مبدأ التصوير الفوتوغرافي

عين الإنسان تصوّر

لكي نفهم عملية التصوير الفوتوغرافي بشكل مبسط وموضوعي علينا أن ندرك أولا العملية البصرية التي تحدث في العين البشرية لرؤية الاشياء، كيف تستطيع العين ان ترسم الاشياء في دماغ الانسان ؟، ما هو الضوء؟، وكيف تتحقق الالوان ؟، كيف ندرك العتمة ؟، كيف ندرك الضوء ؟، تساؤلات اخرى عديدة تحتاج الى اجوبة تفصيلية لكي نتمكن من فهم العين والاشياء والعلاقات الرابطة فيما بينها للتحقق العملية البصرية.
العين البشرية جزء صغير جداً في الانسان الا انها توازي اجزاء اخرى كبيرة جداً من حيث المنفعة او الاهمية التي تشكلها العين في الحياة، هل فكر الانسان بما سيجري له لو انه لا يستطيع ان يحقق العملية البصرية؟، كيف سيكون؟ فليجرب ساعة واحدة فقط بان يعصب عينيه ويسير وسط سوق شعبي او يجلس امام اصدقائه وهو لا يشاهد ابسط الاشياء، ليحمد الانسان ما انعم الله عز وجل، حاسة البصر التي تندرج ضمن حواس اخرى عديدة في الانسان كالشم والسمع والذوق واللمس لا يمكن ان تكون بنفس المقدار من الاهمية بالمقارنة مع الحواس الاخرى، التي هي الاخرى حواس ذات اهمية عظيمة في الانسان، فهو يحتاجها منذ بداية الصباح حتى نهاية المساء أي انها تلازمه منذ ان يستيقظ من النوم حتى يعود في الليل الى النوم ودون ان يمنحها الانسان أي مستقطع من الوقت ليحمد الله على ما قدم بهذه الحاسة التي لايقدرها الا من يفقدها،فالانسان يستخدمها بشكل مستمر ومباشر مادام هو مستيقظ، ومن دون ان يتذكر بان في العين ملايين من الخلايا والانسجة والعصيات والمخاريط واجزاء اخرى كلها تعمل بقدرة الإله الخالق، واي خلل يحدث في ابسط جزء من تلك الأجزاء يمكن ان ينقطع الإنسان عن الضوء الذي يتحقق عبر العين.
إذن لابد من ان نفهم اولاً كيف تحدث العملية البصرية لكي نفهم عملية التصوير التي تحدث من خلال آلة التصوير الفوتوغرافي ( الكاميرا Camera).
الكاميرا تعمل بمبدأ العين : كيف نرى الأشياء؟
العين تحلل الموجات الضوئية عبر مجموعة من الاعصاب والاجهزة الحساسة التي تنقل الموجات الضوئية للدماغ ليحلل الدماغ الضوء ويكونه على شكل صور ملونة.
لابد من ان ندرك جيداً بان الكاميرا ما هي الا عبارة عن آلة تشبه العين البشرية، وان العين البشرية تحتوي على مكونات بالغة في التعقيد والدقة لتحقيق الصورة التي يرى الإنسان بها الأشياء، فهناك عمليات عديدة وبالغة جداً يقوم بها الإنسان من خلال عينيه واجزاء اخرى من جسمه لتتحقق عملية النظر والبصيرة(1)* التي يشاهد بها كل المناظر والألوان والكتل والأشكال الخ، والكاميرا تعمل أيضا بنفس المبدأ الذي تعمل به العين البشرية لتشاهد او تصور الأشياء، حيث ان الكاميرا تحتوي على اجزاء تشابه الأشياء او المكونات الخاصة بالعين البشرية من شبكية وعدسة وبؤبؤ وحاجب وما الى ذلك، والمكونات الخاصة بالكاميرا انما هي بديلة لما في العين من مكونات لتحقيق العملية التصويرية، فهناك كم هائل من المكونات داخل الكاميرا الفوتوغرافية تعمل جميعاً من اجل تحقيق صورة فوتوغرافية (Negative) سالبة على الشريط السيليلودي وهذا الشريط السيليلودي تجرى عليه عمليات اخرى وفي اجهزة اخرى لتكون الصورة متكاملة وعلى شكل ( Positive) فهناك عمليات طبع وتحميض تجرى على اثر الشريط السيليلودي لتظهر الصورة الفوتوغرافية التي نراها امام اعيننا، والواقع يمكن ان نمثل الاجهزة المكملة للكاميرا الفوتوغرافية كي تكتمل الصورة يمكن ان نمثلها بالاجهزة البشرية الاخرى داخل الانسان المرتبطة بالعين البشرية التي تعطي التصور الحقيقي للأشياء في داخل الإنسان كالأعصاب والمخاريط او العصيات وأمور أخرى عديدة كلها تدخل في العملية البصرية داخل الانسان لكي يرى ويشاهد الاشياء، وكأنها تعمل من دون ان يشعر الانسان انها حدثت او عملت مع العين وليس فقط في داخل العين.
في كتاب طب الإمام علي (عليه السلام) لمؤلفه عبد الحسين الجواهري تطرّق للعين البشرية، فيصور العين البشرية بالة التصوير الرائعة حيث يقول ( العين هذه الكرة الأعجوبة من بدء التكوين الى نهاية التخلق، وهي من أروع آلات التصوير واصغرها واعقدها وادقها تركيباً وعملاً وصيانة ففي واحدة من طبقات شبكة العين يوجد خمسمائة مليون خلية بصرية تسمى (العصيات والمخاريط) ووظيفتها نقل مختلف الألوان التي يتكون منها طيف الضوء ثم تحويلها الى سيالة عصبية ينقلها عصب البصر المؤلف من نصف مليون ليف عصبي الى مركز البصر في الدماغ، الذي يحولها صوراً مرئية)(1).
اما من الوجهة التشريحية بصورة مختصرة (فالعين غرفة مظلمة مؤلفة من ثلاثة اغشية او طبقات وثلاث رطوبات)(2).
ان ما ذكر في هذا الكتاب يعد بمثابة تأكيد لما ذكرناه من ان العين هي مشابهة للكاميرا وان الكاميرا مشابهة في مكوناتها لما في العين حيث ان العين تحتوي على مكونات متقاربة او مناظرة لما تحتويه الكاميرا، فهناك امور دقيقة للغاية في العين تشابه لما توصل اليه العلماء في ابتكارهم للكاميرا، ولعل ما ذكره الاستاذ عبد الحسين الجواهري بكتابه طب الامام علي عن الطبقات او الاغشية توضيح لما تفعله العين لكي ينظر الانسان، وقد اضاف هذا الكتاب بان هناك طبقات ثلاث اساسية في العين، هذه الطبقات هي ايضا مشابهة لما في الكاميرا، فيمكن للانسان ان يعرف عمل العين ايضا من خلال عمل الكاميرا بمعنى انه طالما تمكن الانسان من معرفة عمل الكاميرا من خلال العين، فانه يمكن ان يعرف ايضا عما العين من خلال الكاميرا، ذلك لان عمل الكاميرا يقرب للانسان فهم عمل العين، وهذه الطبقات هي التي تشكل اساس في فهم عمل الكاميرا هي:
أ- الطبقة الخارجية او الصلبة : وهي غشاء متين يحيط بباقي الطبقات و الرطوبات لوقايتها وحفظها ولا ينفذ النور من هذه الطبقة الا في مقدمتها حيث توجد القرنية، وهذه الطبقة اشبه بما تكون ممر اظلم في الكاميرا او صندوق مظلم يؤمن دخول الضوء للكاميرا بشكل دقيق جداً بحيث يكون التعريض في الفيلم داخل الكاميرا ناجح ودقيق دون أي خطا.
ب- الطبقة الوسطى او المشيمية: وهي الطبقة المغذية للعين، ويفصلها عن القرنية من الامام الرطوبة المائية ومن الخلف حجاب ملون يسمى ” القزحية” وفي الوسط ثقب يسمى ” البؤبؤ” يليه مباشرة الرطوبة الثانية او “البلورية”.
ج- الطبقة الداخلية او الشبكية: وهي مكونة من الخلايا البصرية، ويفصلها عن القزحية الرطوبة الثالثة او “الزجاجية” وهي جسم شفاف لزج كبياض البيض.
ان هذه المكونات التي خلقها الله في الانسان، تمكّن الانسان ذاته ان يقلّدها ليخلق عين صناعية تسجل له بعض المناظر التي يحتاجها ومن ثم يتم حفظها، وعلى هذا الاساس اثيرت العديد من التساؤلات لابتكار الكاميرا، التي تصور لنا الاشياء، وهنا تحتم علينا ان نفهم اولاً عمل العين التي تحقق لنا ادراك الاشياء او ادراك العالم الذي يحيط بنا، لذلك ضروري جداً ان نفهم عملية الادراك للضوء او اللون في العين البشرية لكي نفهم عملية التصوير ونفهم مكونات الة التصوير، ولنبدأ اولا بالضوء،

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.