المصور الأميركي لم يكن صياد صور عادية إنما كان صياد لحظات سحرية في بلاد يندر أن نعتقد بأن سكانها يتمتعون بجمال لكثرة الغبار الذي يكلل رؤوسهم ووجوههم، ولكثرة الحروب والدمار الذي تعانيه («الشرق الأوسط»)

.. والتقط بعدسته فتاة أفغانية في الثالثة عشرة من العمر، شاربات غالا، التي حمل غلاف مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» صورتها قبل ربع قرن


ستيفن ماكوري

معرض باريسي لأحد أشهر مصوري القرن العشرين

الأميركي ستيفن ماكوري وثق جمال شعب أفغانستان الذي كتب له أن يبقى أسير حروب طاحنة

المصور الأميركي لم يكن صياد صور عادية إنما كان صياد لحظات سحرية في بلاد يندر أن نعتقد بأن سكانها يتمتعون بجمال لكثرة الغبار الذي يكلل رؤوسهم ووجوههم، ولكثرة الحروب والدمار الذي تعانيه («الشرق الأوسط»)

.. والتقط بعدسته فتاة أفغانية في الثالثة عشرة من العمر، شاربات غالا، التي حمل غلاف مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» صورتها قبل ربع قرن

ستيفن ماكوري
باريس: سيمون نصار
ستيفن ماكوري ليس مصورا عاديا يلتقط بعدسة كاميرته مشاهد طبيعية تذهب إلى تقديس الطبيعة والاحتفاء بها. هو يذهب أبعد من ذلك، ينحو في عمله إلى تقديس الوجوه التي تختزن ما وهبت به من جمال مدمي، ليس في أي بلاد في هذا العالم، الذي يمتلئ بالجمال اللامع، الجمال الذي يستحق أن يسجن في إطار صورة فوتوغرافية، الجمال المصفى والمقطر كما لو أنه عطر ثمين، في بلاد يندر أن نعتقد بأن سكانها يتمتعون بجمال لكثرة الغبار الذي يكلل رؤوسهم ووجوههم، ولكثرة الحروب والدمار الذي تعانيه.
ستيفن ماكوري بهذا المعنى، لم يكن صياد صور عادية إنما كان صياد لحظات سحرية تمر بها الوجوه البشرية مرات متفاوتة في العمر.

في معرضه الباريسي الحالي في غاليري «فريديرك غوت» الذي يحمل عنوان (le regard des autres) يعرض ماكوري بعضا من أهم الصور الفوتوغرافية التي التقطها حول العالم، ولعل أشدها وقعا وتأثيرا تلك الصورة التي التقطها لفتاة أفغانية في الثالثة عشرة من العمر، شاربات غالا، بعينيها الخضراوين ونظرتها الحادة جدا تجاه العالم، هي الصورة التي حملها غلاف مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» قبل ربع قرن، خرجت من أفغانستان إلى العالم لترى، يومذاك، جمال شعب كتب له أن يبقى أسير حروب طاحنة طوال سنوات عديدة ما زالت مستمرة حتى اليوم. والحق أن المعرض لا يقتصر فقط على صور أفغانية بل على مجموعة صور تعطي للإنسانية أبعادا ملونة تنتشلها من البؤس الذي تعيشه. معظم الصور التي يلتقطها ماكوري أخذها في بلاد فقيرة وبائسة لأشخاص معذبين في الأرض من أفغانستان إلى الهند إلى الصين إلى الشرق الأوسط إلى دول آسيا مثل كمبوديا وتايلاند وسريلانكا.

يمثل ماكوري، المولود في فيلادلفيا 1950، أحد أكثر اتجاهات التصوير الفوتوغرافي واقعية، لكنه، على غير اتجاه الفنون التصويرية، لم يذهب إلى تصوير الطبيعة أو الحيوانات أو حتى ألوان الطبيعة المشهدية. بل عمل على دمج عوامل الطبيعة في قالب إنساني صرف. الإنسان هنا هو الصانع، هو حدث الصورة، وما بقي من عوامل وألوان من أماكن ومجسمات هو القالب الذي يحيا فيه الطابع الدرامي لتحولات الصورة. هذا الاتجاه الذي ابتكره ماكوري في التصوير الفوتوغرافي كان لاقى أصداءه قبل أن يصبح للصورة ألوان، يوم كانت بالأبيض والأسود مع الفرنسي روني الذي عمل على دمج عناصر مختلفة إلى جانب البورتريه في صورة واحدة. ماكوري نقل تناغم العناصر مع البورتريه، جعل من الألوان إطارا جماليا للوجه الذي يمثل بالنسبة إليه محور العالم. وعلى هذا، فهو ابتكر جمالية العناصر دون أن يغلبها على الإنسان نفسه.

حملت الفترة الممتدة من أوائل السبعينات وحتى نهاية التسعينات، أي قبل دخول عالم التصوير الفوتوغرافي في عصر التقنيات والبرمجيات الرقمية الحديثة، حملت هذه الفترة، أحلام المصورين الفوتوغرافيين من كافة أنحاء العالم، بتمكين هذا الفن من اختراق حواجز الفن التشكيلي التي لا تزال سائدة لليوم. لكن التصوير وصل أخيرا إلى حدود لا يمكن معها اكتشاف الفروقات الفنية بين مصور وآخر إلا بالاعتماد على تقييم فني للمخيلة التي تتحكم في الصورة وصناعتها. من الأعمال الكثيرة في التصوير الفوتوغرافي تعبر أعمال ستيف ماكوري عن نصاعة المخيلة الفنية في صناعة مشهد متكامل للحياة لكن برفقة ألوان كثيرة.

 

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.