أباطِـرة رُومــا الحِمْصِيُّون
193 ـ 235 م


المهندس جورج فارس رباحية ” قيل إن مياه نهر العاصي تصُبُّ في نهر التيبر بروما دلالة على تأثير سورية والسوريين في روما ، ذلك لأنه تربَّع على عرش روما خمسة أباطرة من أصل سوري أربعة منهم من حمص خلال الفترة ( 193 ـ 235 ) م والخامس من مدينة شهبا ( محافظة السويداء ) هو فيليب العربي فيليبّس Philippus خلال الفترة ( ( 244 ـ 249 ) م ونبحث الآن عن الأباطرة الذين سبقوه على عرش روما وهم أربعة أباطرة من حمص : اشتهرت حمص بتلك الفترة بعبادة الشمس وهيكلها الفاخر الذي فيه الحجر الأسود الهرمي الشكل وكان يُشتَرَط على كهنة هذا المعبد أن يكونوا من أعيان البلد ومن أشهــر أفراد الأُسَر. كان باسيانوس Basianus أو باسيان كاهن المعبد ذو أخلاق وثقافة عالية وآداب سامية وهذا ما هيَّأ لعائلته تبؤَ مناصب رفيعة في الدولة الرومانية . وُلِدَت إبنته جوليا دومنا Julia domna حوالي سنة 166 م وكانت على جانب كبير من الذكاء والجمال والثقافة لاسيما في العلوم الطبيعية والفلكية وتتكلّم الآرامية. وكذلك شقيقتها جوليا ميسـا Julia maesa وإبنتيها جوليا سوميا Juliasomia وجوليا ماميا Julia mamia كنَّ أيضاًعلى قدْر كبير من الثقافة والعلْم والثروة الكبيرة . وذكرَ أحد المؤرّخين أن بابنيانوس Papinianus النابغة في فقه الحقوق هو إبن باسيانوس وآخرون ذكروا إنه قريبهم . وحدث أن أحد الأشخاص ويُدعى يوليوس إسكندر كان يترأس عصابة في منطقة حمص عاثت في البلاد فساداً لدرجة أقلقت السكّان وخشيَ الإمبراطور كومود (180ـ192 ) إبن أوُريليوس شرَّها فأرسل قائداً عسكرياً ماهراً لضرب هذه العصابة ، هو سبتيموس سيفيروس الذي توجّه إلى المنطقة التى اعتصمت بها العصابة وطوَّقها وقضى عليها عام 179 م . وأثناء وجوده في حمص وقع نظره على جوليا دومنا فسحره جمالها وشعرَ بميل عظيم إليها وتوسَّم لنفسه مستقبلاً عظيماً إذا تزوّجها ، فطلبها من أبيها الذي لم يُمانع عن تلبية طلبـــه.ويكبرها بعشرين عاماً ، وأصبحت زوجته ورُزِقا من هذا الزواج عدة بنين : الأكبر باسيان وسُمّي فيما بعد كاراكلاّ Caracallaالذي وُلِدَ في ليون بفرنسا سنة 188م والأصغر جيتا Jeta . فكيف هؤلاء وصلوا إلى حكم روما ؟ :

ـ 1 ـ
الإمبراطور سبتيموس سيفيروس Septimus severus
( 193 ـ 211 ) م

وُلِدَ بليبيا في بلدة لبدة بتاريخ 11نيسان سنة 146 م من أصل فينيقي أفريقي أو مــن أفاميا (قلعة المضيق ) وكان يتكلّم الفينيقية درسَ الفقه في روما ونبغ في القانون وتولّى عدة مناصب حكومية في عهد الإمبراطور أوريليوس وإبنه كومود وكان قائداً عسكرياً ماهراً أحبّه الجنــد لإنه كان شديد العطف عليهم . عندما توفي الإمبراطور كومود مسموماً في 1 كانون أول سنة192م ،تولّى مكانه برتينكس والي سوريا فلم يستطع إرضاء الجند فقتلَ في 28 آذار سنة193 م ثم استقرَّت المبايعة عــلى تولّي رجل غني جداً يُدعى ديديوس يوليان ونودي به إمبراطوراً ولما بلغ هذا الأمر كتائب الجيش في مختلف الأصقاع ، فنادى كل جيش بقائده إمبراطوراً . وكان سبتيموس سيفيروس يقود جيش الدانوب ولكونه محبوباً من جنوده فنادوا به إمبراطوراً فأسرع بجنوده إلى روما ودخلها بموكب عظيم وتبوّأ الإمبراطورية وللحال أصدر المجلس العالي الروماني حكماً بقتل ديديوس يوليان كمجرم فقُبضَ عليه وقُتِلَ بعد حكمَ دام 26 يوماً . ثم قضى على خصميه نيجر وألبيوس وأصبح إمبراطوراً بلا منازع . لم يكن سيفيروس حمصي المَوْلِد لكنه حمصي العاطفة ، وكان لزوجته جوليا الأثر الكبير في الدولة فقاسمته المكانة والسلطان والنفوذ وكانت تدير معهداً في العلم والأدب والسياسة وتتكوَّن شخصياته من الرومان وأعيان السوريين واستعانت بنوجين كاتب التراجم وديوكاشيوس المؤرّخ وبفيلوسترات السفسطائي وببابنيانوس الفقيه في فن الحقوق الذي عيّنه مستشاره القانوني ورئيس مجلس المستشارين كما عيّن يوليوس باولوس Julius paulus (من مواليد حمص ) الفقيه والحجة في القوانين الرومانية واعتمد على أختها جوليا ميسا وإبنتيها جوليا سوميا وجوليا ماميا حيث كنّ على قدْر كبير من الثقافة والعلم والثروة المالية الكبيرة وأكَّد المؤرخون إنها لطَّفتْ كثيراً من أخلاق زوجها العسكرية القاسية وحملَت العديد من الألقاب ( أم القياصرة ، أم الجيوش ، أم الوطن ، أم الشيوخ ، و دومينا وهي تحريف عن الكلمة السورية مارتا وتعني السيدة بالغة الجلال ) ، كما نُقِشَت صورتها على النقود وأقيم لها تماثيل ومعابد عديدة . كان حظ سوريا عموماً وحمص خصوصاً حسناً بعهد هذا الإمبراطور فأولى عناية كبيرة بالبلاد التي أقام فيها مدة طويلة لاسيما الفترة من سنة 182 ـ 184 م في منطقة حمص التي اقترن بها بجوليا دومنا . فعرِف ما تحتاجه البلاد من عناية فبذل جهده بتأمين الطرقات وتعويد الشعب على العمل المجدي والإنصراف عن الشغَب ، وصيانة الحصون التي بلغ عددها 42 حصناً والتي تمتد مابين دمشق وتدمر وأطلال بعلبك . وقسَّم سورية إلى قسمين جعل القسم الأول سورية الشمالية الممتدّة من أقصى الشمال إلى غاية السهول الممتدَّة على ضفَّتي العاصي حتى أنطاكيا ، والقسم الثاني سورية الفينيقية والسواحل البحرية وشرق لبنان ويضم هذا القسم بعلبك وحمص ودمشق وتدمر . وفي آخر أيامه قصد أوروبا وحارب الكلدونيين القاطنين شمال بريطانيا لكنه توفي في مدينة يورك سنة 211م .

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.