مقالات الباحثون
صفحات من تاريخ التصوير الفوتوغرافي.. يعمل الإنسان دوماً لتخليد حياته بشتى الوسائل وكذلك الحضارات والممالك..إعداد: عصام النوري

فأولاً كان الرسم على الصخور والنحت عليها، ثم نقلت الصخور إلى الساحات العامة وصارت تماثيل ونُقشت عليها الكتابات تؤرخ للحوادث والانتصارات والهزائم وعموم الوقائع.
وفي عصر النهضة كان للنحت والرسم دوراً يشكل أكبر حصة من ثقابة ذلك العصر.
ويتطور العلم ويتم اختراع آلة التصوير؛ فقد شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر في أوروبا وفي شهر أغسطس آب اختراع التصوير الفوتوغرافي، وقد نشرت جريدة تقويم الوقائع العثمانية بتاريخ 28/ أكتوبر/ 1839 ذلك النبأ.
وبعدها تسرب التصوير إلى البلاد العربية ومنها سورية.
وكان للفتنة الطائفية في لبنان سنة 1860م تأثير كبير في دخول أول آلة للتصوير إلى سورية، فقد عمدت الحكومة الفرنسية آنذاك إلى إرسال بعثة لتقصي الحقائق، وكان من بين أعضائها فليكس بونفيس Felix Bonfils (1831-1885) الذي تجول في المنطقة ولم يلتقط صوراً، ثم عاد إلى فرنسا وفي مخيلته حلم الرجوع إلى لبنان ولم تدخل سنة 1867م حتى رحل مع أسرته إلى بيروت وأنشأ فيها محترفاً للتصوير قرب القنصلية الفرنسية، ومنها انطلق مع فريق عمل من المصورين إلى أنحاء من سورية ومصر وتركيا واليونان.
وفي سنة 1885م توفي بونفيس الأب وخلفه ابنه أدريان بونفيس (1861-1929م) فأدار مؤسسة والده وأثبت “موجودية” في كونه مصوراً موهوباً.
بقيت والدته ليدي كابانيس بونفيس (1837-1918م) تدير عمله وساعدها المصور أبراهام غيراغوسيان (1872-1955م) ثم آلت المؤسسة إليه عام 1907م وبدأ توقيع الصور الملتقطة باسمه لكنه حافظ على اسم بونفيس، وكان يكتب أسفل الصور العبارة التالية:
( تصوير بونفيس – خلفه أ. غيراغوسيان – مجموعة مناظر عموم الشرق)
وجدير أن أذكر بعضاً من المصورين المحليين الذين سجلت عدساتهم تراث دمشق في نهايات القرن التاسع عشر ومنهم المصور حكيم وسكافو في بدايات القرن العشرين وأبو سلمان وجورج شاوي وفوتو فرانسا، وحليم إسبر فاخوري، وكلبنك، وغيرهم في حقبة الثلاثينات، وجورج درزي وشاهنيان في الخمسينات.
ويذكر الباحث بدر الدين الحاج في كتابة الرائع (دمشق صور من الماضي) أن فن التصوير الشمسي دخل إلى بلادنا في ذروة التنافس الغربي لاقتسام الإمبراطورية العثمانية.
وفي سنة 1868م أعلن توماس كوك من لندن عن تنظيم رحلات سياحية إلى مصر وسورية، ومع انتقال أعداد كبيرة من السياح الأوربيين إلى المنطقة، وتطور أساليب التصوير التي أصبحت أكثر سهولة أخذت الاستوديوهات المحلية بالظهور في كل من بيروت والقدس ويافا وحلب، وانصبّ اهتمام المصورين الرواد في عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن التاسع عشر على تصوير المعابد والهياكل القديمة وركزوا على الأماكن ذات العلاقة بالكتاب المقدس.
ونظراً لكثافة عدد المصورين الذين جالوا في بلاد الشام فإن الإنتاج الفوتوغرافي في سورية كان الثاني من حيث الكمية بعد أوروبا.
وكان للمصورين الفرنسيين دور كبير وهام في إنتاج بدايات الصور الفوتوغرافية في بلاد الشام، ففي مطلع شتاء 1839م زارت أول بعثة رسمية فرنسية سورية بهدف التصوير، وكان من بين أعضائها المصور فريدريك غوبيل فيسكه Frederic Goupil – Fesquet وهو أول من زار سورية من المصورين والتقط صوراً لها، وقد ذكر أنه التقط أول صورة فوتوغرافية لمدينة دمشق بأسلوب ( الداجيروتايب) وتم ذلك في الساعة الثالثة والثلث من بعد ظهر يوم الثالث عشر من كانون الثاني سنة 1840م كما التقط صوراً لألبسة نسائية ورجالية وشوارع المدينة وبيوتها.
ومن أبرز المصورين الفرنسيين الذين نشطوا تحت ستار البحث العلمي هما المصور ماكسيم دوكامب (1822-1894م) الذي قام برحلة إلى مصر وسورية عام 1949 ومعه المصور أوغست سالزمان (1824-1872م) وتم نشر بعض صورهما في كتاب طُبع بعدد محدود جداً في باريس عام 1851م.
وفي الوقت المعاصر نشط الدكتور عثمان العائدي مع الأستاذ عصام حجار في توثيق المعالم الطبيعية والآثارية بشكل أولي لمدينة دمشق وضواحيها.

وفي سورية تأسس نادي التصوير الضوئي الذي أقام معرضاً في صالة الرواق في العفيف بمشاركة خمسين عضواً ثم أصبح عدد أعضائه 420 عضواً ويقيم عدداً من المعارض بشتى المناسبات وشارك النادي في مهرجان الياسمين في الأول والثاني لعام 2008 بمناسبة دمشق عاصمة الثقافة العربية.
المعرض الأول في خان أسعد باشا، والمعرض الثاني في أبو رمانة عندما أُبّن المرحومان قتيبة الشهابي وعبد الكريم الأنصاري.
وجدير بالذكر أن ما قام به المركز الثقافي الفرنسي مؤخراً عندما قدم عروضاً للتصوير الضوئي المقدم بالتقنيات الرقمية وتقنيات الفن التشكيلي بغية الخروج بلوحة ضوئية جمالية أمر لم يكن غريباً علينا إذا ما علمنا وفق ما قاله رئيس النادي عبد السلام عبد السلام أن النادي ومنذ ثمانينات القرن المنصرم أدخل الفن التشكيلي على فن التصوير.
أما أسماء المؤسسين لنادي التصوير الضوئي فهم:
الياس طراب، بطرس خازم، تميم حرايري، جورج عشي، جورج فرنسيس، حسن الحريري، الفنان سليم صبري، عبد القادر الطويل، عبد الكريم الأنصاري، طارق الشريف، فواز جابر، فيصل الست، قتيبة الشهابي، محمد ألوسي، محمد طالو، مروان مسلماني، هشام شربتجي، هيثم كواكبي، خميس منصور، ومن المهتمين بالتصوير الضوئي وله مدرسة خاصة الأستاذ محمد حاج قاب.
وهناك نادٍ للتصوير الضوئي اسمه:
نادي فن التصوير الضوئي في سورية، تأسس عام 1982م– بإدارة خلدون الخن.
اجتزأتُ هذا البحث من عدد من المصادر في مكتبة الأسد وهو بحث يطول اختصرته للإشارة لبدء انتقال الفوتوغراف إلى سورية.
وسوف يتقدم العلم وستكون هناك اختراعات كثيرة في عالم التصوير الضوئي نأمل أن نخدم منها السياحة في بلدنا والتي تدر عليه دخلاً كبيراً.
إن في سورية حوالي مئة ألف موقع أثري تعود إلى أكثر من عشرة آلاف سنة.
أذكر هنا قول مدير متحف اللوفر في فرنسا:
(لكل إنسان في الدنيا وطنان: وطنه الأول الذي يعيش فيه. والثاني سورية) وعاصمة سورية دمشق أقدم مدينة على سطح الكرة الأرضية على الأرجح.
إن الدعاية للسياحة هي عماد السياحة، والكاميرا عماد الدعاية، فليكن للمتفوقين في المدارس الابتدائية صعوداً إلى الجامعات كاميرا تقدمها الوزارة المختصة للمتفوقين وأصحاب المواهب ليزدهر فن التصوير الفوتوغرافي.

 

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.