر) وأين (أحمد) ..مصيبة ..كارثة لا ندري كيف نتصرف ؟!
أبو الحسن : ( مفزوعا ) التتار دخلوا (بغداد) يا( تقي) ؟!
تقي : ( يسل سيفه ملوحا به في كل اتجاه ) لن يدخل التتار بغداد وسيفي في يدي
أبو الحسن : ( يقترب منه متحسسا ملابسه ) إذن ما ذا حدث يا تقي ؟!
تقي :جيش الخليفة تلقي الأوامر لمهاجمة البغداديين ومقاتلتهم .
أبو الحسن : أخانك التعبير يا (تقي ) أتقصد أن الجيش تلقى الأوامر لمحاربة التتار وإبعادهم عن أسوار ( بغداد ) ؟!
تقي : لم يخنى التعبير يا (أبا الحسن ) ( يشير إلى مجموعة الفرسان خلفه ) هؤلاء الأحرار الشرفاء تركوا الجيش منضمين إلينا وأخبرونا أن الجيش يستعد للتوجه لمقاتلتنا .
أبو الحسن : ( مندهشا ) عجبا ..الجيش لا يريد مقاتلة التتار ولا يترك الناس يقاتلونهم بصراحة هل الجيش معنا أم مع التتار ؟!
تقي : ( مشيرا إلى عائشة ) أين (عابر) و(أحمد) يا ( عائشة )..نحن لاندري ماذا نفعل لو هاجمنا الجيشُ ؟
عائشة : ( مضطربة ) لا أدري لقد ذهبا ومعهما الخليل الصوفي منذ مدة ولا أدري أين ؟
تقي : ( يدور حول نفسه ) الأمر في غاية الخطورة وكل ساعة تمضي تقربنا من الكارثة ( يخرج ومعه الفرسان ) سأبحث عنه في كل مكان وأنت أيضا وأخبريه بالأمر .
عائشة : ( تجذب دقدق ) سيأخذ (دقدق) معي لأبحث (عابر) .
أبوالحسن : لا تبعدي عن هنا كثيرا فالبلد مقلوبة .
أبو بكر : (يخرج من باب الخان مندهشا ) أأنت جالس هنا وحيدا يا أبا الحسن ؟!
أبو الحسن : كلهم تركوني وذهبوا كما ترى .
أبو بكر : و(عائشة) ؟
أبو الحسن : أخذت دقدق وذهبت تبحث عن (عابر) .
أبوبكر : ( مندهشا )عجبا لتلك الفتاة ، تريده أن يبقى بجوارها طوال اليوم .
أبو الحسن : لا ..ليس الأمر كما تظن يا أبا بكر ..البغداديون مقبلون على مصيبة الله وحده هو المنجي منها .
أبو بكر : ( منزعجبا ) دخلوا البلد ؟!
أبو الحسن : جيشنا يا أبا بكر سيهاجمنا ويقاتلنا !
أبوبكر : أحدث لعقلك عطب يا ( أبا الحسن) ؟!
أبو الحسن : الآن لا محل لوجود العقل يا أبا بكر ، لقد أخذوا أشياء كثيرة منا وآخر شيء أخذوه العقل .
أبو بكر : ( صائحا ) هاهو (عابر) والشهبندر (أحمد) ومعهم خلق كثير من قوات الجيش …
أبو الحسن : ( مذعورا ) جيش الخليفة لم يضيع الوقت لا حول الله قبضوا على رجالنا كلهم يا أبا بكر .
أبو بكر : ( يربت على يده ) لا يا (أبا الحسن )، يبدو أنهم من انضموا لرجالنا .
أبوالحسن : ( صائحا ملوحا بعصاه ) يا (عابر) هناك أمر خطير أريد أن أخبرك به .
عابر : ( يربت على يده بأسى ) قابلت (تقي ) وأخبرني بكل شيء ياأبا الحسن .
أبو الحسن : ( يشير له بالإقتراب ) والفرسان الذين معك معنا أم علينا ؟!
عابر : إنهما القائدان( قلج ) و(الحلبي) يقودان حركة الجهاد وقد انضموا إلينا مؤخرا
أبو الحسن : الجهاد ضد من يا (عابر)؟!
عابر : ( متعجبا ) ماذا تقصد يا (أبا الحسن) ؟!
أبو الحسن : الجهاد ضد التتار أم ضد جيش الخليفة ؟!
عابر : ( متجاهلا ) أعد شرابا يا( أبا بكر) للرجال .
أبو بكر : ( مذهولا ) أن عددهم كبير و(عائشة) ليست موجودة بالخان .
عابر : ( مندهشا ) أين ذهبت ؟!
أبو الحسن : ذهبت لتبحث عنك ….ولكنك لم تجيبني يا عابر ..الجهاد ضد من لنخطب الناس في المساجد ؟
عابر : الجميع موجودون الآن للنظر في هذا الأمر يا (أبا الحسن ).
قلج : ( يتقدم من عابر ) لم أفكر يوما أن الجيش سيقف أمام البغداديين .
الحلبي : وما بأيدينا أن نفعله ؟
أحمد : أخر شيء كنت أتوقعه .
الخليل : لا يريدون أن يستفزوا التتار وإلا يضيع كل مادبروه .
أحمد : ولتكتمل خيوط الخيانة …المهم ماذا سنفعل الآن ؟ّ
أبو بكر : ( يقترب من عابر ويسر إليه ) هناك رجلان داخل الخان يريدان مقابلتك وقد نسيت أمرهما
عابر : ( مندهشا ) من هما ؟
أبو بكر : على ما يبدو هما غريبان ..فملابسهما فخمة جدا .
عابر : ( يشير إلى باب الخان ) أدعوهما لنرى ماذا يريدان ؟!
أحمد : ( مستعلم) بماذا أخبرك أبو بكر ؟
عابر : يقول إن هناك رجلين غريبين يريداني .
أحمد : بغداد كلها تريدك يا (عابر)
عابر : بل أنا الذي أريدها .
قلج : ( مشيرا إلى باب الخان مندهشا ) شيخنا صدر الدين ومحمد بن طاوس ؟!
الحلبي : ( متعجبا ) ما الذي جاء بكما إلى هنا ؟!
صدر الدين : ( مصافحا ) الذي جاءا بنا هو ما جاءا بكما .
قلج : المعروف الذي أسداه لنا ( العلقمي ) أنه جعلنا نخرج من القصر لنتقابل ( يشير إلى ما حوله ) مع يغداد الحقيقية .
صدر الدين : لم نكن ندري أن هناك بغدادين : بغداد داخل القصر وبغدادخارجه .
ابن طاوس : ( مخاطبا قلج ) كنت أعرف أنك لن تتخلى عن بغداد ، وأنك تبرأت من سيف الخلافة المتواطئة مع التتار ولم تتبرأ من سيف الجهاد .
قلج : هذا ما قصدته حينما ألقيت بالسيف في وجه الوزير (العلقمي ).
عابر : يا (أبا بكر )على ما يبدو نحن الغرباء وليسا هما ؟
صدر الدين : ( يربت على كتف عابر )وجودنا في الخان الفترة القصيرة مكننا أن نعرف كل شيء عنك ومن معك .(.أبو بكر) خدمنا أجل خدمة …أنا أشد على يدك بما فعلته وتفعله ونحن معك نساعدك ونؤازرك وبارك الله فيك وفي كل أبناء (بغداد) الأحرار الشرفاء و ..
قلج : ( مقاطعا ) ماذا سنفعل الآن وقد وجه الوزير (العلقمي) قوات من الجيش لمنعنا من الوصول إلى التتار ؟
صدر الدين : ( يمس على لحيته ) العلقمي مصرٌ ان يسير في الطريق إلى نهايته .
ابن طاوس : لابد ان يتجرع كأس الخيانة إلى آخره .
قلج : لم اتخيل ان يصل إجرامه وشره أن يرسل الجيش لمقاتلتنا .
صدر الدين : من يفرط في وطنه تنتظر منه أي شيء .
قلج : الذي لا أفهمه لماذا يفعل كل ذلك ؟!
صدر الدين : ( ينقل البصر حوله ) ليس هذا وقته ..الوقت وقت عمل شرف بغداد معلق بأيديكم إما ان نرفعه ليبقى كما كان طاهرا نقيا وإما سيدفن في الرمال .
قلج : ( يسل سيفه ويرفعه عاليا ) سيفي وسيوف كل الأحرار المخلصين ستدافع عن شرف بغداد
الجميع : ( رافعين سيوفهم في صوت واحد ) أرواحنا نقدمها فداء لشرف بغداد .
[ يسمع هتاف مختلط بصوت قرع طبول وصوت نفير ]
ابن طاوس : ( متعجبا )أهذا جيش الخليفة قادم ؟
قلج : ( متطلعا ) لا …ليس هذا صوت الجيش .
الحلبي : ( متعجبا ) هذا هدير الآف من البشر أنا أشعر أن الأرض تهتز من تحت قدمي .
ابن طاوس : أيمكن أن يكون التتار قد وصلوا إلينا ؟!
أبو الحسن : ( مذعورا ) يصلون فجأة هكذا بدون سابق إنذار .
الخليل : ( متعجبا ) إنه ( ثعلبان ) ووراءه زعماء العيارين والزعار والبدو والغجر .
أحمد :لقد أخبرني ان عددهم بعشرات الآلاف وكلهم مسلحون .
ثعلبان : ( يتقدم وسط الجمع ، يخاطب عابر واحمد ) نحن ننتظر الأوامر ..إما نتجه نحو الجيش او نتجه نحو التتار ..الآن وفورا
عابر : أو تنضموا إلينا .
ثعلبان : ( يشير إلى من وراءه أن ينضموا إلى الواقفين ) أو ننضموا إليكم ..عشرات الآلاف في الأسواق والميادين والشوارع ينتظرون أن نعطيهم الإشارة ونحدد لهم الوجه .
صدر الدين : ( يتقدم إلى الوسط ) تكلم يا (عابر) …فأنت وأصدقاؤك خلقت من اليأس أملا ومن الضعف قوة ومن الفرقة والتشتت جمعا وتكتلا جميعنا نثق فيكم وفي حكمتكم وحسن تصرفكم ، نحن الآن في لحظة فارقة وأمور كثيرة معلقة بأيدكم وبكلمة منكم ..أرواح وشرف ودين ومصير وتاريخ وحاضر ومستقبل .كل شيء ..كلنا سنحارب ونجاهد وندافع عن أعز وأغلى وأشرف مدينة ..ليس من حق احد أن يقول الكلمة الفصل إلا أنتم ..فأنتم من بدأ وأنتم من يختم سنذهب كلنا لنصطف صفا واحدا وننتظر رأيكم وما النصر إلا من عند الله .
الجميع : ( في صوت واحد ) الله أكبر …الله أكبر .

                                       (ستار)   


                                  الفصل الرابع       

المشهد الثاني :

أمام خان ( الدفتردار ) (عابر) و(عائشة ) يقفان في ركن من الأركان .
عابر : ( متأثرا ) لماذا تبكين الآن ؟
عائشة : ( تبكي ) ألا تدري لماذا أبكي ؟!
عابر : ألم أعدك بالزواج ؟
عائشة : ( محتدة ) أنت لم تعدني بالزواج إلا حينما عرفت ان هذا الوعد من المحال تحقيقه يا ( عابر ) .
عابر : ( يتأمل ماحوله ) حياتنا كلها رحلة بين الممكن والمستحيل …ثم من الذي أخبرك أن من المحال تحقيق وعدي لك ؟!
عائشة : ( تستدير عنه ) إما إنك تخدعني أو تخدع نفسك .
عابر : ( يقف في مواجهتها ) أو أخدع الاثنين .
عائشة : نعم ، أو تخدعنا نحن الاثنين .
عابر : ( يمسك يديها ) اسألي قلبك هل أنا خادع لك .
عائشة : ( تبتعد عنه ) قلبي هذا سبب عذابي وشقائي .
عابر : لماذا ؟!
عائشة : لأنه كل لحظة لا يكف عن حبك .
عابر : وهل الحب يسبب العذاب والشقاء .
عائشة : نعم ، حينما يكون القلب في خصام مع العقل .
عابر : هما دائما متخاصمان .
عائشة : لا يتخاصمان إلا حينما تكون هناك مشكلة .
عابر : وأين تلك المشكلة .
عائشة : ( تقترب منه ) لماذا وعدتني بالزواج وفي تلك الظروف التي نمر بها ، ولم تفكر لحظة في هذا الأمر قبل ذلك ، مع أن الظروف كانت مهيئة وتسمح بذلك ؟
عابر : ( يشير إلى صدره ) أتلومنني على وعدي لك .
عائشة : لا، ولكن ألومك على اختيار الظرف الذي نحن فيه .
عابر : ( ينكس رأسه ) لأننا كلنا أسرى الظروف ..حينما عرفت أنني لن أخرج من ( بغداد ) وانطلق في العالم كطير حر ، وأن التتار حاصروها ، شعرت بالضعف والضياع والحزن ، أول شيء فكرت فيه هو أنت ، شعرت بالحاجة الشديدة إليك ، كأنني طفل وأخذوا أمه ، فبحثت عن حضن أجد فيه الدفء وأهرب إليه من الضياع والحزن وسألتي نفسي كثيرا بل عاتبتها إذا كنت تمتثلين لي كل تلك الأهمية فلماذا لم أتزوجك ؟ لماذا كنت أتمرد على مشاعري نحوك واعصي قلبي فيك ؟
عائشة : لماذا ؟! لماذا يا (عابر) ؟
عابر : لن تصدقيني ..كنت أخاف عليك مني ..أشفق عليك من أهوائي وتقلباتي .
عائشة : والآن يا عابر ؟
عابر : حصار (بغداد )غير وبدل العالم حولي ،بل أنه غيرني .
عائشة : لقد غيرنا كلنا ويدفعنا إلى طريق لا نعرف نهايته .
عابر : ( يحدق في عينيها ) وكأني أراك اول مرة وأسمعك أول مرة ..لم أدر أنك كبرت لتلك الدرجة .
عائشة : ألم أقل أنك شيبني حبك .
عابر : لم أكن أنظر إليك بقلبي .
عائشة : ( مبتسمة ) ولا حتى بعينيك .
عابر : ومع ذلك أني على استعداد أن أطلبك من (أبي بكر) وأتزوجك الآن .
عائشة : خير الأماني ما لم يتحقق ونعيش على أمل تحققه .ودعنا نحافظ على وعدك .
عابر : ( متعجبا ) وعدي ؟!
عائشة : نعم ، إنك لن تتزوجني إلا بعد تخليص ( بغداد )من التتار واستعادتها حرة شريفة .
عابر : بدأت أشعر بالخوف والقلق .
عائشة : على ( بغداد) ؟
عابر : عليكما أنتما الاثنان .
عائشة : أفهم أنك تخاف على( بغداد) لأنها مهددة من التتار ، فمم تخاف علي ؟
عابر : أخاف عليك من نفسي ؟
عائشة : ( مندهشة ) تخاف علي من نفسك ؟!
عابر : أن أكون في يوم من الأيام سببا لعذابك أو شقائك .
عائشة : كيف وانا أحبك كل هذا الحب ؟!.
عابر : وهذا ما يخيفني ..أن كثيرا ما يسبب الحب العذاب والشقاء لصاحبه .
عائشة : إذا فهمنا الحب فهما حقيقيا فلن يكون إلا مصدرا للسعادة والهناء يا (عابر) .
عابر : تكبرين كل لحظة في نظري .
عائشة : ( ضاحكة ) إذن لن تتزوج إلا عجوزا شمطاء .
عابر : وتزدادين جمالا وبهاءا .
عائشة : ( تتجه نحو باب الخان ) لابدأن أتركك الآن وفورا .
عابر :لماذا ؟!
عائشة : قلبي لن يتحمل المزيد من السعادة …هل ستذهب إلى مكان ما ..
عابر : إني في انتظار (أحمد) و(الخليل) .
عائشة : ( تلتفت إليه ) هل أتيك بشراب ؟ .
عابر : ( يتطلع حوله ) لا ، إن لم يأتوا سأذهب للبحث عنهم فأمامنا قرارات خطيرة .
أحمد : ( يدخل ويقف أمام عابر) أول مرة أرى إنسانا نائما مفتح العينين .
عابر : ( منتبها ) متي رجعت ؟
أحمد : ( مندهشا ) كيف لم تنتبه لقدومي ،( يحدق في وجه ) ما بك ..أأنت مريض ؟!
عابر : ( شاردا ) لا إنها تباريح الحب .
أحمد : ( يتطلع نحو باب الخان ) لا، ليس هذا وقت الحب .
عابر : بل لا وقت للحب إلا الآن يا ( أحمد) .
أحمد : ( متعجبا ) الآن ؟!
عابر : الحب لم يظهر ويتجلى إلا الآن …وماذا تظن عشرات الآلوف الذي يحتشدون الآن في الأسواق والميادين وفي الشوارع والحواري والأزقة وعلى أسطح البيوت ما الذي يدفعهم إلى ذلك ؟
أحمد : ( ساخرا ) أخبرني انت يا حكيم عصرك وأوانك ؟
عابر : حبهم للحياة ..حبهم (لبغداد) ..حبهم للعدل والجمال والنور ..حبهم الأكبر لله
أحمد : حبهم لله ؟!
عابر : نعم يا (أحمد) ..هذا النبع الأكبر لكل أنواع وأشكال وصور الحب ، لو لم يحب الإنسان الله لن يدافع عن وطنه ولا عن شرفه ولا عن كرامته ولا عن عقيدته … الحب لله هو اكبر محرض وأشد محفز أن ينتصر الإنسان للخير والعدل و …
أحمد : ( يجذبه من يده ) أذن تعالى أيها المحب نتفق على رأي نخرج به على هؤلاء الذين ينتظروننا ؟
عابر :(يشير إلى رأسه ) لقد فكرت طويلا واجهدت عقلي .
أحمد : حسنا ..إلام توصلت ؟
عابر : ( مترددا ) للأسف لم أصل إلى شيء .
أحمد : ( غاضبا ) كيف لم تصل إلى شيء ، ونحن ننتظر بين لحظة وأخرى وصول الجيش يجوس خلال الأسواق والميادين والشوارع ..وأنت تعرف إذا حدث هذا التصادم ماذا سيحدث ؟
عابر : ( يربت على كتف احمد ) لا تغضب يا صاحبي و..
أحمد : كيف لا أغضب وأنا اعتمادي عليك بعد الله في حل تلك المشكلة ..أنا قادم إليك وكلي يقين أنك وجدت حلا .
عابر :معك حق ، فما من مشكلة صادفتها إلا وقد وجدت لها بعون الله حلا إلا ما نحن فيه الآن .
أحمد : لماذا ؟
عابر : لأنها ليست مشكلة .
أحمد : إذن ماذا ؟
عابر : مصيبة ..كارثة ..عدوان لابد أن تقابلهما في وقت واحد …بينما أنت كنت تعد العدة لمقابلة عدو واحد وتوقعات النصر مع هذا العدو ضئيلة للغاية ..ومع ذلك كنا سندخل في مواجهة مع التتار لعل تحدث معجزة .
أحمد : والآن ؟!
عابر : للأسف نحن في حاجة إلى معجزات عديدة وأنت سيد العارفين لسنا في زمن المعجزات .
أحمد : ( يدور حول نفسه ) والمعجزة ..أقصد والحل الآن .
عابر : كنتُ حينما تستعصي علي مشكلة أتركها للزمن فهو كفيل بحلها .
أحمد : ( صائحا ) الزمن الآن هو أكبر مشكلة نواجها يا (عابر) .
عابر : أتعرف ماالذي أريده الآن ؟
أحمد : ماذا تريد ؟!
عابر : أن أنام ؟
أحمد : لا شك أنك قد جننت ..نعم ، لعل عقلك لم يتحمل ما يتعرض له فعطب وتلف
عابر : ( يضع يديه على عينيه ) أنام واستيقظ لعله يكون كابوسا ..حلما أغبر ..ألا يمكن أن يكون مانمر به مجرد حلم ما المانع أن يكون حلما ؟!
أحمد : ( يتطلع إلى منفذ المكان ) كف عن تلك التراهات مئات الآف ينتظرون مننا كلمة أو إشارة .
عابر : ( ساخرا ) كلمة أو إشارة ليموتوا .
أحمد : لم يخرجوا إلا وهم يضعون هذا في حسبانهم .
عابر : أسوأ شيء أن يُسلب منك حرية أن تموت بشرف ..لا يعطونك إلا خيارا واحدا ، أن تموت بخسة ووضاعة .
[ يدخل جمال الدين ومعه عدد من الشباب في كامل ملابس الحرب ]
جمال الدين : ( مفزوعا ) بدأنا نسمع قرع طبول ونفير الجيش ونرى غباره يملأ الأفق ماذا سنفعل الآن ؟
أحمد : ( يشير إلى عابر صائحا بأعلى صوته) ماذا سنفعل الآن يا عابر دلنا يا رجل
عابر : ( يمسك رأسه ) لا أدري .
أحمد : (غاضبا) لا تقل لي لا أدري إن أرواح أهل بغداد كلها معلقة بأيدينا ، لقدائتمنونا على أرواحهم .
عابر : لذلك أقول لاأدري أنا لا أتخيل إن اصطدموا مع الجيش
أحمد : ( حزينا ) معك حق الموقف في غاية الغرابة ، بدلا من أن يقف الجيش في وجه التتار مدافعا عن أسوارها يترك ذلك ويتجه ليقاتل البغدادين ليس أمامنا إلا حل واحد .
عابر : (يمسك يديه ) ماهو ؟
أحمد : تخرج إليهم لتقل لهم أن يعودوا إلى بيوتهم ، ويغلقوا عليهم الأبواب والنوافذ .
عابر : ( يبتعد عنه ) قد يقتلونني ..يمزقونني .
أحمد : إذن نحن نضحى بهم وبلا ثمن
جمال الدين : ( متحمسا ) ولماذا لا نقاتل جيش الخليفة طالما هو يريد مقاتلتنا ؟
عابر : حشدنا الناس لمقاتلة التتار والدفاع عن (بغداد) فما الحجة التي سنقتعهم بها لمقاتلة جيشهم ؟
جمال :هو لم يعد جيشهم لأنه تخلى عن الدفاع عن (بغداد) ولأنه جاء لقتالهم .
عابر :تلك فتنة ، والفتنة أشد من القتل .
جمال : معنى أننا لن نقاتل الجيش فلن نقاتل التتار ؟
عابر : وهل إذا قاتلنا الجيش سنقاتل التتار ( يلتفت إلى أحمد ) ما بك يا أحمد ؟
أحمد : ( شاردا ) لقد خرج من صفوف الجيش الكثير وانضموا لنا حتى عدد من قواد الجيش .
عابر : فيما تفكر يا (أحمد) ؟
أحمد : إلا يمكن أن تحدث معجزة ؟!
عابر : أي معجزة تقصد ؟
أحمد : أن ينضم الجيش إلينا .
جمال : أو ننضم نحن إليه .
أحمد : ( متحمسا ) ونكون يدا واحدة ضد التتار .
جمال الدين : ( يشير إلى من معه ) هيا نعود إلى صفوفنا فلا ندري ما سوف يحدث .
عابر : ( ساخرا ) ما يجب ان يحدث ، والمحتم وقوعه صار من المعجزات
أحمد : ( مفكرا ) معك حق يا (عابر) ..هذا زمن غريب ننتظر حدوث الشيء الطبيعي انتظارنا لحدوث معجزة ، إذا كان هذا يحدث في زماننا ..فيا ترى ماذا سيحدث في الأزمنة القادمة .
عابر : المفزع أن يكون ما يحدث في زماننا هذا هو البداية والقادم سيكون الأسوأ والأنكد .
أحمد : ( يجلس ) الظاهر أنناكنا مجانين ، أو كنا كما قلت نحلم ..أحيانا أفكر بعين العقل وأراجع ماقمنا به… أن نأتي برجل وننصبه خليفه ونرسل رسالة تحدي إلى التتار وندعو الناس إلى الحرب والجهاد ويستجيبون لنا ..أفكر في كل هذا فلا أصدق !
عابر : حتى لو كنا مجانين ، فإن الناس قد وثقوا فينا ولم يكونوا ماجنين .
أحمد : كانوا مخدوعين …خدعناهم عن الحقيقة المؤلمة .
عابر : أي حقيقة تلك ؟
أحمد : إنهم عاجزون حتى عن الدفاع عن وطنهم .
عابر : ومع ذلك فقد حولوا العجز إلى قدرة .
أحمد : أي قدرة تلك التي تتحدث عنها ؟!
عابر : ألم تر الإصرار في عيونهم ، ألم تسمع هتافاتهم الصاعدة من أعماق قلوبهم والصدق في كلامهم والاخلاص في أفعالهم والفلاحين الذين اجضروا لنا أجولة القمح من بيوتهم ، والتجار الذين وزعوا بضاعتهم على الناس بدون مقابل والنساء الذين قدمن مصاغهن والعذارى اللائي تبرعن بمهورهن و ..
أحمد : ( مقاطعا ) كل هذا شيء عظيم لو لم نكن في هذا الظرف العصيب ..إنهم ماهو قادم .
عابر : ونحن ألم نكن نعرف ؟!
احمد : كنا نعرف ولكن لم نكن نقدر الموقف كما يجب .
عابر : ( ساخرا ) والآن نقدر الموقف كما يجب يا (أحمد) .
أحمد : كما قلت لك كنا مجانين أو كنا مخدوعين ..الخليفة والوزير والجيش والتتار والخائنين والمرتشين واللصوص كل هؤلاء تريدمنا ان نقف امامهم .
عابر : ولم جمعت كل هؤلاء في زمرة واحدة ؟
أحمد : كل من لا يجاهد ويحارب عدونا فهو عدو لنا .
عابر : إذن إن لم نحارب ونجاهد التتار فنجن أعداء انفسنا ..إنها معركتنا ولابد أن نخوضها .
أحمد : أتفق معك لو كانت معركة .
عابر : وبم تسميها ؟
أحمد : ( مترددا ) انتحار جماعي لا مبرر له .
عابر :ليكن ..ليدخل التتار (بغداد)على أجسادنا خير من أن يدخلوا على شرفنا وكرامتنا .
أحمد : حتى هذا لن يسمحوا لنا به ( يصيخ السمع ) أتسمع ما أسمعه ؟
عابر : ( ينصت ) لا أسمع شيئا !
أحمد : كيف أني أسمع صهيل خيول وقرع طبول ونفير
عابر : ربما يخيل لك .
أحمد : ( يأخذ بيده ) هيا نسرع لنرى ما يحدث يالخارج .
( ستار )

                                     الفصل الرابع.

المشهد الثالث

أمام خان ( الدفتردار)
الجرحي في كل مكان ممددون على الأرض والبعض جالس والآخر مستند إلى الحائط ، ويتوالي إحضار المزيدمن الجرحي والمضمدين والمضمدات يتحركون بين الجرحي .
أبو بكر : ( يشمر على ساعديه ) بسرعة يا عائشة أحضري المزيد من الأربطة من داخل الخان .
عائشة : ( تربط رأس أحد الجرحي ) سأنهي ما بيدي وأتيك بالمزيد من الأربطة ( تتلفت حولها ) ولكن الجرحي عدهم كثير جدا يا أبي نحن في حاجة إلى مزيد من المعالجين .
أبو بكر : ( يتحرك بعصبية بين الجرحي ) وماذا سنفعل يا أبنتي ، سنبذل قصارى ما نستطيعه .
عائشة : لماذا هذا العدد الهائل من الجرحي؟
أبو بكر : أراد الله بك خيرا أنك لم تري القتلي الذين قتلهم جنود الجيش في كل مكان الأرض مغطاة بالجثث رجال ونساء وشباب وأطفال و ..
مجروح 1 : ( يرفع يده متألما ) ماء ..ماء ..
أبو بكر : ( يناولها كوبا ) اسرعي له بالماء .
عائشة : ( تعود باكية ) لم يشرب .
أبو بكر : لماذا ؟
عائشة : ( متأثرة ) لفظ نفسه الأخير قبل أن يشرب جرعة ماء .
أبوبكر : ( يربت على كتفها) تمالكي نفسك الكثير من الجرحى في حاجة إلينا ..هيا أدهلى الخان واحضري ماتقدرين عليه .
عائشة : ( مترددة ) ألم تر (عابر) يا أبي ؟!
أبو بكر : أتصدقينني لو قلت لك إني تمنيت أن أكون مثل أبي الحسن .
أبو الحسن : ( يخرج من باب الخان ومعه دقدق حاملين كما من أدوات التضميد ) سمعتك تذكرني يا (أبا بكر) .
أبو بكر : ( يأخذ أدوات التضميد ) أقول إني تمنيت أن أكون مثل أبي الحسن لا أري .
أبو الحسن : العمى يكون نعمة أحيانا كما البصر نعمة …المهم أيكفي ما أحضرناه أم اتي بالمزيد ؟
أبو بكر : حتى لو أتيت بالمزيد عدد الجرحي الموجودين في الأسواق والميادين والشوارع والمساجد فوق ماتتصور يا أبا الحسن .
أبو الحسن : وكيف يقتل ويجرح الجيش كل تلك الأعداد وهم عزل ؟!
أبو بكر : (ثعلبان) ومن معه من العيارين والزعار والفتيان والبدو والغجر أخذوا الجيش على حين غرة وقتلوا منهم جمعا كثيرا ، وجاء مدد من الجيش ظلوا يقاتلون (ثعلبان) ومن معه حتى قضوا عليهم وبعد ذلك دخلوا على البغداديين وقتلوا منهم أعدادا لا حصر لها ولم يرحموا امرأة أو طفلا أو شيخا واقتحموا عليهم المساجد والمدارس والخانات .
أبو الحسن : ولكني سمعت كلاماغير الذي تقوله يا أبا بكر.
أبوبكر :ماذا سمعت ؟وممن ؟
أبوالحسن : عدد من الشباب كانوا يمرون من هنا وسمعتهم يقولون أن البغدادين ومعهم (ثعلبان) والزعار قضوا على قوات الجيش ،وهم يتجهون إلى أسوار بغداد لمقاتلة التتار ، وسرت أن و(دقدق) نستطلع الأمر حول (الخان) ، وسمعنا أن البعض يقول أن التتار انسحبوا من أمام أسوار بغدادحينما رأوا البغداديين يصطفون أمام الأسوار .
دقدق :لماذا لم يأت ( ثعلبان ) (بهولاكو) ويطوف به في الأسواق كما كان الرفاق يقولون ؟
أبو بكر : ( يتأمل ماحوله ) الله أعلم إذا كان ما تقوله و(دقدق) مجرد أماني أم أنها حقائق ولكن ما أراه هنا وفي كل مكان ذهبت إليه في بغداد يؤكد أنها مجرد أماني وأحلام .
أبوالحسن : ( يحتضن دقدق ) أتقصد أن الجيش قضى على البغداديين ؟!
أبو بكر : كما ترى يا أبا الحسن إنها مذبحة .
أبو الحسن : الحمد لله أني لا أرى ..ولكني أشعر بما هو قادم .
الخليل : ( يدخل معصوب الجبين ) القادم لا أحد يتخيله يا أبا الحسن .
أبو الحسن : ( يتحسسه ) لقد أرسلك الله إلينا لتخبرنا عن حقيقة ما يحدث ..تكلم يا صوفي.
عائشة : ( بخجل ولهفة ) ألم تر (عابر )؟!
الخليل : (عابر) قادم ورائي هو ( أحمد ) يحملان محفة عليها عدد من الجرحى ( يشير أمامه) ها هما ..أسرعي وحاولي انقاذ ما يمكن إنقاذه .
عائشة : ( تمسك بيد عابر ) الحمد لله أنك معاف .
عابر : ( يتأمل الموتى بجوار الحائط ) ليتني كنت واحدا منهم .
أحمد : نحن بالفعل منهم وهم منا يا (عابر)
عابر : ( متاثرا ) لقد ماتوا بلا ثمن ، بلا جدوى .
أحمد : هم أسعد حظا منا يا (عابر) …فقد لاقوا ربهم بينما نحن الأحياء الموتي .
عابر : بل قل لا أحياء ولا موتى …وأشعر أننا نحمل وزرهم لقد جمعناهم وجاء الجيش وحصدهم حصدا .
أحمد : لا ياعابر لقد جمعناهم لندافع عن بلدنا وطننا ضد الهمجيين ولكن الخونة الذين باعوا ضمائرهم قبل وطنهم لم يريدوا أن يفتضحوا فمنعونا عن كشف عوراتهم ، منعونا أن نسبر إلى التتار ، وهم يعلمون علم اليقين أننا لن ننتصر على التتار ، ومع ذلك فمجرد وقوف البغدادين مجرد رفضهم عدم موافقتهم على دخول التتار كفيل أن يفضحهم ويسود صفحتهم أمام التاريخ .
الخليل :إذا كان الحاضر أسود فالقادم أشد حلكة ، ولا يشغلك ما حدث ولكن ما سوف يحدث إن ما رأيته اليوم بعيني يؤكد أن تلك الأمة وهؤلاء البشر سيتجرعون الكثير من العذاب والشقاء لعشرات السنين القادمة
عابر : كلنا رأينا ما رأيته يا خليل !
الخليل : لا يا(عابر) لم تر ما رأيته ، ولو رأيته ستكذب عينيك ، التتار كانوا يذبحون المئات كما يذبحون الخراف .
الجميع : ( في صوت واحد ) التتار ؟!
عابر : وما الذي ذهب بك إلى التتار ؟
أحمد : وإذا كنت ذهبت فكيف نجوت منهم ؟
أبو الحسن : كيف يطاوعك عقلك وتذهب إلى الموت بقدميك ؟
أبوبكر : اعطوا للرجل فرصة ليحدثنا عما رآه .
الخليل : تعمدت أن أذهب مع الذين يحملون الماء للتتار لأستطلع أمرهم ، وجدت كل من في القصر يخرجون مسالمين أمنين ظنا منهم ان التتار قد أعطوهم الأمان ، فإذا بهم يأخذونهم ويضربون أعناقهم ، حتى أولاد الخليفة لم ينجوا من الذبح ، وأخذوا بناته سبايا .
الجميع : ( في صوت واحد ) والخليفة ؟!
الخليل : ( متاثرا ) وضعوه في جوال وأحكموا ربطه وجاء قادتهم وأخذوا يركولونه بأقدامهم حتى أجهذوا عليه .
أبو الحسن : ولم فعلوا ذلك مع الخليفة ؟!
الخليل : هناك من أخبرهم أن دم الخليفة إذا سفك ستحل اللعنة على جيشهم ، فتحايلوا بتلك الطريقة على قتله .
عابر : وماذا بعد ؟!
الخليل : سلمت بغداد للتتار واستباحوها .
عابر : وأسوار بغداد ؟
الخليل : الحجارة مازالت قائمة ، ولكن أشياء كثيرة سقطت وتكسرت .
عابر :معك حق ..هناك أسوار أخرى تحمى الأوطان ليست من حجارة وحديد ، ولكن من حب وإخلاص وتضحية .
أحمد : ووعي وفهم .
عابر : أي وعي وأي فهم تقصد ؟!
أحمد : أن هذا الوطن ليس ملكا لواحد أو لفئة معينة من الناس ولكن للناس كلهم ، لقد سرق منهم ووطنهم وبيع وهم في غفلة عنه ، مهمة الحفاظ على الوطن ليست مهمة فرد مهما كان منصبه او رتبته ، وليست مهمة مجموعة تعطي نفسها حرية التصرف في مصير هذا الوطن .
عابر : لقد حاولنا …
أحمد : ( مقاطعا ) حاولنا ولكن متأخرين جدا يا عابر ، كلنا مهتمون بأنفسنا ، ولو أعطينا وطننا اهتماما فسنعطيه جزءا بسيطا.. بسيطا ، وكأننا نمن عليه ، وحينما انتبهنا إلى حقه علينا ، كان الوقت قد مضى .
الخليل : ليس في أيدينا شيء لنفعله .
أحمد : لا ..كل شيء في أيدينا ، وقد فعلنا ولكننا وصلنا متأخرين ، لم نضبط الساعة على ساعة وطننا ،تخلفنا كثيرا وتقاعسنا إلى أن أصبحنا في مكان ووطننا في مكان آخر .
أبوبكر : ( متململا ) هل سيقى الموتى هكذا ..ألن نسارع بدفنهم ؟!
عابر : هيا ندفنهم ..وهذا كل ما بقي من وطننا …. أرض ندفن فيها موتانا !
(ستار النهاية )

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.