المصورون الزائرون، والمقيمون

معظم الذين يمكن تصنيفهم كمصورين زائرين كانوا ممن تم تكليفهم بتصوير المنطقة من جانب مؤسسات حكومية، أو جمعيات أثرية، أو جمعيات دينية تبشيرية، أو رحلات أو مبادرات خاصة. وهؤلاء كانوا هم الذين التقطوا أوائل الصور لفلسطين. أولهم، “فردريك غوبيل-فيسكيه” (Frederic Goupil Fesquet ). كان “غوبيل-فيسكيه” قد ذهب الى الشرق برفقة الرسام هوراس فرنة (Horace Vernet ) بتكليف من عالم البصريات الفرنسي جان-نقولا-ماري لوروبور (Jean -Nicolas -Marie Lerebours ) الذي كان ينوي نشر كتاب مصور عن أبرز معالم ومدن العالم . دخل فيسكيه فلسطين قادماً من مصر في الرابع من كانون الأول 1839 والتقط أول صورة لمدينة غزة وكان أول من التقط صورة لمدينة القدس في ذلك الشهر . وأرسلت مؤسسات حكومية فرنسية بعض المصورين الفرنسيين المشهورين، مثل “ماكسيم دوكامب”، و”أوغست سالزمان”. وقد أرسلت وزارة التعليم الفرنسية “دوكامب”، الذي يعتقد أنه، والبريطاني كلوديوس ويلهاوس، أول من استخدم التصوير بطريقة (الكالوتايب) في الشرق الأوسط، في بعثة رسمية إلى مصر وفلسطين العام 1849 بصحبة صديقه الروائي “غوستاف فلوبير”.20 أما ويلهاوس فكان في رحلة خاصة مع نبلاء بريطانيين في حوض البحر المتوسط .

وعلى نحو مشابه، تم إرسال المصورين من جانب المنظمات العلمية والأثرية. ومن أوائل هؤلاء، المصور الفرنسي “لويس دي كليرك” (Louis de Clercq ) الذي رافق العام 1859 بعثة آثارية فرنسية يقودها “إيمانيويل غيليوم راي” (Emmanuel Guillaume Rey ). وقد نشر سلسلة من الألبومات تحت عنوان عام هو: رحلة إلى الشرق Voyage en Orient )).21 وتضم هذه المجموعة أيضاً، عدداً من المصورين الذين رافقوا الحملات البريطانية، التي نظمها في الغالب صندوق استكشاف فلسطين (Palestine Exploration Fund ) – من ستينيات القرن التاسع عشر فصاعداً – وكانت تضم مصورين كجزء من الفريق. من هؤلاء المصورين، “هنري فيليبس”، و”جيمس مكدونالد”، وهوراشيو هيربرت كيتشنر. وقد عمل المصور “تانكريد دوماس”، الذي اتخذ بيروت مقراً له، في سبعينيات القرن التاسع عشر لصالح الجمعية الشرقية الأميركية. وكذلك المصور البريطاني بيتر برغهايم (Peter Bergheim ) الذي أقام لفترة ما على ما يبدو في القدس وعمل مع جمعية تبشيرية، وقد ظهرت ثلاث من صوره في مسح القدس الذي أشرف عليه كابتن شارلز ويلسون وأصدره صندوق اكتشاف فلسطين في العام 1865.

تتكون المجموعة الثالثة من المصورين التي تنضوي تحت هذه الفئة من مبشرين أو مصورين أرسلتهم جمعيات دينية.22 من هؤلاء كان المبشر المعروف “جيمس غراهام” (James Graham )، سكرتير “جمعية لندن لنشر المسيحية في أوساط اليهود” (London Society for the Promotion of Christianity among the Jews ). وقد أوفد العام 1853، ومكث في فلسطين ثلاث سنوات صور خلالها عديداً من المواقع التي لها صلة بتاريخ الكتاب المقدس.23 وهو بذلك يُعتبر أول مصور مقيم في القدس .

أما المصورون الأوائل في فلسطين الذين يمكن إطلاق صفة “المقيمين” عليهم، فقد كانوا أفراداً، أجانب أو محليين، لهم محلاتهم الخاصة في المنطقة: في القدس، وبيروت، واستانبول، والقاهرة. وكان أول من أنشأ استوديوهات تصوير فوتوغرافي أوروبيين قدموا إلى المنطقة لسبب من الأسباب، وقرروا البقاء فيها. ومن أشهر المصورين المقيمين الأوروبيين “فيليكس وأدريان وليدي بونفيس” (Bonfils ) الذين حلّوا بيروت قادمين من فرنسا، وأنشأوا أستوديو للتصوير الفوتوغرافي العام 1867. وقد صوّروا مناطق الشرق الأدنى دون انقطاع منذ العام 1867 وحتى أوائل القرن العشرين. وممن نافس عائلة “بونفيس” بأستوديو خاص به “تانكريد ر. دوماس” (Dumas) الذي يبدو أنه وصل بيروت في الفترة نفسها التي وصلت فيها أسرة “بونفيس”.24 وقد أنشأ عدد من المصورين الآخرين استديوهات في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية. ومن هؤلاء الكيميائي الألماني رباخ (Rabach ) الذي أسس أستوديو في اسطنبول خلال حرب القرم (1853-1856) باعه لاحقاً للأخوة عبد الله {هورسيب” (Horsep )، و”فيشن” (Vichen )، و”كيفورك”}  الذين عينوا في العام 1862 مصوّري البلاط في أيام السلطان عبد العزيز ثم عبد الحميد.25 المصور باسكال سيبا (ربما سباح أو صباح) (Sebah)، وهو مصور سوري من اسطنبول ذاتها ولد العام 1823 لأسرة مكونة من أب سوري وأم أرمنية وأنشأ أستوديو في العام 1857، ومن ثم انتقل إلى موقع كبير في العام 1860، وقد افتتح فرعاً في القاهرة العام 1873 .26 وقد استقر آخرون في مصر وأنشأوا استوديوهات في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى. ومنهم لويجي فيوريللو (Luigi Fiorillo ) المصور الإيطالي الذي أسس أستوديو في الإسكندرية في السبعينيات من القرن التاسع عشر. ويبدو أن “فيوريللو” اندمج تجارياً مع مصور آخر في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث يظهر التوقيع “ماركيز وفيوريللو” (Marquis and Fiorillo) على جميع الصور اللاحقة. كذلك الأمر، فإن الصور الموقعة باسم “زانغاكي” (Zangaki ) تنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة. وتغطي صور الأخوين قسطنطين (1845-1916) وجورج (توفي في 1926) “زانغاكي” جزءاً كبيراً من المنطقة، وعلى مدى زمني يمتد من سبعينيات القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين. والأخوان “زانغاكي” مصوران من أصل يوناني يبدو أنهما صورا سوية، حيث يظهر أحدهما أحياناً في الصور مرتدياً قبعة من القش.
من المحتمل أن تكون ثمة فئات أخرى من المصورين الذين عملوا في فلسطين ممن لا يمكن إلحاقهم بأي من الفئتين المذكورتين. على أنه لما كان هؤلاء قد ظهروا في الساحة في زمن متأخرر (بعد العام 1890، أيي بعد بداية انتشار التصوير على مستوى محلي)، ولما كان تأثيرهم على اتجاهات التصوير الفوتوغرافي في المشرق، بما في ذلك فلسطين، محدوداً، فإن هذه الدراسة لن تتطرق إليهم. أما بالنسبة إلى المصورين المحليين، فسنترك موضوعهم للفصول التالية التي ستخصص تحديداً لدراستهم ودراسة أعمالهم.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.