my2

السلمان يروي سيرة «مخيال» ومسيرته
خالد ربيع السيد

لقي فِلم «مخيال» لمخرجه محمد السلمان المأخوذ عن رواية زينب الناصر اهتماماً كبيراً من قِبل جمهور مهرجان أفلام السعودية الذي أقيم في الدمام أوائل مارس الماضي. فهو يحاكي تخيلات طفولية تتعلَّق بالفزَّاعة وعادات وتقاليد اجتماعية مرتبطة بالمخيال، ولكن بتصوير بارع ومناظر جميلة في إحدى المزارع، وبحوار صامت بين الممثلين. كما أن الفِلم أيضاً في طريقه للمشاركة في مسابقة الأفلام القصيرة التي تقام على هامش مهرجان «كان» السينمائي العالمي.

«أؤمن بأن السينما شكل فني نستطيع من خلاله أن نثبت وجودنا على خارطة العالم البصرية وننقل حكاياتنا ومشاعرنا وثقافتنا وأحلامنا بسلام». هذا ما أجاب به المخرج السعودي الشاب محمد السلمان عن السؤال حول سبب امتهانه الإخراج السينمائي هواية ومهنة. وفِلم «مخيال» الذي أخرجه السلمان سيُعرض ضمن مسابقة أفلام الشباب في مهرجان كان السينمائي ما بين 13 و24 مايو المقبل، بعدما تمت الموافقة عليه من قبل لجنة محكِّمين متخصصين في مجال الأفلام الروائية القصيرة والأجنبية.

10520670_382084295282671_4200123825477648086_oلم تكن الطريق معبَّدة أمام المخرج الشاب نحو عالم الإخراج، إذ كان عليه كما أغلب أقرانه أن يعمل في مجالات فنية أخرى، وهذه الأعمال المتفرِّقة بمنزلة درجات السلّم الذي سيصعد عليه المخرج نحو كرسي الإخراج. وعلى المخرج المستقبلي أن يتعلَّم الأمور المتعلِّقة بأدوات التصوير والمونتاج والإضاءة والصوت ويعمل عليها كمتدرب مع مخرجين آخرين أو في مساعدة أصدقائه من المخرجين، وهكذا يكتسب مهارات لا يتعلمها في الجامعة. وهذه مهارات مفيدة للمخرجين الذين يدخلون إلى عالم السينما من أبواب واختصاصات مختلفة قد لا يكون لها أي علاقة بالاختصاص السينمائي، وهؤلاء كثر في المملكة. لذا عمل محمد السلمان في التصوير التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي وفي تأليف أعمال فنية تشكيلية مختلفة.

السلمان يروي بنفسه
epouvantail-poster-3«راودتني فكرة أن أصبح مخرجاً منذ كنت طفلاً، حين رافقت والدي إلى عمله منتصف الثمانينيات وعمري لا يتجاوز العاشرة، وكان يعمل آنذاك مُشغِّلاً للأفلام في صالة أرامكو السعودية برأس تنورة. سحرتني تلك التجربة. كان الضوء المنبعث من تلك البكرات الدوّارة كشعاع يحملنا إلى عوالم أخرى تصنع المتعة وتوسّع الخيال وتثريه.

أردت أن أصبح صانعاً للضوء منذ تلك اللحظة. أردت أن يخرج هذا الضوء ذكريات طفولتي وأراها كأنها مستعادة على الشاشة المضاءة كما يفعل أبي. إذ كنت أظنّ أن أبي هو المخرج. فهو يعرف كل شي عن الفِلم الذي يعرضه، فقد حفظ الحوارات والمشاهد ويعرف أسماء الأبطال والأشرار، وماذا سيحدث ومتى سينتهي الفِلم. لقد زرع والدي في داخلي شغفه بعمله دون أن يقصد.

1956685_293906184100483_1321745167_oكانت «الفزاعة» التي توضع في حقول الذرة وقرب الأشجار لتمنع الطيور من إفساد الفاكهة والحبوب، الشخصية الغريبة في طفولتي، إذ كانت تثير فيَّ خوفاً خفياً رغم علمي بأنها مصطنعة وليست حقيقية. إلا أن الخوف الذي كان يجب أن تبثه في الطيور، كان ينتقل إليَّ أيضاً، لمجرد وقوفها الطويل في مواجهة الشمس والهواء وصمت الحقول. كانت الفزاعة أو «المخيال» أمام ناظري في أوقات كثيرة من النهار، وكانت تدور لها في مخيلتي قصص ومغامرات، وسيصبح هاجس بناء فِلم عنها مصاحباً لي في شبابي. لذا، في مرحلة وعيي المراهق رحت أبحث عن قصة «المخيال»، والتعرّف إلى المزارعين وإلى حياتهم وممارساتهم اليومية، وحفظت كلماتهم ووسائل التعبير لديهم وقصصهم ومفرداتهم. ومنهم تعرّفت إلى اسم «مخيال»، وهو اسم قديم جداً لا يعرفه إلا المزارعون ويطلقونه على الفزاعة.

حين آنت اللحظة، اخترت تطوير رواية الكاتبة زينب الناصر حول فكرة المخيال، ورحت أشغل نفسي في التفكير بكيفية تحويل عالم المخيال ورواية الناصر إلى فِلم أقرب للفنتازيا والخيال. لذا قمنا بتحويل النص إلى سيناريو، فخرجنا بفكرة خيالية لكن دلالاتها حقيقية إذ تطرح إشكاليات القداسة والارتباط بالغيبيات في صورة سينمائية تطرح الأسئلة ولا تجيب عنها إذ تُترك الإجابة للمشاهد.

قصة فِلم «مخيال»
عائلة الجد أبو سلمان تنتظر الملائكة لتزور مزرعتها كي تعود مثمرة كما كانت. فالجد متعلِّق بالأمل الذي سيهبط عليه من السماء عبر خرافة متوراثة أو متداولة مفادها أن الملائكة تزور ملابس الموتى المؤمنين. فعكف الجد على جمعها ونشرها في المزرعة منذ ثلاث سنوات وتسعة أشهر، وما زال يبحث عن الثوب الذي سيحمل الملائكة من السماء.

NDN_9712تصبح الملابس التي يجمعها الجد ويجعل منها مخيالات أو فزاعات محور اهتمام الطفل الذي يساعد جده في أعمال الفلاحة والزراعة. وتنشأ علاقة بينه وبين المخيال تكاد تكون إنسانية. الأم توقفت عن الكلام بعدما تركهما الأب ليعمل بالبحر. والملابس بالنسبة لها نذير عودة الغائب، فربما تترافق عودة الزوج مع عودة الأرض. لهذا كانت هناك علاقة مشتركة بينهم، الأم والأب والابن والجد، ومجسّمات المخيال الموزّعة في الأرض المزروعة.

بعد نضج فكرة المخيال في مخيلتي، وتحويل الرواية إلى سيناريو، وتحديد مكان التصوير وفريق الممثلين، والمشاهد التي سيتألف منها الفِلم، بدأنا التصوير مع بداية العام 2014م بفريق عمل صغير يتألف من أصدقاء ومتطوعين، إذ إن الميزانية التي رُصدت للبدء بالفِلم كانت صغيرة جداً ولا تكفي للعمل مع محترفين بأجور عالية. فوجدنا أن فكرة تبادل المساعدة ستكون أفضل، وهي عادة موجودة بين المشتغلين في السينما من المبتدئين. فكل منهم يقدِّم يد المساعدة لرفيقه الذي يطلبها. وبسبب ضيق ذات اليد، قمت بنحو %90 من العمل، من التصوير إلى رسم الإضاءة وتحديد مكان الصوت وتوجيه الصوت وكذلك إعداد القهوة. واستمرت هذه المتعة تقريباً شهراً بأيام متفرقة خلال الأسبوع الواحد.

ثم انتقل العمل إلى مرحلة المونتاج وهي المرحلة الأصعب، إذ تم الاعتماد في التصوير على كاميرا من طراز (BLACK MAGIC POCKET CINEMA) وهي كاميرا صغيرة وعملية جداً، تقوم بتصوير صور خام RAW تتطلب مساحة كبيرة جداً للتخزين.

صناعة الفِلم وتكلفته
NDN_9388ساهم جمال المكان في جعل الصورة جميلة دون أي جهد كبير نضيفه إليه. وبسبب عدم وجود فريق كامل متكامل متخصّص، بدأ التوتر يظهر علينا جميعاً كفريق وخصوصاً على المتطوعين. إذ كنا نعمل لما يزيد على اثنتي عشرة ساعة يومياً كي نتمكن من تصوير أكبر قدر من المشاهد في اليوم الواحد، خصوصاً أنَّ صاحب المزرعة كان قد طلب منا أن نغادر أرضه بأسرع وقت لأسباب عائلية. فصار ضيق الوقت وقلة خبرة الفريق وصغره سبباً للعمل المشحون، مرات بتوتر ومرات بشغف كبير لإنهائه على أكمل وجه. رغم أنه في النهاية، يمكنني القول إن لقطات كثيرة لم يتم تصويرها وحوارات يجب إعادتها وكانت قائمة طويلة من اللقطات التي يجب أن أعمل عليها وقعت كلها ضحية الاستعجال والبدائية في العمل.

وقد أخذنا الوضع الجديد الذي فُرض علينا إلى خط جديد في تصوير الفِلم ربما كان نافعاً لنا في النهاية، ومن هنا جاءتنا فكرة الـ «VOICE OVER» (أي الصوت المضاف لاحقاً على التصوير) والاستغناء عن الحوارات، وتكثيف الصورة الرمزية. ولأني اعشق الشتاء والغيم والمطر كنت متابعاً جيداً لحالة الطقس، وكنت أريد ان أضيف مشهد السماء والغيوم فيها، إلا أني اكتشفت أن السماء تعاندني ولا بد من التنازل عن مشهد الغيم.

كانت ميزانية الفِلم لا تتجاوز الخمسين ألف ريال. ذهبت إلى أمريكا للبحث عن استديو لمونتاج الفِلم. ولعدم توفر ميزانية كافية لم أجد استديو مناسباً، لذلك عدت إلى العمل على المونتاج بنفسي فاستغرق مني تسعة أشهر، وحصلنا على دعم من «مايلز استديو» بدبي الذي عمل على تصحيح الألوان وهندسة الصوت وفق ميزانيتنا.

ولا بد لي من الإشارة إلى أن معرفتي بصناعة الفِلم اكتسبتها بالتعلّم والدراسة. ولكن لا يمكنني أن أنسى دور برنامج «إثراء» وورشة عمل صناعة الفِلم حين أحضرت أرامكو السعودية أهم جامعة على مستوى العالم تُدرِّس الفن السينمائي USC. وكنت ممتناً للقائمين على الورشة لأنهم مكننوني من حضورها، حيث كانت مفيدة جداً في تعليمنا تقنيات جديدة في عالم السينما، تساعد المبتدئين على تصوير أفلامهم.

مهرجان الأفلام القصيرة (كان)
بعدما لاقى فِلم «مخيال» قبولاً جماهيرياً عالياً في مهرجان أفلام السعودية في الدمام، وبعدما وجدنا أن فِلمنا تمكَّن من جذب عدد كبير من المهتمين والنقاد المعنيين بالسينما السعودية، جاءنا خبر جديد على قدر كبير من الأهمية أيضاً، وهو أن الفِلم سيشارك في ركن الأفلام القصيرة في مهرجان «كان» العالمي وليس في المسابقة الرسمية. وأجد المشاركة خطوة متقدمة جداً لتكون حدثاً سينمائياً مهماً لنا. وهي فرصة للتعريف بالفِلم وترويجه بشكل خاص، ونشر المعرفة حول السينما السعودية للذين يعتقدون أن لا سينما في بلادنا. وقد سبقنا مخرجون سعوديون كثر إلى بث الدعاية والإعلان عن قدرات السينما السعودية التي جعلت عدداً كبيراً من أفلامها ينافس في المسابقات العالمية ويحصد الجوائز المهمة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.