ما هي الصورة التوثيقية

ان الفهم الدارج للصورة التوثيقية فيه التباس كبير بين الفوتوغرافيين, فالغالبية العظمى ترى بان التصوير الصحفي هو في اغلبه تصوير توثيقي للأحداث القائمة واللقاءات التاريخية بين السياسيين.
والواقع ان التصوير الصحفي لا يقتصر على هذا النوع من التصوير بل انه يشمل جميع انواع التصوير وقد كتبت بحثاً قصيراً به باسم (التصوير الصحفي بين البنادق) مبيناً عمل المصور الصحفي.
صور توثيقية قد تخلو من الجمال:
لو قابلت الرجل الشهير نيلسون مانديلا لن اتوانى لحظة لالتقاط صورة معه ولو كانت بالهاتف النقال (الخلوي) ولن اهتم بدقة الوضوح ولا الالوان ولا التوقيت, بالمختصر المفيد لن اكترث اطلاقاً بجودة الصورة.
هذه صورة توثيقية بإمتياز, فقد وثقت لقائي بالرجل, ومن سينظر اليها سيُغبط من هذا اللقاء ولن يهمه ان كانت الصورة ناجحة ام فاشلة, فقد ادت الصورة دورها, وهو توثيق لقائنا بالدليل القاطع.
وهذا ايضاً ينطبق على صورة الصحفي للحروب, فهو لن يبحث عن إضاءة صحيحة ولا خلفية مناسبة ولا توقيت افضل, وإلا لن تعود عقارب الساعة للخلف لكي يوثق الحدث في الجو المشمس, فهو عليه تصويره سواء كان الجو غائم ام ماطر ام مشمس.
ونشاهد دائما صوراً قديمة جداً لمدينة بغداد او القدس او القيروان مثلاً ويكتب تحتها بانها اخذت في عام 1890 مثلاً, فلا احد منا يحاول ان يجد عيباً فيها بل ننظر بانبهار لصورة عمرها اكثر من مائة وعشرين عام وكيف كانت شوارع ومباني القدس ولباس اهلها في ذلك الحين, وهذا يعني انها أدت العمل المناط بها وهو توثيق حقبة معينة من الزمن.
في توثيق صور الحروب لن يطلب من الفوتوغرافي الجمالية في الصور, والموقعة بحد ذاتها هي من يقوي او يضعف الصورة وفي النهاية هي توثق تلك الواقعة وغير مطلوب التفنن بها ان لم يستطع من بعد ما ادت الصورة دورها وبجدارة نقلت الحدث.
إذا الجمال غير مطلوب في الصورة التوثيقية, فأحياناً نرى صوراً باهتة وبلا تركيز جيد والوان باهتة لجرحى او قتلى, ورغم ذلك لا احد يهتم بهذه (الثانويات) لان موضوعها اكبر وبكثير من ان نفكر بان الوانها غير سليمة بينما الصورة تملأها الدماء والاشلاء.
قد اقف امام مبنى جامعة الدول العربية والتقط صورة معه تذكارية, وهذه تسمى صورة توثقيقة وليس مطلوب فيها اي ضرب من فنون التصوير. لأنها توثيقية فحسب.
لنرى كيف ان الناس تحب ان توثق رحلاتها بالتقاط صور لمنطقة سياحية او التقاط صور معها للذكرى او لتوثيق هذه الزيارة, فهي في النهاية صورة توثيقية ولن يعتب عليهم احد بانها باهتة او زاويتها غير مناسبة او توقيتها غير مقبول.
هنا وثقت صورة لأناس توثق رحلاتها الى قصر ياباني قديم يدعى (Osaka-Jou), وقد صورت هذه الصورة خصيصاً من اجل هذا الموضوع وإلّا لا يعنيني كثيراً توثيق زيارة الناس لاماكن سياحية.

هذه هي الصورة التوثيقية والتي اُعِدّت لهذا البحث, لو قام بتصويرها سائح عادي فلا احد يحاسبه على اية خطأ فيها, فهو ليس حتى بهاوي للتصوير هو فقط يوثق رحلاته وهي دليل كافي لأصدقائه ولذاكرته التي قد يمسحها الزمن او يطويها بانه كان قد زار المنطقة في الايام الخوالي.
كما هو ملاحظ فتوقيتها سيء للغاية, خاصة الاضاءة, والزاوية اقل من العادية, لا يوجد بها اي شيء جميل غير القصر نفسة.
عندما يصورها محترف (اي صاحب مهنة) اول ما يقوله اقرانه الفوتوغرافيين له انها صورة توثيقية, وهو نعت للسخرية لسوء هذا العمل الفني, فهو في هذه الحالة مطلوب منه صورة او صور اكثر جمالاً وفيها الكثير من ضروب فن التصوير الفوتوغرافي.
ولكي لا يواجه هذه السخرية عليه ان يكون بقدر المسؤولية كصاحب مهنة ولا داعي لخلق مبررات لسوئها وخلوها من الفن الفوتوغرافي.
يمكننا اختيار عدة زوايا لتصوير مع القدر الكافي بفن فوتوغرافي يوحي بدراية المصور عن التصوير:

هذه الصورة تعدت الصورة التوثيقية لتنتقل الى اللمحة الجمالية, بحيث من يراها يعتقد بان هذا القصر يقع في جنة من الزهور وعلى النقيض من الصورة السابقة.
اضاءة فيها على ما يرام, وللحصول على زاوية سليمة نَزَلْتُ الى الاسفل حتى كادت الكاميرة ان تلامس الارض لكي اتجنب عوائق الاغصان بين القصر والكاميرة وخَرَجَتْ هذه الصورة والتي تجمع جمال الطبيعة وعراقة الفن المعماري القديم, ولن يجرؤ احد على وصفها بالصورة التوثيقية.
المصور المحترف (صاحب المهنة) والخبير بمهنته يجب ان يكون خياله واسع بحيث يمكنه الخروج بعدة لقطات فنية لنفس المنظر, ولا ننكر هنا بان المكان الجميل يساعد كثيراً الفوتوغرافي على التفنن بل والاستمتاع بما يقوم به كما سنلاحظ في الصور القادمة حيث القصر واحد ولكن الرؤى للزوايا اختلفت:

وهذه صورة اخرى لنفس القصر وبعض شجرات من نوع اللوزيات لتزيد المكان جمالاً ومبتعدين كثيراً عن متطلبات صورة التوثيق.

وها هو يعتلي هضبة متألقا بين هذه الشجرات واللواتي زدن المكان جمالاً بهذه الزهرات الحمراء, وهكذا اصبحت صورة غير التي يطلق عليها صورة توثيقية.

وكذلك هذه كسابقتها مع اختلاف توزيع مكونات الصورة, وقد ادت الواجب المطلوب منها من جميع النواحي الجمالية وغيرها.

الجمال لا يكون فقط في الزهور بل من الممكن ان تعطي شجرات يابسات بعض الجمال للمنظر للابتعاد عن وصفها بالصورة التوثيقية بلمسة من الجمال كما في هذه الصورة.

وها هي صورة اخرى مليئة بالحيوية وتعج بالزوار وقد اخذت اطاراً مختلفاً نوعاً ما عن سابقاتها ولا تخلو من فنون التأطير والتوقيت وغيره.
وهذه اخرى تجمع بين الحضارة الاسلامية والحضارة الاسيوية وبشكل مغاير تماماً عن باقي الصور السابقة:

ما زال القصر واضح المعالم وان سرقت هذه الاقواس الانظار منه إلا انهما شكلا توافقا جميلا في جمع الحضارات.
بالتأكيد الاعتناء بهذه الحدائق التي تلف هذا القصر يجب ان تحظى بنصيب من هذا الجمال:

جناينية (فنيو الحدائق) اثناء عملهم وقد تم توظيف كل ما هو موجود من اشجار محيطة وفي العلو من اجل زيادة جمال وقوة الصورة, وهذا ما ابعدها كل البعد عن الصورة التوثيقية.
ولن انسى انه من الممكن تصويرة اثناء الليل إذا ما توفرت مقومات الصورة المطلوبة فنياً:

الصور التوثيقية والطيور:
ان هذا الموضوع ينطبق على اي نوع من انواع التصوير, حتى في تصوير الطيور مثلاً, يوجد صور نية ويوجد صور توثيقية.
الصورة التالية تخلو من اية جمالية (بإستثناء جمال الطائر نفسة) وما تبقى فهو لا يمت للجمال باي صلة, ولكن الطائر واضح المعالم من اللون والحجم والامتداد والوقفة, وهكذا فقد اصبحت صورة توثيقية بإمتياز:

ها هي الصورة العديمة الجمال ولكنها توثق هذا الطائر بشكل جيد وان انعدم جمالها, من الممكن ان يسأل البعض: إذا لماذا انت كصاحب مهنة وتصور هذا النوع من الصور الخالي من الفنون؟ في الواقع كنت انتظره ان يطير, فقد توقعت طيرانه في تلك اللحظة التي هم بها بجسمه للأعلى ليفر طائراً لكي اقوم بتصويره وهو في حالة طيران لذا بدأت التصوير فعلاً (وكانت هذه الصورة الفقيرة) ولكنه لم طار بغير الاتجاه الذي اعددت نفسي وكاميرتي له.
كان الاجدى بي ان اصوره في منطقة اكثر جمالاً وبخلفية اكثر صخابة كما في الصورة التالية والتي تظهر لنا رقة هذا الطائر (طائر الحُمَّراء):

ها هو يقف على غصن شجرة ومن خلفه زهور اغصان اشجار اللوزيات, وبإضاءة رائعة, اما الوضوح فيجب ان يكون هكذا وإلا لن تعد من الصور الناجحة.
علينا التنويع في تصويره بعيداً عن التوثيق, اي نحتاج الى فنون اكثر إثارة كما سبق في تصوير القصر, واليكم بعضاً من هذه الصور لهذا الطائر وهو في حالة طيران:

ها هو مقبل وتحت التركيز وفي وضعية طيران جميلة وقد اسدلت الاجنحة مع ارتفاع واضح للصدر والرأس وبخلفية ضبابية تكفي لتجميل الصورة.

وها هو مدبر ولكنه ما زال تحت التركيز الحاد وبدى متألقاً بجناحيه, فكيفما حركهما احدث جمالاً اخر في كل حركة لهما ليبقينا بعيدين عن الصورة التوثيقية ودلالاتها.

كما اسلفنا فكيفما حرك اجنحته كان له جمال فريد اخر ويختلف عن سابقاته, وتبقى كل صورة لها جمالها وميزاتها ولا مجال لمقارنتها بالصورة التوثيقية.
تتعدد وضعيات الطيران وقد تختلف الخلفيات, ولكل خلفية لها لمساتها السحرية على الصورة, كما سنلاحظ هذا بالصورة التالية:

وها هو من الاسفل وبخلفية تتشابه كثيراً من لونه, وبالطبع التركيز لم يخطئ في هذه ايضاً.
المختصر المفيد: هو ان الصورة التوثيقية لتوثق الحدث او الشيء وليس مطلوب منها ان تكون بإضاءة صحيحة لكي لا تخسر توثيق الحدث, وقد تكون صورة تذكارية نوثق بها بعض اجزاء من حياتنا بعيداً عن الاهتمام بمقومات الصورة الفنية الصحيحة.
والصور الفنية: يجب ان تَعُج بجميع فنون التصوير مع الحرص الشديد على التوقيت والاضاءة الصحيحة والوضوح والالوان وكل ما يخص الصورة الفنية الرائعة.
وهذا ينطبق على صور الاشخاص والطبيعة والحشرات, وكل ما يمكن تصويره.
بقلم
المصور الفوتوغرافي
محمـــــود المحمــــود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من الإيضاح والصور :
http://almooftah.com/vb/showthread.php?p=290439#post290439

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.