الإنتاج الأدبي في زمن الحرب !!
محمد الصباحي – مدير مكتب فن التصوير في اليمن
الانتاج الأدبي في زمن الحرب ؟ هل صنعت الحروب والأزمات أدبا يُثري الواقع الأدبي أم هي مجرد احساسات ومشاعر ليس إلا؟ هل وجد الكاتب اليمني في الأزمات والحروب مساحة يفرغ ما يكنه من آراء وحلول حول القضايا الوطنية والانسانية ؟
هل شكلت الحرب للكاتب خيالاً واسعاً للكتابة الإبداعية ؟ مصطلح أدب الحروب هل نجده في واقعنا الأدبي اليمني ؟ أم أن الكتابة اليوم لاتزال حبيسة بمعايير قديمة متجددة كالتبعية والحزبية والطائفية والولاءات الضيقة ؟
الاستطلاع التالي نحاول فيه الاجابة عن هذه التساؤلات مع مجموعة أولية من الكتاب والادباء في الساحة اليمنية فإلى الحصيلة :
رصد للواقع !!
الاديب والكاتب زيد الفقيه يرى أنه ليس هناك أدب يسمى أدب الحرب ولكن هناك منتج أدبي يدعى أدب الحرب يفرضه الواقع المعاش ولذلك كان الاديب بما يمتلكه من مشاعر وأحاسيس كإنسان عادي القلم الذي يعبر عن الواقع حيث يقول “الإنتاج الأدبي في زمن الحرب لا يختلف عن معانات الشارع لأن الأديب هو إنسان عادي، لكنه يرصد الواقع من زوايا مختلفة ، ويرى بعين مغايره لما يراه الأنسان العادي ، وليس هناك أدب يسمى أدب الحرب ، لكن هناك منتج أدبي يدعى أدب الحرب ، وهي الأعمال التي تعبر عن الحرب ، مثل أدب المقاومة الفلسطينية ، والحرب هي معطى همجي تولد في نفس الأديب وجع الوطن ، ومن ثم يعبر الكاتب عن هذا الوجع الوطني ،. بالتأكيد ليس للأزمة خيال، بل الأزمة تملي على الأديب قبس من الخيال السلبي الذي يفضي إلى كتابة نصٍ يكون مقاوماً ، للحرب مثل هذا النص بعنوان ” صمود”
كان البدوي لا يعرف أنه قَدِم إلى ارض الجنتين … وكان لا يعرف ان الطائر الذي أراد اصطياده هو الفينيق … حين صوَّب طلقته إليه … وأراد أن يقتله … أصابه تمرغ الطائر في ترابه …احترق … ومن رماده بُعث ثانية شامخاً قوياً … لم يصدق البد ي وقد شرب حليب الناقة وحمل حقدها… أطلق ثانية … ثالثة … ورابعة … انتهت مُؤونته احترقت بندقيته … مات البدوي بغيظه وظل طائر الفينيق شامخاً…!!
يضيف الفقيه ” دوماً الأديب يتكئ عند كتابة النص المقاوم على الجانب التراثي للوطن المقاوم ، مثل قصائد (محمود درويش) وغيره من كتاب المقاومة للاحتلال الصهيوني ، ويشابهه ما أفرزته من حقد الصهيونية العربية ، التي تمارس أبشع جرائم الحرب ، فتخيل حين يكون العدو بدوي صهيوني !! كيف يكون حقده على من يحاربه الأدب المقاوم أدب ضد الحرب أيٍ كانت ، وضد القتل بكل صوره “
إثراء وتجديد !!
الشاعرة نوال القليسي ترى أن الحروب والأزمات تثري النتاج الادبي وتجدد مساره الفكري ليس وليد اللحظة ولكن منذ التاريخ فهو جزء من كيان وثقافة الشعوب ومنها الادب اليمني حيث تقول : في اعتقادي ان الحروب والازمات على مر التاريخ صنعت ادبآ يثري الواقع المعاش فالشاعر والكاتب والاديب هو لسان عصره وما حدث من تجدد في المسار الادبي والفكري بعد الحرب العالمية الثانية يثبت صحه ما اعتقد به حيث اطلق عليه مسمى ادب ما بعد الحرب فقد ظهر في الادب ما عرف الآن بشعر النثر والقصة القصيرة والدراما والمسرح وهذا اثبات حقيقي على ان الحروب والازمات تثري النتاج الادبي وتجدد في مساره الفكري فهي مشاعر وأحاسيس خاضت تجربه الحرب ولكونها تمتلك الاحاسيس والقدرة على التعبير عبرت عن تجربه الحرب لتكون نبراس هادي لعامه والخاصة وقت المحن والشدائد
كما تضيف القليسي عدد من الثوابت التي لابد ان تتوفر لدى الكاتب وخاصة في زمن الحروب فيما يخص الكتابة عن الوطن ” فأدب الحرب جزء من كيان وثقافة الشعوب والكاتب اليمني الذي لا ينحاز لحزب او طائفه او مذهب ويرى مصلحه الوطن فوق اي اعتبار هو ذاته الكاتب الذي عبر بضمير حي واحساس قوي وخيال واسع عن قضايا الوطن والانسان اليمني فالكاتب اليمني الحر هو من عبر عن تجربه الحرب والازمة الخانقه لمواطن البسيط بدافع الحياه ولم يزكي القتل لأجل القتل
التجرد !!
الشاعر يحي الحمادي يسرد لنا في هذه الاسطر تجربته في الكتابة في زمن الحرب والازمات وكيف اثرت الساحات والميادين قريحته الشعرية في حمل هموم الوطن والتعبير عن التطلعات والآمال ابتداء من ثورة الشباب “
*ثورةُ الشباب كانت هي النافذة التي سَمِعتُ من خلالها الوطن و أجبتُهُ منها كواحدٍ مِن بين كل تلك الملايين التي لَبَّت النداء في مُختلف ساحاته و ميادينه, ومِن هذه النافذة رأيتُ نفسي -و مَن معي مِن شعراء الثورة- في مهمةٍ ثوريةٍ مختلفة عن تلك الجُموع الثورية ألَا و هي التعبير عن تطلعاتِها و آمالِها و التوثيقِ لِمراحلِها الثورية التي اعتراها الكثيرُ مِن التّحريف و المغالطات السياسية.
لم يكن الأمر سهلًا عليّ في بداية الأمر و خاصةً تلك الفترة التي عاشت مخاضًا عسيرًا قبلَ تَكوُّنِ السّاحات و نَصبِ الخِيَام, فقد كنتُ حِينها أكتبُ القصيدةَ ثمّ لا أجِد المنبرَ الذي أُطِلُّ مِن خلالهِ على الجمهورِ ناهِيك عَن امتناع الكثير من الصُّحُف عن نَشر قصائدي آنئذ حيثُ أنَّ الثورة في تِلك المرحلة لم تكن قد فَرَضَت نفسَها كأمرٍ واقع و كان الكثيرُ يَرَى أنَّها سَتَنطفئُ بمجرّد قَمعٍ يحصل هنا أو قتلٍ هناك, لكنْ و بعد أن نُصِبَت الخِيَامُ و بَدَأت السّاحاتُ بِفَرضِ نفسِها في المَشهد و بَدَأت ملامِحُ الثورة تتشكل يومًا إثرَ آخَر وَجَدْتُ بعدَها البيئة الملائمة لنَشر نتاجي على شريحةٍ أوسَع مِن الناس
ويضيف الحمادي ان النص الشعري لابد ان يتجرد من أي انتماء حزبي او مذهبي لكي يؤدي دوره الوطني ورسالته الهامة حيث يقول “حيثُ كنتُ أقومُ بطباعة قصائدي و توزيعها على الثوّار في الخيام كمنشورات سياسية تحث على الصمود و مواصلة مسيرة التغيير مهما كلّف ذلك مِن تضحيات, ثم أخَذَت بعض الصحف و بعض المواقع الإلكترونية بالتفاعل معها و الترويج لها , لكنَّ هذا لم يكن لِيُشبعَ رغبتي بالوصول إلى أكبر قَدر مِن المتابعين فقد قمت بإنشاء صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي”فيسبوك” و كنت أعود مِن الساحة في كلِّ ليلة مختزلًا المشهد اليومي و مُوَثّقًا كُلَّ ما شاهدتُهُ و عايشتهُ مُحوّلًا إيّاه إلى نصٍّ شِعريّ مُتجَرّد مِن أيّ انتماءٍ حزبيّ أو مَذهبي و ها أنا اليوم بصَدَد طباعة ديواني الخامس”
اماكن خصبة للإبداع !!
الأديبة والشاعرة بلقيس الكبسي ترى أن الانتاج الادبي ما هو إلا نزيف لأهات ومشاعر وعواطف الكاتب والشاعر والاديب وان الحروب ماهي الا اماكن خصبة للإبداع حيث تقول ” الإنتاج الأدبي العربي ما هو إلا حصيلة حروب ومعاصرة للآلام والانتكاسات والخيبات والازمات والادباء في زمن الحرب لا أصوات لهم سوى عواطفهم ومشاعر احتجاجهم وغضبهم التي يفرغونها في صفحات ابداعهم وينزفون آهاتهم برفقة مداد أقلامهم .. الحروب موطن خصب للإبداع بكل اجرامها “وتضيف الكبسي فيما يخص الكتابة للوطن وهمومه ” الادباء يفرغون ما يشاؤون ولكنهم يتأرجحون بين بين واقعهم وضمير اقلامهم وولاءاتهم وانتماءاتهم هناك قلة قليلة من يضعون الوطن جانبا وينؤون به عن تبعيتهم لكن الكتابة تظل متنفسا لكل الالم لكل الحروب لكل الانتكاسات وخيالا جانحا بكل الابداع .

بعيداً …. عن التطبيل والتصفيق !!
القاصة والشاعرة غدير الخاوي ترى ان الانتاج الادبي والفكري في زمن الحرب لابد ان يبتعد عن التطبيل والتحيز لطرف معين كي لا يفقد الأدب رسالته وهدفه وخاصة زمن الحرب والازمات ” في رأيي. .وعلى المستوى الشخصي أرى بأن أدب الحروب ما هو إلا إفراغ للوجع المتكدس لدى الكاتب المعايش للحرب قد ينتج عنه نصوص راقية تثري الأدب بمشاعر صادقة وقد يكون مجرد تطبيل وتحيز لطرف معين فيغدوا زبد يطفو مع الموجة ويختفي كما ظهر دون أن يترك أي بصمة. ومن خلال متابعتي لصفحات بعض الزملاء على الفيس وجدت مواقف مختلفة فهناك من ترك الكتابة الأدبية أساسا وكرس حرفه للنقد أو التصفيق وهناك من نذر قلمه للوطن بنصوص غاية في الروعة. أخيرا أحمد الله أني لم أرمي قلمي بعد رغم هول الجنون والموت والتخبط المحيط بنا ..”

محمد الصباحي
*****************************
– الانتاج الادبي زمن الحرب فن التصوير 2.doc

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.