فصل الدرجات (Tone Splitting)…

سوف أحاول في هذه المقالة أن أسرد بعض الخطوات المتعلقة بعملية تسمى بـ «فصل الدرجات» أو (Tone Splitting)، وهي عملية فصل درجات السواطع والظلال في الصورة (والتي تكون عادة بالأبيض والأسود) عن طريق إعطاء لون خاص لكل واحدة منها. إنها عملية مسلية وتخلق أحيانا بعدا فنيا آخر للصورة الاعتيادية. وسوف أحاول مناقشة بعض الخصائص المتعلقة بالألوان. ولكن قبل الدخول في عملية الفصل، علينا أولا التحدث عن صبغ الصورة الاعتيادية بلون أحادي.

الصبغ باللون الأحادي (Tint)

كانت الصور الأحادية اللون فيما مضى من البديهيات أو الأمور المسلم بها قبل اختراع التصوير بالألوان. فقد كان جُل الصور المسماة «أبيض وأسود» تحتوي على بعض الصبغات والتي تتراوح شدتها بحسب العمل الكيميائي الذي كان يتم لتحميض هذه الصور. ولكن تغير الأمر مع الوقت وبالأخص عند اختراع التصوير الملون، فأصبح التصوير بالأبيض والأسود عبارة عن فن في حد ذاته له مميزاته ونقاط قوته التي تميزه عن باقي فنون التصوير بعدما كان هو الأمر الطبيعي في التصوير سواء في التوثيق أو في الفنون. ومع ذلك، ومع تقدم أدوات المعالجة للصور، مازال صبغ صور الأبيض والأسود من الأمور الشائعة للتعبير عن شتى المشاعر الإنسانية، لا سيما عند صبغها بلون الـ «سبيدج»* (Sepia).
* السبيدج هو اسم آخر للحبّار، وهو الترجمة الحرفية لكلمة (Sepia)، لأن الحبر المُنتج من هذا الحيوان الكائن له هذا اللون الأصفر الضارب إلى الحمرة فسمي اللون باسمه.

صورة بصبغة السبيدج

هناك فوائد تقنية أخرى تُرتجى من عملية صبغ صور الأبيض والأسود بصبغة ما، وهو أن عند طباعة هذا النوع من الصور فإنه قد يتواجد بعض المناطق البيضاء والتي تكون قيمها الرقمية شديدة القرب من (255،255،255) – بنظام ح.خ.ز. (RGB)، ومع طريقة العمل في الطابعات، فإن اللون الأبيض الخالص (255،255،255) يُترجم في هذه الطابعات إلى أمر بعدم الطباعة وذلك على أساس أن الورقة بيضاء في المقام الأول! هذا الأمر قد يسبب بعض التباين أو عدم انسجام تام في درجات السواطع والظلال في الصورة وخصوصا لكون الورق المستخدم ليس أبيضا بشكل تام، ولهذا فإن بعض المصورين يفضل أن يتم صبغ الصورة ولو بلون خفيف تفاديا لهذه المشكلة (أو أن يقلل الأبيض إلى درجة خفيفة من اللون الرمادي).

مقارنة بين صورة بالأبيض والأسود قبل تقليل اللون الأبيض (يمين) وبعد تقليل نسبته (يسار).

حسن، سنتكلم الآن عن طريقة الصبغ بلون أحادي. الطريقة سهلة ويمكن إتمامها بأكثر من طريقة، ولكن الطريقة المفضلة لدي هي طريق «مرشح الصور» (Photo Filter) في برنامج الفوتوشوب، وهو أمر يمكن استدعاؤه في نافذة الطبقات في برنامج الفوتوشوب بحيث يكون في طبقة منفصلة فوق الصورة ويمكن التحكم بالألوان بشتى الطرق من هناك مع التحكم بالتعتيم كما سنرى. تقوم هذه الطبقة أو هذا الأمر على محاكاة المرشحات الملونة التي يستخدمها المصورون عادة على أرض الواقع (والحقيقة أن الكثير منها كان منتشرا إبان حقبة التصوير الكلاسيكي بالأبيض والأسود)

استدعاء «طبقة تعديل» من نافذة الطبقات. يمكن تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود عن طريق إلغاء التشبع (Ctrl+Shift+U)، أو عن طريق استدعاء طبقة تعديل «أبيض وأسود» (Black & White) – المشار إليه باللون الأزرق – قبل استدعاء مرشح الصور.

في صندوق التحكم لمرشح الصور (والذي يمكن استدعاؤه بالنقر مرتين على المربع الخاص به في نافذة الطبقات إذا لم يظهر بشكل مباشر) يوجد هناك 4 اختيارات رئيسية:
1. المرشح (Filter): وهي قائمة بأسماء المرشحات الدارج استخدامها في التصوير.
2. اللون (Color): وهي خاصية لاختيار اللون بشكل حر.
3. الكثافة (Density): وهي تتحكم بكثافة اللون وشدة تأثيره على الصورة.
4. الحفاظ على اللمعان (Preserve Luminosity): وهي خاصية للحفاظ على الإضاءة في الصورة أو لجعل الإضاءة تتأثر بكثافة اللون المضاف.

كل هذه الأمور هي رهن تصرف المصور للتحكم ولا يوجد هناك قاعدة عامة، فذوق الفنان يبرز في كيفية التحكم بهذه الأمور. على أن من أساليبي الخاصة في العمل هو البدء باختيار مرشح ما من القائمة الأولى (وخصوصا السبيدج Sepia) وتكوين الفكرة النهائية للعمل من هناك. لصبغ اللون الأبيض قد يضطر المستخدم لإلغاء خاصية الحفاظ على اللمعان وهو ما قد يتسبب في جعل الصورة داكنة (أحيانا بشكل كبير) وقد لا يروق هذا للمصور. عليه، فإنه من المناسب أحيانا العمل على تقليل لمعان اللون الأبيض وتقريبه إلى درجة خفيفة من اللون الرمادي عن طريق أمر «المستويات» (Levels)، ويمكن استدعاؤه من نافذة الطبقات كذلك (قبل العمل مع مرشح الصور)، أو اختيار طبقة الصورة والضغط على تحكم+L (أي Ctrl+L) للتحكم المباشر بمستويات الصورة. ثم يتم تقليل نسبة اللون الأبيض قليلا بتحريك المؤشر الأبيض السفلي إلى اليسار كما يراه المستخدم مناسبا. عند هذه الخطوة ينتهي الصبغ بلون واحد أو أحادي.

تقليل نسبة الأبيض عن طريق أمر «مستويات» (Levels)، حيث يتم تحريك المؤشر الأبيض قليلا إلى اليسار. يمكن كذلك التحكم بالتباين (Contrast) لتحسينه بعد هذه العملية عن طريق تحريك مؤشر المدى الأوسط (المؤشر الرمادي) يمنة ويسرة.

فصل الدرجات (Tone Splitting)

كما ذكرنا سابقا، فإن هذه العملية تقوم على منح درجات كُلٍّ من السواطع والظلال لونين منفصلين. كما هي الحال في الصبغ بلون أحادي، فإن فصل الدرجات هي أحد الأبعاد الفنية. وبالرغم من القدرة على الإتيان بها في الصور الملونة ولكن درجت العادة على تطبيقها على صور الأبيض والأسود ليتضح تأثيرها أكثر.
يمكن تطبيق هذه التقنية بطريقتين مختلفتين: محرر السالب الرقمي (للفوتوشوب)، والفوتوشوب نفسه. أنا شخصيا أفضل الطريقة الثانية بسبب المرونة والحرية في العمل، ولكن لا يمنع هذا من التطرق إلى الطريقتين كلّ على حدة.

أ. السالب الرقمي:
يتم العمل في السالب الرقمي مباشرة مع فتح ملف السالب الرقمي المحمل من الكاميرا. يمكن التحكم بشتى الأمور (يرجى قراءة المقالات السابقة الخاصة بهذا الشأن)، وجميعها سيؤثر بالطبع على الناتج النهائي. ولكن، لبدء العمل مع فصل الدرجات، يمكن تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود عن طريق القسم الرابع (من اليسار) وهو قسم الصبغات ودرجات الرمادي (وهو اسم آخر للأبيض والأسود) – HSL/Greyscale.

نافذة العمل في محرر السالب الرقمي. القسم الرابع (المؤشر الأحمر) هو القسم الخاص للتحكم بدرجات الألوان والتحويل إلى الأبيض والأسود. يمكن تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود عن طريق تشغيل الخاصية (المؤشر الأزرق).

يتم تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود عن طريق تفعيل هذه الخاصية بالنقر على المربع الظاهر في الأعلى (Convert to Greyscale) وسيتم تحويل الصورة إلى درجات الرمادي مباشرة. يمكن بعدها التحكم بدرجات الألوان المختلفة، وهنا يتم التحكم بمقدار اقتراب كل لون من الأبيض أو الأسود فقط. ويمكن كذلك تجربة تغيير المستوى الأبيض (والأمور الأخرى) في القسمين الأول والثاني للحصول على المستويات والدرجات المطلوبة. يُفضل دائما مراقبة المخطط الضوئي (Histogram) عند العمل لضمان وقوع هذه التغييرات في ضمن المدى المسموح به وإلّا تعرضت بعض التفاصيل في الصورة إلى التلاشي.

المستويات النهائية، مع بعض التعديلات الأخرى في القسمين الأول والثاني. لاحظ المخطط الضوئي (Histogram).

نتوجه بعدها إلى القسم الخامس وهو القسم الخاص بفصل الدرجات وسنرى أن هناك 5 مساطر للتحكم: أول اثنتين مخصصتان للتحكم بصبغة وتشبع السواطع (Highlights)، وآخر اثنتين للتحكم بصبغة وتشبع الظلال (Shadows). أما المسطرة الوسطى فهي لموازنة التأثير ما بين السواطع والظلال.

قسم فصل الدرجات (الخامس من اليسار، الدائرة الزرقاء)، مع مساطر التحكم.

لا يوجد قاعدة لاختيار الألوان لكلا الطرفين: السواطع والظلال، ولكن سأتحدث عن هذا لاحقا. لاختيار اللون لأي طرف يجب تحريك مسطرة الصبغة (Hue) وزيادة التشبع لرؤية التأثير (يفضل زيادة التشبع أولا لملاحظة اللون على الصورة، ثم تعديل الصبغة). ولدينا مسطرة الموازنة كذلك وهي بمثابة أداة لإعادة توزيع المناطق ما بين الظلال والسواطع للتحكم بالتأثير أكثر فأكثر. قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يحصل المستخدم على النتيجة المرجوة. عند هذه النقطة ينتهي العمل وقد تم فصل درجات السواطع والظلال بلونين مختلفين، ويمكن بعدها فتح الصورة في برنامج الفوتوشوب (أو إجراء تعديلات أخرى داخل محرر السالب الرقمي طبعا) عن طريق أمر الفتح (Open Image).

عملية فصل الدرجات بين السماوي (للسواطع) والأحمر (للظلال) – والخيارات لا حدود لها.

ب. الطبقات (Layers):
تعتمد هذه الطريقة على العمل تماما في بيئة الفوتوشوب بدلا من محرر السالب الرقمي. قد تكون الصورة بالفعل بدرجات الأبيض والأسود، أو قد يمكن تحويلها قبل العمل على فصل الدرجات. أما العمل بحد ذاته فإن هناك طرق مختلفة للوصول إلى النتيجة المرجوة ولكني أفضل العمل باستخدام طبقة مرشح الصور (Photo Filter) كما هو الحال في الصبغ بلون أحادي أعلاه. تتميز هذه الطريقة بأنها تخلق بعض الحرية في العمل على اختيار الألوان والدقة في اختيارها، علاوة على إشراك هذه الخطوة في مجمل التعديلات الأخرى التي تم أو سيتم القيام بها (بحيث يمكن الرجوع إلى طبقات مرشح الصور وتعديل بعض الأمور لضبط الصورة إذا ما تطلب الأمر ذلك). قد يكون الجانب السلبي الوحيد هنا هو أن العمل لن يكون مع ملف سالب رقمي يحتوي على معلومات الإضاءة، بل مع صورة بياناتها مُثبتة (قد تكون 16-بت أو 8-بت وما إلى ذلك)؛ وبالتالي فإنه لا يوجد أي مسطرة هنا للتحكم بموازنة السواطع والظلال وإعادة توزيعهما كما هو الحال في محرر السالب الرقمي.
أول خطوة، كما كان الحال في محرر السالب الرقمي، نقوم بتحويل الصورة إلى درجات الرمادي (أي إلى الأبيض والأسود) عن طريق استدعاء طبقة «أبيض وأسود» (Black & White) من نافذة الطبقات كالمعتاد، ومنها يتم التحكم بدرجات الألوان المختلفة في صندوق التحكم هذا أو يمكن استعمال بعض التصنيفات المسبقة من القائمة في الصندوق (إحدى هذه التصنيفات المفضلة لدي هي المحاكية للأشعة تحت الحمراء Infrared). بالطبع لن يكون الأمر ضروريا هنا لو كانت الصورة بالأبيض والأسود مسبقا. المهم هو الحصول على الدرجات والتباين المطلوب بين أجزاء الصورة.

تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود باستخدام طبقة تعديل «أبيض وأسود»

بعد ضبط درجات الأبيض والأسود يمكننا متابعة العمل على فصل الدرجات. يفضل قبلها دمج طبقة «الأبيض والأسود» (Black & White) مع الصورة باستخدام تحكم+عالي+E (أي Ctrl+Shift+E). نقوم بعدها باختيار مناطق السواطع فقط، وذلك عن طريق أمر: Select>Color Range وثم اختيار (Highlights) من القائمة. عند النقر على زر الموافقة (أي OK) ستظهر الخطوط المتقطعة المحيطة بالمناطق المندرجة تحت السواطع.

عملية اختيار السواطع فقط عن طريق أمر «اختيار مدى الألوان» (Color Range)

نقوم باستدعاء طبقة «مرشح الصور» كما فعلنا سابقا من نافذة الطبقات وسيتشكل عندها بشكل مباشر «قناع» للطبقة تبدو فيه المناطق المطلوب التأثير عليها باللون الأبيض وما سواها باللون الأسود. يمكننا الآن التحكم باللون المطلوب كما فعلنا سابقا عند الصبغ باللون الأحادي، أما كثافة اللون فهو أمر متروك لذوق المصور أو المستخدم، ولكن من وجهة نظري يفضل عدم زيادة الكثافة كثيرا. فالمطلوب هو الإيحاء باللون وليس إظهار اللون وذلك من أجل استقطاب النظر والتمعن من قِبل الناظر.

عملية إضفاء لون خاص للسواطع ويلاحظ القناع لطبقة مرشح الصور (المشار إليه)

يمكننا الآن العمل بطريقتين: إما عمل نسخة من مرشح الصور هذا وقلب قناعه وبهذا يتم التحكم بما عدا السواطع، أو العمل على اختيار الظلال كما تم سابقا. سنعمل هنا بالنظام الثاني، فنقوم بإطفاء طبقة مرشح الصور مؤقتا (بالنقر على مربع العين بجانب الطبقة) واختيار طبقة الصورة مرة أخرى، ثم يتم استدعاء أمر: Select>Color Range كما في السابق ولكن يتم اختيار الظلال (Shadows) والموافقة بعد ذلك. كما حدث سابقا، ستظهر الخطوط المتقطعة حول مناطق الظلال. نستدعي طبقة مرشح الصور (Photo Filter) كذلك فيتكون لدينا الآن طبقة لهذا المؤثر مع قناعه والذي تبدو فيه الظلال بالأبيض وما سواها بالأسود. نختار اللون وما إلى ذلك من أمور أخرى كالمعتاد. والآن يمكننا إظهار ما فعلناه سابقا للسواطع عن طريق النقر على مربع العين مرة أخرى. هكذا سيكون لدينا طبقتين من مرشح الصور كل منهما يؤثر على منطقة مختلفة.

صبغ الظلال بنفس العملية الاولى ويلاحظ إطفاء طبقة مرشح الصور الأولى. يجب إطفاؤها قبل عملية اختيار الظلال حتى لا تتأثر عملية اختيار الظلال بأي شيء آخر (للاحتياط). قمنا باختيار اللون القرمزي للظلال.

يفضل بعدها (وليس بالضرورة) استعمال بعض الغشاوة على الأقنعة التابعة لهذين المؤثرين لجعل أطراف التأثير انسيابية أكثر. يتم هذا عن طريق اختيار أحد الأقنعة وثم استدعاء أمر (Gaussian Blur) من قائمة: Filter>Blur، وسنعرب هذا المؤثر إلى «غشاوة غاوسية» (وهي منسوبة إلى العالم الألماني يوهان غاوس Johann Gauss). يفضل عند استخدام هذا التأثير عدم استخدام القيم الكبيرة، بل فقط ما يكفي لنعومة الأطراف، وكذلك يفضل استخدام ذات القيمة عند العمل في كلا القناعين. نلاحظ هنا بأننا أهملنا أمر المدى الأوسط (Midtones)، وفي الحقيقة أن عملية التغشية على الأقنعة تعمل على تغطية بعض مناطق هذا المدى بشكل يسير نوعا ما.

الشكل النهائي للتعديلات وقد أضفت طبقة «منحنى» (Curves) وهي موجودة في قائمة الطبقات المعتادة بالطبع وقمت بتعديلات بعض الدرجات عن طريق التحكم بالمنحنى. هذه خطوة اختيارية لتوضيح الدرجات فقط والحقيقة أن الخيارات المتاحة في التعديلا لا نهائية!
تم استعمال غشاوة غاوسية بمعدل 4,2 على أقنعة طبقات مرشحات الصور.

عند هذه النقطة تنتهي العملية الأساسية في فصل الدرجات ما بين السواطع والظلال. ولكن يجب أن نتساءل قليلا عن ماهية الألوان التي يمكن الربط بينها ولو كان ذلك محض ذوق العامل على هذه الصور. ولكن يجدر بمن يعمل بهذه التقنية أن يكون ملما بعض الشيء بنظرية الألوان وطريقة ترابطها مع بعضها البعض، وعدم العمل على اختيار الألوان بشكل عشوائي.

الألوان

تنطلق علاقة الألوان بالإنسان من قاعدة نفسية بحتة. فبالرغم من فهمنا للألوان الآن من منطلق علمي وفهم كيفية نشوئها إلّا أن ذلك لم يؤثر على تحبيبنا وتقريبنا لبعض الألوان دون الأخريات لأسباب شتى، ومعظم هذه الأسباب يصب في آنية الأسباب النفسية أو ما ركز في العقل الباطن وما إلى ذلك. لذلك، عند العمل على فصل درجات السواطع والظلال بإعطاء لون منفصل لكل واحد منهما، فإن الاختيار في الغالب سيكون نفسيا. لا بأس بذلك. أما الأسباب الأخرى فقد تكون شدة انجذاب المصور لهذا اللون (بصريا) أكثر من غيره. لا بأس بذلك أيضا. ولكن يتواجد لدينا هنا لونان بدلا من واحد، فكيف نكوّن علاقة بين الاثنين بطريقة منطقية بعض الشيء حتى بعد اختيارنا للون الأول (سواء للسواطع أو الظلال)، ولماذا؟ الأسباب قد تكون عديدة، لكن أبرزها هو: إبراز المعالم بشكل مميز أكثر عن طريق اختيار ألوان متباينة فيما بينها ويكمل بعضها الآخر (الألوان المكمّلة)، أو عدم تشتيت البصر بألوان متميزة كثيرا عن بعضها البعض. الحل يكمن هنا بدراسة الألوان ودائرة الألوان.
استخدم أنا شخصيا بعض المواقع المساعدة على اختيار الألوان، والتي تقوم بتفصيل وتحليل الألوان بكثير من الطرق، ومنها يمكن معرفة اللون المكمّل للون المختار (وهو اللون الذي يقابل اللون المختار على دائرة الألوان ويتميز بأنه اللون الأكثر تباينا مع اللون المختار)، ومعرفة الألوان الثانوية أو الألوان التي تشكل درجات مختلفة من هذا اللون وما إلى ذلك من الأمور. إحدى هذه المواقع هو ColorHexa، وهناك الكثير من مثل شاكلته وسأضع بعض هذه الروابط لاحقا.

واجهة صفحة ColorHexa وتحتوي على بعض التعليمات عن كيفية استخدام الصفحة والأدوات المتواجدة فيها.

يمكن البحث في هذه المواقع على اللون المختار أو المطلوب بطرق عدة مثل: رمز ح.خ.ز (RGB) أو م.ق.ص.س (CMYK) وما إلى ذلك، والأنسب لدي هو البحث عن طريق الرمز الست-عشري (Hexadecimal Code) أو اختصارا (hex code). عادة ما يُسبق هذا الرمز بعلامة المربع (#) وهو يتكون من 6 خانات تكون إما أرقاما أو حروفا (بنظام الست-عشري والذي يعتمد على العد من 0 إلى 9 ثم من A إلى F فيكون المجمل ستة عشر) وتمثل كل خانتين متتاليتين عددا معينا في نظام الـ (ح.خ.ز) وتُلاحظ هذه الأعداد في صناديق الألوان في برنامج الفوتوشوب عادة. كما يُظهر هذا الموقع العلاقة بين اللون تحت البحث والألوان الأخرى وهذا هو عقدة البحث. تسمى هذه العلاقات بين الألوان بـ «مخططات الألوان» (Color Schemes)، وهي من الأمور الأساسية في العمل في شتى أنواع الفنون البصرية، لا سيما الرسم.

المعلومات الخاصة باللون #009e60 وهو ما يسمى بالأخضر الإيرلندي (أو أخضر النفل) وهو أحد الألوان الرسمية في علم الجمهورية الإيرلندية.
يمثل هذا القسم مجرد جزءً من باقي المعلومات في الصفحة.

أنواع العلاقات كالتالي، ومن الأفضل التطرق إلى الكتب المتخصصة في بحوث الألوان:

1. الألوان المُكمّلة (Complimentary Colors): وهي الألوان التي تتقابل على دائرة الألوان وتتميز بأن التباين النظري فيما بينها شديد ويساعد أحدهما على إبراز الآخر بشكل قوي. عند خلط هذين اللونين فإنهما يلغيان بعضهما البعض ويكون الناتج الرمادي المتوسط.

2. الألوان المتماثلة (Analogous Colors): وهي الألوان التي تقع مباشرة في محيط اللون موضع البحث على دائرة الألوان ويتميز مخطط الألوان هذا بأن الألوان عادة ما تكون حيوية ومتناسقة أو منسجمة مع بعضها البعض ولكن مع تباين نظري منخفض، ويجب أن يكون إحداها هو الطاغي على الآخرَيْن.

3. الألوان المُكمّلة المفصولة (Split Complimentary Colors): وهو مخطط مماثل للنوع الأول، ولكن يتم هنا تفكيك اللون المُكمّل إلى لونين منفصلين هما عبارة عن اللونين المتماثلين (النوع الثاني) للون المُكمّل. يتميز هذا النوع بالتباين النظري القوي بين الألوان ولكن بشكل أقل مما هو عليه في النوع الأول.

4. الألوان المثلثة (Triadic Colors): تكون هذه المجموعة من الألوان على مسافات متساوية على دائرة الألوان مع اللون محط البحث. ولهذا فإنه يمكن الربط بينها بمثلث متساوي الأضلاع. تشكل هذه الألوان علاقة حيوية مع بعضها البعض وإن كانت الألوان باهتة أحيانا وتقوم على زيادة التباين النظري أكثر مع المحافظة على بعض الانسجام فيما بينها فيتحقق بعض التوازن البصري عند النظر إليها فلا يطغى لون بشدة على الآخر.

5. الألوان المربعة (Tetradic Colors): وهي مجموعة من أربعة ألوان وليس بشرط أن يقعن على مسافات متساوية على دائرة الألوان ولكن يمثل كل لونين منهن لونا مكملا للآخر (وبالطبع فإن الأساس في حساب هذه الألوان هو اللون محل البحث). من الصعب التوفيق وصنع الانسجام بين هذه الألوان ولا بد أن يطغى لون واحد على الكل.

6. ألوان أحادية (Monochromatic Colors): وهي الألوان التي تتفق مع اللون محط البحث في الصبغة ولكن تختلف معه في درجة اللمعان (Luminance/Brightness). تبعث هذه الألوان مع بعضها البعض على روح الانسجام ولا يطغى أحدها على الآخر ولهذا فهي مثالية للأعمال التي يرجى من خلالها الإيحاء بالهدوء والراحة، أو الانسجام البصري على الأقل.

هذه المخططات الرئيسية وقد يوجد أكثر من ذلك في بعض المواقع الأخرى. كما يوجد في هذا الموقع بالذات خدمة «محاكاة» اللون محل البحث في نظر الأشخاص المصابين بعمى الألوان (بأنواعه).
عند عملي بهذه التقنية أو الأسلوب فإنني أفضل دائما الرجوع إلى هذه المواقع لدراسة اللون وعلاقته بالألوان من حوله لتقليل فرص العمل العشوائي والعمل من دون وجهة نظر معينة. أما نقطة البداية في اختيار اللون فهو أمر رهن الذوق والأحاسيس المواكبة للصورة. أحيانا قد أستمد اللون الأساسي أو نقطة البداية في العمل من لون طاغٍ في الصورة الأساسية وأبدأ العمل بعدها بما تم شرحه آنفا.

محاكاة نظر عُمي الألوان في ذيل الصفحة للون الآنف الذكر.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.