اليوم هو خميس البيض .. أذكر في طفولتي كنا نحتفل بهذا اليوم بحيث كانت امي رحمها الله تسلق البيض مع قشر البصل الذي يمنحه لون ذهبي مائل للبني او مع الزهور البرية التي تمنحة لون احمر ، وكانت النساء في القرى تعد خبز الزلابية الذي يسمى المشمّل وهو خبز قمح معجون بالقزحة والسمسم و بعد خبزة يتم تغريقه بزيت الزيتون ، وكان الناس وخصوصا النسوة تخرج للمقابر و توزع البيض والخبز ، واعتقد ان هذا الاحتفال يعود لعيد القيامة الكنعاني وبعده لعيد قيامة المسيح عليه السلام

سأل بعض الأصدقاء ليش بطلنا نحتفل ونعمل الطقوس والعادات القديمة مثل خميس البيض او خميس الاموات واحتفالات قديمة اخرى من حضارتنا القديمة .. أعتقد ببساطة لأنه اصبحنا شعوب مستهلكة فقط ، حتى بتنا مستهلكين للحضارة والثقافة ، والذي يستورد الطعام والشراب والكساء والادوات والمسلسلات من الخارج يستورد من ثقافة صانعها معها ، لذلك اختفت اعيادنا وعاداتنا في الحزن والفرح والحب والغضب والخلاف واصبحنا نعيش فلم امريكي طويل ، والمؤسف حقا اننا نستورد قشور الثقافة وليس الثقافة نفسها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتب: حمزة أسامة العقرباوي

تتعدد المناسبات والأعياد الشعبية في مجتمعنا الفلسطيني، وقد عرفت فلسطين الكثير من الأيام ذات الطابع الاحتفالي والتقاليد والطقوس الشعبية ومنها مواسم الأنبياء كموسم النبي موسى والنبي صالح والنبي روبين وغيرها، ولعل أحد تلك الأعياد الشعبية أو الأيام ذات الطقوس الجماعية ما يعرف بخميس البيض أو خميس الأموات، وفي هذه المقاله أحاول بسط الحديث حول هذا اليوم الشعبي الذي بات ذكره فقط في ذاكرة الكبار في غالبية القرى الفلسطينية إذ أبطل الوعي والعلم مثل هذه الأعياد والطقوس الشعبية، وباتت مجرد ذكريات تُراثية جميلة.

يصطلح العامة في فلسطين على تسمية شهر نيسان بشهر الخميس، ولعل العامة من كبار السن حتى هذا اليوم يذكروا هذا الشهر باسم (الخميس) ولذا نسمعهم يقولون في الأمثال الشعبية: (بشهر الخميس كل عود أخضر يبيس) ( ولو حطوا الدريس ع الدريس لا بُد من مطرة الخميس).

أما عن سبب تسميتهم لهذا الشهر بالخميس فذلك عائدٌ لأنهم في كل يوم خميس من هذا الشهر يجرون احتفالاً مشهوداً، وهم يقسمون الشهر إلى أربعةُ خمسان: (الأول خميس النبات، والثاني موسم ، والثالث أموات، والرابع خميس البقرات).

حتى أنهم ينسبون طائر الحّوام ( اللقلق) لهذا الشهر لأنه يمر من بلادنا في شهر نيسان بشكل جماعي ويستريح في منطقة (لفجم) في غور عقربا ثّم يواصل رحلته إلى الشرق.. وكان الصبية حين يُشاهدوا الطائر الحوام يقولون:
حّوام شـهر الخميـس ..سنة الجايه وأنا عريس

كما كانوا ينسبون بعض الأطعمه والحلوى لهذا الشهر لاقترانها به، فيقولون مثلاً عن البحته التي تُصنع من الحليب والأرز، وعن الهيطليه التي تصنع من الحليب والنشاء وغيرها (الخميسية) وتأخذ هذه الحلوى مع البيض إلى القبور في يوم خميس الأموات أو خميس البيض.

أما تفصيل هذه الأيام (الخمسان) وما يحدث فيها من أعياد وطقوس فهو كالتالي:

­ خميس النبات (خميس البنات): وهو الخميس الأول من شهر نيسان وقد دُعي بخميس البنات أو خميس النبات لأن الفتيات غير المتزوجات يخرجن فيه إلى الحقول ويجمعن الأزهار، ثم يقمن بوضع هذه الزهور في اناء ملئ بالماء ويتركنه كي تمارس النجوم في الليل تأثيرها عليه، وبعد ذلك تقوم الفتيات بفسل شعرهن بهذا الماء المنجم حسب الاعتقاد الشعبي، ولهذا الطقس علاقة بالزواج.

­ خميس الموسم: وهو الخميس الثاني من شهر نيسان حيث تجتمع الحشود في القدس آتية من جبل نابلس وجبل الخليل يوم الخميس وتقوم باستعراض قوتهاَ وتُظِهُر الحماس والفتوة وتنتطلق في صبيحة اليوم التالي (جمعة النزلة) إلى مقام النبي موسى عليه السلام في الخان الأحمر على طريق أريحا، وفي بعض المناطق هناك موسم في هذا اليوم مثل موسم النبي روبين والنبي صالح وغيرها. ويعد هذا العيد
من أهم الأعياد الشعبية في فلسطين.

خميس البيض أو خميس الأموات: وهو الجمعة الثالة من شهر نيسان وهو محور حديثنا، وبعض المسلمين يُسميه عيد البيض، وهو تقليد سائد في كل فلسطين، ويمارسه المسلمون والمسيحيون في ذات الشهر (شهر الخميس) وان كان هناك اختلاف في توقيته.

وقد كان للبيض قداسة عند الفراعنه والكنعانيين والصينيين والهنود والفرس واليونان والرومان، فكانوا يعتبرونها تفتحاً للحياة، ويقيمون لها أعياداً. والكنعانيون اتخذوا البيضة رمزاً لعودة الحياة إلى الطبيعة في الربيع بعد أن تكون قد ماتت في الشتاء، ثم أقاموا لهم في آذار ونيسان أعياداً ربيعية كانوا يكثرون فيها من أكل البيض الملون.
وفي هذا اليوم الخميس الثالث من شهر نيسان بالعادة يجري الاحتفال بذكرى الأموات وهناك من يعتقد أن روح الميت تعود له يوم الخميس، ويذهب الجميع لزيارة القبور والمقامات، وبالأخص أشهر المقامات وفي منطقتنا (مشاريق نابلس) كانت مقامات كبار الأولياء تزدحم بالزائرين في هذا اليوم وخصوصاً مقاما النبي نون في قرية يانون والنبي ذو الكفل في خربة كفر عاطية. وتحمل النساء معها البيض المسلوق والمصبوغ بألوان عدة حيث تعده النساء ليلة الخميس، وكذلك الفطاير وبعض الحلويات التي تقترن بهذا اليوم (الخميسية). ويهرع إلى القبور والمقامات الأولاد والفقراء وعامة الناس ليحصلوا على ما يتم توزيعه عن أرواح الموتى .

وتستمر فعاليات خميس الأموات حتى ساعات بعد العصر في جٍو احتفالي، تظهر فيه الفرحة والسعادة، إذ يشعرون أنهم أدّوا شيئاً كبيراً لأمواتهم وحصلوا على بركة الأولياء.

ثم تغادر الحشود بعد قضاء يوم كامل عند الأولياء ومقاماتهم. وكان بعض الأشخاص يقدمون النذور الخاصة بالأولياء في هذا اليوم فيذبحون الذبائح التي نذروا بها للاولياء وتعد الولائم ويأكل الجميع من هذا الطعام .

وللرجال في هذا اليوم طقس مميز وهوُ مطاقشة البيض حيث يجلس الرجال ومع كل منهم مجموعة من البيض المسلوق ويحاول كل منهم طقش بيضة صاحبة والإبقاء على بيضته، والفائز يأخذ بيضة صاحبه ، وتستمر تلك العملية إلى أن يخسر أحدهم للآخر ما معه من بيض، وسط تصفيق من الحضور ثم يوزع هذا البيض على الناس فيأكلوه.

ويعد خميس الأموات من الأيام المرتبطة بالأولياء ومقاماتهم ولذا نجد كبار السن يذكرونه كلما جاء الحديث عن الأولياء، ولعل أكثر من يهتم بهذا اليوم ويحرص عليه في المجتمعات الريفيه النساء ولذا كنت أسجل تذكرهن له وهن بحالة من الأسف على غيابه وتوقف طقوسه، ويعتبرن تركه نوعا منالتقصير بحق الأموات.

ومما يذكر أيضاً عن خميس البيض أن البعض كان يجرية في الخميس الثاني من نيسان وذلك لمن لا يُشارك في الموسم . ثم صار الخميس الذي يأتي بعد 7 أيام من وفاة اي شخص يسمى خميس الاموات عند بعض المناطق وصاروا يمارسون طقوساً تشبه ما يمارسوه في خميس البيض.

­ خميس البقرات ( جمعة الحيوانات): وهو في الاسبوع الرابع من شهر نيسان وقدُسمي بهذا الاسم لأن الفلاحين يقومون بصبغ أغنامهم وأبقارهم (بالـِمـغرة) ويكون لون هذه الَصبغة أحمر، كما يقومون بعد هذا اليوم بغسل مواشيهم وقص صوفها، وهذه الأصباغ تقليد قديم لدى الفلاحين . ويعمدون كذلك لحلب الأبقار وتوزيع حليبها على الأقارب والجيران، ومنها أخذت الإسم.

هذه صورة عامة عن شهر الخميس عموماً وخميس البيض على وجه الخصوص ولعلّ ما كتبته هُنا من خلال مقابلاتي الشفوية مع العجائز ينطبق على عموم المناطق الفلسطينية ولا أحسب بلدة أو ناحية أو حضراً ولا بدواً إلا ولهم ارتباط بهذه المواسم الشعبية التي صارت من تراثنا السالف وحكايات الآباء والأجداد

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.