هل تذكرون الفستان الأبيض الذي كان يراه البعض أخضر بينما يراه البعض الآخر كاروهات بورد أصفر؟ تقول أنه كان أزرق بينما كان يراه البعض أحمر أو العكس؟ في الحقيقة لم أتابع تلك القضية على الإطلاق حينها منذ عامين تقريبًا، بعدما تحول لسجال سخيف بين الجميع وصار البعض يقول أنه بلون معين طلبًا للاختلاف لا أكثر.

لكننا اليوم لدينا صورة أخرى وإن كانت تستحق الاهتمام جديًا. هل يمكنكم النظر للصورة التالية وتحديد لون الفراولة بها؟

بالطبع هي حمراء! هذه ليست فيزياء الكم هنا… فراولة حمراء اللون تقليدية للغاية. لكن ماذا لو أخبرتك أن الصورة بالأعلى لا تحوي أي لون أحمر على الإطلاق! ولو حتى بيكسل أحمر واحد!

لا تصدقني؟! كان هذا هو حالي تمامًا حتى أتيت بالصورة على برنامج فوتوشوب وقمت بالتقاط الألوان بها، خاصة لون الفراولة… حسنًا كانت تلك مفاجأة بالنسبة لي! شاهدوا بينما أبحث في الصورة على اللون الأحمر…

 

ترون بالصورة المتحركة بالأعلى كيف أن ما يبدو لنا كلون أحمر هو في الحقيقة درجة من درجات اللون الرمادي! مهما حاولت تغيير موضع التقاط اللون كانت النتيجة دومًا أنها درجة من الرمادي بلا بيكسل واحد للون الأحمر. هناك خدعة ما هنا، لكنها لم تنطلي على الآلة كما هو واضح! ما الذي يحدث هنا بالضبط؟

بدأ الأمر بالصورة بالأعلى التي نشرها آكيوشي كيتاوكا Akiyoshi Kitaoka، أستاذ علم النفس بجامعة ريتسوميكان Ritsumeikan باليابان والمتخصص في صنع الخدع البصرية، وتحدى الجميع بانها لا تحوي ولو بيكسل واحد من اللون الأحمر! وعلى الرغم من أن الكثيرين قد جادلوه في هذه النقطة، ففي النهاية لم يستطع أحد إثبات عكس ما قاله أكيوشي! الصورة بالفعل لا تحوي لون أحمر على الإطلاق كما اتضح لي من التجربة بنفسي. بينما قام شخص آخر بعزل بعض الألوان التي تظهر حمراء في الصورة ووضعها على خلفية بيضاء ليتضح له أنها رمادية في الواقع!

الوضع هنا مختلف عن قضية الفستان اللعين الماضي: نحن هنا جميعًا متفقون على اللون! أي أننا جميعًا واقعون تحت تأثير التعويذة نفسها! فما التفسير العلمي لما يحدث هنا بالضبط؟

ثبات اللون Color Constancy

التفسير ببساطة معقدة يكمن في تلك الظاهرة التي تسمى ثبات اللون Color Constancy؛ وهي الآلية التي يلجأ لها عقلك لتصحيح الألوان في العالم من حولك عندما يصبغ ضوء بلون ما كل شيء. كلام معقد؟ فلنأخذ نفس طويل ونسير ببطء هنا…

عندما تنظر حولك، فإن الضوء الذي يدلف إلى عينيك يتكون من أطوال موجية مختلفة تتأثر بكلًا من صبغة الأشياء التي تراها وكذلك الضوء الذي ينير هذه الأشياء. تذكرون قصة لون الشمس في مقال سابق؟ هذا شيء شبيه إلى حد بعيد…

تخيل نفسك بينما تسير في مكان مفتوح تحت سماء زرقاء صافية. هذه الزرقة تلوث لون كل شيء تراه في الواقع! فإذا نظرت إلى تفاحة تحت سماء زرقاء، فهناك الكثير من موجات اللون الأزرق الطولية تغرق عينيك؛ وإذا ما أخذت التفاحة نفسها وطالعتها تحت ضوء فلورسنت أو ضوء أبيض ساطع فستتغير الأطوال الموجية المنعكسة عن صبغة التفاحة لاختلاف ألوان الطيف الضوئي الساقط عليها وبالتالي اختلاف طيف الألوان الذي يصل لعينيك في النهاية. لكن هنا يأتي دور عقلك الذي تعود على لون معين متعارف عليه للتفاحة، لذا يقوم بتصحيح اللون لك!

كان هذا بيفيل كونواي Bevil Conway، خبير بمجال الإدراك البصري بمعهد العيون الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية. وهو يقول باختصار أن عقولنا قد تطورت لتثبيت لون الأشياء من حولنا مهما اختلف الضوء الساقط عليها.

يمكننا تخيل عقلنا بينما يأخذ ذلك القرار: اللعنة! فستان آخر قبيح؟ فلنر ما لدينا هنا… همممم! الضوء المسيطر على صورة الفراولة هذه يميل إلى الزرقة، لذا سأقوم بطرح اللون الأزرق تمامًا فيما يتعلق بالفراولة الحمراء! أنا أحب الفراولة وأعلم أنها حمراء!

وعندما يطرح العقل كافة بيكسلات اللون الأزرق من الطيف اللوني الساقط على الفراولة، لن يتبقى لنا سوى اللون الأحمر! ويفترض أن التفسير نفسه يعمل مع قضية الفستان الأحمر/الأزرق كذلك. فلأن إضاءة صورة ذلك الفستان لم تكن واضحة، قامت عقولنا بطرح لون الإضاءة وتوصلت إلى لون اختلف بين شخص وآخر!

عن نفسي، لست مقتنعًا تمامًا بهذا التفسير، سواء بالنسبة للفراولة أو الفستان على الرغم من تحدث الكثير من الخبراء بأسماء رنانة في هذا الأمر…

أرجو فقط ألا يخرج من بين ظهرانينا من يدعي أنه يرى الفراولة بلون رمادي أو أخضر وهو لون الفراولة الحقيقي في الصورة بالفعل. إذا رأيتم هذا الشخص، فاقتلوه على الفور فهو سايبورج متقدم من نوع تي ريكس-33 آت من المستقبل!

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.