ثورة التصوير الضوئي

في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي تطور التصوير الضوئي في اتجاهين: فقد أدى ظهور آلة التصوير كوداك وآلات تصوير صندوقية أخرى رخيصة الثمن، إلى زيادة ضخمة في عدد المصورين الهواة، وذلك بعد أن كان التصوير قاصرًا على فئة تستطيع استخدام معدات التصوير المعقدة وبإمكانها تحمل تكاليفها، أصبح في ذلك الوقت بإمكان أي فرد تسجيل صورة.
الصورة المعبرة كانت هي السمة المميزة لتأثير المصور الأمريكي ألفريد شتيجلتز. وتظهر في هذه الصورة زوجته الفنانة جورجيا أوكيف أمام أحد أعمالها. ومن ناحية أخرى فقد رغب بعض المصورين في اعتبار التصوير الضوئي فنًا إبداعيًا تقليدًا للرسم بالألوان المائية أو الزيتية، فحاول كثير من هؤلاء المصورين الضوئيين جعل صورهم تظهر وكأنها زيتية، وذلك باستخدام أوراق وتقنية خاصة ليقدِّموا صورًا ذات ملمس مماثل للصورة الزيتية المرسومة على القماش، حتى إن بعض المصورين الضوئيين لوَّنوا صورهم بألوان زيتية. وفي عام 1902م كوَّن ألفريد شتيجلتز، وإدوارد ستيكن وعدد من المصورين الأمريكيين الآخرين مجموعة تهدف إلى الارتقاء بالتصوير الضوئي كمظهر فني قائم بذاته. هذه المجموعة التي كانت تُسمَّى الانفصال الضوئي نظمت عدة معارض تصوير في الولايات المتحدة، كما قامت بإعارة عدة مجموعات من الصور إلى العارضين في كثير من البلاد الأخرى.

لقد أصبح هناك اعتراض بعد ذلك على أن المصورين بالضوء لابد أن يقلِّدوا المصورين بالزيت. وبعد عام 1910م كان كثير من المصورين الذين اقتنعوا بأن الصورة إذا سجلت بدون أي مؤثرات كان لها جمالها وأناقتها التي لايدانيها فيها أي عمل فني آخر. وقد ترك شعارهم، التصوير الضوئي النقي، أثره بعد ذلك على المصوريْن إدوارد وِستون، وبول ستراند من الولايات المتحدة.

خضع التصوير الضوئي خلال العشرينيات من القرن العشرين الميلادي وأيضًا في بداية الثلاثينيات لتغييرات مثيرة، وكان ذلك نتيجة تطورين عظيمين: الأول الثورة في معدات التصوير بظهور آلة التصوير الصغيرة الحجم 35ملم والإضاءة الصناعية. ففي عام 1924م ظهرت آلة التصوير ليكا بألمانيا، وقد كانت آلة التصوير هذه صغيرة بالقدر الكافي لتتناسب وحجم الجيب، ومع ذلك أنتجت صورًا نقية، واضحة التفاصيل، واستخدمها عدد كبير من المصورين لتسجيل صور خاطفة لأشخاص لم يكونوا على علم بأن صورًا تلتقط لهم. واتسع مجال تصوير المناظر عندما أُنتج مصباح ضوء الوميض الكهربائي عام 1929م، وباختراع ضوء الوميض الإلكتروني عام 1931م.

لقد تضمَّن العامل الثاني في التطور الكبير تجريب طرق جديدة في تكوين الصورة ورؤية المنظر، فأنتج المجري لازلو موهولي ناجي والأمريكي مان راي صورًا بدون آلة تصوير، بأن وضعا أشياء على ورقة طباعة وعرَّضا الورقة لضوء بطارية. كما أنتج مصورون آخرون تكوينات تجريدية بالتصوير بأشعة إكس وبأسلوب التعريض المتكرر. أما المصور الفرنسي هنري كارتييه فقد كان أحد الأوائل الذين وظفوا الإمكانات الكبيرة لآلة التصوير الصغيرة، وحاول اصطياد إيماءات الأفراد وإظهار شعورهم في اللحظات الحاسمة من حياتهم.
الصورة التسجيلية يمكنها الإقناع كما أنها وسيلة للإعلام. فالصورة المثيرة للمشاعر عن عمال المزراع المهاجرين للمصورة الأمريكية دوروثيا لانج أثارت اهتمامًا عامًا بحالتهم.

اللحظات المثيرة سيطرت على أعمال المصور الفرنسي هنري كارتييه بريسون، فالشكل المفعم بالحياة لهؤلاء الفتيات الراكضات ينسجم ويتوازن مع المباني الفخمة والأشجار. لقد نما في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي أسلوب فني جديد أطلق عليه التصوير التسجيلي. فخلال أعوام الكساد الاقتصادي العظيم في الولايات المتحدة استأجرت إدارة الزراعة مصورين لعمل مسح للأوضاع الاجتماعية في المناطق الريفية من الولايات المتحدة، وكان من بين المصورين الممتازين الذين احتواهم هذا المشروع ووكر إيفانز ودوروثيا لانج، وأظهرت صورهما شجاعة عائلات الفلاحين ومعاناتهم الفقر وهو يخيِّم عليهم.

وبظهور الأنباء المصورة بالمجلات في أوروبا والولايات المتحدة تولد الطلب على الأخبار المصورة، فسَجَّل نشاط مصورين صحفيين مثل مارجريت بورك-وايت، وروبرت كابا، وهما من الولايات المتحدة، بعضًا من الشخصيات المهمة جدا والأحداث المؤثرة لهذه الفترة.

وركز مصورون آخرون في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين على موضوعات عادية أو مشاهد طبيعية. وكثير من الصور المسجلة بمعرفة إدوارد وستون، وبول ستراند تركزت على البنية والأشكال الهندسية للأشياء اليومية. وساعد وستون وستراند على تطوير أسلوب التصوير الصريح الذي يمتاز بحدة البؤرة، وخيالات واضحة التفاصيل. أما المصور الأمريكي أنسل أدمز فقد تخصص في المناظر الطبيعية، وعلى الأخص جبال وصحاري أمريكا الغربية.

وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الميلادي تعاظمت الاختلافات في أساليب التصوير الفنية وعلى الأخص في الولايات المتحدة. فأسلوب تصوير الشارع الذي تناوله المصورون أمثال: روبرت فرانك وجاري وينوجراند تتبَّعوا فيه تقاليد التسجيل الواقعي. ومصورون آخرون جربوا مختلف أساليب الطباعة الفنية ليصلوا إلى تأثيرات غير عادية. فقام مثلاً روبرت هاينكن بإنتاج صور خيالية بعمل طبعات بالتماس مباشرة من الصفحات المصورة من المجلات. وقد حاولت مجموعة عظيمة أخرى من المصورين من بينها مينود وايت وأرون سيسكيند أن يتحولوا إلى مرتبة عالية لها تفرُّد ذاتي بنظرتها الروحانية للعالم.

ولم تُكتشَف بالكامل الإمكانات الفنية للتصوير الضوئي الملون إلا في السبعينيات من القرن العشرين حيث أصبحت الأفلام الملونة شائعة الاستخدام بين المصورين الهواة، وذلك منذ أن أُنتجت تجاريًا في عام 1935م، ومع ذلك استمر أغلب المصورين المحترفين في العمل وبالكامل تقريبا بالفيلم الأسود والأبيض. لقد كان من بين المصورين الأمريكيين المحترفين الأوائل الذين ركزوا على التصوير الملون أرنست هاس وماري كوزينداس. وتشمل أعمال هاس كلاً من المناظر الطبيعية الواقعية وتكوينات تجريدية، أما كوزينداس التي استخدمت أساسا الفيلم الملون الفوري فهي متخصصة في تصوير الحياة الساكنة والشخصية.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.