“الهنهونة الحلبية”… تعبير الفرح لدى النساء

إسماعيل النجم

الأربعاء 11 حزيران 2014

محطة القطار

“الهنهونة” هي أحد أشكال الغناء الشعبي التقليدي في مدينة حلب وريفها، تغنى في المناسبات والأفراح حيث تعد من أقدم ألوان التعبير الشعبي عن الفرح لدى النساء، وتكون بمنزلة هدية لصاحب الفرح.

تكبير الصورة

مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 5 حزيران 2014، الشاعر “خالد الفرج” الذي تحدث عن “الهنهونة” بالقول: «”الهنهونة” تعبير عن مشاعر الفرح بالعبارة البسيطة البعيدة عن صنعة الشعر، وهي أغنية لها لحنها، ونغم له أوزانه وأبوابه، ولهذا اللحن علاقة ببحور الشعر القديمة، وهي تغنّى بشكل (كورس) رداد دون آلة موسيقية خاصة بها، وتحمل كلماتها الكثير من الفصحى، زاخرة بالمعاني والدلالات والعواطف، تفعل فعلها في نفس المستمع ويتأثر بها حسب مزاجه العاطفي وتكوينه الروحي».

“هاها ياست فلانة يافولة خضرا

هاها وقموعك دهب وشروشك فضة

هاها سبحان من زين البستان بالخضرة

الشرق والغرب بيدعو لك من على بكرا”.

ويشير الباحث “عبد الفتاح قلعه جي” في كتابه “دراسات ونصوص في الشعر الشعبي الغنائي” حول “الهنهونة” بالقول: «في المناسبات تقام الأفراح وتجتمع النسوة لتقديم التهاني، وإلى جانب ألوان الفرح الجماعي النسائي من غناء ورقص يقوم أهل الفرح والزائرات بالتعبير عن سعادتهن بالمناسبة ومشاركتهن في الفرحة بإطلاق “الهناهين” التي تكون بمنزلة هدية لصاحب الفرح، و”الهنهونة” لدى النساء بمنزلة القصيدة التي تنشد أمام

تكبير الصورة
الباحث “عبد الفتاح قلعه جي”

الممدوح، إنها مدحة صغيرة، وإنها من أقدم ألوان التعبير الشعبي عن الفرح لدى النساء».

وأضاف: «من المتعارف عليه في “حلب”، فإن “الهنهونة” هي النص اللغوي المنظوم وتلقيه امرأة منفردة، وإن “الزلغوطة” هي إطلاق الصوت بـ”لي لي ليش”، وتأتي جماعية من النساء بعد “الهنهونة” مباشرة، ومن المعروف أن شعراء العامية يقدمون تجاوزات ومغامرات صرفية لا يبيحها لأنفسهم شعراء الفصحى، فهم يعركون اللفظة ويعيدون تشكيلها من جديد فيخرجونها عن جمودها ومواتها، واستهلاكيتها لتكتسب حياة جديدة وإيحاءات ودلالات لم تكن فيها من قبل، وتتكرر كلمة “هاها” في مطلع أبيات “الهنهونة” عدا البيت الأخير، و”ها” للتنبيه وكررت مرتين في التوكيد، وكأن “المهنهنة” تريد أن ترد الحاضرات إلى الانتباه وتجتذب أسماعهن، ومسيحيات “حلب” يلفظنها “هيها”، ومن أمتع “الهنهونات” التي سمعتها منهن:

“هيها عصفور عالديلية وبلبل بترغلو

هيها واللي بياخذ بنت الأصايل الله بيسرلو

هيها ومنروح لباشا حلب ونقول لو

كل شعرة من عريسنا وعروستنا بتسوا عسكروا كلو”.

ويتابع: «تلقى “الهنهونة” في جميع المناسبات وموضوعاتها تتبع المشهد في إطار المناسبة الاحتفالية، وأكثر

تكبير الصورة
كتاب دراسات ونصوص في الشعر الشعبي

تنويعات لها تكون في أيام العرس، وتنطلق أول “الهناهين” حين تتم الخطبة وتقرأ الفاتحة، وبهذه المناسبة يقال:

“هاها عريسنا لا تندم على مالك

هاها بروح المال وست الحسن تبقى لك

هاها بطلب من رب السماء يجيبها لدارك، ومثل الغزلة تتنقل دوارك”.

وفي حفلة عقد القران وعند وصول موكب الجهاز إلى بيت العريس تتبارى النسوة في وصف بيت العريس:

“هاها قاعة عريسنا على بحرتين مرمية

هاها عمود فضة وعمود رخامية

هاها وبيركب عريسنا وبيركب معه مية، وإن عطشت الدواب بتسقيها الطواشية”.

وتزخر أيام العرس الأربعة التعليلة، الحنة، التلبيسة، الصباحية بـ”الهناهين” المنوعة:

“هاها فتح عينك وانظرا

هاها وشوف أحمرا من أصفرا

هاها وإن كان لك صاحب عدى عنو، وإن كان لك صاحبه اهجرا”.

ومن التقاليد الجميلة أن يستقبل أهل العريس كنتهم بـ”الهناهين” هاتفين:

“هاها صباحك خير ياعود الكنة دبلان

هاها بتفيقي من النوم تشابهي الغزلان

هاها شبهت ورد خدك لورد البستان اسقي العطشان، أنا بحبك عطشان”.

ويشير مدرس اللغة العربية “محمد الحمود” والمهتم بالشعر بالقول:

تكبير الصورة
الشاعر خالد الفرج

«عنوان قصير ينطوي على أكبر قدر من المعلومات، و”الهنهونة” أحد أشكال الغناء الشعبي التقليدي الذي يُغنى في المناسبات والأفراح خاصة من قبل النساء، ولفظة “هنهونة” هي سريانية أصلها “هونايا” ومعناها تهنئة، وقد صغرت فأصبحت “هونايونا” أي تهنئة صغيرة، ومع سيادة اللغة العربية وتفشي لهجاتها العامية أصبحت “الهنهونات” تنظم بها، ولم يبق من آثارها السريانية غير مطلع أبياتها “إيها” واللفظة السريانية ومعناها “نعم”، ولفظة “هنهونة” في اللغة العربية من “هنأ هناً” وهنأه بالأمر قال له: “ليهنئك”، وهي ضرب من الشعر العامي».

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.