الفنان محمد العامري

الفنان التشكيلي الفلسطيني الأردني ” محمد حسن العامري” من مواليد 25 كانون أوّل عام 1959، هو سليل أسرة فلسطينية وجدت في الأردن ومدينة عمّان مُستقراً لها، وفي ميادين التعبير والابتكار الأدبي والتشكيلي واحة إنسانية مجالاً مواتياً لتفريغ شحنات الذات والانتماء. متابعاً رحلة تعليمه الأكاديمي الجامعي بكلية المجتمع وتأهيل المعلمين في الجامعة الأردنية، متخرجاً بشهادة دبلوم تأهيل تربوي. مكّنته من العمل في حقل التربية والتعليم ولفترة وجيزة. ليغادرها طواعية استجابة طبيعية لذاته المبتكرة، ودخوله في دوامة الموهبة والخبرة والبحث عن الذات الفنية في ميادين الأدب والشعر والكتابة الصحفية والنقد الفني التشكيلي، وإنتاج اللوحات الفنية الخارجة عن سرب التأليف الشكلي المدرسي النمطي.

معارضه الفردية تزيد عن خمسة عشر، ونحو أكثر من مئة مشاركة جماعية، وله مساهمات في مؤتمرات وندوات وتظاهرات خاصة بالفن التشكيلي، إنتاجاً ونقدا داخل الأردن وخارجه في الوطن العربي والعالم. كما في جعبة ابتكاره الأدبية مجموعة دواوين شعرية منها: ” معراج الفلق- الأردن- عمان 1990. خسارات الكائن- دار أزمنة- عمان 1994. الذاكرة المسننة- بيت الرئيس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان- بيروت1999. ا لمغني الجوّال- تقديم وإعداد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر-عمان- بيروت2001. قميص الحديقة – منشورات أمانة عمان 2005″. وكتبه في الفن التشكيلي: ” فن الغرافيك في الأردن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت 1999، الشاهد والتجربة- منشورات أمانة عمان 2001، عزلة الفراغ – منشورات وزارة الثقافة الأردنية 2003، قراءة في تجربة الفنانة سناء كيالي – منشورات البلقاء للفنون”. و حاصل على مجموعة جوائز وشهادات تقدير في الفن التشكيلي والأدب نذكر منها: ” جائزة عبد الرحيم عمر من رابطة الكتاب لأفضل ديوان شعر عربي عام 1995، كما حصل على الجائزة الثالثة في مسابقة لوركا للرسم من المركز الثقافي الإسباني. تقديرية مسابقة التفكير باليدين، وجائزة الرسم في “بينالي طهران” الدولي لعام 2007، وجدير ذكره دخول لوحاته مزاد “كريشي في دبي”.

فلسفته الوجودية والتعبيرية وجمالياته السردية محكومة بمقولة : أنا أبحث إذن أنا موجود”. ووجوده المادي والروحي والتشكيلي الجمالي، موصول بتقاسيم الحداثة التعبيرية في أوضح صورها الشكلية المعاصرة، والمتجلية بالتعبيرية التجريدية المفاهيمية اللا موضوعية. لا مكان فيها للمباشرة الوصفية والمحاكاة الفنية لمناظر مستحضرة من الطبيعة الخلوية والإنسان. بل هي لوحات سريالية تعكس صوفية التجلي والوقع والإيثار، تبحث عن مجال حيوي لفكرة تصويرية متوالدة في مخيلة وأحاسيس راويها “العامري”. وترنو من مُخاطبة الوعي الجمالي لمدركات النص البصري، وإزالة الأمية البصرية من خلال قراءات المتلقي للوحاته من خارج نصوصه التشكيلية المسرودة والمتداعية فوق سطوح خاماته.

وليبني بذلك عالمه التشكيلي صحافة ونقداً وإنتاجاً في صيغ جمالية ورؤى فكرية مُغردة في ميادين سربه الشخصي، ومُتجانسة مع مكونات لوحاته التصويرية والموتيف والجرافيك. تجعله في حالة انسجام دائم مع ذاته الباحثة، والمبتكرة ومتناغمة مع طبيعة سلوكه الشخصي الذي يقربه من قلوب الآخرين بيسر وبدون مقدمات. ممتلكاً مفاتيح العلاقات الإيجابية العامة في توليفات المجتمع الأردني والفلسطيني وسواه، وليغدو في غمارها عضواً فاعلاً في مدارات الثقافة اليومية. من خلال تسلمه مهام وظيفية ونقابية متعددة، ومن بينها رئاسته لرابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، عضويته في رابطة الكتاب الأردنيين، وجمعية النقاد الأردنيين واتحاد الكتاب والأدباء العرب. يشغل حالياً منصب المدير العام لمديرية الفنون والمسارح الأردنية.

فنون الحداثة التشكيلية تلبسه من رأسه لأخمص قدميه، وله في ميادينها التعبيرية صولات وجولات. مأخوذ على الدوام بهواجس البحث عن حلول سرد شكلي، وأنماط رؤى ومساحة تفكير بصري، وركب صهوة التجريب، والتنقل ما بين حقول التقنيات المتعددة، وما تٌعمله يده الماهرة من أقلام رسم وأحبار وملونات وأدوات وعلاقات شكلية ولونية، والاشتغال على رمزية الفكرة، والتضمين والإشارات الموحية في خلفيات تضاريس رؤاه وخطوطه وملوناته المتناثرة فوق سطوح خاماته.

لوحاته مهمومة أيضاً بمفاتيح الرؤى البصرية المحلقة في تهويمات شكلية تجريدية، وتداخل خطوط وصوفية لونية من نوع مميز، ومحاولاته السعي للعب دور الكاهن التشكيلي الذي يقود أبرشية الفن التشكيلي العربي كراعي وحامي ومدافع عتيد عن فنون الحداثة التعبيرية عموماً والتجريدية على وجه التخصيص. والقيام بمهام الإصلاح والمُصلح البصري للذائقة الرئوية لعامة الناس وخاصتهم، وفتح نوافذ عبور لكسر جموح الأمية البصرية المتفشية في أروقة المجتمع العربي والمثقف خصوصاً- على حد قوله – وتتجلى تلك الرؤى من خلال محاولاته الدءوبة التقليل من مخاطرها عبر تنويعات البحث النقدي والبصري في المنتديات والملتقيات الخاصة بالفنون.

الحداثة التعبيرية بالأدب والتجريدية بالفن التشكيلي هي واحاته المُحببة، يبني في ظلالها عالمه الخيالي كاسراً حواجز صمت الخامة وواقعية الأمكنة والشخوص. مستعارة من واقع مرئي أو افتراضي، والهروب من التزاماته الواقعية كفنان تشكيلي فلسطيني، والقفز فوق وظيفية الفن الاجتماعية، ليغوص في رمال التيه الخطي واللوني ورمزية الصورة وتجردها من عناصر الطبيعة الخلوية والإنسانية، وتجريديتها الموصولة بملاحة بصرية من نوع تشكيلي مُغاير. لوحاته القصائد البصرية التجريدية المعشبة بكسوة سرد هاربة من صخب الواقع المرئي وأحزانه، تصل في نهاية بوحها الفكري إلى مرئيات متصادمة مع جدران من الأحاجي المرئية هنا، وتجريديات حسيّة هناك. تلملم فصول حكايته التقنية، وتسرد معين ابتكاره في حلة تصويرية جديدة. جامعة لمختلف التقنيات المتاحة من رسم وتلوين وبخ وقص ولصق وسواه. قصائده التجريدية لا تطيق الكلاسيكية ولا الواقعية ولا هموم المجتمع. مفتونة بخيارها التعبيري المكشوف على الرمز، والدلالة وإحالات الإشارات المتوارية في متن النصوص المسرود، والمتعانقة مع واحة رقصها الشكلي. وفيها نوعاً من الترف الفكري والرؤى الجمالية الخاصة بالأشياء.

لوحاته تُسر عين القارئ وتأخذه على حين غرة لجماليات تآلفها اللوني، والتقاط لحظات الإعجاب اللحظي، والمتعة الجمالية دون الغوص عميقاً في مكنونات النصوص وخلفياتها الفكرية. ولكنك سرعان ما تكتشف انك أمام أحاجي مليئة بالأسرار والحكايات، مشغولة بعفوية اللون وانسيابه فوق تداخل العلاقات اللونية والشكلية. وتجعلك كمتلقي لتُبحر في ملاحة بصرية متجددة أيضاً، منسجمة وخيارات مقولاتك الشخصية في مسارات التذوق والنقد وإصدار القيم الجمالية المستخلصة من تنويعات النصوص. وكأنك تقرأ نوته موسيقية لعزف خطي ولوني لمقامات “العامري” الذاتية، والخارجة من عقال البحث والتجريب، وكسر المألوف التشكيلي. خروج دائم عن مضارب القبيلة التشكيلية التقليدية، والسباحة الماهرة عكس التيار البصري الأكاديمي الواقعي المجتمعي، وصناعة وقائع سرد تجريدية تحاكي نزعات الحداثة التجريدية اللا موضوعية، وتتناغم مع المذاهب المفاهيمية للفن التشكيلي العالمي المعاصر.
ــــــــــــــــــــــــ

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.