الأهم فــــــــي ذاكـرة الإماراتيين

«الغــــوص».. انتشال «الــرزق اللامع» من ظلـمات البحر

التاريخ::
المصدر: العامري الشارقة

«الكبير» و«الردة» و«الرديدة» و«الخانجية» و«القحة» هي أسماء اختزنتها ذاكرة الإماراتي، وتحديداً الغواص الذي انتظر كثيراً مواسم الغوص لتوفير لقمة العيش لأسرته، تلك التي غالباً ما كانت تنتظر معيلها بفارغ صبر على «سيف» البحر، فإما أن يعود محملاً بالغنائم أو خالي اليدين أو محمولاً على أكتاف رفاقه.

هي رحلة من أصعب رحلات طلب الرزق، تلك التي يغوص فيها الإنسان بحثاً عن رزقه في ظلمات البحر، معرضاً حياته لخطر الغرق والضياع والموت في أعماقه من شدة الإعياء، يبدأ موسم الغوص على اللؤلؤ وفق مدير قسم التراث في جمعية الإمارات للغوص، جمعة خليفة بن ثالث، في شهر يونيو من كل عام، أي مع دخول فصل الصيف الحار، إذ تقوم الاستعدادات قبل رحلة الغوص وركوب البحر، من خلال تعليمات يصدرها ربان السفينة «النوخذة» لمراقب السفينة والبحارة والمعروف بـ«المجدمي»، لجمع البحارة المسجلين لديه، و«السيوب» (جمع سيب) وهو المكلف بسحب الغواص من البحر، لتحديد موعد انطلاق الرحلة.

وبعدها تجهز السفينة في اليوم التالي ويتوجه البحارة برئاسة «المجدمي» إلى «سيف» البحر، ويتجمعون حول السفينة ثم يقومون بإزالة ما علق بالسفينة بعد آخر رحلة غوص، وذلك لحمايتها ووقايتها من حرارة الشمس، وبعدها يتم تنظيف السفينة وخدمتها وصيانتها من قبل «القلاف»، الذي يقوم بتفقد ألواحها وصيانتها وسد الفتحات بين ألواح السفينة لمنع تسرب المياه، وبعد انتهاء البحارة من جميع الأعمال الخاصة بالسفينة تبدأ عملية طلائها «بالشونة» وعند الانتهاء من الطلاء يصدح «النهام» ويبدأ الغناء، ويغتسل البحارة لبدء رحلة الغوص.

أدوات قديمة

يشرح بن ثالث طقوس الغوص وما يسبقه من استعدادات فيقول: «يقوم البحارة بتجهيز السفينة بالأدوات اللازمة لها والمعدات المطلوبة لرحلة الغوص، فيضعون (فنطاساً)، وهو عبارة عن خزان للماء العذب، كما يحملون معهم (الدقل) و(الفرمن) وهما من الأدوات التي تحمل شراع السفينة»، لافتاً إلى أن السفينة يجب أن تجهز بأدوات الغوص على اللؤلؤ، منها «الحـير» أو حصاة الغوص، وهو عبارة عن قطعة من الرصاص أو الصخر الثقيل العادي، يراوح وزنها بين خمسة وثمانية أرطال، يستخدم ذلك الحير في وصول الغواص إلى قاع البحر بسرعة، خصوصاً في المغاصات العميقة، وذلك اعتماداً على ثقل الحجر في جذب الغواص الأسفل، كما يحتاج الغواص إلى الديين وهو عبارة عن كيس أو سلة مشبكة مصنوعة من الحبال أو الخيوط، والديين وعاء للمحار الذي يجمعه الغواص من قاع البحر، ويعلق الغواص الديين في رقبته في حبل يسمى «اليدا».

ويتابع بن ثالث أن «الغواص يعتمد على الفطام لتجنب دخول الماء في فتحات أنفه، وهي قطعة من عظام السلحفاة أو (ضلوف) الماعز، فيه شق يكبس على جانبي أنف الغواص عند غوصه في القاع، ويرتدي الغواص لباساً من القماش الخفيف أبيض اللون، يحمي الغواص من خطر التعرض للسعات (الدول) أو قنديل البحر، ويساعد الخبط وهو عبارة عن قطعة من الجلد يلف بها الغواص أصابعه، على تجنب خطر الصخور الحادة والأشواك البحرية عند التقاطه للمحار من قاع البحر».

ويحتاج الغواص إلى حبل اليدا وهو حبل النجاة للغواص، إذ يبلغ طوله نحو 70 متراً، يربط بالديين (سلة جمع المحار)، ويمسك الغواص بأحد طرفي الحبل وينزل إلى قاع البحر، أما الطرف الآخر فيكون بيد السيب الذي يبقى على ظهر السفينة ويسحب الغواص بعد انتهائه من جمع المحار، إذ يهز الغواص اليدا فيسرع السيب بسحبه إلى سطح الماء، ويعتمد البحارة في فتح المحارة على «الملفقة»، وهي عبارة عن سكين ملفوف الرأس، يستخدم لفلق المحار واستخراج اللؤلؤ من داخله.

مواسم الغوص

أسماء اللؤلؤعرف اللؤلؤ بأسماء عديدة تعتمد على الخصائص الفيزيائية للؤلؤ، منها «الجيون» وهي من أجمل اللآلئ وأثمنها نظراً لصفائها واستدارتها الكاملة، كما أنها ذات لون أبيض مشرب بحمرة خفيفة، أما «القولوة» فهي لؤلؤة غير كاملة الاستدارة على الرغم من أنها من اللآلئ الجيدة، وهناك «الحصباة» والجمع «حصابي»، وهي اللؤلؤة التي تلي الدانة في الحجم والجودة، إضافة إلى «بوكة» وهو نوع من اللآلئ الصغيرة جداً.

أما لؤلؤة الدانة فهي من أكثر اللآلئ معروفة كونها كبيرة الحجم وغالية الثمن، أما «اللؤلؤ السنقباسي» فهو نوع من اللؤلؤ الشديد الزرقة، وهناك أيضاً «يكة» وهو اللؤلؤ الذي تكون حباته صغيرة وكاملة الاستدارة، و«خاكة لؤلؤ» دقيقة جداً وأصغر من «البوكة»، إضافة إلى «السحتيت» وهو لؤلؤ من النوع الناعم ويسمى «تراب اللؤلؤ»، أما «الخشرة» فهي أردأ أنواع اللؤلؤ.

للغوص مواسم، أهمها الغوص الكبير أو كما يعرف بالغوص «العود»، ويعد من أطول وأخطر الأنواع، يبدأ الغوص الكبير من شهر مايو ويستمر حتى شهر سبتمبر، وفي هذا الغوص تتوجه جميع سفن الغوص الكبيرة والصغيرة إلى المغاصات البعيدة، وغالباً ما يستمر الغوص الكبير نحو أربعة أشهر و10 أيام متتالية، وفي بعض دول الخليج يبدأ الغوص من أول شهر مايو وحتى 28 من شهر سبتمبر إضافة إلى 10 أيام من شهر أكتوبر.

أما غوص الخانجية فيبدأ بعد انتهاء فصل الشتاء، وتحديداً في شهر أبريل، إذ لاتزال مياه البحر باردة، ويسمى أيضاً بـ«غوص البرد»، ويستمر هذا الغوص حتى شهر مايو، وقد تزيد مدة الغوص على أسبوعين، ولا تتجاوز مدته 40 يوماً.

وهناك نوع آخر من الغوص وهو غوص الردة، وتعني العودة إلى البحر، ويبدأ هذا النوع من الغوص بعد نهاية موسم الغوص الكبير مباشرة، أي في شهر أكتوبر تقريباً، حيث يكون البحر بارداً، ولا تستغرق مدته أكثر من شهر، في المقابل غوص الرديدة وهو تصغير للردة، أي العودة مرة أخرى ولأيام معدودة بعد عودتهم من غوص الردة مباشرة، ويكون الغوص في الأماكن القريبة، على اعتبار أن الجو يكون بارداً.

أما غوص القحة فيتم بالقرب من الديار والأهل، وكانت المرحلة الواحدة منهما تستمر نحو ثلاثة أسابيع، أو شهراً واحداً تقريباً، وذلك عندما يضطر بعض الغواصين إلى العمل للحصول على المزيد من الأموال، ليتمكنوا من سداد ديونهم التي لم يتمكنوا من تسديدها بعد مرحلة الغوص الكبير، وكان البحارة في مرحلتي القحة يقتسمون الأرباح بالتساوي.

طاقم السفينة

أكد بن ثالث أن «طاقم السفينة يتكون من عدد من الأشخاص يعرفون بحسب المهام التي يؤدونها، منها السردال وهو القائد أو الزعيم، أما في لغة أهل الغوص في منطقة الخليج العربي، فالسردال يعني أمير الغوص أو أمهر النواخذة، وأكثرهم خبرة ودراية بشؤون الملاحة والفلك، والهيرات أي المغاصات، وهو قائد أسطول سفن الغوص (السنيار) الذي يعين من قبل حاكم البلد، وهو الذي تكون سفينته في المقدمة، ويطلق إشارة الخروج إلى رحلة الغوص، اما النوخذه فتعني قائد السفينة أو قبطانها، وهو المسؤول عن سفينة الغوص وأمانها وسلامتها وسلامة من على متنها، وغالباً ما تكون مهمته الرئيسة توجيه السفينة وقيادتها بخبرة ودراية وتجنيبها كل أشكال المخاطر المحتملة، ولأنه القائد فهو يتقاضى في نهاية موسم الغوص ثلاثة أسهم من إجمالي محصول السفينة من اللؤلو.

وفي السفينة غالباً ما يكون هناك مساعد الربان في قيادة سفينة الغوص ويطلق عليه «اجعدي»، وهو الشخص الخبير العارف بشؤون المغاصات والهيرات البحرية، لذلك هو بمثابة مستشار النوخذة لشؤون الهيرات، ويحل محل النوخذة، وللجعدي نصيب في أرباح اللؤلؤ، يتفق عليه عند وضع شروط القسمة، وتكون في الغالب ثلاثة أسهم، ومن القوانين المتعارف عليها أن الجعدي لا يسمح له بيع اللؤلؤ في البحر على أي طواش، وعليه أن يسلم المحصول إلى مالك السفينة.

أما الغواص فهو الشخص الذي يغوص إلى قاع البحر لجمع المحار، ويحتل مكانة مرموقة بين الناس في المجتمع، وتكون له ثلاثة أسهم من اجمالي محصول السفينة من اللؤلؤ، ولا يقوم بأي عمل على ظهر السفينة سوى الغوص، في المقابل هناك «السيب» وهو الرجل الأقوى من الناحية البدنية على ظهر السفينة، ويمتاز باليقظة والحذر الشديد والانتباه، إذ لا يغمض له جفن عندما يكون الغواص تحت سطح الماء، ويقوم السيب بالإمساك بطرف حبل اليدا المتصل مع الغواص الذي بمجرد انتهائه من جمع المحار يهز اليدا ليسحبه السيب من البحر.

أما المتخصص في عملية فلق المحار فهو الجلاس، وهو يعمل في سطح السفينة لمجرد الحصول على الطعام والشراب، إضافة إلى اكراميات نهاية موسم الغوص، وغالباً ما يكون مراقباً من قبل مراقبين النوخذة، إذ في حال ثبتت سرقته للؤلؤ تتم معاقبته عقاباً شديداً، وهناك أيضاً «المجدمي» وهو رئيس البحارة المسؤول عن العمل في السفينة، والمقدم بين البحارة، والمسؤول عن حفظ وصيانة معدات ولوازم السفينة، كما يختص بتزويد السفينة بالطعام ومياه الشرب والمواد التموينية، وغالباً ما تكون وظيفة المجدمي في السفن الكبيرة فقط.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.