الفنان الأردني نياز المشني أمام لوحة من لوحاته

لا حدود للخيال، ولا سقف للابتكار والإبداع والاختراع، ودائما ما تلهم الطبيعة الإنسان كثيرا مما يحلم به ويفوق تصوراته. وهل كان من الممكن أن نصل إلى اكتشاف “ألوان طبيعية” مستخرجة من أشجار التين والزيتون العتيقة؟ هذا ما حدث على يد الفنان الأردني نياز المشني الذي حكى في حديث خاص لـ”العين” قصة استخراجه هذه الألوان من الأشجار.

“لا يوجد منزل يخلو من أشجار التين والزيتون المباركة، فهذه الأشجار رمز المقاومة والصمود في بلاد الشام، ومن هنا بدأت أفكر كيف سأغتنم وجود هذه الأشجار فيما يتعلق بالفن وخاصة الرسم. وانطلقت رحلة بحثي في تحقيق فكرة استخراج ألوان طبيعية من هذه الأشجار، ألوان بخصائص عالية وبجميع التدرجات”، هكذا استهل نياز المشني حديثه.

الموروث الاردني

المشني أول فنان على مستوى العالم يستخرج هذه الألوان ويستخدمها في لوحاته، يقول: “أردتُ دومًا أن أثبت أن الفنان يستطيع استثمار الموارد التي تحيطه وألا يعتمد بشكل أساسي على أدوات الرسم الموجودة بالسوق”. ويوضح المشني أنه منذ عام 2013 قرر اجتياز الطريق لإثبات فرضيته. وبعد عام واحد رسم لوحة كاملة حقيقية من هذه الألوان، والآن أصبح “لديّ 23 لوحة مرسومة بشكل أساسي اعتمادا على هذه الألوان”.

أهم ما يميز الألوان المستخرجة من أشجار التين والزيتون، بحسب المشني، أنها ألوان لا تحتوي على مركبات كيماوية، وبالتالي فهي تعد صديقة للبيئة وأيضًا للرسام الذي يستخدمها، يقول “من المهم جداً أن نحافظ على البيئة وأن نجمع جهودنا وكل طاقتنا بالمحافظة عليها فهي في نهاية المطاف لنا. والألوان العادية يوجد بها الكثير من المركبات الكيماوية التي تجعلها تقاوم وأن تبقى كما هي وألا تتأثر مع المدة الزمنية”.

وصل المشني لكل التدرجات اللونية باستخدام كل أجزاء الأشجار وصولا إلى الثمار. ولم يكتفِ بتجريب أشجار التين والزيتون المزروعة في الأردن، بل أخذ يجرب استخراجها أيضًا من أشجار فلسطين، يشرح “كل جزء من الشجرة يعطي ألوانا متباينة، وتؤثر طبيعة التربة المزروعة بها الشجرة على الألوان المستخرجة. هذا الاستخراج أخذ معي جهودًا مكثفة حتى أصل للنتيجة التي وصلت لها اليوم، وسأبذل جهدي حتى أعمم تجربتي لتصل إلى العالمية. ومن خلال هذه الألوان رسمت الموروث الأردني وأيضا سأوثّق كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فهنالك ارتباط قوي بين القضية الفلسطينية وهذه الأشجار بدون شك”.

 

يجد المشني أن الفنان الحقيقي لا يرسم فقط ما يشعر به بل أيضاً ما يدور حوله لتصبح لوحاته رسالة للعالم أجمع ووسيلة لنقل الحقيقة.. “من خلال لوحاتي سأبين القضية الفلسطينية وأوصلها لكل شخص. من الضروري أن تكون اللوحة التي ترسم تقدم محتوى يعكس الواقع وأن تكون ذات رسالة”، يقول المشني.

اللوحة في نظر المشني “أكبر فرحة” فعند الانتهاء ينظر لها كأنها مولود جديد خرج لهذه الحياة ويتباهى بها الفنان، فهي جزء من شخصيته وكيانه لهذا يجب أن تكون مرسومة بأجمل الأساليب والتميز يحيطها.. “هنالك لوحات عديدة أرسمها وتأخذ معي سنوات حتى تصل إلى مرحلة النهاية، ففي كل لحظة يتولد لدى الفنان أفكار ومشاعر جديدة حيالها ويستطيع إضافتها”.

لم تتوقف رحلة الفنان نياز المشني بالرسم عند ألوان التين والزيتون، بل رسم أيضا العديد من اللوحات التي عرضت بمعارض عديدة واستخدم فيها مادة القهوة، يقول “في بداية رحلتي الفنية رسمت بالقهوة وهي وسيلة تحتاج للعديد من المهارات والتحدي كون هذه المادة تجف سريعاً، لذلك يجب أن تكون فكرة اللوحة جاهزة وتحتاج فقط للتطبيق، وما يميز القهوة أنها تعطي تدرجات جميلة وعند الانتهاء يتولد لوحة في غاية الجمال. لدي الكثير من اللوحات التي رسمت بالقهوة وسأحاول دوماً ابتكار كل ما هو جميل وجديد”.

“نياز المشني” في سطور..

الموروث الفلسطيني في لوحات المشني

من مواليد العام 1964 ولديه موهبة الرسم منذ الطفولة، وقد شارك في 50 معرضا جماعيا وفرديا؛ منها معرض المرسم الجوال الدولي الأول بعنوان “فلسطين حكاية ولون في المركز الثقافي الملكي”. و”فلسطين حكاية ولون” الذي أقيم بإسطنبول عام 2016. ومعرض بعنوان “الحنين في قاعة المدينة” في أمانة عمان 2007 ومعرض “بنفسجيات التراب”، وغيرها. وعدد من المعارض الجماعية من أبرزها معرض ومهرجان القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 ومعرض “القدس ذاكرة المكان” في المركز الثقافي الملكي ومجموعة معارض مع فنانين عرب وفنانين أردنيين.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.