إعداد الدكتور مهيار الملوحي

كاريكاتير من الصحافة- عبد اللطيف الضاشوالي

1900– 1910

  مقال |  eSyria

ولد عبد اللطيف الضاشوالي في حلب عام 1910، وتلقى علومه الأولية فيها، إذ حصل على شهادة البكالوريا الثانية في الرياضيات، ثم سافر إلى فرنسا، ودرس هندسة المياه في مدرسة (غرينوبل)، وحصل على دبلوم مهندس كهرباء من المدرسة العليا للكهرباء في باريس.

عين في مديرية الري بدمشق عام 1929، ثم أوفد إلى فرنسا للتخصص في هندسة الري، ثم عين بعد عودته عام 1939 أستاذا في المعارف.

مارس عبد اللطيف الضاشوالي الرسم منذ حداثته، فرسم اللوحة المائية والزيتية، ولكنه اشتهر بفن ( الكاريكاتير ) وخاصة بعد أن أصدر كتاب (المرايا) الذي يضم ما يقارب 177 شخصية سياسية وتاريخية وأدبية مرسومة كاريكاتيريا، وقد كتب تحت كل منها جملة صغيرة عبرت عن الشخصية تعبيرا صادقا، وقد صدر الكتاب عام 1947.

ظهرت رسوم الضاشوالي الكاريكاتيرية في البداية في مجلة (العالمان) والتي أصدرها الصحافي الحلبي أحمد طلس في دمشق في 7/2/1944، وكان أحمد طلس صاحبها ومحررها المسؤول وكانت مجلة النهضة القومية العربية كما عرفت عن نفسها.

وقد كتبت مجلة (العالمان) في عددها الثالث الصادر في 21/2/1944مقال بعنوان (في عالم الرسم الكاريكاتيري) في الصفحة 15، وقد اعتبرت المجلة الضاشوالي رسامها، ومما جاء في هذا المقال بعد الحديث عن فن الكاريكاتير في العالم وفي مصر، مايلي:

“أما عندنا فقد هوى هذا الفن نفر قليل جدا ومنهم المهندس في الري والكهرباء الأستاذ عبد اللطيف الضاشوالي الذي تملأ صفحات هذه المجلة برسومه الناطقة التي تسر القراء وتبعث في نفوسهم البهجة والمرح.

لم يدع كاريكاتورينا شذوذا في وجه من ضحاياه إلا أبرزه وضخمه…. إلا وجهه فقد عرف أن يزيد محاسنه…

ونحب بمناسبة ذكر الأستاذ الضاشوالي ونشر رسمه الكاريكاتيري أن نذكر كلمة عنه وفاء لشاب من شبابنا الذين مثلوا الذكاء السوري في الغرب في سني دراسته فيه، وكان موضع التقدير في دراسته لهندسة الري والكهرباء وتنظيم المدن، كما نال اعجابا كبيرا في المعارض الدولية التي اشترك فيها مع كبار الفنانين بعرض لوحاتهم، وخاصة في المعرض الدولي بباريس سنة 1937. والغريب أن السيد الضاشوالي لم يستخدم حتى الآن في نواحي اختصاصه في حين أنه أرسل إلى فرنسا للتخصص في هندسة الماء والكهرباء ولما أتم تحصيله، فرض عليه العمل في التعليم، كأن البلاد ليست في حاجة لمشاريع الري والكهرباء في أنحاء الدولة الشاسعة أو الخبراء في النواحي العلمية ونحن غلى أبواب تنظيم كيان وتشييد استقلال)).

وكتب فؤاد الشائب (1911- 1970) الأديب والإعلامي المعروف مقالة بعنوان (الضاشوالي مهندس الرؤوس البشرية، وقد نشرت في مجلة (العالمان) أيضا في العدد 33 الصادر في 13/11/1944 وقد نشر مع المقالة رسم يمثل فؤاد الشائب بريشة الضاشوالي، ومما جاء في هذه المقالة:

 ((في ثلاث دقائق أو أقل، مشت رعشة الفن العجيبة بين أنامل الضاشوالي، وأنا جالس أدير له نصف وجهي، فبرزت على الطرس أمامه، تهاويل الوجه ورغم ضخامة الخطوط، وإذا بي أستغرق في الضحك إزاء إنسان لا تدركه غير عينين حساستين، وأنامل ذات عينين.

والكاريكاتير في بلادنا فن حديث، ولو أتيح للضاشوالي المدرس المربي من الفراغ ما يمكنه من الانصراف إلى عمله الفني، لنفح الصحافة السورية بعنصر من أهم عناصر التطور الإعلامي.

على أن السيد عبد اللطيف الضاشوالي هو قبل ذلك مهندس ذو اختصاص في شؤون الماء والري والكهرباء ولكن ما نفع الناس حتى الآن باختصاصه وما تيسر له أن ينفعهم كما يجب بفنه!!

ثم هل أطيل الكلام في الضاشوالي؟! وفاء بما أداه لي هذا (المفن) على وزن (مقص) من خدمة عامة في تكبير دماغي، وتطويل أنفي، أرى من الواجب أن أقابله بالمثل وأضربه بالقلم كما ضربني بالريشة، وخلاصة قولي فيه أنه كاركاتير…))

وقد توقفت مجلة (العالمان) عن الصدور بعد الاستقلال في دمشق وعاد صاحبها أحمد طلس ليصدر في حلب جريدة (العالم العربي) عام 1947.

ـــــــــــــــــــــــــ

من طرائف الصحافة– مجلة المضحك المبكي – حبيب كحالة

 eSyria

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة (المضحك المبكي) في دمشق في عام 1929، وكانت مجلة سياسية كاريكاتورية أسبوعية، وقد أسسها حبيب كحالة (1898-1965)وصدرت مجلة المضحك المبكي بالحجم الكبير وكانت منذ بدايتها ذات غلاف ملون، وقد اعتمدت على الرسم الكاريكاتوري إضافة إلى أبوابها الهزلية والساخرة المتعددة مثل: (حديث سياسي حشاش) و(القراء يسألون ويستفتون والمضحك المبكي تفتي لهم) و(هنا يحرر الأستاذ المقص) و(الكلام بسرك) و(مضحكات مبكيات) و(حكمة الحمار) وإلى آخر ما هنالك من أبواب اشتهرت في هذه المجلة واشتهرت المجلة بها.

وبعد أن مضى أكثر من (20) سنة على صدور المجلة كانت تنشر قصصا أو حكايات طريفة من أرشيف الماضي ومجموعات إعداد المضحك المبكي.

نجد في العدد رقم (887) الصادر في 20 آذار سنة 1954، في السنة الرابعة والعشرين، حكاية طريفة حدثت أثناء الإضراب العام الذي قادته الكتلة الوطنية في سورية عام 1936 أثناء الانتداب الفرنسي، والذي شمل كافة مرافق الحياة في سائر المدن، وقد دام الإضراب ستين يوما تعطلت فيها الحياة العامة تماما، وكان الهدف من الإضراب التوقيع على المعاهدة بين الحكومتين السورية والفرنسية، والتي تنتزع فيها سورية الكثير من حقوقها الوطنية من سلطات الانتداب وكان من أسبابه المباشرة اعتقال بعض الزعماء الوطنيين والشعبيين وعلى رأسهم فخري البارودي (1889-1966) وقد عاش الشعب السوري موجات عارمة من الغضب أثناء المفاوضات والمناورات السياسية بين الشعب السوري وقياداته وبين سلطات الانتداب ومندوبيها.

وكتبت المضحك المبكي تحت عنوان:

قصص وحكايا مضحكة من أرشيف الماضي ومجموعات المضحك المبكي، حكاية الإضراب العام عندما أرادت الكتلة الوطنية أن تنهيه ما يلي:

(من جملة القصص التي مازال الوطنيون يذكرونها مهما مرت عليها الأيام حكاية الإضراب العام الذي وقع في دمشق عام 1936، والذي دام ما يقرب من ستين يوما.

لقد أعلنت الكتلة الوطنية الإضراب حتى تجاب الأماني القومية فأضرب الأهلون اضطرابا عاما شاملا، وعندما مر عليه عشرة أيام رأى الوطنيون وعلى رأسهم دولة جميل بك مردم بك أن يدعوا إلى إنهائه، لأنهم اعتقدوا أنه الأوفق أن تفتح المدينة بناء على دعوة منهم من أن تفتح بدون رأيهم فيفشل عملهم ويحبط مسعاهم، إذ إنه لم يكن أحد ليتوقع أن يستمر الإضراب أكثر من هذه المدة التي أضربت فيها المدينة.

واجتمع الوطنيون ذات صباح في منزل دولة لطفي بك الحفار بحضور فخامة هاشم الأتاسي ودولة جميل مردم بك والأستاذ هاني الجلاد وكثيرون غيرهم، وقد بحثوا في الإضراب واستمراره إلى هذا الحد، وأخيرا رأوا أنه ليس بالإمكان أن تبقى المدينة مضربة أكثر من هذا وأنه يخشى إذا تركت وشأنها أن تفتح بنفسها وهكذا يفشل الإضراب ولا تكون له النتيجة المطلوبة، ولهذا فقد قرروا أن ينزلوا جميعهم إلى الجامع وأن يلقوا هناك بيانا يدعون فيه الأمة والتجار إلى الفتح وإنهاء الإضراب، وبذلك يبرهنون أن المدينة بيدهم تأمر بأمرهم فإذا طلبوا إليها الإضراب أجابت إلى طلبهم وإذا دعت إلى إنهائه أجابت إلى طلبهم أيضا.

وعلى هذا فقد نظموا بيانا طويلا وعهدوا إلى الأستاذ هاني الجلاد ليلقيه في الجامع باسم الكتلة الوطنية يدعو به الناس إلى الفتح وإنهاء الإضراب.

واستلم الأستاذ الجلاد هذا البيان ونزل إلى الجامع مع بقية أعضاء الكتلة الوطنية، فلما انتهت الصلاة وقف حضرته وألقاه على المصلين وختمه بالدعوة إلى الفتح وإنهاء الإضراب بعد أن مر عليه أيام طوال. إلا أن المصلين ما كادوا يسمعون الدعوة إلى إنهاء الإضراب حتى هجموا على الخطيب الأستاذ الجلاد وأخذوا يصيحون خائن خائن، انزل عن المنبر، نحن سنستمر بالإضراب إلى أن تستجاب جميع مطالبنا القومية، ..انزل خائن… وهكذا اضطر النزول بدون أن يستطيع أن يتابع كلامه أو يعرب عن رأيه.

وعندما رأى أعضاء الكتلة الوطنية وعلى رأسهم جميل مردم هذا الموقف من الشعب تنكروا للأستاذ هاني الجلاد وأخذوا يصرخون في وجهه أيضا، انزل، خائن، الإضراب سيستمر حتى تجاب مطالبنا القومية، ووقف على أثر ذلك دولة جميل مردم وخطب في الحاضرين خطبة طويلة عريضة كانت نتيجتها أن استمر الناس على إضرابهم حتى أجيبت مطاليبهم كما هو معلوم…

ومنذ ذلك التاريخ قطع الأستاذ هاني الجلاد علاقته مع الكتلة الوطنية وأخذ يحاربها في شتى المناسبات وهو حتى اليوم مازال يذكر ذلك الموقف الذي دفعه فيه الوطنيون فلما هاجمه الشعب تخلوا عنه وجعلوا منه كبش المحرقة…

هذه حكاية إذا أردت أن تعرف حقيقتها بالتفصيل فما عليك إلا أن تسأل عنها الأستاذ الجلاد فهو حتى الآن مازال قلبه محروقا منها..).

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.